الباسط
كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...
العربية
المؤلف | ياسر دحيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - فقه النوازل |
أن تضيق نفس الكافر أو الفاجر بمنظر امرأة أو فتاة منقبة هذا شيء مفهوم ومسوغ منطقيا، لكن حين يصدر هذا من رجل عالم له وزنه في المؤسسات الدينية الرسمية، هذا ما يؤسف ويحزن، وإن كان لا يستغرب كثيرا من رجل له مواقف أثارت استنكار العالم الإسلامي، ولن تكون هذه....
الخطبة الأولى
الحمد لله، شرع الشرائع فأحكمها، وسن الأحكام وسلمها، الحمد لله الذي أكرم الإنسان عن طبائع الحيوان، وأعطى كل مخلوق حقه، وما يصلح له من غير زيادة ولا نقصان، أكرم النساء بالعفاف، وأوجب على الرجال صيانتهن والإنفاق عليهن بالكفاف، حماهن من التبرج والسفور، ورفعهن عن عهر الفاحشة والغرور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: (أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) [يوسف: 40]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للناس بشيراً ونذيراً، لتطيعوه وتتبعوه لعلكم تفلحون.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]
أن تضيق نفس الكافر أو الفاجر بمنظر امرأة أو فتاة منقبة هذا شيء مفهوم ومسوغ منطقيا، لكن حين يصدر هذا من رجل عالم له وزنه في المؤسسات الدينية الرسمية، هذا ما يؤسف ويحزن، وإن كان لا يستغرب كثيرا من رجل له مواقف أثارت استنكار العالم الإسلامي، ولن تكون هذه آخر مغامرات شيخ الأزهر أن يستعرض عضلات علمه ومنصبه على طالبة في الصف الإعدادي أثناء جولة تفقدية على المعاهد الأزهرية حيث أمرها بكل حدة على خلع نقابها لأن النقاب عنده "عادة وليس عبادة".
أجابته الفتاة بأن النقاب ضروري وأن أباها قال لها ذلك، فردّ الطنطاوي عليها، قائلاً: "أنا في الدين أعرَف منك ومن اللي خلفوكي".
ثم خلعت الفتاةُ النقاب خوفاً منه ولما رأى وجهها، قال: أمّال لو كنتي حلوة كنتي عملتي إيه؟ كان الأولى بشيخ الأزهر أن يكون لهؤلاء المؤمنات أبا رحيما يشجعهن ويقوي عزمهن ويرشدهن إلى المحافظة على استقامتهن والصدق فيها، وأن يضفن إلى صلاح الظاهر صلاح الباطن، كما كان الأولى به أن يشن حملته العدائية على المتبرجات وعاريات الشواطئ.
أجل؛ كان المفروض على شيخ الأزهر أن يخص الطالبات المنقبات بمزيد احتفاء وإكرام، وأن تزداد محبته لهن كما أن الله يحب من تقرب إليه بالنوافل والمستحبات. .. لكن كان العكس مع الأسف.
شيخ الأزهر شخصية متقلبة المزاج ضيّق الصدر، سريع الغضب، سليط اللسان، له أكثر من موقف أثار حفيظة الرأي العام المصري والعربي وتصدت له أكثر من جهة في مصر كجبهة علماء الأزهر والإخوان المسلمين ونقابة المحامين وعلماء مصر وغيرها من بلاد المسلمين وغيرهم كثير والمطالبات بعزله تزداد يوما بعد يوم.
وإذا كان الشيخ طنطاوي قد أخطأ حين أخل بهذا السلوك الشرعي المفترض من العالم الرباني في تعامله مع الفتاة؛ فإن خطأه قد فحش حين زعم أن النقاب عادة وليس بعبادة وكيف لا يكون خطأه فاحشا وقد خالف إجماع العلماء الذين اتفقوا على مشروعية النقاب ما بين قائل بالوجوب وقائل بالاستحباب.
وإذا كان النقاب عادة كما يزعم فإن للناس حرية في عاداتهم ولباسهم وخصوصياتهم ثم أين الطنطاوي وإنكاره على لابسات الملابس الخادشة للحياء في مراقص مصر ومنتجعاتها السياحية!
