البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

التسامح الإسلامي 1

العربية

المؤلف أحمد بن ناصر الطيار
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الهدي النبوي في التسامح والتربية النبوية عليه .
  2. تسامح المسلمين في حال الحرب بشهادة التاريخ .
  3. منع الحجاب بفرنسا دليل على كذب ادعاء الغربيين للحرية والتسامح. .

اقتباس

إنك لن ترى تابعا لدين من الأديان, يكرر كلمة السلام بلسانه, كما تتكرر على ألسنة المسلمين! خمس صلوات يوميا يسلم المسلم فيها يوميا يمينا ويسارا، يذكر... فماذا كانت النتيجة؟ لقد أعلنها صريحة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله، يا رسول الله، ما فعلتُ الذي فعلته إلا لأرى فيك علامة من علامات النبوة، نظرت في التوراة فعرفت علاماتك، ثم نظرت في شانك فرأيت كل العلامات التي عرفتها إلا علامة واحدة، وهي...

الحمد لله الذي ميز المسلمين بالرحمة والعدالة، وجنب منهجهم الجهل والضلالة، والسفه والبذاءة، فقادوا الأمم لقرون عديدة، وأزمنةٍ مديدة، رفعوا خلالها راية السلام، وأنقذوا البشرية من الذِّلَّة والهوان، وعبادة الهوى والشيطان. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أبان للمسلمين عن عداوة الكافرين، وما تحمله قلوبهم من الحقد الدفين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، عامل المسلمين بالرحمة والشفقة، والكافرين المسالمين باللين والحكمة، والمجرمين المعاندين بالشدة والأنفة، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرَاً) [الطلاق:4].

عباد الله: ما أعظم الحديث عن الإسلام وعظمته! وما أمتع الحديث عن الإسلام وبركته! وما ألذ الحديث عن المسلمين وإنصافهم، في حق اليهود والنصارى وأمثالهم!.

أنتحدث -يا عباد الله- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وقد أهدت له امرأة يهودية كافرة, شاة مليئة بالسم، فقبل هديتها, فما إن أكل لقمة منها حتى عرف أنها مصلية بالسم!.

"وجِيءَ بالمرأة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فقَالَتْ بكل صراحة وجرأة: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ. فَقَالَ: "مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَيَّ". قَالُوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: "لَا", قَالَ أَنَسٌ: فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.

امرأة يهودية تحاول؛ بل تشرع في اغتياله وقتله, ومع ذلك يعفو عنها.

أم نتكلم عن قِصَّة إِسْلَافِ اليهودي لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-, فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَتَاه فَأَخَذ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ، وَهُوَ فِي جِنَازَةٍ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَنَظَر إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ، وقال: يَا مُحَمَّدُ، أَلَا تَقْضِينِي حَقِّي؟ فَوَاللَّهِ! مَا عَلِمْتُكُمْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمُطْلٌ.

فَنَظَرَ إِلَيه عُمَرُ وَعَيْنَاهُ يَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَسْمَعُ، وَتَفْعَلُ مَا أَرَى؟ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ؛ لَوْلَا مَا أُحَاذِرُ فَوْتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ!.

وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ، ثُمَّ قَالَ: "أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ يَا عُمَرُ: أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ؛ اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَاقْضِهِ حَقَّهُ، وَزِدْ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ".

فلا إله إلا الله! يهودي يخاطب الرسول الأعظم, والنبي الأكرم، بهذا الأسلوب الغليظ، بل وتمتد يده إليه ويسحبه، وأين؟ في جنازة لأحد أصحابه وأحبابه، ومع ذلك يعامله بهذه المعاملة العظيمة، يبتسم في وجهه، ويرد دَينه، ويزيده أيضاً!.

فماذا كانت النتيجة؟ لقد أعلنها صريحة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله، يا رسول الله، ما فعلتُ الذي فعلته إلا لأرى فيك علامة من علامات النبوة، نظرت في التوراة فعرفت علاماتك، ثم نظرت في شانك فرأيت كل العلامات التي عرفتها إلا علامة واحدة، وهي أن النبي يسبق حلمه غضبه، فأحببت أن أرى ذلك، فقد رأيت. أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.

هكذا ربانا الإسلام، وهكذا علمتنا مدرسة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللين والرفق والتسامح, "وما كان الرفق في شيء إلا زانه".

أم نتكلم يا عباد الله, عن قصة علي -رضي الله عنه- مع النصراني, فيما أخرجه الترمذي عن الشعبي، قال: خرج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى السوق, فإذا هو بنصراني يبيع أدرعاً، فعرف علي -رضي الله عنه- الدرع فقال: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين.

وكان قاضي المسلمين شريحاً، فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس قضائه وأجلس علياً في مجلسه, وجلس شريح أمامه إلى جنب النصراني، فقال علي: اقض بيني وبينه يا شريح.

فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال علي: هذه درعي وقعت مني منذ زمان. فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ فقال النصراني: ما أُكَذِّبُ أمير المؤمنين. الدرع درعي.

فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده، فهل من بينة؟ فقال علي: صدق شريح.

فانبهر النصراني وتعجب وقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء, أمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه! هي والله يا أمير المؤمنين درعك، اتبعتك وقد زالت عن جملك فأخذتها، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

فقال علي: أما إذ أسلمت فهي لك, وحمله على فرس.

