البحث

عبارات مقترحة:

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

ذم البخل على الأهل والأقارب

العربية

المؤلف أحمد بن ناصر الطيار
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. البخيل من أخسر الخاسرين .
  2. مظاهر البخل عند البخلاء .
  3. ذم البخل والتحذير منه .
  4. آثار ومفاسد البخل .
  5. دواء وعلاج داء البخل .

اقتباس

البخيل وما أدراك ما البخيل، صاحب القلب الأسود، والطبع الأبلد، فلا إله إلا الله، ما أشقاه وما أخزاه، قتَّر على البعيد والقريب، وأفقر الابن والحبيب، أهلُه وأبناؤه منه في بلاء، وذاقوا لبخله الضَّنْكَ والشقاء، يرون أمواله لا يُحصيها عدد، ولا تحويها مدينةٌ أو بلد، أمواله مكدَّسةٌ في الصناديق والمصارف، وبِجَمْعِها وعدِّها حريصٌ وعاكف، فتبَّا له على هذا الشقاء، وتعسًا له على هذا العناء، ما ..

الحمد لله عظيمِ الفضل والكرم، مُدرِّ الخير والنِّعَم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الكريمُ الجواد المنان، ذو العطاء والجود والإنعام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيِّدُ الكرماء، وأنبل الشرفاء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. 

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون- واعلموا أن من أعظم الحرمان، وأشد النقصان، وأفظع الخسران، من هُيِّئت له أسباب السعادة فلم يُردها، وملك أركان الرِّيادة فلم يقبلها.

وإن من بين هؤلاء الخاسرين المحرومين، رجلاً بغيضًا منبوذًا، تنفر منه حتى الكلاب الضارية، والسباع العادية، يودّ أقرباؤه هلاكَه وفناءه، بل والله ربما أولاده وأبناؤه، إنه البخيل وما أدراك ما البخيل، صاحب القلب الأسود، والطبع الأبلد، فلا إله إلا الله، ما أشقاه وما أخزاه، قتَّر على البعيد والقريب، وأفقر الابن والحبيب، أهلُه وأبناؤه منه في بلاء، وذاقوا لبخله الضَّنْكَ والشقاء، يرون أمواله لا يُحصيها عدد، ولا تحويها مدينةٌ أو بلد، أمواله مكدَّسةٌ في الصناديق والمصارف، وبِجَمْعِها وعدِّها حريصٌ وعاكف، فتبَّا له على هذا الشقاء، وتعسًا له على هذا العناء، ما أخيبه وأبغضه، وما أبعده وأشأمه.

أبناؤه تتقطع قلوبهم لعيشٍ سعيد، وبيتٍ ومركب رغيد، صغيرهم يريد النكاح والعفاف، وكبيرهم يبتغي العيش في كفاف، وبناته يُردن العيش كباقي البنات، ويلبسن ويهنأن بأمواله وخَيراته، لكن قلبه كالحجارة أو أشد قسوة.

باع سعادته، وخسر أبناءَه، وفارق أحبابه، وأسخط ربه، بأموالٍ مكدَّسة، ودُريهماتٍ زائلة.

لا هو استفاد وأفاد، ولا هو ادَّخرها في دنياه ولا في المعاد. فهل هناك أخسر وأشقى حالاً من حاله؟! وهل هناك أغيظ وأبغض في قلوب الناس من هذا وأشكاله؟!

إن هذا الصنف الأعوج، والنوع الأهوج، لهم كثيرٌ -لا كثرهم الله-.

يقول أحدُ المسؤولين في أحد بنوك هذه المحافظة -وفّقه الله-: دخل عليَّ رجلٌ رث الثياب، كريه المنظر، فظننته يطلب صدقةً تغنيه، ومالاً يكفيه، لكنه طلب مني كشف حسابه، فإذا به ما يزيد على العشرين مِليونًا من الريالات، ومع هذا فقد قتَّر على نفسه وأهله وأبنائه.

أيها البخيل، أيها الشحيح: ستفنى ولن تبقى أموالُك، ستموت غيرَ مأسوفٍ على موتك وفراقك، لن تذهب معك أموالك التي جمعتها، ولن تنفعَكَ كنوزُكَ التي حويتها.

قال يحيى بن معاذ -رحمه الله-: "مصيبتان لم يَسمع الأوّلون والآخرون بمثلهما في ماله عند موته، قيل: ما هما؟! قال: يُؤْخَذُ منه كلُّه، ويُسْأَل عنه كله".

نعم -أيها البخيل- سيأخذ ورثتك كلَّ أموالك، وتُسأل عنه يا مسكين في مآلك، وبين يدَيْ ربك وخالقك.

وهل تعلم ماذا سيبقى لك بعد موتك؟! سيبقى ذكرك السيئ، وسمعتك الرديئة، وأفعالك المخزية، فأنت تستحق هذا وأكثر، فلقد هدمت سمعتك بيدك، وسوَّدت وجهك ببخلك، وعرَّضت عِرْضَك للقدح بِحِرْمانك.

أيها البخيل: أين أنت من أنَّات الأرامل واليتامى، وأنين المطلقات والأيامى؟! ألم تعطهم شيئًا من مالك ابتغاءَ وجه الله، ورجاءَ ما عند الله.

أين أنت من الفقراء والمساكين؟! قد سعوا في طلب العيش، لكنْ ضاقت بهمُ السبل، وأعجزتهمُ الطرائق والحيل، يريدون أحدًا يساعدهم، وغنيًّا يقف معهم، فأين أموالك أيها المحروم!! كم طريقٍ للجنة قد أغلقه بخلُك، وكم سبيلٍ للخيرِ قد منعه شحُّك.

قال بعض السلف: لو قيل للطمع: من أبوك؟! قال: الشك في المقدور. ولو قيل: ما حرفتك؟! قال: اكتساب الذل. ولو قيل: ما غايتك؟! قال: الحرمان.

نعم -أيها البخيل الطمَّاع، والشحيحُ الجمَّاع- إنك لم تُمسك أموالك عن الإنفاق، إلا لما وقرَ في قلبك من الشك والريب، في أن الله سيُخلف لك ما أنفقت، وسيُعوِّضك ما بذلت؛ قال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39].

وأما حرفتك وعملك في أموالك، فهي في الحقيقة اكْتساب الذل والعار، فأنت عبدٌ ذليلٌ لأموالك؛ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ". رواه البخاري.

وأما غايتك ونهايتك: فهي الحرمان في الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة والعافية.

يا مسكين: ألم تعلم أن ملائكة الرحمن تدعو عليك بالليل والنهار وسائر الأيام، ففي الحديث الصحيح: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ، إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا".

فوالله الذي لا إله غيره، ولا معبود سواه، لن تجد التوفيق والفلاح، والرشد والصلاح، ما دامت دعوات الملائكةِ والعباد تلهج إلى الله عليك بالهلاك والنفاد، وأن يُضيق عليك كما ضيقت على عباده، وأن يحرمك كما حرمتهم.

يا مسكين: ألم تعلم أنك ضعيف الإيمان؛ لأنك لم تثق بالكريم المنان، وتوقن بأن الإنفاق فيه الزيادة لا النقصان.

قال رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ".

ألم تعلم أنك ترتكب كلَّ يومٍ ذنبًا من أعظم الذنوب، ومعصيةً من أشنعِ المعاصي، لأنك لم تعطِ مالك للأقربين، وحرمت المحتاجين والمساكين!!

قال الله تعالى عن الكفار: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) [المدثر: 42-44].

قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "ويلٌ لكل جمّاعٍ فاغرٍ فاه، كأنه مجنون، يرى ما عند الناس، ولا يرى ما عند الله -عز وجل-، لو يستطيع لوصل الليل بالنهار، ويله من حساب غليظ وعذاب شديد".

وقال الشعبي -رحمه الله-: "ما أدري أيهما أبعد غورًا في النار: الكذب أو البخل".

