الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
أيها المسلمون: لقد شاع عند بعض الناس، وهان عليهم أن يلبسوا بناتهم لباسا قصيرا أو لباسا ضيقا بين مقاطع الجسم، أو لباسا خفيفا يصف لون الجسم، وإن الذي يلبس بناته مثل هذه الألبسة، أو يقرهم عليها، فإنما يلبسهم لباس أهل النار، كما ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، والتزموا بما أوجب الله عليكم من رعاية النفس والأهل والقيام بما شرعه الله لكم ورسوله، فإن ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون.
لقد حملكم الله -تعالى- رعاية أهليكم وأداء الأمانة فيهم، فلا مناص لكم عن ذلك، ولا تخلص لكم منه إلا بأن تقوموا به ما استطعتم.
المسلمون: لقد شاع عند بعض الناس، وهان عليهم أن يلبسوا بناتهم لباسا قصيرا أو لباسا ضيقا بين مقاطع الجسم، أو لباسا خفيفا يصف لون الجسم، وإن الذي يلبس بناته مثل هذه الألبسة، أو يقرهم عليها، فإنما يلبسهم لباس أهل النار، كما صح ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنام البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن رائحتها، وإن ريحها ليوجد من مسافة كذا وكذا"[مسلم (2128) أحمد (2/356) مالك (1694)].
أيها المسلم: هل ترضى أن تكون ابنتك وثمرة فؤادك من أهل النار؟
هل ترضى أن تلبسها لباسا تتعرى به من الحياء مع أن الحياء من الإيمان؟
هل ترضى لابنتك أن تعرضها كما تعرض السلع مجملة فاتنة يتعلق بالنظر إليها كل سافل رذيل؟
هل ترضى أن تخرج من عادات أسلافك التي هي من آداب القرآن والسنة إلى عادات قوم أخذوها من اليهود والنصارى والوثنيين وعابدي الطبيعة؟
أما علمت أن هؤلاء القوم الذين غرقوا في بحر هذه المدنية الزائفة، واكتسوا بهذه الأكسية العارية، أما علمت أنهم الآن يئنون من وطأتها، وأنهم يتمنون بكل نفوسهم الخلاص من رجسها؛ لأنهم عرفوا غايتها، وجنوا ثمراتها، وبئس الغاية ما وصلوا إليه، وبئس الثمرة ما جنوا لأنفسهم؟.
أيها المسلمون: إننا إذا لم نقاوم هذه الألبسة، ونمنع منها بناتنا، فسوف تنتشر في بلدنا، وتعم الصالح والفاسد كالنار إن أطفأتها من أول أمرها قضيت عليها، ونجوت منها، وإن تركتها تستعر التهمت ما تستطع مقاومتها، ولا الفرار منها، فيما بعد؛ لأنها تكون أكبر من قدرتك.
لكن كيف نستطيع مقاومة هذه الألبسة؟
إننا نستطيع ذلك بأن يتأمل الإنسان بنظر العقل والإنصاف إلى منافع هذه الألبسة، ولا منفعة فيها وإلى مضارها، فإذا اقتنع من مضارها منع منها أهله وأقاربه الذين يستطيع أن يمنعهم، وينصح إخوانه بني وطنه عن لبسها، ويشينها في نفوس البنات الصغار، ويستعيبها عندهن لتتركز في نفوسهن كراهة هذه الألبسة وبغضها، حتى يرين أن من لبسها فهو معيب.
إن بعض الناس يتعللون بعلل غير صحيحة يقولون: إن عليهن سروالا ضافيا، ولكن هذه ليست بعلة صحيحة؛ لأن هذه السراويل ضيقة تبين حجم الأفخاذ والعجيزة بيانا كاملا تظهر مفاصلها مفصلا مفصلا، وتبين إن كانت البنت نحيفة أو سمينة، وكل هذا مما يوجب تعلق النفوس الخبيثة بها، ويدخلها في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كاسيات عاريات"[مسلم (2128) أحمد (2/440) مالك (1694)].
ويقول بعض الناس: إن هذه البنت صغيرة، ولا حكم لعورتها، وهذه العلة ليست بموجبة للإباحة، وذلك لأن البنت إذا لبستها، وهي صغيرة ألفتها، وهي كبيرة، وإذا لبستها وهي صغيرة زال عنها الحياء، وهان عليها انكشاف أفخاذها وساقها؛ لأن هذه المواضع من البدن إذا كانت مستورة من أول الأمر، فإن المرأة تستعظم كشفها عند كبرها، وإذا كانت مكشوفة من أول الأمر لم يكن عظيما في نفسها كشفها فيما بعد.
وهذا أمر معلوم بالعادة والحس أن الإنسان إذا اعتاد شيئا هان عليه.
كما أننا نرى الآن أن هذه الألبسة تلبسها بنات كبيرات ينبغي عليهن الاحتجاب؛ لأن البنت إذا بلغت مبلغا يتعلق بها النظر، وتطلبها النفس، فإنها تحتجب، قال الزهري -رحمه الله- وهو من أئمة التابعين: "لا يصلح النظر إلى شيء ممن يشتهي النظر إليهن وإن كانت صغيرة".
ولقد بين الله في كتابه العزيز: أن التبرج من الرجس، فإن الله لما نهى أمهات المؤمنين عنه، قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب: 33].
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 30 - 31].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم | الخ |