البحث

عبارات مقترحة:

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

عبيد المال – فتنة الأمة في المال فاحذروه

العربية

المؤلف حفيظ بن عجب الدوسري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. نعمة المال .
  2. فتنة المال .
  3. الحرص والتنافس .
  4. فضل الزهد .
  5. غنى النفس .
  6. عبيد المال .
  7. بركة المال .
  8. فضل الكفاف .
  9. البذل والإنفاق. .

اقتباس

لقد ذم الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- عبد المال الذي إذا أعطي رضي وإذا لم يُعطَ سخط: (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) [التوبة:58]، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "تعس عبد المال والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض"، نسأل الله العافية والسلامة. وما أكثر عبيد الدينار والريال والدولار والأموال في هذا الزمان! ما أكثرهم، لا كثرهم الله!.

الحمد لله رب العالمين، مالك الملك يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويغني ويفقر، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، أحمده حمدا يليق بجلاله، وعظيم سلطانه، سبحانه جل في علاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فإن مما ابتلي به الناس وعم به البلاء وطمّ، نعمة عظيمة ينعم بها الله على عباده فتكون على كثير منهم نقمة، وكم من عبد أصابته هذه النعمة ففتنته عن دينه، وأبعدته عن إيمانه، وسارت به في مهاوى الزيغ والضلال، إنها نعمة المال، والمال نعمة ونقمة، فهو نعمة على العبد إذا قام بحقه وأداه فيما أحل الله له، وأنفقه في سبيل الله -تعالى-، فكان سببا لبلوغ الدرجات العلى، ولدخول الجنة؛ وهو فتنة لمن زاغ به عن الهدى، وبخل به، ومنع حقه.

قال الله -تعالى-: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف:46]، فهو زينة من زينة الحياة الدنيا، بل هو زينتها مع البنين، وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- له منزلة، وحذر عباده منه، وهو نعمة عظيمة امتن الله بها على نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ألم يقل الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) [الضحى:8].

أيها الأحباب: إنه نعمة، وإنه فضل ورحمة لمن أنعم الله عليه؛ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران:14].

قال عمر -رضي الله عنه- وأرضاه: "اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه".

أيها المؤمنون، أيها المسلمون، يا أصحاب الأموال: المال إما أن يستخدم في خير أو في شر، (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن:15]، هي فتنة، وقد سمى الله المال فتنة، فيجب الحذر من هذه الفتنة والحذر من إضلالها، وهي من الفتن العظيمة التي يبتلى بها المؤمن، والقليل من الناس من عباد الله من يصبر عليها ويقوم بحقها، يأخذها من حلها فيضعها في حلها.

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عياض بن حمار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال"؛ ولذلك يجب الحذر من المال يا عباد الله، ومن فتنته، فقد عذب الله به أمما، وخسف الله به أمما، وأتاهم من العذاب ما فيه عبرة وعظة لأولى الألباب والعقول، فاحذروا فتنة المال أيها التجار وأيها المسلمون وأيها الأغنياء من المسلمين.

قال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر"، كم من عبد -يا عباد الله- ابتلي بالفقر والحاجة وقلة ذات اليد فصبر، وابتلي أشد البلاء في ذلك فصبر، وحسن صبره، وثبت على دينه ولم يفتن؛ ولما ابتلي بالسراء وبزيادة المال وبتقاطره عليه من كل حدب وصوب، لما ابتلي بالسراء، لم يصبر، نسأل الله أن يعافينا وإياكم من الفتنة.

أيها المؤمنون: يسأل العبد عن ماله يوم القيامة: ماذا عمل فيه؟ ولذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه".

فإن العبد يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، أَكْتَسبَه من طريق حلال؟ من طريق مباح؟ من طريق أحله الله -تعالى-؟ وأنفقه في طريق مباح؟ وفي فضل وفي خير وفي عمل صلاح؟ في صدقة وزكاة، في بر وإحسان، أو -أقل ذلك- في الحلال؟.

