البحث

عبارات مقترحة:

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

أحسن الله عزاءكم

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الحكمة من المصائب .
  2. التعزية: معناها وحكمها والحكمة منها .
  3. صيغ التعزية .
  4. مكان التعزية ومدتها .
  5. حكم صناعة الطعام لأهل الميت .
  6. حكم الاجتماع عند أهل الميت .
  7. حكم البكاء والنياحة على الميت .
  8. حداد المرأة على زوجها حكمه ومعناه .
  9. ماذا يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها؟ .

اقتباس

الْحِكْمَةُ مِنَ التَّعْزِيَةِ؛ هِيَ: تَقْوِيَةُ الْمُصَابِ عَلَى مُصِيبَتِهِ، وَتَذْكِيرُهُ الصَّبْرَ وَاحْتِسَابَ الأَجْرِ، وَتَحْذِيرُهُ مِنَ الْجَزَعِ أَوِ النِّيَاحَةِ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ فَالتَّعْزِيَةُ تَبْدَأُ مِنْ حُصُولِ الْمُصِيبَةِ وَمَوْتِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ هَذَا... سَادِسَاً: لَيْسَ لِلتَّعْزِيَةِ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ، وَلا طَرِيقَةٌ مٌعَيَّنَةٌ، فَيُعَزَّى فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي الطَّرِيقِ، وَفِي الْمَقْبَرَةِ، وَفِي السُّوقِ، وَيُعَزَّى مُبَاشَرَةً وَمُوَاجَهَة، وَيُعَزَّى...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّين، الْحَمْدُ للهِ الْحَيِّ الذِي لا يَمُوت، تَفَرَّدَ بِالْعِزَّةِ وَالْكِبْرَيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَبَرُوت، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.

أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَصَائِبَ كَتَبَهَا اللهُ عَلَى الْعِبَادِ حِكْمَةً مِنْهُ وَرَحْمَة؛ فَتُكَفَّرُ بِهَا سَيِّئَاتُهُمْ، وَتَعْظُمَ بِهَا حَسَنَاتُهِمْ، وَتَكُونُ لَهُمْ ذِكْرَى لِئَلَّا يَرْكَنُوا لِهَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

وَإِنَّ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِنِا أَنَّ شَرَعَ لَنَا مُوَاسَاةَ بَعْضِنَا بَعْضَاً، وَجَبْرَ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْوُقُوفَ مَعَهُ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالتَّعْزِيَةِ، وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بِإِذْنِ اللهِ سَنَتَنَاوَلُ هَذَا الْمَوْضُوعَ بِشَيْءٍ مِنَ التَّفْصِيلِ، وَمِنْ أَجْلِ تَيْسِيرِ فَهْمِهِ وَالإِحَاطَةِ بِهِ فَنَجْعَلُهُ عَلَى هَيْئَةِ مَسَائِلَ، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي وَإِيَّاكُمُ الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ.

فَأَوَّلاً: مَعْنَى التَّعْزِيَةِ: أَنْ يُخَاطِبَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ الْمُصَابَ بِكَلِمَاتٍ يُخَفِّفُ بِهَا عَنْهُ مُصِيبَتَهُ، وَيُذِكِّرُهُ بِرَبِّهِ، وَيُسَلِّيهِ عَمَّا أَصَابَهُ.

ثَانِيَاً: التَّعْزِيَةُ مَشْرُوعَةٌ لِكُلِّ مَنْ أَصَابَهُ مَوْتُ قَرِيبٍ أَزْعَجَهُ، أَوْ هَمٌّ أَقْلَقَهُ، أَوْ دَيْنٌ أَثْقَلَهُ، أَوْ حَادِثٌ آلَمَهُ، فَلَيْسَتِ التَّعْزِيَةُ مَقْصُورَةً عَلَى مَوْتِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ أَشَدَّهَا.

ثَالِثَاً: التَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ قَدْ فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَعَلَهَا أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ فَاحْتَسِبِ الأَجْرَ فِي تَعْزِيَتِكَ لِأَخِيكَ الْمُسْلِمِ فَهَذِهِ عِبَادَةٌ وَلَيْسَتْ عَادَةً، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ يَدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّىً، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ"[مُتَّفَقٌ عَلَيْه].

