البحث

عبارات مقترحة:

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

محل المناجاة ومعدن المصافاة - الصلاة -4

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. الصلاة جامعة لجميع ثمار الطاعات .
  2. أداء الصلاة راحةٌ للقلوب لا راحةٌ منها .
  3. وقفة مع جلسة التشهد وشرح معانيها .

اقتباس

ولما جاء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى راحة القلب من تَعَبِهِ ونصبه قال: "قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ"؛ أي: أقمها لنستريح بها من مقاساة الشواغل؛ كما يستريح التعبان إذا وصل إلى مأمنه ومنزله وقرَّ فيه، وسكن وفارق ما كان فيه من التعب والنصب. وتأمل الحكمة من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ" ولم يقل...

الخطبة الأولى:

إِنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً

قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلعمران:102].

أيها الإخوة: اعلموا أن سر الصلاة هو تعظيم الربِّ -تبارك وتعالى-؛ لذا كان لكل ركنٍ من أركان الصلاة، أو ذكرٍ من أذكارها سره وعبوديته.. وسبق أن أشارنا لأسرار كثيرة؛ نرجو أن تكون عوناً لنا في الإقبال على ربنا -سبحانه- في صلاتنا، لتكون لنا لذة نلتذ بها في حياتنا الدنيا، وقُرَّةَ عَيْنِ تقر بها عيوننا؛ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ"(رواه النسائي، وصححه الألباني).

نعم لقد صدق المصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال ذلك؛ فالمتأمل بثمار الأعمال الصالحة يجد أن لكل عمل صالح ثمرة على النفس؛ فالصوم ثمرته تطهير النفس، وثمرة الزكاة تطهير المال، وثمرة الحج وجوب المغفرة، وثمرة الجهاد تسليم النفس إليه، التي اشتراها -سبحانه- من العباد؛ فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة:111]، وجعل الجنة ثمنها.

أما الصلاة فثمرتها الإقبال على الله، وإقبال الله -سبحانه- على العبد.. وهذه أعظمُ الثمار وأجلُها، وفي الإقبال على الله في الصلاة جميع ما ذُكر من ثمرات الأعمال، وجميع ثمرات الأعمال في الإقبال على الله فيها.

و لهذا لم يقل النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جعلت قرة عيني في الصوم، ولا في الحج والعمرة، ولا في شيء من هذه الأعمال وإنما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ"(رواه النسائي، وصححه الألباني).

ثم تأمل أنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ" ولم يقل: بالصَّلَاةِ؛ إعلاماً منه بأن عين المصلي لا تقرُّ إلا بدخوله؛ كما تقر عين المحب بملابسته لِمحبوبه، وتقر عين الخائف بدخوله في مَحل أنسه وأمنه، فقرة العين بالدخول في الشيء أهم وأكمل مِن قُرَّةِ العين به قبل الدخول فيه.

ولما جاء إلى راحة القلب من تَعَبِهِ ونصبه قال: "قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ"؛ أي: أقمها لنستريح بها من مقاساة الشواغل؛ كما يستريح التعبان إذا وصل إلى مأمنه ومنزله وقرَّ فيه، وسكن وفارق ما كان فيه من التعب والنصب.

وتأمل الحكمة من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ" ولم يقل: أرحنا منها؛ كما يقوله المتكلف الكاره لها؛ الذي لا يصليها إلا على إغماض وتكلف، وذلك ظاهر في أحواله فيها؛ من نقرها، والتفات قلبه إلى غير ربه، وترك الطمأنينة والخشوع فيها.

ولكن قد عَلِمَ أنَّه لا بدّ له من أدائها؛ فهو يؤديها على أنقص الوجوه، قائل بلسانه ما ليس في قلبه، ويقول بلسان قلبه حتى نصلي فنستريح من الصلاة، لا بها؛ فهذا لونٌ وذاك لونٌ آخر.!!

ففرق بين مَن كانت الصلاة لجوارحه قيداً ثقيلاً، ولقلبه سجناً ضيقا حرجاً، ولنفسه عائقا، وبين مَن كانت الصلاة لقلبه نعيماً، ولعينه قُرَّةً ولجوارحه راحة، ولنفسه بستاناً ولذة ولروحه رياضاً وأنساً..

أيها الإخوة: فإذا قضى المصلي صلاته وأكملها، ولم يبق إلا الانصراف منها شُرع له الجلوس في آخرها بين يدي ربه مُثنياً عليه بما هو أهله؛ فأفضل ما يقول العبد في جلوسه هذه التحيات التي لا تصلح إلا لله، ولا تليق بغيره.

وفي جلوس المصلي في التشهد جاثياً بين يدي مولاه، وما يتلفظ به من أنواع التحيات عبودية فعلية وقولية عظيمة له -سبحانه-؛ لما تتضمنه من خضوع وذل بين يديه -سبحانه- ما لو تفكرنا فيه وتأملناه لامتلأت قلوبنا لله تعظيماً وخشية، ولما جلس بعضنا في التشهد بوجوم وشرود ذهن، وتحرٍّ لانقضاء الصلاة وختمها..

فعادة الملوك أن يحيوا بأنواع التحيات من الأفعال والأقوال المتضمنة للخضوع لهم، والذل والثناء عليهم؛ فمنهم من يحيّا بالسجود أو الركوع، ومنهم من يحيا بالثناء عليه، ومنهم من يحيا بطلب البقاء والدوام له. ومنهم من يجمع له ذلك كلّه فيسجد أو يركع له، ثم يثني عليه، ثم يدعي له بالبقاء والدوام.

وكان الملك الحق المبين، الذي كل شيء هالك إلا وجهه -سبحانه وتعالى- أولى بالتحيات كلِّها من جميع خلقه، وهي له بالحقيقة وهو أهلها..

"التحيات لله" جمع تحيَّة، والتحيَّة هي: التَّعظيم؛ فكلُّ لَفْظٍ يدلُّ على التَّعظيم فهو تحيَّة، و(الـ) مفيدة للعموم، وجُمعت لاختلاف أنواعها، أما أفرادها فلا حدَّ لها؛ يعني: كُلَّ نوع من أنواع التَّحيَّات فهو لله، واللام هنا للاستحقاق والاختصاص؛ فلا يستحقُّ التَّحيَّات على الإطلاق إلا الله -عزّ وجل-، ولا أحد يُحَيَّا على الإطلاق إلا الله..

لكن هل اللهُ بحاجة إلى تحيتنا؟ الجواب: كلاَّ؛ لكنه أهْلٌ للتعظيم؛ فنعظِّمه لحاجتنا لذلك لا لحاجته لذلك، والمصلحة للعبد قال تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)[الزمر:7].

ثم عطف الصلوات والطيبات بلفظ الجمع والتعريف؛ ليشمل ذلك كلّما أُطلق عليه لفظ الصلاة خصوصا وعموماً؛ فكلّها لله ولا تنبغي إلا له؛ فالتحيات له ملكاً، والصلوات له عبودية واستحقاقاً..

ثم عطف عليها "الطيبات". ولها معنيان: المعنى الأول: ما يتعلَّق بالله. المعنى الثاني: ما يتعلَّق بأفعال العباد؛ فما يتعلَّق بالله فله مِن الأوصاف أطيبها، ومِن الأفعال أطيبها، ومن الأقوال أطيبها، قال النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا..."(رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ)؛ يعني: لا يقول إلا الطيب، ولا يَفعلُ إلا الطَّيب، ولا يتَّصفُ إلا بالطيب؛ فهو طيب في كُلِّ شيء؛ في ذاته وصفاته وأفعالِه.

وله -أيضاً- مِن أعمال العباد القولية والفعلية الطَّيبُ؛ فإن الطَّيبَ لا يليقُ به إلا الطَّيب، ولا يُقدم له إلا الطيب، وقد قال الله -تعالى-: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)[النور:26]؛ فهذه سُنَّةُ الله -عزّ وجل-.

قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: "فهل أنت -أيُّها المصلِّي- تستحضر حين تقول "الطيبات لله" هذه المعاني، أو تقولها على أنها ذِكْرٌ وثناء؟ قال: أغلبُ النَّاسِ على الثاني، لا يستحضر عندما يقول: "الطيبات" أن الله طيِّب في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه وأقوالِه، وأنه لا يليقُ به إلا الطَّيب مِن الأقوال والأفعال الصَّادرة مِن الخَلْقِ".

أسأل الله أن يطيب أعمالنا وأقوالنا؛ إنه جواد كريم.

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: ومعنى قولنا في التشهد: "السَّلامُ عَلَيْك أيُّهَا النَّبيُّ".. قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: "وقيل: السلام: اسم مصدر سَلَّمَ بمعنى التَّسليم؛ كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]؛ فمعنى التسليم على الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: أننا ندعو له بالسَّلامة مِن كُلِّ آفة. وإذا قال قائل: قد يكون هذا الدُّعاء في حياته -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- واضحاً، لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسَّلامةِ وقد مات صلّى الله عليه وسلّم؟

فالجواب: ليس الدُّعاءُ بالسَّلامة مقصوراً في حال الحياة؛ فهناك أهوال يوم القيامة، ولهذا كان دعاء الرُّسل إذا عَبَرَ النَّاسُ على الصِّراط: "اللَّهُمَّ، سَلِّمْ؛ سَلِّمْ"؛ فلا ينتهي المرءُ مِن المخاوف والآفات بمجرد موته.

إذاً ندعو للرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالسَّلامةِ من هول الموقف، ونقول أيضاً: قد يكون بمعنى أعم؛ أي: أنَّ السَّلامَ عليه يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّتِهِ، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين".

"ورحمة الله"؛ أي: ورحمة الله عليك. والرحمة إذا قُرنت بالمغفرة أو بالسَّلامِ صار لها معنى، وإن أُفردت صار لها معنى آخر؛ فإذا قُرنت بالمغفرة، أو بالسلام صار المراد بها: ما يحصُل به المطلوب، والمغفرة والسلام: ما يزول به المرهوب، وإن أُفردت شملت الأمرين جميعاً؛ فأنت بعد أن دعوت لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالسَّلام دعوت له بالرَّحمة؛ ليزول عنه المرهوب ويحصُل له المطلوبُ.

قوله: "وبركاته" جمع بَرَكَة، وهي: النَّمَاءُ والزِّيادة في كلِّ شيء من الخير.. ثم ما هي البركات التي تدعو بها للرَّسول -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- بعد موته؟

قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: "هي بكثرة أتباعه وما يُتْبَع فيه، فإذا قَدَّرنا أن شخصاً أتباعه مليون رَجُل، وصار أتباعه مليونين فهذه بَرَكَة.

وإذا قَدَّرْنا أن الأتباع يتطوَّعون بعشر ركعات، وبعضهم بعشرين ركعة صار في الثاني زيادة.

إذاً؛ نحن ندعو للرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالبَرَكَة وهذا يستلزم كَثْرَة أتباعه، وكَثْرَة عمل أتباعه؛ لأنّ كلَّ عمل صالح يفعلهُ أتباع الرَّسولِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- فله مثل أجورهم إلى يوم القيامة".

"السَّلامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ": "عَلَيْنَا" يُراد بها الشَّخص ومَن معه؛ فمن الذي معه؟ المراد جميع الأُمَّة المحمَّدية..

وقوله: "وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ" هذا تعميم بعد تخصيص؛ لأن عباد الله الصالحين هم كُلُّ عبدٍ صالح في السماء والأرض؛ حيّ أو ميِّت من الآدميين والملائكة والجِنِّ.

و"عِبَادِ اللَّهِ" هم الذين تعبَّدوا لله؛ أي تذلَّلوا له بالطاعة امتثالاً للأمر واجتناباً للنهي، وأفضل وَصْفٍ يتَّصف به الإنسان هو أن يكون عبداً لله..

ثم يتشهد بالشهادتين، ويصلى على النبي، ثم يتخير من المسألة ما شاء..