البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

الاستقامة

العربية

المؤلف حسين بن علي بن محفوظ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. دعوة القرآن للاستقامة على الصراط المستقيم .
  2. صور للذين حادوا عن هذا الصراط وتاهوا عنه .
  3. السعادة لا تتحقق إلا بالاستقامة .
  4. الاستقامة هداية من الله الرحيم .
  5. حسن عاقبة الاستقامة .

اقتباس

إن الاستقامة على منهج الله الذي ارتضاه الله لعباده وجعله رسوله -صلى الله عليه وسلم- مشاعًا بين الناس هو الكفيل بتحقيق السعادة في الدارين والبعد عن أسباب الشقاء والضلال. فمن أراد أن يحقق لنفسه الأمان من الزيغ والضلال فعليه بأن يستقيم على منهج الله ورسوله ويبتعد عن طرق أهل...

الخطبة الأولى:

فإن الله -سبحانه وتعالى- جعل للإنسان منهاجًا يسير عليه وطريقًا يستقيم عليه في حياته الدنيوية ليترسم الخطة التي رسمها الله له، ليكون على بصيرة وبينة من أمره، ليكون في سلوكه مع الله ومع خلقه في غاية الاستقامة على المنهج الذي ارتضاه الله لعباده، وجعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشاعًا بين الناس، وقد أشار الله -سبحانه وتعالى- إلى ذلك في محكم كتابه فقال: (وَأَنَّ هَـاذَا صِرطِي مُسْتَقِيمًا فَتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّـاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

والانحراف عن هذا الصراط والإعراض عن هذا المنهاج يجعل الإنسان في حيرة وشك في تخبط واضطراب، ولذلك كان كثير من الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم في تيه وشك وفي حيرة وضلال.

فهذا واحد منهم بعد انحرافهم عن الكتاب والسنة ومنهاج سلف الأمة عبر عن سعيه بالضلال فقال:

نـهاية إقـدام العقـول عقال

وأكثر سعي العالمين ضـلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا

وغـاية دنيانـا أذى ووبال

ولم نستنفد من بحثنا طول عمرنا

سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وقال آخر:

لعمـري لقـد طفت العوالم كلها

وسيرت طرفي بيـن تلـك المعالم

فلم أر إلا واضـعًا كـف حائـر

على ذقـن قـارعـًا سـن نادم

وثالث يخبر عمن تاه في بيداء الظلام يقول مخبرًا عن شكهم وعدم يقينهم بالبعث فيقول:

قال المنجم والطبيب كلاهمـا

لا تبعث الأمـوات قلت إليكمـا

إن صح قولكما فلست بخاسر

وإن صـح قولي فالخسـار عليكما

ورابع ممن أشرب الضلال والزندقة يتردد في القطع والجزم أن دين الإسلام أصح من دين النصارى فيقول:

في اللاذقية ضجـة

بين أحمد والمسيح

هذا بناقوس يـدق

وذاك بمئذنة يصيح

كل يروم هدايـة

والله أعلم بالصحيح

وخامس ممن أعمى الله بصيرته عن نور الحق لا يدري ما سر وجوده في هذه الحياة وما هي الغاية التي لأجلها خلقه الله، فيقول في قصيدته التي عنون له بالطلاسم:

جئـت لا أعلـم مـن أيـن ولكنـي أتيـت

ولقـد أبصـرت قدامـي طريقـًا فمشـيت

وسأبقـى سـائـرًا شـئت هـذا أم أبيـت

كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري

أقديم أم جديـد أنـا فـي هـذا الوجــود

هـل أنـا حـر طليـق أم أسـير في قيود

هل أنا قائد نفسـي فـي حياتـي أم مقـود

أتمنـى أننـي أدري ولكـن لـسـت أدري

ولمـاذا لـسـت أدري؟! لســت أدري

فهو لا يدري لماذا هو في الحياة، لكفره ولحيرته واضطرابه.

أما نحن المسلمين فنعلم الغاية التي لأجلها خلقنا، وهي أن نكون عبيدًا لله، عابدين له خاضعين لا نشرك به شيئًا، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].

فحيرة هؤلاء وشكهم نابع عن انحرافهم عن صراط الله وبعدهم عن أسباب الهداية الإلهية، فلما حادوا عن منهج الله وصراطه تفرقت بهم السبيل والأهواء، فضلوا وأضلوا.

فعن عبد الله بن مسعود -صلى الله عليه وسلم- قال: خط رسول الله خطًّا مستقيمًا، وخط عن يمينه خطوطًا وعن شماله خطوطًا، ثم قال مشيرًا إلى الخط المستقيم: "هذا سبيل الله"، وقال وهو يشير إلى الخطوط التي عن يمينه وعن شماله: "وهذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه"، ثم قرأ -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَنَّ هَـاذَا صِرطِي مُسْتَقِيمًا فَتَّبِعُوهُ...) الآية. الحديث رواه الدارمي بإسناد صحيح.

فيا أيها المسلمون: إن الاستقامة على منهج الله الذي ارتضاه الله لعباده وجعله رسوله -صلى الله عليه وسلم- مشاعًا بين الناس هو الكفيل بتحقيق السعادة في الدارين والبعد عن أسباب الشقاء والضلال.

فمن أراد أن يحقق لنفسه الأمان من الزيغ والضلال فعليه بأن يستقيم على منهج الله ورسوله ويبتعد عن طرق أهل الزيغ والكفر والفساد، فعن النواس بن سمعان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ضرب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس: ادخلوا الصراط جميعًا ولا تتفرجوا، وداعٍ يدعو في جوف الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه -أي تدخله-، والصراط: الإسلام، والسوران حدود الله تعالى، والأبواب المفتحة محارم الله تعالى، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله -عز وجل-، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم". رواه أحمد بإسناد صحيح.

أيها المسلمون: إن الاستقامة على منهج الله قولاً وعملاً ظاهرًا وباطنًا من شأنها أن ترتقي بالإنسان إلى درجات التقوى والإيمان.

فبالاستقامة على منهاج الله وشرعه يحفظ الإنسان دينه ونفسه من كل عوامل الزيغ والإذلال والانحراف، فلا يتطرق إليه الشك ولا الفساد، فيصون نفسه عن كل الرذائل وسفاسف الأمور.

وإذا ضعفت الرغبة على الاستقامة عند العبد أدى به إلى ضعف الإيمان والانقياد الكامل لله في كل شؤون الحياة فلا تجده مقبلاً على الخير، نافرًا من الشر، إنما على العكس من ذلك تكون نفسه قابلة للشر والانحراف، ضعيفة الإقبال على الطاعة والخير، ولذلك أولى الإسلام الاستقامة عناية فائقة، واهتم بها اهتمامًا بالغًا؛ ولذلك قال الله تعالى: (فَسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود: 112].

وإن من رحمة الله بعباده المؤمنين أنه يتولى هدايتهم إلى الاستقامة؛ قال الله تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءامَنُواْ إِلَى صِرطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الحج:54].

ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعله الله هاديًا إلى الاستقامة؛ وذلك بسنته القولية والعملية؛ قال الله تعالى عن نبيه: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرطِ اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَـاوتِ وَمَا فِى الأرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الاْمُورُ) [الشورى:51-52].

ولذلك كان القرآن الكريم كتاب هداية إلى الصراط المستقيم ليحقق للمسلمين الاستقامة على المنهاج الرباني، كي يعيشوا في وئام وأمان وفي سعادة واطمئنان؛ قال الله تعالى: (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَـاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَـاوتِ وَمَا فِى الأرْضِ وَوَيْلٌ لّلْكَـافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) [إبراهيم:1-2].

فيا عباد الله: هذا هو منهج الإسلام ممثلاً بكتاب الله وسنة رسوله وسبيل الصحابة المؤمنين الأوائل، فاستقيموا عليه واتبعوه تنجوا من الزيغ والضلال ومن الفساد والانحراف، فتمسكوا بالصراط المستقيم، وعضوا عليه بالنواجذ، فإن الاستقامة عليه تقودنا إلى الفوز برضوان الله والجنة والنجاة من سخطه ومن النيران.

أسأل الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم في النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم اليهود ولا الضالين النصارى، آمين، ادعوا الله واستغفروه.

الخطبة الثانية:

فإن المسلمين في كل يوم وليلة على الأقل في سبعة عشر ركعة وهم في صلواتهم يسألون الله -سبحانه وتعالى- أن يهديهم الصراط المستقيم؛ قال تعالى: (اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالّينَ) [الفاتحة:6-7].

فالمسلمون بهذا الدعاء الذي يهتفون به في كل صلواتهم ليلاً ونهارًا يسألون الله -عز وجل- أن يهديهم الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير صراط المغضوب عليهم -وهم اليهود- ولا النصارى الضالين، ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن المغضوب عليهم اليهود، وإن النصارى الضالون". رواه أحمد والترمذي بإسناد صحيح.

فدعوة الإسلام إلى الاستقامة الهدف منها هو تهيئة الأجواء التي تجعل الإنسان يحيا حياة كريمة تظللها السعادة وتكسوها الطمأنينة وشعارها التوحيد، وطريقها متابعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فيا أيها المسلمون: إن الإسلام قد دعا إلى الاستقامة وحث عليها وندب المسلمين جميعًا إلى التمسك بها، فجعلها الله -سبحانه وتعالى- في أعلى المقامات الإيمانية التي يتنافس فيها الصديقون والمقربون السابقون بالخيرات بإذن الله: (وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَـافِسُونَ) [المطففين:26].

ولذلك يتولى الله -سبحانه وتعالى- المستقيمين على صراطه المستقيم بعنايته ويظللهم برحمته الواسعة، ففي اللحظات العصيبة التي يفارقون فيها الدنيا وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، يرون أثر الاستقامة وعاقبتها الحميدة؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِلْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) [فصلت:30-32].

فالمستقيمون على الإيمان، القائلون دائمًا: ربنا الله الذي لا إله إلا هو، عند الموت وهم في حالة الاحتضار ولحظات سكرات الموت تتنزل عليهم الملائكة وتقول لهم: لا تخافوا مما تستقبلون من أهوال القبر والقيامة، ولا تحزنوا على ما تركتموه من أولاد وأموال، وأبشروا بالجنة دار القرآن التي أعدها الله للمتقين، ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم وتلذ أعينهم وهم فيها خالدون، لا يزولون ولا يتحولون.

ولما كان للاستقامة وأهلها هذه المنزلة المنيفة والدرجة العالية الرفيعة أوصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سفيان بن عبد الله حين قال: يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: "قل: آمنت بالله ثم استقم". رواه مسلم.

فيا أيها المسلمون: إننا أحوج ما نكون في هذه الأيام إلى  الاستقامة على صراط الله ومنهاجه القويم، فالبشرية اليوم تشقى شقاءً عظيمًا نظرًا لغياب الإسلام عن واقع الناس، وتغييبه من قبل أعداء الإسلام وأساطين الكفر كي لا يكون له دور في تغيير هذا الواقع المزري الأليم، والذي بسببه هيمن الكفر ورفرفت رايات الشرك وخسر العالم وانحط إلى أسفل سافلين.

وحتى تعود الإنسانية إلى السعادة التي أراد الله لها فلابد من الاستقامة، ولن تتأتى إلا بالالتزام بما أمر الله به، والانزجار عما نهى عنه، فاستقيموا ترشدوا، وامتثلوا لما أمركم الله به تسعدوا وتظفروا بمرضاة ربكم وتفوزوا بجنات الخلد: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَـئِكَ أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ خَـالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأحقاف:13-14].