أيها الأحباب: ... فاكتسبوا من الحلال، وأنفقوا في الحلال، واعلموا أنه لا يبقى في أيديكم إلا ما قدمتم بين أيديكم، ولا يبقى لكم إلا ما ادخرتموه من النفقة في سبيل الله، ومن بذل هذه النعمة في وجوه الخير والصلاح.

أيها المسلمون: من عباد الله من إذا أتاه المال كان سببا له لدخوله الجنة: "ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم"، رضي الله عنه وأرضاه؛ ومن عباد الله من إذا أتاه المال كان سببا في هلاكه، وفي شدة العذاب الذي يصيبه، وما قارون وخبره في القرآن ببعيد، وما أصحاب الأموال من الناس إلا في بلاء وهمّ.

أيها المسلمون: إنه يجب علينا أن نعتبر، وأن نبذل هذا المال في وجوه الخير، وأن نقدمه في سبيل الله، وأن نعلم أنه لن يبقى لنا منه إلا ما قدمناه بين أيدينا، فإذا ما قدمناه وجدناه حاضرا يستقبلنا بخير إن أخلصنا النية.

أيها المسلمون: في حديث أسامة بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كنت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الْجَدِّ -يعني أصحاب الحظ من المال- محبوسون"، انظروا إلى هذا الخبر!... محبوسون لأنهم يملكون من الأموال الكثير، فهم يُحاسبون عليها، ويُسألون عنها.

لقد جبلت النفوس على حب المال (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر:20]، هكذا قال الله -جل وعلا-، والناس يحبون المال ويسعون في تحصيله، والقليل القليل من يزهد فيه؛ ولكن حب المال جبلة وطبيعة، ولا يسلم منه أحد، (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر:20]، ولكن شتان بين من يحبه فينفقه في الخير ويبذله في المعروف، ومن يحبه وينفقه في الباطل ويبذله في الحرام، نسأل الله العافية والسلامة.

أيها الأحباب يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: "لو كان لابن آدم واديين من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب"، فهو يبحث عن المزيد من المال، ويستبق إليه، وهكذا؛ أغلب الناس في طمع، نسأل الله أن يعافينا وإياكم، وأن يرزقنا الكفاف، وأن يلحقنا بالصالحين.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان: حب المال وطول العمر"، يحب أن يكثر ماله وأن يطول عمره، وقد قضى الله وقدر ما كتب له من رزق ومن كتب له من عمر.

أيها الأحباب: احذروا من المال؛ فقد حذر -صلى الله عليه وسلم- من فتنة المال، روى البخاري ومسلم من حديث عمرو بن عوف -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: "فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم؛ ولكني أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم".

والمسلمون يتنافسون في الدنيا تنافسا عجيبا، ويبخلون حتى بالزكاة إلا من رحم الله وقليل ما هم... نسأل الله السلامة.

وهل تناحر الناس في هذا الزمان إلا على مكاسب الدنيا وعلى حطامها الحقير؟ وقد كان حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- وهو قدوتنا أزهد الناس فيها، كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، كان يبذلها حتى لا يجد في بيته -صلى الله عليه وسلم- ما يأكل، ويربط على بطنه الحجر والحجرين.

أيها المؤمنون، أيها التجار، أيها المسلمون: احذروا من فتنة المال، واعلموا أن ما فتح عليكم من زيادة رزق فيه، وما بسط عليكم من الدنيا، ليس لصلاحكم ولا لدينكم إلا من رحم الله، إنها فتنة المال فاحذروها، الدنيا فتنة، والمال فتنة عظيمة فيها، ابذلوه في سبيل الله، وقدموه في المعروف، وتنافسوا في الخير كما تنافس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

"ماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟" قال: "أبقيت لهم الله ورسوله"، وعمر يأتي بنصف ماله، وابن عوف يأتي بالكيس لا تحمله يده ينفقه في سبيل الله.

