البحث

عبارات مقترحة:

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

التذكير من الغفلة

العربية

المؤلف سليمان بن عبد الرحمن الهديب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. بعض أهوال يوم القيامة وعذاب النار .
  2. الموت وسكرات والقبر وعذابه .
  3. عظة وتذكير .

اقتباس

جدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة والنار مورده؛ أن لا يكون له فكر إلا في الموت، ولا ذكر إلاّ له، ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، ولا تطلع إلا إليه، ولا تعريج إلا عليه، ولا اهتمام إلا به، ولا حول إلا حوله، ولا...

إن الحمد لله...

أما بعد:

فمعاشر المسلمين: يقول سبحانه وتعالى يصف حالة كثير من الناس: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[الروم: 7].

غافلون عن الموت وعن القبر وعن الحساب، وعن البعث وعن الجنة والنار، وعن الساعة وقيامها، قال عز من قائل عليماً: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الحـج: 2].

وقال سبحانه وتعالى: (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[المؤمنون: 99-100].

واسمع قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ)[الحاقة: 25- 37].

اسمع -يا عبدالله- إن كان لك قلب، اسمع يا من ترجوا النجاة من النار ولم تعمل على الهرب منها: يقول سبحانه: (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)[الأنعام: 27-28].

وقال جل جلاله: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *  وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) [الفجر: 21- 24].

ولكن هيهات هيهات ينفع الندم ذلك اليوم ذلك اليوم العظيم: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى)[المعارج: 8 - 17].

تدعو الذي ضيع الصلوات، واتبع الشهوات، وانغمس في المعاصي والمحرمات، تدعو من أطلق بصره للمحرمات، وسمعه لسماع المنكرات، ولم يقف عند حدود الله، وجعل نظر الله إليه أهون الناظرين.

تذكر يا مغرور يا من تعيش في بحر الأماني: إذا سحبت على وجهك في النار تذكر وأنت تصيح لمالك خازن النار: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)[الزخرف: 77- 78].

فجدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة والنار مورده؛ أن لا يكون له فكر إلا في الموت، ولا ذكر إلاّ له، ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، ولا تطلع إلا إليه، ولا تعريج إلا عليه، ولا اهتمام إلا به، ولا حول إلا حوله، ولا انتظار وتربص إلا له، وحقيق بأن يعد نفسه من الموتى، ويراها في أصحاب القبور.

قال مطرف بن عبدالله الشخير: "إن هذا الموت قد نغص على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيماً لا موت فيه".

وقال الحسن: "فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لب فرحا".

وروى أبو نعيم بإسناده أن عمر بن عبد العزيز شيع مرة جنازة من أهله، ثم أقبل على أصحابه ووعظهم، فذكر الدنيا فذمها، وذكر أهلها وتنعمهم فيها وما صاروا إليه بعدها من القبور، فكان من كلامه أنه قال: إذا مررت بهم فنادهم إن كنت منادياً، وادعهم إن كنت داعيا، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم، سل غنيهم ما بقي من غناه، وسل فقيرهم ما بقي من فقره، واسألهم عن الألسن التي كانوا يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون، وسلهم عن الجلود الرقيقة، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة ما صنع بها الديدان تحت الأكفان، أكلت اللحمان، وعفرت الوجوه، ومحت المحاسن، وكسرت الغفار، وبانت الأعضاء، ومزقت الأشلاء، أين حجابهم؟ وأين خدمهم وعبيدهم وجمعهم وكنوزهم، وكأنهم ما وطئوا فراشاً، ولا وضعوا هنا متكأ، ولا غرسوا شجراً، ولا أنزلوهم من اللحد قراراً، أليسوا في منازل الخلوات؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة؟ وكم من ناعم وناعمة أضحوا وجوههم بالية، وأجسادهم من أعناقهم بائنة، وأوصالهم ممزقة، وقد سالت الحرق على الوجنات، وامتلأت الأفواه دماً وصديداً، ودبت دواب الأرض في أجسادهم، ففرقت أعضاءهم، ثم لم يلبثوا إلا يسيرا، حتى عادت العظام رميما، فقد فارقوا الحدائق، وصاروا بعد السعة إلى المضائق، قد تزوجت نساءهم، وترددت في الطرق أبناءهم، وتوزعت القرابات ديارهم وأموالهم، فمنهم والله الموسع له في قبره الغض الناظر فيه، المتنعم بلذته.

يا ساكن القبر غداً ما الذي غرك من الدنيا؟ أين دارك الفيحاء، ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك اليانعة؟ وأين رقاق ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك؟ وأين كسوتك لصيفك ولشتاءك، أما رأيته قد زل الأمر، فما يدفع عن نفسه وهو يرشح عرقا، ويتلمظ عطشا، يتقلب في سكرات الموت وغمراته، جاء الأمر من السماء، وجاء غالب غالب القدر والقضاء، هيهات يا مغمض الوالد والأخ والولد، وغاسله، يا مكفن الميت، ويا مدخله في القبر وراجعا عنه، ليت شعري بأي خديك يبدأ البلى، يا مجاور الهلكى صرت في محلة الموت، ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا، وما يأتيني به من رسالة ربي، ثم انصرف رحمه الله، فما عاش بعد ذلك إلا جمعة.

أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية:

الحمد لله


معاشر المسلمين: اعلموا أننا في غفلة كبيرة عن أمور عظيمة، يشيب لها مفارق الولدان، الموت والحشر، والجنة والنار، تذكر يا من ضيعت الصلاة، تذكر يا من أكلت الربا، تذكر يا من اقترفت المعاصي، وقصرت في الفرائض، تفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله، كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهادماً للذات وقاطعاً للأمنيات، فهل تفكرت في يوم مصرعك وانتقالك من موضعك، وإذا نقلت من سعة إلى ضيق، وهجرك الأخ والصديق، وغطوك من بعد لين الفراش بتراب ومَدَر، فيا جامع المال والمجتهد في البنيان ليس لك –والله- من مال إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب.

مثل لنفسك أيها المغرور

يوم القيامة والسماء تمور

إذ كورت شمس النهار وأدنيت

حتى على رأس العباد تسير

وإذ النجوم تساقطت وتناثرت

وتبدلت بعد الضياء كدور

وإذ البحار تفجرت من خوفها

ورأيتها مثل الجحيم تفور

وإذ الجبال تقلعت بأصولها

فرأيتها مثل السحاب تسير

وإذ الوحوش لدى القيامة احشرت

وتقول للأملاك أين تسير

وإذ الصحائف نشرت فتطايرت

وتهتكت للمؤمنين ستور

وإذا الجحيم تسعرت نيرانها

فلها على أهل الذنوب زفير

وإذ الجنان تزخرفت وتطيبت

لفتى على طول البلاء صبور

وإذ الجنين بأمه متعلق

يخشى القصاص وقلبه مذعور

هذا بلا ذنب يخاف جناية

كيف المصر على الذنوب دهور

               

اللهم أيقضنا من غفلاتنا، اللهم نور قلوبنا بالإيمان، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.