البحث

عبارات مقترحة:

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

أسس تربية الشباب في الإسلام

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. أهمية مرحلة الشباب .
  2. الاهتمام بتربية الشباب دأب الأنبياء والأخيار .
  3. التفاف الشباب حول النبي وانتصار الإسلام بهم .
  4. من أسس تربية الشباب في الإسلام .
  5. بيانُ فسادِ دعوةِ إعطاء الشباب المراهق الحرية .
  6. التحذير من التربية السالبة كالتأثر بالأصدقاء والإعلام .

اقتباس

ومن أسس تربية الشباب أيضًا: دعوتهم إلى الأخلاق الفاضلة عمومًا، ومن أعظم الأخلاق تقوى الله جل وعلا، ومراقبته في السر والعلانية، فإن من اتقى الله وراقبه في كل أحواله كلها عاش سعيداً طيبًا، ولهذا ربّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على هذه الأخلاق الكريمة، فأوصى معاذ بن جبل رضي الله عنه قائلاً له: "اتَّق اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ..

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

فيا أيُّها النَّاس: اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عباد الله: شباب الأمة عصب الحياة، وغيوم المجتمع، فبصلاح هذا النشء تصلح الأمة، وبفساده وسوء تربيته يعم الفساد للناس أجمعين.

أيُّها الإخوة: مرحلة الشباب من أعظم المراحل شأنًا، لماذا؟! لما يتمتع به الشاب من وقوة وذكاء، وصبر وتحمل؛ ولهذا أمر الشارع بالاهتمام بالشباب، وتهيئتهم لتحمل مسؤوليتهم ورسالتهم في هذه الحياة.

وإن الاعتناء بالشباب وتربيتهم مسلك الأخيار، وخلق الأبرار من هذه الأمة، وإن تضييعهم وإهمالهم خطر عظيم؛ فالأمة تفسد بفساد أجيالها، وما يتمكن الأعداء منها إلا بالتأثير على صغارها ونشئها.

أيُّها المسلم: وإن الاهتمام بتربية الشباب وصلاح قلوبهم خلق أنبياء الله المرسلين، قال الله -جل وعلا- عن إبراهيم -عليه السلام-: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) [إبراهيم:35]، فسأل الله أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام، مع أنه كسر الأصنام ودعا إلى توحيد الله -جل وعلا-؛ لكن من باب التضرع إلى الله، والالتجاء إليه، وعدم الثقة بالنفس؛ قال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم:40].

أيُّها المسلم: إن الإسلام اهتم بشأن الشباب، وأرشد الأمة إلى المحافظة على هذا النشء، وإعداده إعدادًا صالحًا لتحمل مسؤوليته، وليعرف وظيفته وشأنه، وليسْع فيما يصلح دينه ودنياه.

بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق، وأحاطه بثلة من الشباب الأخيار الذين كانوا في أول أعمارهم، لكنهم فئة ضحوا بأنفسهم وأموالهم وكل ما يملكون في سبيل نصرة هذا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومؤازرته، والوقوف معه بكل ما يملكون.

فكان الصدّيق -رضي الله عنه- أفضل خلق الله بعد الأنبياء، كان في السابعة والثلاثين من عمره يوم مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان عُمَر -رضي الله عنه- في الحادية والثلاثين من عمره، وكان عثمان في الخامسة والعشرين من عمره، وعليّ أصغر من ذلك، كل هؤلاء كانوا أهل خير وصلاح ونصرة لهذا الدين.

ما انتصر هذا الدين إلا على سواعد فئة من شباب الأمة، ضحوا بكل غالٍ ونفيس، لم تخدعهم الدنيا وشهواتها، ولا اللهو ولا الباطل؛ بل أخلصوا لله في دينهم، وحملوا همّ هذه الدعوة الإسلامية، فأصلح الله بهم البلاد والعباد.

