التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن أحمد السلامة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
فإن نعم الله علينا كثيرة، ومننه وفيرة، فهي غير محصاة، ولعلنا نتذاكر بعض النعم التي ذكرت في "سورة النحل"، وقد سُميت بــ "سورة النعم"؛ لذكر... وجاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند أحمد: "الخيل ثلاثة: ففرس للرحمن، وفرس للشيطان، وفرس للإنسان. فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله في ميزانه، وأما فرس الشيطان...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أنزل الفرقان، وجعل فيه التبيان، وضمنه الأقسام والأيمان، نحمده على جزيل الإحسان، وعظيم الامتنان، وهو المستحق لكل حمد في كل آن.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن نعم الله علينا كثيرة، ومننه وفيرة، فهي غير محصاة، ولعلنا نتذاكر بعض النعم التي ذكرت في "سورة النحل"، وقد سميت بــ "سورة النعم"؛ لذكر النعم والأنعام فيها.
وتذكر النعم هو مما يجدد للمخلوق شكر الخالق بقلبه ولسانه وجوارحه، ومما يجعل النعم تزداد، كما قال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7].
وقد تضمنت هذه السورة آيات كثيرة في النعم فمن ذلك:
أولاً: قوله -تعالى-: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:5-8].
فذكر -سبحانه- نعمة الأنعام من إبل وبقر وغنم، وما يستدفأ بها من الأصواف، وما فيها من المنافع من لحمها ولبنها، كما أن فيها جَمالاً وحسناً حين الرواح، وهو رجوعها بالعشي وسراحها إلى مراعيها بالغداة، بالإضافة إلى حملها الأثقال من متاع وطعام إلى مسافات بعيدة لا يصل إليها الإنسان إلا بشقّ الأنفس.
ثم ذكر -سبحانه- الخيل والبغال والحمير وما فيها من منفعة الركوب والزينة، وقد جاء في الخيل ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر؛ فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر، وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها فاستنت شرفا أو شرفين إلا كتب له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله -تعالى- له عدد ما شربت حسنات".
وجاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند أحمد: "الخيل ثلاثة: ففرس للرحمن، وفرس للشيطان، وفرس للإنسان. فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله في ميزانه، وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه، وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها، فهي ستر من الفقر".
وجاء في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة".
وفي رواية، كما عند ابن حبان في صحيحه: "وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة".
ثانيًا:قوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [النحل:10-13].
ثم يمتن -سبحانه- بهذه الآيات بما ينزله من السماء من الماء الذي به حياة الناس، وما يحصل به من الشجر الذي يكون فيه رعْي للدواب والأنعام، وما يحصل به من إنبات الزرع والزيتون والنخيل والأعناب وكل الثمرات، وكل ذلك آية لمن أراد التفكر.
ثم يمتن -سبحانه- بالليل الذي به اللباس والسكون والسبات، والنهار الذي به المعاش، وهذه الكواكب من... وقمر ونجوم.
ثم امتنان آخر بما خلق في هذه الأرض التي منها الخلق والإعادة والإخراج: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) [طه:55]، وما فيها أيضا من معادن ونباتات وجمادات.
ثالثًا: قوله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:14-18].
ثم يمتن -سبحانه- بتسخيره للبحر وما فيه من الأسماك وأكلها أحسن ما يكون من لحم طري، واستخراج اللؤلؤ والجواهر مما يكون فيه حلية وزينة، وما سخره من هذه السفن التي تركب وتجري فيه.
ثم منة أخرى، وهي ما ألقاه من هذه الجبال الراسية التي بها تثبيت الأرض، كما قال -تعالى-: (والجبال أرساها) [النازعات:32].
قال علي -رضي الله عنه-: "لما خلق الله الأرض قمصت ومالت وقالت: أي رب! أتجعل عليّ من يعمل بالمعاصي والخطايا، ويلقي على الجيف والنتن! فأرسى الله -تعالى- فيها من الجبال ما ترون، وما لا ترون".
ومما امتن به -سبحانه- الأنهار والطرق والعلامات التي تدل على الطرق والنجوم الذي بها هداية الطريق، كما أنها زينة للسماء.
ثم بين -سبحانه- أن نعمه أكثر من أن تحصى، وكل النعم هي من الله -جل وعلا- كما جاء في قوله -تعالى- في هذه السورة: (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) [النحل:53].
رابعا:قوله -تعالى-: (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ * وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:66-69].
(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [النحل:72].
ثم أكد -سبحانه- على نعمة الماء، وما يكون به إحياء الأرض، وأكد على نعمة الأنعام، وبيّن قدرته -سبحانه- وامتنانه بما يخرج من بين الفرث والدم من اللبن الخالص السائغ للشرب، وأيضا امتن -سبحانه- بالثمرات من النخيل والأعناب التي يتلذذ بها الإنسان.
ثم امتن -سبحانه- بالنحل الذي به سميت هذه السورة، فأوحى إلى النحل وحي إلهام باتخاذ الجبال بيوتا تأوي إليها، ومن الشجر، فهي تبني بيوتا محكمة في غاية الإتقان.
ثم علمها -سبحانه- أن تأكل من الثمرات وسخر لها الطرق، ثم تأتي الغاية من ذلك وهي أن يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه، منه الأصفر والأبيض والأحمر، فيه شفاء للناس، أي ما يخرج من بطونها من العسل فيه شفاء من الأدواء.
ثم امتن -سبحانه- بأن جعل لنا من أنفسنا أزواجا نستأنس بها، وجعل من ذلك البنين والحفدة وهم أولاد البنين.
نفعنا الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة سيد المرسلين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه -سبحانه- هو خير الغافرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل القرآن تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة للمؤمنين، والصلاة والسلام على من كان خلقه القرآن.
ثم أما بعد: خامساً: قوله -تعالى-: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78].
وقال: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل:80-81].
ثم يمتن -سبحانه- على عباده بأن أخرجهم من بطون أمهاتهم أطفالا لا يعلمون شيئا، فسخر لهم جوارح التعلم من السمع والأبصار والأفئدة.
وامتن -سبحانه- بالسكن، وما سخره من جلود الأنعام من الأصواف والأوبار والأشعار مما يتخذ أثاثا ومتاعا.
وامتن -سبحانه- بأن جعل لنا ظلالا من الشجر نتقي بها حر الشمس، وامتن -سبحانه- بأن جعل لنا من الجبال القاسية أكنانا نأوي إليها ونتحصن بها، كما امتن علينا بالسرابيل من الثياب وغيرها مما يتقى بها الحر، ومما يتقى بها من البأس من الحديد وغيره.
وبعد: فإن ذلك بعض نعم الله علينا، وهي كثيرة جدا، وإلا فبعض هذه النعم عالم عجيب، كعالم البحار والجبال والنجوم، ومَن يغُصْ فيها فإنه لن ينال منها إلا الشيء اليسير؛ (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) [الإسراء:85].
ولذا نرى التخصصات في الجامعات، وما يحصل في العلم بها من البحوث والتجارب الشيء الكثير.
رزقنا الله وإياكم شكر نعمه، وزادنا من فضله، إنه جواد كريم.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن خير الحديث كتاب الله، وأن خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأن شر الأمور محدثاتها، وأن كل محدثة بدعة، وأن كل بدعة ضلالة.
وصلوا وسلموا على من أمركم بالصلاة والسلام عليه فقال الله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن صحابة نبيك أجمعين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم...