السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | مرشد الحيالي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
إن من أعظم عوامل زيادة الإيمان والثبات عليه في زماننا زمن الفتن والتقلبات والخوض في الشبهات هو تلاوة القرآن، وتدبر آياته، والتمعن في مراميه، والتغلغل في مقاصده وأسراره. كيف لا... نعم أيها المسلمون، إن هذه الشجرة المباركة لها جذور عميقة ممتدة في الأرض، ولها سيقان وأوراق، وهي عبارة عما يثمر عنه الإيمان من أخلاق وصفات حسنة، وهذه الشجرة تكبر وتنتج كلما...
الحمد لله الذي جعل العمل الصالح سببا في زيادة الإيمان، وحثنا على التزود من عمل الخير وتلاوة القران، وأشهد أن لا اله الله ولي الصالحين، وأن محمدا عبده ورسوله، أتاه من ربه اليقين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: أيها المسلمون: يقول سبحانه في كتابه المبين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال:2-4].
وقد بين سبحانه أصول الإيمان التي يجب الاعتقاد بها في آخر سورة البقرة: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285].
والإيمان -أيها المسلمون- يزيد وينقص كما اتفق على ذلك أئمة السلف وخيار الأمة، يزيد بالطاعات وينقص ويقل بالمعاصي والذنوب؛ وإنه قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان.
والأدلة على هذا كثيرة، فالواجب على المسلم فعل ما أمر الله به، وأمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون: إذا ما تحقق الإيمان الصادق في قلب المؤمن أثمر ثمارا يانعة من حلاوة الإيمان، والأخلاق الفاضلة، والصفات الحسنة، وحسن التعامل مع الآخرين.
ومن أعظم ثمار الإيمان ما يلي:
أولا: الحياة السعيدة المطمئنة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
والسبب الرئيس في ذلك أن المؤمن له أسس يتعامل بها مع ما يرد عليه من أحزان ومسرات، فيقابل النعم بالشكر والحمد ويقابل الحزن والهم بالصبر الجميل، كما عبّر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا المعنى في الحديث الصحيح بقوله: "عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ" رواه مسلم.
أيها المسلمون: إن من لم يجد تلك الحلاوة عند مباشرته للعمل الصالح فليعلم أن عنده خللا، فعليه أن يراجع إيمانه ويتعاهده.
ثانيا: ومن ثمار الإيمان أيها -المسلمون- الصبر على المصائب النازلة، قال -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن:11].
قال علقمة -رضي الله عنه-: "هُوَ الرَّجُل تُصِيبهُ الْمُصِيبَة, فَيَعْلَم أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه فَيُسَلِّم لَهَا وَيَرْضَى".
فترى المؤمن عند حصول المكروه من فقدان ولد أو محبوب من أعظم الناس يقينا وثباتا وقوة؛ لأنه يعلم أن كل شيء مقدر عليه، وقد يعوضه الله عما فاته خيرا كما عوض الله سيدنا أيوب جزاء وفاقا لصبره.
ثالثا: من ثمار الإيمان -أيها المسلمون- الأخلاق الفاضلة والمزايا الحسنة من بر وإحسان وحياء وسخاء وشجاعة وإيثار ومحبة وخشية، وجميع أنواع الخير.
وقد ضرب الله مثلا للإيمان وما يثمر عنه وينتج منه بقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم:24-25].
نعم أيها المسلمون، إن هذه الشجرة المباركة لها جذور عميقة ممتدة في الأرض، ولها سيقان وأوراق، وهي عبارة عما يثمر عنه الإيمان من أخلاق وصفات حسنة، وهذه الشجرة تكبر وتنتج كلما تعاهدها صاحبها وسقاها وحماها من الآفات.
أيها المسلمون: علينا أن نتعاهد إيماننا، وأن نقويه، وأن نصد عنه ما يضعفه أو يوهنه، لأن السعادة في الدنيا والآخرة مرتبطة به.
ومن أعظم ما يدعم هذا الإيمان ويقويه ويثبته وسائل نافعة أرشدنا إليها القران الكريم، ومنها على سبيل المثال:
ذكر الله قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].
إن الذاكر لله يشعر بسعادة قلبية، خاصة إذا تواطأ اللسان والقلب، وقد كان بعض الصالحين من عباد الله، رغم ما كان فيه من ضيق وبلاء وعسر، كان يقول: إنما جنتي في صدري، أين ما رحت فهي معي.
نعم أيها المسلمون، إنها جنة الذكر وتلاوة القران، وفي الحديث: "مثل الذي يذكر ربه ومثل الذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".
وقد شبه الله الكافر بالميت الذي لا يتحرك ولا يحس؛ بسبب فقدان حياة القلب وسعادته.
من أسباب زيادة الإيمان -أيها المسلمون- زيارة المقابر، وتذكر أحوال الموتى والبلى ومآلهم، فانه من أعظم الزواجر عن ارتكاب المنهيات، وسبب في زيادة الإيمان، وحث على فعل الخيرات والتفكر فيما بعد الموت.
والدليل على ذلك عند دخول المسلم إلى زيارة المقبرة ما يحس به من رغبة في الخير ورهبة من فعل الشر، ومن هذا الباب جاءت السنة بالحث على زيارة القبور.
التفكر في أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار، وما أعد الله لأهل المعصية من عذاب وخزي وتنكيل، وما أعد لأهل الإيمان والعمل الصالح من التكريم والنعيم، فان ذلك من أعظم الزواجر.
يقول حنظلة: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله! ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسينا كثيرا. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا!.
فاخبر بذلك الرسول الكريم؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده! لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة! ساعة وساعة" ثلاث مرات. رواه مسلم.
حافظوا أيها المسلمون على إيمانكم بالمداومة والثبات ولو كان العمل قليلا، واحذروا مما حرم الله عنه من الموبقات واتباع من الشيطان الخطوات، فإنها سبب للشقاء في الدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، وطوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا يوم القيامة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل القران وتلاوته شفاء لما في الصدور، وحثنا على التزود من فعل الخير وزيارة القبور، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم واقتفى أثرهم واهتدى بسنتهم إلى يوم الدين.
وبعد: أيها المسلمون: يقول -تعالى- مبينا حال من ثبتوا على الإيمان وكانوا عاملا مثبتا لغيرهم في التواصي علي الحق: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الحديد:12].
يقول بعض العلماء الربانيين: إن من ثبت عل الصراط المستقيم في هذه الحياة ثبته الله يوم تزل الأقدام، وأعطاه من النور والإضاءة بقدر ما عنده من الإيمان والتقوى والعمل الصالح.
أيها المسلمون: إن من أعظم عوامل زيادة الإيمان والثبات عليه في زماننا زمن الفتن والتقلبات والخوض في الشبهات هو تلاوة القرآن، وتدبر آياته، والتمعن في مراميه، والتغلغل في مقاصده وأسراره. كيف لا وقد جعله الله شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين؟ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [الإسراء:82].
ومما يدل على أن القران سبب في زيادة الإيمان وانشراح الصدر وقرة العين ما جاء في حديث أسيد بن خضير: ينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكنت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه في السماء حتى ما يراها.
فلما أصبح حدث النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: فأشفقت يا رسول اللَّه أن تطأ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: "وتدري ما ذاك؟". قال: لا. قال: "تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم" أخرجه البخاري ومسلم.
فأكثروا -رحمكم الله- من تلاوة آياته تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه كما جاء ذلك في القران الكريم، فإن الله قال قولا كريما تعظيما لشأن نبينا وتعليما لنا وتفهيما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].