أيُّها المسلم: إن الشريعة وضعت أسسًا لتربية هذا النشء وإعداده الإعداد الصالح، فمن ذلك:

أولاً: الاهتمام بشأن العقيدة، وزرعها في نفوس شبابنا؛ ولهذا شرع لنا عند تسمية المولود في أول أمره أن نؤذن في أذنه اليمنى، ونقيم الصلاة في أذنه اليسرى، لتكون كلمة التوحيد وتعظيم الرب أول شيء يطرق سمع شبابنا، فإذا أذن: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، وأقيم باليسرى كانت كلمة التوحيد أول شيء يطرق سمع هذا الشباب المسلم، لينشأ معظمًا للخير.

وبعد نموه وإدراكه يؤمر بتوحيد الله، وإخلاص الدين لله، اسمع إلى لقمان -عليه السلام- وهو يعظ ابنه يقول: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]، يحذره من الشرك بالله، ويخبره بأن الشرك ظلم، وأن هذا الظلم عظيم؛ لأنه وضع الشيء في غير موضعه، فالمشرك بالله هو الذي عبد غير الله، وذبح لغير الله، وتعلّق قلبه بغير الله، أتى بأعظم الظلم وأكبره وأشرّه؛ لأن العبادة في جميع أنواعها حق لله، فمن صرف منها شيئًا لغير الله فقد أتى بأعظم الظلم.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يوجّه ابن عباس في الصغر قائلاً له: "يَا غُلاَمُ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ".

نربي في نفوس أبنائنا محبة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونصرته، وتأييده، إذ إن محبته أصل الإيمان: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أن يكون اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ ووَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"، قال له عمر: يا رسول الله: إني أحبك فوق محبة الأهل والولد والمال، إلا نفسي، قال: "لا يا عمر"، قال عمر: أنت أحب إلي من نفسي، قال: "الآن يا عمر".

هكذا نربي أبناءنا على هذه العقيدة الصحيحة، لينشأ شبابٌ صالحٌ معظم لربه، معظم لنبيه -صلى الله عليه وسلم-.

ومن أسس تربية الشباب أيضًا: أمرهم بفرائض الإسلام، وحثهم عليها، وترغيبهم فيها، لينشأ الشباب محبًّا لهذا الدين بهذه الطاعة والأعمال الصالحة، اسمع لقمان –عليه السلام- ينصح ابنه ويعظه يقول: (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:17-19].

(يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ) أمره بإقامة الصلاة والمحافظة عليها؛ لأنها عمود الإسلام، والركن الثاني من أركان الإسلام؛ أمره بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بأن يتحلى بالفضائل والأخلاق الكريمة فيأمر بكل خير وينهى عن كل شر، وحذّره من الكبر والطغيان والتعاظم، كل هذا تربية للنشء في أول أمره لينشأ معظمًا للخير.

ومن أسس تربية الشباب أيضًا: دعوتهم إلى الأخلاق الفاضلة عمومًا، ومن أعظم الأخلاق تقوى الله –جل وعلا-، ومراقبته في السر والعلانية، فإن من اتقى الله وراقبه في كل أحواله كلها عاش سعيداً طيبًا، ولهذا ربّى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه على هذه الأخلاق الكريمة، فأوصى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قائلاً له: "اتَّق اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".

فقال له: "اتَّق اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ"، اتقِ الله أينما كنت، وفي أي عمل كنت، وفي أي مكان كنت، سرًّا وعلانية، في كل أحوالك، اجعل تقوى الله نصب عينيك في كل تصرفاتك، "وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا"؛ لأن الحسنات تمحو السيئات، "وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"، فأرشده إلى: كيف يتعامل مع ربه ومع نفسه ومع عباد الله. هذه الأخلاق الكريمة دعوة إلى التقوى والإيمان، ومراقبة الله -جل وعلا-.

جاء شاب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: أستأذنك في الزنا، اسمح لي أن أزني، همّ به الصحابة، فقال: "دعوه"، ثم دعاه فقال: "يا هذا: أترضى الزنا لأمك؟!"، فقال: لا، قال: "لأختك؟!"، قال: لا، قال: "لابنتك؟!"، قال: لا، قال: "لعمتك؟!"، قال: لا، قال: "لخالتك؟!"، قال: لا، قال: "فإن الناس لا يرضونه لزوجاتهم، ولا لبناتهم، ولا لعماتهم، ولا لخالاتهم"، ثم ضرب يده في صدره ثم قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّن فَرْجَهُ"، قال: فما همّ بمعصية بعد ذلك.

