السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | صالح بن مبارك بن أحمد دعكيك |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - السيرة النبوية |
وها هنا نقف وقفة عند فرقان بدر الكبرى، في بدر ظهرت قوى الإسلام، ودولته ظهرت، قوة تهاب ولم يكن يحسب لها حساب، كانت بدر فرقانًا في... إن القوة وحدها لا أثر لها مهما اكتملت فيها الوسائل والعدَّة، ومهما كانت القيادة والتخطيط، لا أثر لذلك أمام قوة الإيمان وصفاء العقيدة وعدالة القضية وابتغاء مرضاة الله، ولعل في انتفاضة أهل الأرض المباركة ما يعيد لنا شيئًا من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، نحمده سبحانه حمد الشاكرين، ونثني عليه الخير كله، نشكره سبحانه ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره.
لك الحمد ربي بالإيمان...
أيها المسلمون: شهر رمضان شهر القرآن والفرقان، قرآن وفرقان يملأ القلوب طهارة والنفوس بهجة، ينير الطريق ويبدد الظلمات ويهدي إلى الصراط المستقيم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، وفي هذا الشهر -معاشر الإخوة- فرقان من نوع آخر، فرقان بين الحق والباطل.
فرقان بدر المعركة الكبرى: (إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ)، وفي رمضان أيضًا فرقان الفتح -فتح مكة- فرقان علت به كلمة الدين، ومنه انطلقت فتوحات المسلمين إلى الشرق والغرب.
فرقان بدد الظلمات وانتشرت به الهدايات.
إن رمضان هو رمضان القرآن والفرقان، رمضان الحق والقوة والدعوة.
في رمضان استوثقت عرى دولة الإسلام، في رمضان كانت تبعث السرايا وتجهز الجيوش وتخاض المعارك، في رمضان هدمت أصنام الجاهلية الكبرى "اللات ومناة وسواع".
في رمضان وفدت الوفود تعلن إسلامها لله رب العالمين، إنه رمضان الإيمان والقوة والدعوة، جدير بالأمة -وهي تعيش هذه الأيام المباركة- أن نقف للعبرة عند دروس رمضان.
وها هنا نقف وقفة عند فرقان بدر الكبرى، في بدر ظهرت قوى الإسلام، ودولته ظهرت، قوة تهاب ولم يكن يحسب لها حساب، كانت بدر فرقانًا في حساب الهزائم والانتصارات وأسبابها.
إن ظواهر الأسباب وظواهر الحساب كانت ترجح كفة المشركين في عددهم وعدتهم، وكان المسلمون في قلة وذلة؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ)، وكان يقود أهل الشرك الشيطان وجنوده: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ)، وفي جانب أهل الإيمان معية الله وتأييده ومدد الملائكة: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ).
في فرقان بدر موت صفوف المشركين أمام رجال الحق والإيمان، ولقي المصير الفاجع جلهم من صناديد الشرك ورؤسائه، دارت عليهم كؤوس الهلاك فتجرعوها صاغرين، وسقط في الأسر سبعون منهم.
أيها المسلمون: كانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة في يوم الجمعة السابع عشر من رمضان، حين بلغ النبي –صلى الله عليه وسلم- أن عيرًا من قريش قادمة من الشام، فندب أصحابه لأخذها، واستطاع أبو سفيان النجاة بها، لكن قريشًا أصرت على الخروج بطرًا ورئاء الناس وصدًا عن السبيل، حتى قال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نبلغ بدرًا ونقيم فيها ثلاثًا، ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدًا.
وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن الله قد وعده إحدى الطائفتين، إما العير وإما قريشًا، ثم أخذ منهم الرأي والمشورة، فتوافق رأي المهاجرين والأنصار على المضي إل القتال ومواجهة العدو، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سيروا وأبشروا، فوالله لكأني أنظر إلى مصارع القوم".
فسار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الموقع، واختار المكان الأصح بعد استشارة، ولازال متضرعًا داعيًا يستنزل نصر الله تعالى: "اللهم هذه قريش جاءت بفخرها وخيلائها وخيلها تجادل وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد".
وسجلت استغاثتهم في قرآن يتلى إلى يوم القيامة: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ)، وأغفى -عليه السلام- إغفاءة ثم خرج يقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)، وأخذ كفًّا من تراب أو حصى فرمى به الكفار وقال: "شاهت الوجوه": (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى)، فهزمت جموع الكفر ويقدر عددها بألف مقاتل أمام ثلاثمائة رجل وولوا الأدبار.
تلك هي خلاصة المعركة، ولكن دروسها وعبرها لا تنتهي، دروس في الإيمان، ودروس في الأسباب، وتوجيهات في الطاعة والتخطيط والمشورة، وتربية في أدب المكاسب والمغانم.
إن القوة وحدها لا أثر لها مهما اكتملت فيها الوسائل والعدَّة، ومهما كانت القيادة والتخطيط، لا أثر لذلك أمام قوة الإيمان وصفاء العقيدة وعدالة القضية وابتغاء مرضاة الله، ولعل في انتفاضة أهل الأرض المباركة ما يعيد لنا شيئًا من ذكرى معارك الإسلام الفاضلة.
فقضية إحياء الإيمان في الأمة والعمل المشترك على تعميقه وتجذيره والعمل الجاد على إزالة المعوقات التي هي في طريقه هي القضية الأم والأمر الأساس، ومتى فقد ذلك ووقع التهاون فيه فلن نصل إلى شيء أبدًا، فكأننا نجري خلف السراب.
ويجب أن يتعانق السلاح المادي مع عقيدة الإيمان ليلتحما في خوض معركة الحق المشروع والجهاد الواجب كما هو صنيع المصطفى –صلى الله عليه وسلم- مع جنود بدر.
هيّأ الجيش ونظّم الجند واختار المواقع ورفع المعنويات، ثم توجه إلى عريشه في تضرع وإلحاح يستنزل النصر، ويناشد المعونة والنصر، حتى جاء وعد الله وفرح المسلمون يومئذٍ بنصر الله.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
من دروس المكاسب والمغانم أن الصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار تحملوا متاعب العَيْلة ومشكلات الفقر، وضحوا بأموالهم وأنفسهم وهجروا أوطانهم في سبيل الله، وهذا جزء من واجب الجهاد، وضريبة من ضرائب الإيمان.
وليس على أتباعهم إلا المضي في هذا الطريق وفي جميع الأحوال، نصرةً للعقيدة، ورفعةً للدين، وإعلاءً لكلمة الله، والطريق إلى النصر والإيمان محفوف بالمكاره، ملبَّد بالمشاق، ولا سبيل للوصول إلا خوضه والولوج فيه.
اللهم إنا نسألك إيمانًا ليس فيه شك، ويقينًا يزيدنا اطمئنانًا، ورحمة نجمع بها كلمتنا، وتهدي بها قلوبنا، وتصلح بها شؤوننا ودروبنا، وتدفعنا إلى رضوانك وإحسانك.
هذا، وصلوا وسلموا...