لن يكون النقاب آخر هذه الآراء الشاذة للطنطاوي فبعد كل مغامرة يتحفنا الإعلام بمهزلة أخرى من فتاوى الرجل، ومن ذلك:
مصافحته الشهيرة أمام عدسات التلفزة لأحد أشهر مجرمي الحرب الصهيوني(شمعون بيرز) قاتل أطفال المسلمين ونسائهم وشيوخهم في فلسطين ولبنان، ولعل وموقف الشيخ من قضية الأقصى وفلسطين عموما موقف أقل ما يقال عنه سلبي ومخزي من خلال لقاءاته ومحاوراته في وقد أفتى بأن الفلسطينيين الذين يقومون بتفجير أنفسهم ضد أهداف مدنية إسرائيلية ليسوا شهداء وحرم هذه العمليات وبمقابل ذلك التقى حاخام إسرائيل الأكبر (مائير) ومن قبله سفير إسرائيل في مصر.
ومن مواقفه مباركته توصيات مؤتمر المرأة في بكين، وقال: إن مطالب مؤتمر بكين الخاصة بالمساواة بين الرجل والمرأة لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية!!
وتحت مسمى تطوير الأزهر أيد القانون الذي يقلص سنوات المستوى الثانوي بالأزهر من أربع إلى ثلاث سنوات وخفض حصص القرآن والعلوم الشرعية ودخل لذلك في صراع مع علماء الأزهر وعزل كثير منهم وفصله عن العمل.
وفي قضية الحجاب في فرنسا أيد الطنطاوي وزير الداخلية الفرنسي ورئيسه، وقال: من حقهم سن قانون بحظر الحجاب!
ومن فتاواه التي أثارت النقاش والجدل واحتدامه بين العلماء إباحته أخذ الفوائد الربوية على العملات النقدية؛ لأن المعاملات فيها جائزة شرعاً.
ومن فتاواه الشاذة "إن الشرع لا يمنع المسلم أن يوصي ببناء كنيسة إذ أنه حُر في ماله".
إضافة إلى بعض التصرفات التي لا تليق برجل في مثل سنه ومنصبه، فقد قام بطرد أحد الصحفيين من مكتبه ومطاردته إلى خارج المكتب، وكلمات سب وجهها إلى أحد الصحفيات، ولطم صحفياً آخر على وجهه.
عباد الله: إذا كان موقف شيخ الأزهر من النقاب ما تناقلته وكالات الأنباء والفضائيات، ومن قضية الحجاب في فرنسا بهذا التساهل، فيستغرب المسلم موقفه في قضية الصحف الدنمركية التي استهزأت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان موقف الشيخ باردا كبرودة مواقفه فيما يتعلق بالدفاع عن قضايا المسلمين حيث التقى بسفير الدنمارك في مصر وقال له: "النبي مات ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، ويجب عدم الإساءة إلى الأموات بصفة عامة أيا كانوا".
وهو ما فتح على الشيخ سيلا جارفا من الانتقادات على هذا الموقف السلبي والكلام البارد، ومساواة النبي صلى الله عليه وسلم بغيره من الأموات.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مات ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، فلماذا أصبح الطنطاوي شيخا من شيوخ دينه وعلى رأس صرح إسلامي مشهور، فإذا لم يدافع عنه هو ولم يغضب لعرضه، فمن ذا الذي سيتصدى لذلك؟
إن موقف الشيخ مع الفتاة ومع الصحفيين ومع العلماء المعارضين لآرائه الشاذة والذين عزل الكثير منهم وضيق على الآخرين في وظائفهم بمقابل تسامحه ولينه، بل مع أعداء الإسلام ليضع علامات استفهام كبيرة مما يستدعي بضرورة عزله حتى لا يزيد من هذه المواقف والآراء الشاذة خاصة مع كبر سنه، ودخوله في مرحلة أرذل العمر.
عباد الله: لقد فرض الله الحجاب على نساء المسلمين، وجاءت إشارات إلى أنه كان معروفاً في الأمم من قبلنا عند النصارى وغيرهم، بل حتى كتبهم المحرفة التي بقيت إلى هذا الزمان، فيها إشارات إلى حجاب المرأة في ذلك الوقت والعرب في الجاهلية، فقد كان من مكارم الأخلاق ستر النساء وصيانتهن كما تذكر أشعارهم ستر المرأة وحجبها، وحرب الفُجَار قامت بين قريش وهوازن بسبب تعرض شباب من كنانة لامرأة من غمار الناس راودوها على كشف وجهها فصاحت بقومها ونادت: يا آل عامر فجاوبتها سيوف بني عامر.