أيها الأحباب: الذي يتأمل في أحوال الناس في هذه الأيام وانكبابهم على تحصيل الدنيا وكسب المال بأي وسيلة كانت سواء كانت بمساهمات مشبوهة محرمة أو ربوية أو معاملات فيها مخالفات شرعية؛ والغش وأكل أموال الناس بالباطل ظاهر بين الناس في هذا الزمان، والناس يتسابقون في تحصيل المال من حله ومن غير حله، نسأل الله أن يعافينا وإياكم...

أيها الأحباب: إن من ير انكباب الناس وتنافسهم في الدنيا وتسابقهم في تحصيلها يتذكر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال: أمن حلال أم من حرام".

لما علم رجل صالح أنه أكل مالا حراما أو أكل من أكل حُصل من مال حرام أدخل يده في فمه حتى قاء كل ما في بطنه وكاد يموت، فقالوا: مالك؟ قال: ما نبت من سحت فالنار أولى به.

وفي زمننا -يا عباد الله يا أيها المسلمون- تسابق الناس إلى تحصيل المال بكل طريق، من بنك ربوي، أو قرض محرم، أو من شبهة، أو من كذب، أو من إنفاق سلعة بالحلف الكاذب... نسأل الله أن يعافينا وإياكم.

فتذكروا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة: "ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال: أمن حلال أم من حرام"، عليكم بالحلال واحذروا من الحرام، واعلموا أن الدنيا دار زائلة فأعدوا للآخرة.

وقد أرشدنا حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- إلى القناعة وعيشة الكفاف، وهكذا كانت عيشته -صلى الله عليه وسلم-، في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنّعه الله بما أتاه"، فمن الذي رُزق كفافا واقتنع بما آتاه الله؟ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القناعة وأهل الرزق الحلال.

أيها الأحباب: "ليس الغنى عن كثرة العرَض؛ ولكن الغنى غنى النفس"، هكذا علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة...

العرض متاع الدنيا، وهو زائل، وهو منتهٍ، والغني المحمود يا -عباد الله- هو غنى النفس وشبعها وقلة حرصها، لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة؛ لأن من كان طالبا للزيادة لم يستغنِ بما عنده، فهو ليس له غنى.

النفس تجزعُ أنْ تكونَ فقيرةً والفقرُ خيرٌ مِن غِنَىً يُطغيها
وغِنَى النُّفُوسِ هو الكفافُ فإنْ أَبَتْ فجميعُ ما في الأرضِ لا يكفيها

أيها الأحباب: لقد ذم الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- عبد المال الذي إذا أعطي رضي وإذا لم يُعطَ سخط: (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) [التوبة:58]، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "تعس عبد المال والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض"، نسأل الله العافية والسلامة. وما أكثر عبيد الدينار والريال والدولار والأموال في هذا الزمان! ما أكثرهم، لا كثرهم الله!.

أيها الأحباب: لقد أصبح فعلا بعض الناس عبدا لماله، يتصرف بحسبه فهو يمشي معه دون أن يرى أهذا مشروع وحلال أم حرام، حتى أصبح بعض الناس يبيعون دينهم بكسب المال، وإذا أعطوا المال طلقوا الدين وخالفوا شرع الله.

أيها الأحباب: المال إن لم يستخدم في طاعة الله وينفق في سبيله كان وبالا وحسرة، قال الله -تعالى-: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة:55]

أيها الأحباب: يقول -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36]، أفلا تتأملون في واقعنا اليوم؟! أولا تنظرون في أحوال كثير من الأغنياء الذين بذلوا أموالهم في حرب دين الله وفي نشر العهر والرذيلة والدعارة؟ يصنعون قنوات ليكسبوا منها أموالا وهي تبث الزيف والكذب والعهر والدعارة والتبرج والسفور وحرب الله وحرب رسوله.