يا أيُّها الإخوة: نربي أبناءنا على القيم والفضائل، ونحليهم بالأخلاق الفاضلة، فمن الآداب الحسنة أن نؤدبهم بآداب الطعام والشراب، النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل معه عمر بن أبي سلمة وكانت يد عمر تطيش في الصفحة، فقال: "يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، قال عمر: فما زالت أكلتي حتى اليوم.

ورباهم -صلى الله عليه وسلم- في اللباس، فحذّر الذكور من لبس الذهب والحرير، وحذر من إسبال الثياب، ونهى عن التشبه بالآخرين في كل شؤون حياتهم، ثم أرشدهم -صلى الله عليه وسلم- إلى تقوى الله في أحوالهم كلها.

أيُّها الشاب المسلم: إن تربية الشباب على الأخلاق والكرامة والفضيلة أمر مطلوب منا؛ لينشأ النشء منا على الأخلاق والقيم والفضائل.

ومن أسس تربية الشباب أيضًا: نربيهم تربية علمية، بأن نحثهم على العلم، ونرغّبهم فيه، لكن نسلحهم بالعلم الشرعي الذي يتوقف أمر دينهم عليه، فلابد من العلم، فإن العلم شرف لشبابنا وعزة وكرامة لهم، وإن الجهل والإعراض والتسكع في الطرقات من أعظم الأضرار والمفاسد، فلابد من الاعتناء بشبابنا من الناحية العلمية، علمًا ومعرفة، فإن العلم شرف لأهله: (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28].

فعلوم الشريعة التي يعرفون بها أحكام صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم، أمور مهمة لا بد من تعلمها، وكل علم نافع للأمة ترتقي به درجات، وتستغني به عن غيرها، وتبصّر أبناءها فيما يعود عليهم بالخير والنفع، تلك أمور مهمة.

ومن أسس تربية الشباب أيضًا: أن ندربهم على الحقوق العامة، بأن يعرف الشاب حق أبويه بالبر والإحسان، وحق الجار بالإكرام، وحق الرحم بالصلة، وحق العموم بالصدق والأمانة والوفاء.

ومن حقوقهم علينا أيضًا وتربيتهم أيضًا: أن يعدل الأب بين أبنائه في كل أحواله، وأن يقوي الصلة بينه وبينهم، وأن يعودهم على الثقة بأنفسهم وأداء الأمانة، ويترقى بهم شيئًا فشيئًا؛ لكي يطمئن على أمانتهم وصحة سلوكهم، فإن هذا النشء إذا لم يعتنِ الآباء بهم ضروا، وضاعوا عن الحق، فلا بد للآباء من العناية بهذا النشء، وتعويدهم على الأمانة، وإعطائهم شيئًا من الثقة؛ في الحديث: "مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ".

فالأدب الحسن، والتعليم، والتربية، لا يكون برفع الصوت، ولا بالضجر، ولا بالضرب، ولا بالتكتم، ولا بالانقباض عنهم، وإنما يكون بالتوجيه، والتربية الحسنة، وقوة الاتصال بينه وبينهم ليطمئن على صلاحهم واستقامتهم، وتحمل مسؤوليته بعده، فإنك -أيها الأب- راحل عنهم، وتارك لهم، فلا بد أن تتركهم على خير وخلق قويم، وطريقة طيبة، وصراط مستقيم، هذا الواجب عليك، فالأدب الحسن والتربية الصالحة من خير ما يمنحه الأب لأبنائه.

ومن أسس تربية الإسلام أيضًا: أنه اهتم بصحة الأبدان وسلامتها من جميع الأمراض، والحث على ما يقوي الجسد ويعينه على تحمل المسؤولية؛ ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ".