وورد في أشعارهم ذكر القناع والبرقع والحجاب والمرط والكساء ونحوها..
هذا ما كنت تفعله أكثر الحرائر من نساء العرب دلالة على أنه كان من مكارم الأخلاق عندهم.
أما البعض الآخر فكن متبرجات وصل الأمر بحالهن أنهن كن يطفن بالكعبة عرايا، فقال الله تعالى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33].
أيها الأخوة الكرام: وأدلة حجاب المرأة وأمرها بتغطيتها لوجهها كثيرة متنوعة في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33].
وقال: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النــور: 31].
وقال: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) [النــور: 31].
والزينة إنما تكون في الوجه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "المرأة عورة".
ومن فهم هذا النص من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحتج بعده إلى دليل آخر لحجب المرأة كلها، وجهَها، وشعرَها، كفَّيها، قدميها، وسائر بدنها.
وقد أمر الدين بستر العورات أمر وجوب لا محيد عنه، قد جاء ذلك في صحيح البخاري في حديث الإفك، وذلك أن عائشة رضي الله عنها كانت في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهبت لتقضي حاجتها، فلما عادت، فإذا الجيش كله قد ذهب ولم يعلم بها. قالت: "فتلفعت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني لعلهم يعلمون بفقدي فيعودون، قالت: فمر عليَّ صفوان بن معطل السلمي رضي الله عنه وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته، فرأى سوادي فأقبل عليَّ فعرفني حين رآني، وكان قد رآني قبل أن يفرض علينا الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين رآني، قالت: "فلما صحوت خمرت وجهي بجلبابي.. خمرت وجهي بجلبابي".
أين دعاة كشف المرأة لوجهها عن هذه العبارة: "خمرت وجهي بجلبابي"؟!
ومن أدلة وجوب تغطية المرأة لوجهها: أنه عليه الصلاة والسلام قد أمر الخاطب بالنظر إلى المخطوبة، فإذا كان كشف الوجه جائزاً فلماذا يأمر الخاطب بالذهاب والاستئذان منها ومن أهلها، ثم النظر إلى وجهها لخطبتها إذا كان كشف الوجه جائزاً، أفلا ينظر إليها في الشارع، أفلا ينتظرها حتى تخرج من بيتها فيراها.
ومن الأدلة: آية الحجاب الآمرة بإدناء الجلابيب على الوجوه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)[الأحزاب: 59].
وستر الجلباب للوجه وجميع البدن هو الذي فهمه نساء الصحابة، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)[الأحزاب: 59] خرجت نساء الأنصار كأنَّ على رءوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها.
قالت عائشة رضي الله عنها كما عند أبي داود: "والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشدَّ تصديقاً بكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل.
لقد أنزل في سورة النور قوله تعالى في الأمر بحجاب المؤمنات: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النــور: 31] فسمعها الرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم انقلبوا إليهن، يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، قالت عائشة: فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان".
ومن الأدلة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان تعني الحجاج- يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات فإذا حاذَوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها .. فإذا جاوزونا كشفناه [رواه أحمد، وأبو داود].
فهذا بيان من عائشة رضي الله عنها لحال الصحابيات المحرمات؛ أنهن إذا مر بهن الرجال غطين وجوههن، مع أن المرأة ممنوعة من تغطية وجهها وهي محرمة.
إذن لماذا يغطين وهن محرمات؟! لأنهن يعلمن أن تغطية الوجه أمام الرجال الأجانب أهم وأوجب.
عباد الله: الكلام عن الحجاب يجرنا إلى الكلام عن كيد أعداء الدين لحجاب المرأة لمسلمة، ومراوغات الحجاب، فحالهم كما قال الله: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ) [آل عمران: 118].
ولأن أعداء الله تعالى يعلمون أنهم لو قالوا للمسلمة العفيفة: اخلعي حجابك، مزقيه لما أطاعت، فبدؤوا يتبعون طريقة إبليس خطوة، ثم خطوة.
