البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

استغلال الإجازة

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الوقت هو الحياة .
  2. أهمية الوقت .
  3. استغلال الوقت فيما ينفع .
  4. خطر تضيع الأوقات .
  5. أسباب تضيع الوقت .
  6. الأسباب المعينة على استغلال الوقت .
  7. استغلال الإجازة فيما ينفع .
  8. مجالات استغلال الوقت .

اقتباس

عباد الله: لقد سُهلت لنا الأمورُ أكثرَ من غيرنا، فاستغلال الوقت لا يحتاج إلى عناء وتعب، وما على العبد إلا إخلاص النية، وترتيب المهمات، وقد رسمت له عدة طرق كلها من استغلال الوقت، فهاهي المساجد لحفظ كتاب الله، وهاهي الدورات العلمية التي يحاضر فيها ثلة من العلماء وطلبة العلم، في كل...

 الخطبة الأولى :

الحمد لله حمد الشاكرين، والشكر له شكر الأغنياء الباذلين، أثني عليه وهو للثناء أهل، هيأ أسباب النجاح لمن أراد الفلاح، ووعد المؤمنين العاملين بالأجر الجزيل، ووعد بالزيادة للمحسنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي لم يُذهبْ من وقته دقيقةً واحدة إلا كانت في عبادة لله -تعالى- وطاعته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن الحياة هي الوقت، فمن ضيعه فقد ضيع حياته؛ بل الإنسان إذا عرف قيمة شيء وأهميته؛ حرص على نيله واستغلاله، وعز عليه فقده وضياعه، وهذا شيء بدهي طبعي فطري.

وإذا نظر المسلم بعين البصيرة إلى أغلى ما في الوجود لديه عرف أنه لا يمكن إدراكه إلا بالوقت، فيكون الوقت بذلك أغلى منه، ولهذا فأغلى ما يملك ابن آدم هو وقته الذي هو حياته.

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه

وأراه أسهلَ ما عليك يضيعُ

ولعظيم منزلة الوقت، فقد أقسم المولى -جل وعلا- به في كتابه، ونبه النبي -صلى الله عليه وسلم- على عظيم منزلته، فيما أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وآله وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".

فأخبر الهادي البشير: أن كثيرا من الناس قد غبن في وقته وصحته، فما استغلهما فيما يعود عليه بالفائدة في الدنيا والآخرة، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنهما نعمتان، ومن شكر النعم استغلالها في طاعة مسديها.

وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس - رضي الله عنه – قال صلى الله عليه وآله وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس" وذكر منها: "فراغك قبل شغلك".

قال بعض السلف: "فراغُ الوقت من الأشغال، نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذا النعمة بأن فتح على نفسه باب هوى، وانجر في قياد الشهوات شوش الله عليه نعمة قلبه، وسلب ما كان يجده من صفاء قلبه". أ. هـ.

أيها المؤمنون: لا بد للعاقل أن يستغل وقت فراغه بما يعود عليه بالنفع، وإلا انقلبت نعمة الفراغ نقمةً على صاحبها، فالنفس إن شغلتها بالخير وإلا شغلتك بالباطل، ولهذا قيل: "الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غُلمة" أي محرك للشهوة، وهو كذلك للشباب من الجنسين.

معاشر المسلمين: من عرف هذا، وأيقن به، كان الواجب عليه أن يحاسب نفسه، فينظر كيف هو في وقته، وليسائل نفسه: ماذا عملت في يومها الذي انقضى؟ وأين قضت وقتها؟ وفي أي شيء أمضت ساعات يومها؟ وهل ازدادت فيه من الحسنات أم من السيئات؟ وماذا سيفعل غدا؟

وليسع المسلم الحريص على نجاة نفسه في تربيتها على معالي الأمور، والتباعد والترفع عن سفسافها، وأن يربيها على علو الهمة، فمن علت همته لم يقنع بالدون، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

وإذا كانت النفوس كبارا

تعبت في مرادها الأجسامُ

عباد الله: إن المتأمل في أحوالنا -إلا من رحم الله-، يجد أن الأوقات تقضى، بل تذبح فيما لا فائدة فيه إن سلم صاحبها من الإثم، فانظر إلى الناس في قضائهم للإجازات الصيفية، بل في الإجازات الرسمية تجد أن التخبط العظيم يهيمن على تلك الأوقات، وستجد سوء التعامل مع الأوقات، وكأن المرء خلق عبثا، أو أن حياته ليس لها هدف ولا غاية يسمو إليها.