هذه -أيها المسلمون- قيمنا وأخلاقنا, الخليفة الحاكم يذهب بنفسه مع خصمه النصراني إلى القاضي, ويقبل بحكمه.

إنك لن ترى تابعا لدين من الأديان, يكرر كلمة السلام بلسانه, كما تتكرر على ألسنة المسلمين! خمس صلوات يوميا يسلّم المسلم فيها يوميا يمينا ويسارا، يذكر كلمة السلام، ويحيّي الناس بها في الفرض والنافلة، في البيت والشارع، في كل مكان.

عباد الله: إن مظاهر التسامح الإسلامي لم تتجلّ في حال السلم فقط, بل كانت أظهر ما تكون في حال الحرب, حيث كانت وصيّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لجنود الإسلام في القتال تفيض كلماتها بمطلق التسامح، وغاية الرحمة والعدل.

فعَنْ بُرَيْدَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا، وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تُمَثِّلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا" رواه مسلم.

حتى في الحرب والقتال لنا أخلاقنا وقيمنا وتسامحنا، بل وأعظم من ذلك مما لا يتصوره عقل إنسان مهما كان، اسمع إلى ما رواه مسلم عن حُذَيْفَة بْن الْيَمَانِ قَالَ: مَا مَنَعَنِى أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلاَّ أَنِّى خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِى، فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا؟ فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ؛ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِل مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: "انْصَرِفَا نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ".

فيا لله! يأمرهما سيد الأوفياء -صلى الله عليه وسلم-, بأن يفيا بعهدهما، ولمن؟ لكفارٍ يستعدون لحربه وقتله، ومع ذلك لا تنازل عن قيمنا الإسلامية، وأخلاقنا العالية.

واقرؤوا البنود التي منحها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأهل بيت المقدس يوم أن جاء من المدينة ليستلم مفاتيح بيت المقدس، فأعطاهم عهداً بالأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، ومن أراد أن يخرج منهم من أرض "فلسطين" فلا بد أن يُعطى الأمان حتى يبلغ مأمنه، ومن أراد أن يبقى منهم في الأرض فلا يؤخذ منه شيء من المال حتى يحصل خراجه.

وَما كتبه عَمْرو بن العاص -رضي الله عنه- لأهل مصر حين فتحها حيث جاء فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَعْطَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَهْلَ مِصْرَ مِنَ الْأَمَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَصُلُبِهِمْ... فالأمان حتى لصلبانهم وكنائسهم.

وهذا عمر بن عبد العزيز يوم فتح المسلمون مدينة سَمَرْقَنْد، وعرف أهل سمرقند أن الفتح لمدينتهم فتح باطل؛ لماذا؟ لأن المسلمين دخلوا المدينة عنوة دون أن يبلِّغوا أهلها الإسلام، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا فالقتال، هكذا علمهم سيد البشرية -صلى الله عليه وسلم-، ولكنهم ما فعلوا ذلك.

فأرسل أهل سمرقند رسالة إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، وأخبروه بأن فتحَهُمُ الإسلاميَّ لمدينتهم فتح باطل؛ وبينوا له ذلك، فما كان من هذا المؤمن الذي تربى في مدرسة النبوة، إلا أن يصدر الأوامر إلى قائد جيشه الفاتح في مدينة سمرقند بالانسحاب فوراً، فما كان منهم بعد أن رأوا هذا العدل والتسامح, إلا أن خرجوا بين يدي هذا الجيش المنسحب المنتصر, ليعلنوا شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله!.

وهذا صلاح الدين يوم فتح القدس، قدّم يومها درساً عملياً للصليبين الحاقدين من أعظم دروس التسامح، يوم أن أرسل طبيبه الخاص بدواء من عنده، لعلاج عدوه اللدود ريتشارد قلب الأسد.

حقاً: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه, وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: عباد الله: نذكر هذه القصص والحقائق ليرى الغرب وأذنابهم كيف هي معاملتنا وتسامحنا مع من يخالفنا ويعادينا، أما هم؛ فعن ماذا نتكلم؟ وبماذا نبدأ؟ فالوقت لا يسعف لسرد ما فعلوه تجاه من يخالفهم.

وأخيراً -وليس آخرا- ما قامت به فرنسا، دولة الحرية والحضارة بزعمهم, فأي حرية وحضارة في سن قانون يحرم على المرأة ارتداء الحجاب! حتى اللباس جعلوه جريمة وإرهاباً, يجرون المرأة أمام الناس، وجريمتها أنها خرجت بلباس الحياء والحشمة، أليست هذه حرية، يا أدعياء الحرية؟ العري والفجور حضارة, والحشمة والحياء تخلف وجريمة!.

إن هذه الواقعة وأمثالها لتزيدنا إيماناً ويقيناً بأن ما عليه الغرب اليوم, هو ما كانوا عليه بالأمس، فقارنوا بين قيمنا وقيمهم، وتسامحنا وتعنتهم، وليننا وقسوتهم.

ولذلك كان القرآن واضحا عندما قال لصاحب الرسالة: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120].

هل يكتفون بعدم الرضا؟ لا! (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217].

فمن ظن أنهم سوف يرضون عنا -مهما قدمنا لهم من تنازلات- فإنه مخالفٌ لكتاب الله, ومخالفٌ للواقع المشاهد.

هذا، وللكلام بقية إن شاء الله.