العلي
كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن ناصر السعدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
فمتى علمت أن الأمور كلها بيد الله, فلِمَ التعلق بالمخلوقين, ولِمَ الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة لغيره..
أليس الخلق كلهم عن مصالحهم ومنافعهم عاجزين؟ أليس الملوك والرعايا والأغنياء والفقراء والضعفاء والأقوياء إلى ربهم مضطرين؟ فتعين علينا أن لا نستنصر, ولا نسترزق إلا من ربنا, وكفى به ناصراً, كيف نذل ونبذل كرامتنا لملوك ...
الحمد لله الذي بيده أزمة الأمور ومقاليدها، وبإرادته حصول الأسباب والمسببات ومفاتيحها، وتبارك من لم يشاركه في الخلق والرزق والتدبير أحد من العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله, ولا ضد ولا ظهير ولا معين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, سيد المرسلين, وإمام المتقين، اللهم صل وسلم على محمد, وعلى آله وأصحابه, والتابعين لهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس, اتقوا الله, واخشوه ولا تخشوا أحداً سواه، ولا تتعلقوا بتألهكم ونفعكم وضركم, وأموركم كلها بغير الله؛ فإنه المالك القادر, الذي بيده الحياة والإماتة, وأمور الأرزاق, وبيده الإعزاز والإذلال, والإغناء والإملاق؛ قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر:2-3].
وقال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس:107].
فمتى علمت أن الأمور كلها بيد الله, فلِمَ التعلق بالمخلوقين؟ ولِمَ الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة لغير رب العالمين؟
أليس الخلق كلهم عن مصالحهم ومنافعهم عاجزين؟ أليس الملوك والرعايا والأغنياء والفقراء والضعفاء والأقوياء إلى ربهم مضطرين؟ فما منهم من أحد يملك لنفسه -فضلاً عن غيره- نفعاً ولا ضراً, ولا حياة ولا موتاً, ولا نشوراً.
فتعين علينا أن لا نستنصر, ولا نسترزق إلا من ربنا, وكفى به ناصراً, ورازقاً وولياً ونصيراً، كيف نذل ونبذل كرامتنا لمملوك مثلنا عاجز فقير؟ كيف نخشى ونخاف غير ربنا, ونواصي العباد بيده, وهو على كل شيء قدير؟
أما تولى خلقنا وتدبيرنا ونحن في الأصلاب والأرحام أطواراً أطواراً؟
أما ربَّانا بأصناف نعمه, وغمرنا ببره صغاراً وكباراً؟
أما صرف عنا السوء والآفات, ولطف بنا في كل الحالات والتنقلات؟
أما أطعمنا من جوع, وكسانا من عري, وأمننا من المخاوف؟
أما يسر لنا الأرزاق, ووقانا المحاذير والمتالف؟
فيحق لنا ألا نحمد, ولا نشكر, ولا نثني إلا عليه، وأن نذكره آناء الليل والنهار, ونتوكل عليه، ويكون خوفنا ورجاؤنا ورغبتنا مقصورة عليه.