هؤلاء هم الكفار، وفي زماننا تلبس بعض المنافقين من أبناء جلدتنا ومن الذين يتمثلون الإسلام وفي بطاقتهم أنهم مسلمون وهم في الحقيقة يحاربون الإسلام، ويحاربون الشرف، ويحاربون الفضيلة والدين، ويحاربون التوحيد، ويحاربون الجهاد في سبيل الله، ويحاربون أولياء الله الصالحين، وينشرون الكفر والعهر والرذيلة والزنا والخنا والتبرج والسفور، فهل الإسلام بالتسمي؟! هذا نموذج لأغنياء المسلمين! (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة:55].

أيها الأحباب: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "اثنتان يكرهما ابن آدم: الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب" فأين أهل الاعتبار؟ أين أهل التأمل؟ أين أهل النظر؟ يكره الموت، وليس هناك أحد -إلا من رحم الله- لا يكره الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب، فيوم القيامة حساب أهل الأموال أطول من حساب الفقراء والمساكين الذين يسبقونهم في دخول الجنة، أسأل الله أن يجعلنا مع الفقراء والمساكين الصالحين المؤمنين في الجنة.

أيها الأحباب، أيها المسلمون: النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في حديث حسن أنه قال: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وهو خمسمائة عام"، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا وإياكم الجنة.

أيها الأحباب: إن البركة إنما تحل في هذا المال إذا أخذه صاحبه بطيب نفس من غير شره ولا إلحاح، في البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك فيه، كالذي يأخذ ولا يشبع". نسأل الله العافية والسلامة.

فعليكم بالسخاء، وعليكم بالبذل في سبيل الله، ولا تطمع في هذا المال طمع المتمسك به فإن هذه صفة الكفار وصفة اليهود.

أيها الأحباب: المال عرض زائل ومتاع مفارق، ونبني القصور الشامخة في الهواء، وفي علمنا أن نموت وتخرب: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد:20]

فاحذروا من هذه الدنيا، واعلموا أنكم إذا متم ينطبق عليكم خبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يتبع الميت ثلاثة، يرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، ويرجع أهله وماله ويبقى عمله".

فابذلوا في سبيل الله... وأنفقوا على الفقراء والمساكين، وابذلوا أموالكم بنفس طيبة وقدموها لأولياء الله المجاهدين، للضعفاء والمساكين، للفقراء والمحتاجين، وعليكم بالصدقة بعد أداء الزكاة الواجبة عليكم.

أيها الأحباب: ليس من يرزق مالا كثيرا قد وفق، وليس ذلك دليلا على محبة الله له، والأمر ليس كذلك فهذا من الخطأ، فإن الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب، وقد ذكر الله هذا عن الإنسان، وأخبر أن الأمر ليس كما ظن، (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون:55-56].

أيها الأحباب: يقول الله -جل وعلا-: (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) [الفجر:15-16].

فاتقوا الله يا عباد الله، واعلموا أن المال فتنة، وأنه ابتلاء، وأن فتنته عظيمة، وعلى العبد أن يحرص على بذله في وجوه الخير وفي سبيل الله، وسيسألكم الله -يا أيها المسلمون، يا أيها التجار والأغنياء- عن هذا المال، سيسألكم فيما أنفقتموه، فابذلوه.

يتسابق الكفار في نصرة دينهم في بذل ما يملكون، أفلا يتسابق المسلمون في ذلك؟! أفلا يكونون أولى بذلك؟! أين الذين يبحثون عن الضعفاء والمساكين فيسدون ضعفهم وفقرهم؟ أين الذين يبحثون عن المحتاجين فيسدون حاجاتهم؟ أين الذين يبذلون أموالهم في سيبل الله؟ أين الذين يجهزون الغزاة؟ أين الذين يخلفون الغزاة في أهلهم؟ أين الذين يرفعون راية التوحيد بالأموال؟.

شتان بين من يحارب دين الله بالباطل والرذيلة وقنوات الفسق والفجور وينشر العهر والدعارة وبين من ينشر الخير والرحمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا يستخدم ماله وهذا يستخدم ماله، وشتان بين مشرق ومغرب!.

اللهم اجعلنا من الباذلين في سبيلك أنفسنا وأموالنا...