رَابِعَاً: الْحِكْمَةُ مِنَ التَّعْزِيَةِ؛ هِيَ: تَقْوِيَةُ الْمُصَابِ عَلَى مُصِيبَتِهِ، وَتَذْكِيرُهُ الصَّبْرَ وَاحْتِسَابَ الأَجْرِ، وَتَحْذِيرُهُ مِنَ الْجَزَعِ أَوِ النِّيَاحَةِ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ فَالتَّعْزِيَةُ تَبْدَأُ مِنْ حُصُولِ الْمُصِيبَةِ وَمَوْتِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ هَذَا وَقْتُ الْمُصِيبَةِ.

وَأَمَّا اعْتِقَادُ بَعْضِ النَّاسَ أَنَّ التَّعْزِيَةَ لا تُشْرَعُ قَبْلَ الدَّفْنِ فَهُوَ خَطَأٌ، بَلْ هُوَ تَحْويلٌ لِلتَّعْزِيَةِ إِلَى طُقُوسٍ وَمَرَاسِمَ تُتَّبَعُ عِنْدَ النَّاسِ، وَهُوَ إِخْرَاجٌ لَهَا مِنْ كَوْنِهَا عِبَادَةً إِلَى أَنْ تَصِيرَ عَادَةً وَأَعْرَافَاً وَتَقَالِيد.

خَامِسَاً: لَيْسَ لِلتَّعْزِيَةِ صِيغَةٌ مُعَيَّنَةٌ لا بُدَّ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَقْوِيَةُ الْمُصَابِ عَلَى مُصِيبَتِهِ وَإِسْمَاعِهِ كَلِمَاتٍ تَرْفَعُ مَعْنَوِيَّاتِهِ وَتَجْبُرُ قَلْبَهُ.

وَإِنَّ أَفْضَلَ صِيَغِ التَّعْزِيَةِ، هُوَ مَا وَرَدَ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ، فَتَقُولَ: "إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ"، وَلَوْ قُلْتَ: "أَحْسَنَ اللهُ عَزَاءَكَ وَجَبَرَ مُصِيبَتَكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ"، فَهَذَا حَسَنٌ.

سَادِسَاً: لَيْسَ لِلتَّعْزِيَةِ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ، وَلا طَرِيقَةٌ مٌعَيَّنَةٌ، فَيُعَزَّى فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي الطَّرِيقِ، وَفِي الْمَقْبَرَةِ، وَفِي السُّوقِ، وَيُعَزَّى مُبَاشَرَةً وَمُوَاجَهَة، وَيُعَزَّى بِالْمُكَالَمَةِ الْهَاتِفِيَّةِ، وَبِالرِسَالَةِ الْكِتَابِيَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا التَّعْزِيَةُ فِي الصُّحُفِ وَوَسَائِلِ الإِعْلَامِ، فَهَذَا مِمَّا لا يَنْبَغِي، وَرُبَّمَا يَدْخُلُ فِي الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ، فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَلا تَجْعَلُوا هَذِهِ الْعَبَادَةَ مَحَلًّا لِلْمُبَاهَاةِ وَالْمُفَاخَرَةِ.

سَابِعَاً: لَيْسَ لِلتَّعْزِيَةِ مُدَّةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَأَمَّا مَنْ يَجْعَلُهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَلَيْسَ لِذَلِكَ أَصْلٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ إِنَّ الْعَزَاءَ قَدْ يَكُونُ يَوْمَاً، وَقَدْ يَكُونُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِحَسَبِ شِدَّةِ الْمُصِيبَةِ وَخِفَّتِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ يَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ، وَالنَّاسُ مَعَ الأَسَفِ حَدَّدُوا هَذِهِ الْمُدَّةَ لِلْعَزَاءِ فِي كُلِّ حَالَةِ وَفَاةٍ حَتَّى وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْمُصِيبَة، وَهَذَا خَطَأٌ وَإِخْرَاجٌ لِلتَّعْزِيَةِ عَنْ مَعْنَاهَا.

وَإِنَّكَ لَتَجِدُ فَرْقَاً بَيْنَ مُصِيبَةِ شَخْصٍ مَاتَ ابْنُهُ الشَّابُّ فِي حَادِثِ سَيَّارَةٍ مُفَاجِئٍ، وَبَيْنَ شَخْصٍ آخَرَ مَاتَ قَرِبُيهُ ذُو الِمائَةِ سَنَةٍ وَالذِي طَالَ مَرَضُهُ فَبَقِيَ سِنِينَ مُقْعَدَاً بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ؛ فَهَلْ تَسْتَوِي الْمُصِيبَتَان؟

إِنَّ الذِي مَاتَ ابْنُهُ الشَّابُّ مَوْتَاً مُفَاجِئَاً لَنْ تَزَالَ مَعَهُ الْمُصِيبَةُ رَدْحَاً مِنَ الزَّمَنِ، وَرُبَّمَا لا يَنْسَاهُ طُولَ حَيَاتِهِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَرُبَّمَا فَرِحَ بِمَوْتِه لِكَوْنِهِ تَعِبَ فِي نَفْسِهِ وأَتْعَبَهُمْ وَصَارَ هَمَّاً لَهُمْ وَعِبْئَاً عَلَيْهِمْ! وَالنَّاسُ فِي كِلا الْحَالَيْنِ يُعَزُّونَ أَهْلَ المَيِّتِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَهَذَا غَلَطٌ يَجِبُ أَنْ يُنْتَبَهَ لَهُ.

ثَامِنَاً: السُّنَّةُ أَنْ يُصْنَعَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِمْ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا قَدِ انْشَغَلُوا بِالْمُصِيبَةِ فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا لِإِصْلاحِ طَعَامِهِمْ، فَهُنَا يُعْمَلُ لَهُمْ طَعَامٌ وَيُبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِمْ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ حِينَ قُتِلَ قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ"[أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].

فَأَمَّا أَنْ يَصْنَعُوا هُمْ لِلنَّاسِ طَعَامَاً فَهَذَا هُوَ الْخَطَأُ، فَإِنْ صَحِبَهُ اجْتِمَاعٌ فَهَذَا مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا نَرَى الاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ مِنَ النِّيَاحَةِ"[رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

وَالنِّيَاحَةُ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ.

تَاسِعَاً: هَلِ التَّجَمُّعُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ مَشْرُوعٌ أَمْ مَمْنُوعٌ ؟

الْجَوَابُ: فِيهِ تَفْصِيلٌ، إِنَّ كَانَ الاجْتِمَاعُ لِفَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَيْتِ القَرِيبِينَ مِنْ أَجْلِ تَيْسِيرِ الأَمْرِ عَلَى الْمُعَزِّينَ لِيَجِدُوا أَهْلَ الْمَيِّتِ جَمِيعَاً وَيُعَزُّونَهُمْ، وَلَمْ يَصْحَبْ ذَلِكَ صُنْعُ طَعَامٍ فَلا بَأْسَ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ وَمِنْ كُلِّ مَنْ هَبَّ وُدَبَّ، وَصَحِبَ ذَلِكَ صَنْعَةُ طَعَامٍ وَوَلائِمُ -كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ - فَهَذَا أَمْرٌ يَجِبُ عَلَى الكِبَارِ فِي العَوَائِلِ وَشُيُوخِ العَشَائِرِ أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى قَطْعِهِ وَمُحَارَبَتِهِ.

عَاشِرَاً: الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزٌ وَلا مَحْذُورَ فِيهِ، وَهَذَا مِنْ طَبِيعَةِ الْبَشَرِ، بَلْ هُوَ مِمَّا يُخَفِّفُ الآلامَ وَيُهَوِّنُ الْمُصِيبَةَ، وَقَدْ بَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَكَى أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ رِجَالاً وَنِسَاءً، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْتُ بِنْتًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُدْفَنُ وَرَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عِنْدَ اَلْقَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا" وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ: "أَوْ يَرْحَمُ"[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَأَمَّا النَّيَاحَةُ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، وَالنِّيَاحَةُ: هِيَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَالصِّيَاحِ وَتَعْدَادِ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَصَوْتٍ يُشْبِهُ نَوْحَ الْحَمَامِ، مِمَّا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُصَابَ مُتَسَخِّطٌ مِنْ قَضَاءَ اللهِ وَقَدَرِهِ، فَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنَ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفُخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعَنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ، وَالنَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلِ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَوْتِ الإِنْسَانِ وَتَخْتَصُّ بِهِ النِّسَاءُ: إِحْدَادَ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْمَيِّتِ.

