السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
مئات من الفضائيات تلعب دورا خطيرا في قلب مفاهيم الشباب واهتماماتهم، وتفتح أبوابها وأبواقها وتسخر أدواتها وإمكانياتها للفكر الانحلالي الغربي، وتسلل منها الغزو الفكري إلى الشباب وإلى سائر فئات المجتمع الإسلامي، التي تبناها العدو عبر مراحل صراعه مع الإسلام والمسلمين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل شباب حماة الأوطان، ونصر بهم الشرائع والأديان، وأظهر بهم الحق في سائر البلدان، وحفظهم من الشطط والانحراف والعصيان، وجعل منهم رواة الحديث وحملة القرآن، ورفع بهم راية التوحيد في كل مكان.
ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المؤيد بالقرآن والمصطفى العدنان، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه من أولي العزم والعرفان، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم يحكم فيه الديان.
أما بعد:
عباد الله: إنه مثلما ينبغي علينا معرفة الخير، وألوان التربية الإيجابية البنَّاءة المؤدية إليه، فينبغي علينا أن نعرف الشر، وألوان التربية المؤدية إليه، ونريد اليوم أن نتعرف عن التربية السلبية الهدَّامة التي تنتجها لنا الفضائيات الإعلامية. يقول حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، رضي الله عنه: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي" [ مسلم (1847) )].
أيها الناس: إن الناس ينقسمون على حزبين كبيرين، حزب الله، وهو حزب يستمد قوته من ربه -جل وعلا-، ويعمل على نشر الخير وتحقيقه وتمكينه، مستخدما وسائل الحق؛ والفريق العامل فيه مؤلف من ذوي النفوس الطيبة، والقلوب الرحيمة، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة : 71]، فهو فريقٌ موعود بالجنة؛ (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة : 22]، (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة : 56].
والفريق الثاني هو حزب الشيطان، يعمل على نشر الشر وتمكينه، مستخدما وسائل الباطل، والفريق العامل فيه متكون من ذوي النفوس الخبيثة، والقلوب القاسية، (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة : 67]، وقد استحوذ الشيطان على ذلك الفريق استحواذا، فحقت عليهم النار، (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة : 19].
والناظر إلى حال الناس اليوم، يجد أن المسلمين يحبون الخير، وإنهم الأحق به وأهله، وأن فيهم من صفاته ما لا تجده عند غيرهم.
أنتمُ اليوم أطهر الناس طرَّا | ليس يؤذي بُرْدَيكمُ الحدَثانِ |
كل فرد فيكم يقول جريئا | والدي اسمه فلان الفلاني |
ما فشت فيكمُ ملاجي مسنيـ | ـن لبرّ الأبناء والإحسان |
ليس في الناس مثلكم من رعاة | لحقوق الأضياف والجيران |
أنتمُ أمّة إذا ما انتبهتم | لتعودنَّ أمة ذات شان |
ولما كان حزب الشيطان يعلم ما للمسلمين من قوة، عمل على تفريقهم وتمزيقهم، وإضعافهم وتغفيلهم، فقد اعتمد أسلوب التربية السلبية منذ أمد بعيد، إلى يومنا هذا الذي يقوم فيه ملايين المربين ليل نهار، يفتّون في ساعد الأمة، وينشرون الشر، ويسعون في الأرض فساداً، عبر أجهزة الإعلام وخاصة التلفاز والانترنت وغيره.
إن المسلمين اليوم راغبون في تحقيق الخير؛ لكنهم خائرون لا يقوون على فعل، أو حائرون لا يدرون ماذا يفعلون؟، وإن فعلوا أتى فعلهم شائهاً تائهاً, ولا شك أن التربية السلبية هي من أهم الأسباب التي أوصلتهم لذلك، فقد استخدم الأعداء كل وسائل الباطل من خبث ومكر، مستغلين كل وسائل التربية الهدامة من قدوة وإيحاء وقصص وعادة وغير ذلك.
على أننا لا نلغي دور أنفسنا في الحال الذي وصلنا إليه، ذلك أن الله، تعالى، يقول في كتابه المحكم: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى : 30]، وقال: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد : 11].
أيها المسلمون: إن التربية السلبية المتمثلة في الفضائيات قد آتت شيئا من أكلها الفج، وثمارها المتعفنة، وخاصة في الصغار من الأطفال والشباب الصغار لأن مناعتهم ضعيفة، فمَن غير الفضائيات، علم أبناءنا حب الأغاني وغرَسها في قلوبهم حتى صاروا يحفظونها عن ظهر قلب؟ ومن علمهم الأطفال معاكسة الفتيات وبكلمات قد يعجز الكبار عن ذكرها أو معرفتها؟ من علمهم كتابة خطابات العشق والتي لم يسلم منها حتى أطفال المرحلة الابتدائية؟!.