فالناس بين مستغل لزمانه وبين قاتل له بغير حق إلا الجهالة والغرور، ولتعلم صدق هذه المقالة انظر إلى الشباب في المجتمع كيف يقضون أوقاتهم، فانظر إليهم في المنتزهات والشوارع يظهر لك جليا تفريطُ ولي الأمر في التربية، وسقوطُ قيمةِ الوقت في نظر شباب الأمة -إلا من رحم الله- ممن عرف لوقته قيمته، فهو يقود بزمام نفسه للمعالي أطرا لها على الحق أطرا.

وإن مما يؤسف له أن يستشري هذا المرض، وهو إضاعة الأوقات إلى من تتوسم فيهم الأمة الخير والنهوض بها من مهاوي الذل إلى معالي العز.

وإذا أمعن المسلم النظر في الأسباب الدافعة للناس على هذا التفريط وجد أنها لا تخرج عن أمرين:

الغفلة والتسويف، وإن الغفلة لداء عظيم ومرض خطير أصيبت به الأمة في هذه الأزمان حتى فُقد الحسُ الواعي بالأوقات، وقد حذر القرآن من الغفلة أشد التحذير، حتى وصف بها أهل النار الذين خلقوا لها: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا)[الأعراف: 179].

وكذلك السبب الثاني الخطر لذلكم المرض، هو: التسويف، فالتسويف هو الآلة التي دمر المرء بها وقته وحياته.

قال الحسن - رحمه الله -: إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغدك.

وقال بعض أهل العلم: إن سوف مطية إبليس، يُركِب عليها البطالين المسوفين.

أيها الناس: لنعلم جميعا أن لكل يوم عملا، ولكل وقت فرصتَه، فلنبادر باغتنام الأوقات قبل وقت الفوات، ولنحذر من التسويف، فكم في المقابر من قتيل لـ "سوف"، فلنحذر أن نكون من قتلاها وضحاياها.

اللهم اعمر أوقاتنا بذكرك وطاعتك، وحسن عبادتك يارب العالمين.

أقول قولي....

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه المترادف المتوال، والشكر له على نعمه التي لا يأتي عليها العد ولا الخيال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بلغ من صفات البشر الكمال، صلى الله عليه.....

أما بعد:

فيا معاشر المسلمين: إن الواجب على المسلم تنظيم وقته بين الواجبات والأعمال، على اختلافها دينا ودنيا، بحيث لا يطغى جانبٌ على آخر، ولا مهمٌ على أهم منه.

أيها المؤمنون: إن العبد إذا حرص على استغلال وقته، وعلم الله منه الصدق في ذلك، وفقه الله لما فيه المصلحة العظيمة في الدارين.

ولهذا يجب على العبد أن يسلك الطريق الصحيح المعين على استغلال الوقت، وذلك أن لاستغلال الوقت أسبابا معينةً على ذلك:

فمن ذلك صحبةُ المحافظين على أوقاتهم، فبهم تعرف قيمة الوقت، والبعد عن البطالين المضيعين لأوقاتهم، الذين ليس لهم هم إلا القيلَ والقال وإضاعة المال والأكل والشرب.

ومنها: تنويع ما يُستغلُ به الوقت، فإن النفس بطبيعتها سريعة الملل خصوصا نفس من لم يعتد على ذلك، فعلى العبد أن يراوح بها بين المهم والأهم والاستعانة بشيء من الترويح المباح.

ومنها: التفكر في أن ما فات من الوقت لا يمكن إرجاعه ولو بأغلى الأثمان، بل ولا يمكن تعويضه.

ومنها: تذكر الموتِ وساعةِ الاحتضار، وذلك حين يستدبر العبدُ الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو أتيحت له فرصة، أو منح فرصة من الزمن ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات ولكن هيهات هيهات.

ومن أهم الأسباب المعينة على استغلال الوقت: معرفة أحوال السلف، وكيف كانوا يحرصون على أوقاتهم، فهم خير من عرف قيمةَ الزمن، واستغله بما ينفع.

قال الحسن: أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد حرصا منكم على دراهمكم ودنانيركم.

وقال ابن مسعود: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي".

وقال عبد الرحمن بن مهدي: "كنا مع الثوري بمكة نتحدث فوثب، وقال: النهار يعمل عمله".

وقال ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعةَ الوقت يقطعك عن الله والدار الآخرة، وأما الموت فيقطعك عن الدنيا وأهله"ا هـ.

عباد الله: ها نحن في سعة من أوقاتنا، ولربما شكى البعض من الفراغ والسآمة، فأقول: إن أمامنا إجازةً طويلة ينبغي للعبد الفطن أن يرتب لها الترتيب الصحيح المثمر، وأن ينظر في مجالاتِ استثمار الوقت فهي كثيرة جدا، فمن أهم هذه المجالات:

قضاء هذه الإجازة في حفظ كتاب الله -عز وجل- وتعلمه وتعليمه، وكذلك طلب العلم الذي لا يعدله شيء، سئل الإمام أحمد عن أفضل النوافل، فقال: طلب العلم إذا صلحت النية.

عباد الله: لقد سُهلت لنا الأمورُ أكثرَ من غيرنا، فاستغلال الوقت لا يحتاج إلى عناء وتعب، وما على العبد إلا إخلاص النية، وترتيب المهمات، وقد رسمت له عدة طرق كلها من استغلال الوقت، فهاهي المساجد لحفظ كتاب الله، وهاهي الدورات العلمية التي يحاضر فيها ثلة من العلماء وطلبة العلم، في كل حي تقريبا، وهاهي الدورات لحفظ المتون، فليسأل العبد نفسه ما نصيبه من هذه المرابحات، أم أنه يرى الناس يغدون ويروحون في الفضائل، وهو عن ذلك من الغافلين.

أترضي أن تكون رفيق قوم

لهم زاد وأنت بغير زادِ

ومن مجالات استغلال الوقت: الإكثار من النوافل، وكثرة ذكر الله -تعالى-، فإنه أنفس ما عمرت به الأوقات، وليس في العبادات شيء يسع الوقت كله، مثل ذكر الله -تعالى-.

ومنها كذلك: الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك صلة الرحم والسؤال عن أحوالهم وتفقدهم.

وكذلك على العبد أن يحرص على أبنائه الصغار، وذلك بشغل وقتهم في هذه الإجازة بالمفيد، وذلك بشغلهم في المراكز الصيفية التي يجد المرء بغيته من حفظ الوقت وتعليمهم النافع المفيد.

ولا ينس العبد المؤمن أوقات الصلوات، والخلوات مع رب الأرض والسموات، فينبغي استغلال وقت الليل في قيامه بالتهجد وقراءة القرآن، بحيث أن العبد يستطيع تعويض ما فات من النوم بالليل في النهار لعدم الدوام الرسمي.

ولنعلم أننا موقوفون أمام الله، ومسؤولون عن أوقاتنا وتصرفاتنا؛ أخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي برزة - رضي الله عنه – قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ".

اللهم بارك لنا في أوقاتنا وفي أعمارنا وفي أرزاقنا.

اللهم علمنا ما ينفعنا...

اللهم آمنا في أوطاننا...

ربنا آتنا في الدنيا حسنة...

ربنا آت نفوسنا تقواها...

ربنا اغفر لنا ولإخواننا...