معاشر المؤمنين: أول ما ظهر من مراوغات نزع الحجاب، الحجاب المتبرج، لا نلوم المرأة إذا تفننت في اختيار نوع ساعتها، أو قلادتها، لكنك لا تستطيع أن تفسر تفنن بعض النساء في اختيار الموديل الجديد والتصميم الملفت للعباءة.
ذكر علماؤنا شروطا للحجاب.. فالمسألة -أيها المسلمون- ليست لعباً.. وليست أيّ حجاب يشترى من السوق، بل الحجاب له شروط شرعية: لابد:
أولاً: أن يكون شاملاً البدن كله.
ثانياً: أن يكون سميكاً صفيعاً غير شفاف.
ثالثاً: أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق. وأنواع العباءات التي تلبس الآن.. أو ما يسمى بالكاب وهي تلتصق بالجسد فيميز الناظر إلى المرأة دبرها ويديها؛ لا تجوز.
رابعاً: أن لا يكون مطيباً ولا مبخراً.
خامساً: أن لا يشبه لباس الرجال.
سادساً: أن لا يشبه لباس الكافرات.
سابعاً: أن لا يكون ثوب شهرة.. كما تفعل بعض النساء من وضع العباءة على الكتف ولف الخمار على الرأس فتجتذب النظر من السائرين في الشوارع إليها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[الأحزاب: 58- 59].
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين.
عباد الله: إن العالم مهما كان معرض للخطأ وقد تزل قدمه فيخطئ في اجتهاده فكيف بالذي يعمل في إطار سياسي لابد أن تزل قدمه بسبب الإكراهات، وما يضطر إليه من تنازلات قد يسوغها باجتهاد يظنه داخلا في إطار فقه الموازنات، هذا إذا كان صالحا.
أما الفاسق فلا يتورع عن تحريم الحلال وتحليل الحرام؛ إرضاء للحكام كحال علماء بني إسرائيل، وهذا المعنى يندرج تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد أحد من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا"[رواه أحمد بسند حسن كما في الصحيحة].
يعني الحاكم الظالم حينما يسوغ له ما يريد ويشتهي.
قال الإمام الشاطبي في معرض كلامه عن خطأ المجتهدين: "وفى هذا الموطن حذر من زلة العالم فإنه جاء في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير منها" فروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة" قالوا: وما هي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخاف عليهم من زلة العالم ومن حكم جائر ومن هوى متبع".
وعن عمر:" ثلاث يهدمن الدين: زلة العالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون".
وعن أبي الدرداء: "إن مما أخشى عليكم زلة العالم، أو جدال المنافق بالقرآن، والقرآن حق، وعلى القرآن منار كمنار الطريق".
وكان معاذ بن جبل يقول في خطبته كثيرا: "وإياكم وزيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة، قالوا: وكيف زيغة الحكيم؟ قال: هي كلمة تروعكم وتنكرونها، وتقولون: ما هذه فاحذروا زيغته".
وقال سلمان الفارسي: "كيف أنتم عند ثلاث؛ زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تقطع أعناقكم، فأما زلة العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم، تقولون نصنع مثل ما يصنع فلان وننتهي عما ينتهي عنه فلان".
وقال مجاهد والحكم بن عيينة ومالك: "ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال سليمان التيمي: "إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله".
قال ابن عبد البر: "هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا".
قال الشاطبي: وهذا كله وما أشبهه دليل على طلب الحذر من زلة العالم، وأكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه.
إذا ثبت هذا فلابد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل، منها: أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليدا له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدا بها لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها [انتهى كلامه - رحمة الله عليه- الموافقات في أصول الشريعة].
عباد الله: ومن المعلوم أن المخوف في زلة العالم تقليده فيها؛ إذ لولا التقليد لم يخف من زلة العالم على غيره. فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين.
فينبغي اتباع الدليل؛ لأن الله أمرنا باتباع الكتاب والسنة، فقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر: 7].
فلا تحتج بقول فلان ولا فلان خاصة إذا علمت خطأه، وإذا تبين لك ذلك بالدليل.
صلوا وسلموا على رسول الله.