وحثهم -صلى الله عليه وسلم- على الرماية والعدو وكل تربية تقوي البدن وتعينه على القوة والنشاط، فقال: "لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ"، يعني: بذلك أن الخيل والإبل والرمي في عهدهم كانت من أهم الأمور.

إذًا؛ فكل علم نافع، وكل تربية للبدن تعيد قوته ونشاطه، ويصبح الشاب بها ذا قوة بدنية سليمة، متهيئًا للدفاع عن نفسه، وصد العدوان عليه، كل تربية بدنية نافعة من الرماية والعدو والسباحة والسباق، وكل أمر نافع، كل هذا مما حثّ الإسلام عليه، ليحفظ للشباب قوتهم ونشاطهم، وليكن الشباب المسلم ذا وعي وصحة بدنية وعقلية وبدنية، وتربية صالحة، كل هذه أمور اهتم الإسلام بها واعتنى بها.

فلنكن -أيها الإخوة- على منهج من ديننا؛ لأن تربية نشئنا وتعويدهم على الخير وحماية أعراضهم وأخلاقهم من السوء أمور مطلوبة منا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) [التحريم:6]، هكذا يأمرنا ربنا أن نقي أنفسنا من النار، وأن نقي أبناءنا النار بتعليمهم وتوجيههم: "وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعدُ:

فيا أيُّها النَّاس: اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

علِمنا اهتمام الإسلام بالشباب والنشء والاهتمام بتربيتهم، والأسس العظيمة الذي جعلها لبناء هذا الشباب وإصلاحه في الحاضر والمستقبل، أسباب يجب أن نأخذ بها، والتوفيق بيد الله -جل وعلا-.

أيها الإخوة: إن هناك مفهومًا خاطئًا لدى أعداء الإسلام في تربية النشء، أعداء الإسلام يرون أن ما بين البلوغ إلى السن العشرين أو الرابعة والعشرين من عمر الشاب مرحلة يجب أن يعطى فيها الشاب حريته يفعل ما يشاء ويعمل ما يشاء، وترفع التكاليف عنه بدعوى المراهقة، وأن هذه المراهقة لا يسأل الشاب عمّا عمل فيها من فواحش ومنكرات وظلم وعدوان وتصرفات خاطئة، وتلك أمور تخالف شرع الله؛ فشريعة الإسلام جعلت البلوغ حدًّا للانتقال من الطفولة إلى الرشد، وأن هذا البالغ يكون مكلفًا يتحمل مسؤوليته ويحاسب عن أخطائه، وتهيأ له المسؤولية.

فإذا ترك الشاب يعمل ما يشاء إلى أن يمضي عقدان أو عقد ونصف من حياته، ربما تكون هذه الأخلاق السيئة راسخة في ذهنه لا يستطيع التخلص منها، فإن من نشأ على شيء شبّ عليه وشاب عليه.

فهؤلاء الذين ينادون بأن الشباب يعطى حريةً في هذه المرحلة من عمره ما بين البلوغ إلى الرابعة والعشرين من عمره فترفع التكاليف عنه ليفعل ما يشاء ويعمل ما يشاء ويتصرف كيف يشاء، بلا خجل ولا حياء، هذا أمر يخالف شرع الله.

ولقد حفظ التاريخ صورة حيةً في التضحية والجهاد والعلم في أبناء الأمة الإسلامية، فأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- من الفتيان الصغار كانوا يتسابقون في ميدان القتال، عبد الله بن عمر يقول: عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فرفضني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.

وهكذا كانوا يتسابقون في فعل الخير، فأسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، لم يجزهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد لصغر سنهم، فهؤلاء الذين ربوا هذه التربية العظيمة، ربوا على الجهاد والتضحية في سبيل الله، وحمل راية الإسلام...

النبي -صلى الله عليه وسلم- كوّن جيشًا في آخر حياته لغزو الروم، وجعل قيادته بيد أسامة بن زيد -رضي الله عنه-، قال الناس ما قالوا، فخطب النبي وقال: "وأيم الله، إنه لخليق بالإمارة، إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في أبيه من قبله، وإنه -وأيم الله- لخليق بالإمارة".