وقد عدّ العلماء البخل من الكبائر، فقد ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لبني سلمة: من سيدكم؟! قالوا: الجدُّ بن قيسٍ على أنا نُبَخِّلُهُ، فقال: "وأي داء أدوأ من البخل!! بل سيدكم عمرو بن الجموح".

نعم، وأي داء أدوأ من البخل، فالبخل من أعظم الأمراض والأدواء، وأخسِّ الطبائع والأخلاق.

واعلم أن رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يَدْعُو في كل صلاةٍ ويقول: "أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ".

نعم، يدعو كل يوم أن يُجنبه داءً أصابك، وذنبًا أحاطك، فما أعظم جُرمك، وما أشنع فعلك، أن يَستعيذ الرسولُ والمؤمنون، ويَلْتَجئوا إلى الله في كل يوم، مما اتصفت وتخلَّقت به.

أيها المسكين: لو لم يكن من آثار ومفاسد بخلك وشحك، إلا أنك فقدت لذة الإنفاق، وسعادةَ الإغداق، فإن المنفقَ يجد عند إنفاقه وبذله، وإعطائه وكرمه، سعادةً لا توازيها سعادة، ولذةً لا تساويها لذة.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وَمِنْ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ: الإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ، وَنَفْعُهُمْ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنْ الْمَالِ وَالْجَاهِ، فَإِنّ الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا، وَالْبَخِيلُ الّذِي لَيْسَ فِيهِ إحْسَانٌ، أَضْيَقُ النّاسِ صَدْرًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا.


وَقَدْ ضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِي الصّحِيحِ، مَثَلاً لِلْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدّقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيُنِ عَلَيْهِمَا جُنّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، أي دِرعان، كُلّمَا هَمّ الْمُتَصَدّقُ بِصَدَقَةِ، اتّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ، وَكُلّمَا هَمّ الْبَخِيلُ بِالصّدَقَةِ، لَزِمَتْ كُلّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، وَلَمْ تَتّسِعْ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَثَلُ انْشِرَاحِ صَدْرِ الْمُؤْمِنِ الْمُتَصَدّقِ، وَانْفِسَاحِ قَلْبِهِ، وَمَثَلُ ضِيقِ صَدْرِ الْبَخِيلِ وَانْحِصَارِ قَلْبِهِ
". اهـ.

نسأل الله تعالى أن يُعيذنا من البخل والطمع، والهلع والجشع، وأن يجعلنا من عباده المنفقين، الكريمين الباذلين. إنه سميع مجيب.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ما أنزل داءً وبلاءً، إلا أنزل له شفاءً للطالبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: إن هذا الداء العضال، والمرض القتَّال، لا بدّ له من علاجٍ واسْتئصال، وإلا جرّ على صاحبه الذل والنار والوبال، فاعلم -يا من ابْتُليت بهذا الداء- أنه لا بد لكل داءٍ من دواء، وداءُ البخل وعلاجه في الأمور التالية:

أولاً: الدعاء، فأكثر من الدعاء، وناجِ رب الأرض والسماء، أن يجنبك هذا البلاء.

ثانيًا: مجاهدةُ النفس على البذل والعطاء، فإن الله إذا علم منك الصدق، ورآك تجاهد نفسك تبتغي مرضاته، لم يخيبك أبدًا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69]. فجاهد نفسك من هذا اليوم على البذل والإنفاق، وخذ شيئًا من أموالك التي جمعتها، وأعطها لأهلك وأولادك، وأعطها للجمعيات الخيرية، فحينها سيحالفُك التوفيقُ والأنسُ والسداد.

ثالثًا: تذكير النفس بأن ما أنفقته وبذلته لله، فإن الله سيخلفه لك، وسيُعوضك خيرًا منه.

رابعًا: احتساب الأجر والثواب، وانتظارُ الجزاء من الكريم الوهاب، فلا يكن همُّك وقصدك أن تحمي سمعتك من كلام الناس عليك، لا، بل ليكُن قصدك مرضاةَ الله تعالى، وأداءَ حقوقه عليك، فبغير هذه النيةِ لن تُعان أو تُوفَّق.