وَمَعْنَى الإِحْدَادِ: اجْتِنَابُ الْمَرْأَةِ لِكُلِّ مَا يَدْعُو إِلَى نِكَاحِهَا أَوْ يُرَغِّبُ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنَ الزِّينَةِ وَنَحْوِهَا.

فَإِذَا مَاتَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، وَتُحِدُّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَهَذَا مِنْ تَعْظِيمِ حَقِّ الزَّوْجِ وَحِفْظِ عَشِرَتِهِ، وَفِيهِ تَطْيِيبٌ لِنُفُوسِ أَقَارِبِ الزَّوْجِ، وَسَدٌّ لِذَريعَةِ أَنْ تَتَطَلَّعَ الْمَرْأَةُ لِلنِّكَاحِ، وَفِيهِ أَيْضَاً إِعْطَاءٌ لِنَفْسِ الزَّوْجَةِ حَقَّهَا مِنَ التَّعْبِيرِ عَنْ مَشَاعَرِ الْحُزْنِ وَالأَلَمِ بِالْمُصَابِ، مَعَ الرِّضَا بِمَا قَضَى اللهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ أَنْ تَجْتَنِبَ الأَشْيَاءَ التَّالِيَةَ:

الطِّيبَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ سَوَاءٌ كَانَ بُخُورَاً أَوْ دُهْنَاً أَوْ بَخَّاخَاً، وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءُ الصَّابُونَ الْمُطَيَّبَ وَالشَّامْبُو الْمُطَيَّبَ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الأَطْيَابِ.

وَتَجْتَنِبُ الزِّينَةَ فِي ثِيَابِهَا أَوْ بَدَنِهَا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ دُهْنَاً فِي الْرَّأْسِ أَوْ خِضَابَاً مِنَ الْحِنَّاءِ وَغَيْرِهِ، أَوْ كَانَ كُحْلاً فِي الْعَيْنِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَكَايِيجِ الْحَدِيثَةِ، أَوْ كَانَ حُلْيَّاً فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ بِأَنْوَاعِهِ، بَلْ حَتَّى السَّاعَةُ فِي الْيَدِ إِذَا كَانَتْ مِمَّا يُلْبَسُ لِلزِّينَةِ فَإِنَّهَا تَخْلَعُهَا وَتَسْتَبْدُلُهَا  بِأُخْرَى لَيْسَ فِيهَا زِينَة.

وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُحَادِّ: أَنْ تَلْزَمَ بَيْتَهَا الذِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِيهِ، فَإِنْ بَلَغَهَا وَفَاةُ زَوْجِهَا وَهِيَ خَارِجَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَلَكِنْ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ، وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَلا تَخْرُجُ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ: وَلَيْسَ مِنَ الإِحْدَادِ أَنْ تَلْبَسَ الْمَرْأَةُ الثَّوْبَ الأَسْوَدَ، بَلْ لَهَا أَنْ تَلَبْسَ مِنَ الثِّيَابِ مَا شَاءَتْ مِنْ غَيْرِ زِينَةٍ، وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْمُحَادِّ بِالأَسْوَدِ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ، وَكَذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى سُورِ الْمَنْزِلِ، وَتَصْعَدَ السَّطْحَ، وَتُشَاهِدَ الْقَمَرَ، وَتُكَلِّمَ الرِّجَالَ لِحَاجَةٍ، وَتُكِلِّمَ بِالْهَاتِفِ، خِلافَاً لِبَعْضِ الْعَوَامِ الذِينَ يُلْزِمُونَ النِّسَاءَ الْمُحِدَّاتِ بِهَذَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً.

اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ.

اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنِا، اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا، اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.