وكان هذا الجيش يشتمل على أبي بكر الصديق وعمر -رضي الله عنهما- تحت قيادة أسامة بن زيد، فتوفي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتخلّف الصدّيق عن هذا الجيش لتحمل مسؤولية الأمة، ثم طلب من أسامة أن يبقي عمر عنده ليعينه على مهمته.

المهم أن هؤلاء الشباب الأخيار كانوا صُلحاء أتقياء، ربوا تربيةً صالحة، حملوا في أول شبابهم المسؤولية المهمة في الدعوة إلى الله، وفتح البلاد، وقيادة الجيوش، لذلك تربوا تربية صالحة، على أخلاق فاضلة، تربوا على كل خلق كريم.

إن من العناية بهذا النشء وتدريبه على الخير، حثّ الإسلام لنا أن نزوجهم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء".

ويشجع هذا الشاب المستقيم فيقول: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تحت ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ"، ذكر منهم: "شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ".

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ"، ويقول: "لا تَزُولُ قَدمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ... وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟! وعَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟!".

فلنهتم بشبابنا، ولنربيهم التربية الصالحة، ولتكن صلتنا بهم -أيها الآباء- صلة قوية منذ الصغر، محبة ومودة وتربية وتوجيهًا، بلا تشنج ولا غضب ولا صراخ، ولكن إيصال الخير لهم بأدب ورفق، مع إعطائهم شيئًا من الثقة ليكونوا على مستوى الأمانة والمسؤولية، والتربية على الطاعة، وإبعادهم عن مجالس السوء ودعاة الفساد والرذيلة، أولئك الذين يسعون إلى إفساد الشباب وحثّهم على المخدرات والمسكرات والعمل السيئ والفوضى والسرقة، وكل خلق رذيلة، إن هذه العادات السيئة تلعب بشبابنا، تفسد عقولهم ودينهم، تربيهم على السرقة والخيانة وبيع المخدرات، وترويج الأباطيل.

أيُّها الآباء والأمهات، أيُّها المعلمون والمعلمات: إن أبناءنا وفتياتنا أمانة في أعناقنا، فعلينا بتقوى الله في التوجيه والتعليم والنصح.

رجال الإعلام: إن الإعلام اليوم في كثير من مواقعه ضرر على الأمة، على عقيدتها، وعلى أخلاقها، وعلى قيمها، إنها حملات مسعورة، ولا شك أننا عاجزون على مكافحتها، أو إغلاقها؛ لكن مهمتنا أن يكون الإعلام تربية وتوجيهًا وعناية وإرشادًا لأبنائنا وبناتنا، وحثًّا لهم على الخير، وإبانة المواقع السيئة المنحرفة، وما فيها من الضرر ليتجنبوها، وليكونوا على وعي من دينهم؛ لأن هذه المواقع تبث سمومًا قاتلة، تنشر الرذيلة، وتحارب الفضيلة، وتدعو إلى الأخلاق السيئة.

فعلى المسلمين جميعًا تقوى الله في أنفسهم، وأن يهتموا بشبابهم وأن يسمعوا منهم ما لديهم وما تأثروا به من هذه الأخلاق السيئة ليعالجوها في وقتها، ويجتثوها قبل تمكنها في نفوسهم.

إذا سمعنا شبابنا يقولون أقوالاً سيئة عن بعض تلك المواقع فلنبادر بالإصلاح والتوجيه والأخذ على أيديهم لكل خير، رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في يد الحسن تمرة قد ألقاها في فيه، فقال: "كخ كخ!"، حتى ألقاها، وقال: "نحن أهل بيتٍ لا تحل لنا الصدقة".

فلا بد أن ننشئ النشء على الخير والتقوى، وكلما شعرنا بأنهم تأثروا ببعض المواقع السيئة فلنوضح لهم أضرارها ومفاسدها ومساوئها، وأنها تريد الإضلال والإفساد.

حمى الله الجميع من كل سوء، وحفظنا وإياكم بالإسلام، وأصلح لنا ذرياتنا، ورزقنا العمل الصالح، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا -رحمكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد...