الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | رشيد بن إبراهيم بو عافية |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
لم يكن الصحابة -رضي الله عنهم- يعتقدون بأنها مجردَ شعار يُحفظ أو كلمة تُلفظ لا رصيدَ لها في واقع الحياة، وإنما كانت عندهم قولاً باللسان، واعتقادًا بالجنان، وعملاً في واقع الحياة بالجوارح والأركان، يتوجه به كل شيءٍ لله وحده لا شريك له حُبَا أو خوفا، طمعَا أو رجاء، طلبَا أو دُعاء، سجودَا أو تعظيما، تلقيَا أو قصدا، وحده لا شريكَ له في ألوهيته كما...
الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكا فيه، ملءَ السموات وملءَ الأرضِ وملءَ ما بينهما، وملءَ ما شاءَ ربنا من شيءٍ بعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادَةَ حق وصدق، من قلبٍ مومِنٍ موقِن، ندخِرُها ليومِ الجمعِ والتغابُن، يومَ لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتَى اللهَ بقلبٍ سليم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة وختمَها، وأدى الأمانةَ وأتمها، وأعلنَها في الناسِ واضحةً صريحةً أن لا إلهَ إلا الله، ولا معبودَ بحق سواه، فميزَ بها بين المؤمنين والكُفار، والمتقين والفُجار، وأهل الجنة والنار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين المؤمنين المُوَحدِين وصحبِهِ الأخيار، ومن تبعَهُم على الحق إلى يوم الدين وسلم.
ثم أما بعد:
معشر المؤمنين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فهي الزاد نعم الزاد لمن أراد الفوز، والنجاة يوم المعاد.
واعلموا -معشر الأحباب- أن الحياة الحقيقية في إدامة الذكر، والعافية كلها في موافقة الأمر، والنجاة من الهلاك في ركوب سفينة الكتابة والسنة، والفوز فوز من زحزح عن النار وأدخل الجنة: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النارِ وَأُدْخِلَ الْجَنةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران: 185].
أحبابي في الله: روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان".
هذا الدين العظيم الذي لا يقبل الله -تعالى- من أحد دينا سواه؛ جعله الله -سبحانه- مبنيا على هذه الخمس، التي هي كالأركان والدعائم لهذا البنيان، لا يثبت البنيان بدون أركانه ودعائمه، وبقية خصال الإسلام تتمة وتكملة ورفع للبناء.
ورأس الأمر في هذه الدعائم والأركان -معشر المؤمنين- هذه الشهادة العظيمة، التي يستنقذ بها العبد نفسه من الكفر والضلال.
كانت دعوة الرسل جميعا إلى أقوامهم حقيقة هذه الكلمة الطيبة، توحيد الله -تعالى- وإخلاص الدين والعبادة له وحده لا شريك له، الكلمة التي يقر بها اللسان، ويتيقن بحقيقتها القلب والجنان، ثم تستقيم بعد ذلك على حقيقتها الجوارح والأركان.
من جاء الله بها صادقا من قلبه، موقنا بما تدل عليه، فقد نال البشرى من الله -عز وجل- بمغفرة الذنوب والخطايا، في الصحيحة (2278) عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، يرجع ذلك إلى قلب موقن، إلا غفر الله لها".
بل إن الصادق في الالتزام بحقيقة هذه الشهادة مبشر بالجنة من الله -تعالى-، قال صلى الله عليه وسلمة كما في الصحيحة(1474): "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يأتي بهما عبد محق إلا وقاه الله حر النار".
شهادةٌ عظيمةٌ ربى عليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جيلاً فريدًا في الحياة.
جيلٌ لما نطق بهذه الشهادةِ خلع عبادة الآلهةِ والأوثان المزعومة، وصارَ كل شيء فيه يتجهُ اتجاهً واحدًا لله وحده لا شريك له، من الحب والخوف والتوكل والرجاء والصلاة والزكاة والذبح والقيام والركوع والسجود والنذر والطاعة والانقياد والخضوع، بل والحياة بجميع ما فيها والممات؛ لله وحده لا شريك له.
إنها حقيقة التوحيد، وحقيقةُ شهادةِ أن "لا إله إلا الله" التي نحتاجُ دومًا إليها، ونربطُ كل شيء في التعليم بها: أن يكون اللهُ -تعالى- أحب إليكَ من كل ما عُبِدَ من دون الله -تعالى-، حُبَا أو خوفا، طمعَا أو رجاء، طلبَا أو دُعاء، سجودَا أو تعظيما، تلقيَا أو قصدا؛ اللهُ أحب إليك من كل ذلك كائنا ما كان في الحياة، وأن تتوجهَ بكل كيانك في هذه الدار لله الواحد القهار.
معشر المؤمنين: الصدقَ الصدق مع الله تفلِحوا؛ فإنه عندما كان الرجل يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله" كان يعلم في قرارة نفسه -قبل الإقدام على ذلك- أن إقراره يستلزم منه أن تكون أقواله وأعماله، وأخلاقه وتصرفاته وتصوراته؛ كلها لله -تعالى- لا شريك له، وتبعا لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وترك عليه أصحابه.
يوم كان المجتمع المسلم يمارس في حياته حقيقة الشهادة كان يشعر بالراحة والطمأنينة الكاملة؛ لأنه كان يتجه إلى طريق واحد واصل مستقيم، الطريق إلى الله وحده.
كان يرجع إلى قدوة واحدة ومثال واحد في ذلك الطريق، ويقف جميعُهُ خلف راية واحدة في الحياة، راية النبي -صلى الله عليه وسلم-.
نسأل الله السلامة والعافية والتوفيق إلى ما يحب ويرضى.
أقول ما تسمعون أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
معشر المؤمنين: إذا قامت حقيقة "لا إله إلا الله" في قلوب المؤمنين بها؛ وحين يؤمن الناس بهذه الكلمة الطيبة؛ فإنه يسهل البناء بعد ذلك على تلك القلوب الربانية المؤمنة؛ لأنها تجردت بإيمانها بحقيقة تلك الشهادة لله وحده لا شريك له، فإذا ما وردت على النفس الأحكامُ والتكاليف الشرعية، سَهُلَ عليها طاعتُها، واستسلمت لمراد الله -تعالى- طوعا ومحبة واختيارا، وانشرحت لكل ذلك القلوب والصدور.
ولذلك -معشر المؤمنين- ربط الله -تعالى- كل الأحكام والآداب والأخلاق والمطالب الشرعية بذلك النداء الرباني الخالد الذي يتكرر كثيرا جدا في نداءات القرآن الكريم: (يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ)[البقرة: 104].
وخصصَ النبي-صلى الله عليه وسلم- الجزء الأكبر في الفترة المكية -وفي دعوته عامة- في تربية المؤمنين على "لا إله إلا الله" وحقيقتها وأثرها في الحياة.
فلم يكن الصحابةُ -رضي الله عنهم- يعتقدون بأنها مجردَ شعار يُحفظ أو كلمة تُلفظ لا رصيدَ لها في واقع الحياة، وإنما كانت عندهم قولاً باللسان، واعتقادًا بالجنان، وعملاً في واقع الحياة بالجوارح والأركان، يتوجه به كل شيءٍ لله وحده لا شريك له حُبَا أو خوفا، طمعَا أو رجاء، طلبَا أو دُعاء، سجودَا أو تعظيما، تلقيَا أو قصدا، وحده لا شريكَ له في ألوهيته كما عرفوه وحده لا شريك له في ربوبيته وأسمائه وصفاته.
ثبتنا الله وإياكم على حقيقة هذه الكلمة الطيبة، وختم لنا بها، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقنوا موتاكم "لا إله إلا الله" فإنه من كان آخر كلامه "لا إله إلا الله" عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه" [صحيح الجامع: 5150)].
نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.