من حفَّظهم أسماء الممثلين والممثلات، والمغنيين والمغنيات، وجعلهم لهم قدوة وأسوة؛ حتى صار أبناء المسلمين يتمنون لقاء هؤلاء المهرجين ليصافحوهم ويملؤون عيونهم منهم؟ من علمهم تقليدهم في أقوالهم وأفعالهم وهيئاتهم وملبسهم؟ من صار يجعل من الجنس معركة حياة حقيقية يتلظى الشباب بنيرانها؟ من روج للمنكرات وأوقع الشباب في أشراكها؟.
مَن، غير الفضائيات الخبيثة، أثار بين المسلمين الثرثرة والجدال والمراء؟ والمراء لا يأتي بخير! أثار كل ذلك بأسلوب خبيث مغلف بزعم حرية الرأي واستعراضه. من غيرها قذف الرعب في قلوب المسلمين من أعدائهم، وربَّاهم تربية خوف من عدوِّهم، بالإكثار من استعراض أسلحتهم الفتاكة المدمرة، استعراضا متواصلا مطوّلا، وإن التخويف لمِن أمضى أسلحة الشيطان كما قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : 175].
إن الأسئلة لتطول، وكلها تبين تبييناً قاطعا، لا جدال فيه ولا ارتياب، أن وسائط الإعلام، وبخاصة الفضائيات، تلعب دورا تربوياً سالباً هداماً، يتطلب عملا إيجابيا بذات القوة والضخامة، وإن لم يرتق العمل الإيجابي لذات المستوى، فإنه نفسُه سيخلق نوعا من التربية السلبية، بإيجاد متنَفَّسٍ لنفوس المسلمين، يخفف من حدة ضغط الفساد الذي سيولد انفجارا يودي به، وبجعل المسلمين يدورون في حلْقة مفرغة من أمور ظلوا يُلقَّنونها من مراحل الدراسة الأولى، وبجعلهم ينشغلون عن عظائم الأمور الأكثر أهمية، الشديدة الإلحاح، بصغائرها التي فيها بعض شيء من أهمية، وبجعلهم يركنون إلى نزر يسير من الناس يظنون أنه قد حمل عنهم الأثقال التي عليهم حملها، وبجعلهم يظنون، واهمين، أن الخير يجد المساحة الكاملة من التحرك والانتشار.
أيها الإخوة المؤمنون: إن موضوع التربية السلبية موضوع شائق شائك، واسع شاسع، وجوانبه كثيرة متنوعة، وحسبنا ما ذكرناه مما فيه شيء من خفاء، باتخاذ سبل الإعلام والتعليم نماذج تبين شدة الخطر، وعِظَم الأثر، وحسبنا أن ننتبه لأنفسنا منه ونحذر من الوقوع في مهاوي الردى والتربية السلبية.
قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: إن أخطر ما يواجه به المسلمون اليوم؛ ذلك الغزو الوافد إلينا عن طريق القنوات التلفزيونية الفضائية، تلك الفتنة التي لم يبق بيت من بيوت العرب إلا دخلته، فمع بداية كل يوم تبدأ جيوش من وسائل الإعلام نشاطها المحموم لتغزو العالم الإسلامي، وتقتحم علي المسلمين في الغرفات خلوتهم، مئات من الفضائيات تلعب دورا خطيرا في قلب مفاهيم الشباب واهتماماتهم، وتفتح أبوابها وأبواقها وتسخر أدواتها وإمكانياتها للفكر الانحلالي الغربي، وتسلل منها الغزو الفكري إلى الشباب وإلى سائر فئات المجتمع الإسلامي، التي تبناها العدو عبر مراحل صراعه مع الإسلام والمسلمين.
فيجب علينا أن نعي الخطر وأن ندرك أننا على شفا هاوية عميقة, ربما نكون -نسأل الله العافية- قد وقعنا فيها وعلينا إلا استدراك ما بقي فالسعيد من جنب الفتن.
روى أبو داود عن المقداد بن الأسود، قال: أيم الله، لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواها" [ أبو داود (4263 )].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللهم اجعلنا من المربين لأولادنا، المهتمين بهم، يا أرحم الراحمين، وارزقنا برهم، واجعلهم قرة أعين لنا يارب العالمين.