البحث

عبارات مقترحة:

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

وداع رمضان

العربية

المؤلف علي مشاعل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. وداع رمضان .
  2. أصناف الناس في وداع رمضان .
  3. الحث على التعرض لنفحات رمضان .
  4. فضيلة إخراج زكاة المال في رمضان .
  5. كيفية إخراج زكاة الفطر .
  6. ختم شهر رمضان بالأعمال الصالحة .

اقتباس

إذا كنا قد ابتدأنا بالأمس صيام هذا الشهر واليوم نوشك على النهاية فإن في هذا لعبرة، لكل بداية نهاية، هل نودع شهر رمضان أم يودعنا؟! وفي كل يوم نُودع ونِودَّع، كتب الله –عز وجل- الانتقال والارتحال على كل مخلوق، حتى الزمان والمكان فلا يبقى إلا وجه الله –عز وجل-، البقاء له والدوام له وفي هذا عبرة لمن غفل عنه.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الحشر:22، 23]، هو الباقي وحده: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن:26، 27].

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

أوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأحذركم وبال عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7، 8].

أما بعد:

فيا إخوة الإيمان والعقيدة: مع آخر جمعة في شهر رمضان الجمعة اليتيمة كما يقولون، بالأمس القريب كما تذكرون كان أول يوم في رمضان ثم الجمعة تلو الجمعة واليوم نصوم يوم الجمعة الأخيرة في رمضان.

إذا كنا قد ابتدأنا بالأمس صيام هذا الشهر واليوم نوشك على النهاية فإن في هذا لعبرة، لكل بداية نهاية، هل نودع شهر رمضان أم يودعنا؟!

وفي كل يوم نُودع ونِودَّع، كتب الله -عز وجل- الانتقال والارتحال على كل مخلوق، حتى الزمان والمكان فلا يبقى إلا وجه الله –عز وجل-، البقاء له والدوام له وفي هذا عبرة لمن غفل عنه.

إخوة الإيمان: لسان حال كل مؤمن ينادي ذراته، كيانه، ينادي:

فيا شهر الصيام فدتك نفسـي

تمهـل بالرحيل والانتقال

فما أدري إذا ما الحول ولـى

وعدت بقابل في خير حال

أتلقـاني مـع الأحيـاء حيًا

أو أنك تلقني في اللحد بالي

كم من إنسان لم يدرك أول رمضان، لم يصم، وكم من إنسان أدرك أوله ولم يدرك وسطه، وكم من مسلم أدرك أوله ووسطه ولم يدرك آخره، في كل لحظة تفارق الأرواح أجسادها في الأمة في العالم، هو المحيي والمميت لا يتوقف عن الإحياء والإماتة أبدًا.

في كل لحظة يحيي خلقًا جديدًا ويميت آخرين أحياء، هذا معنى أسمائه وصفاته سبحانه، كل أسمائه وصفاته عاملة لا تتوقف، خلاق يخلق دائمًا، محيٍ يحيي دائمًا، مميت يميت دائمًا، وهكذا...

ينبغي أن نعتبر ونتعظ، ينبغي أن نتأمل ونتدبر، ينبغي أن نحمد ربنا سبحانه أن بلغنا شهر رمضان في بدايته وفي أوسطه وبلغنا الآن أواخره ينبغي أن نحمد ربنا على هذه النعمة وأن نشكره وأن نسأله أن يكون قد وفقنا لصيام هذا الشهر وقيامه وأداء حقوقه سبحانه في هذا الشهر وفي غيره، سائلين المولى -عز وجل- أن يتقبل منا شهر رمضان صحيحًا كاملاً غير منقوص، وأن يجلي لنا نعمه وآلاءه، وأن يوصّل إلينا كرمه وفيضه، وأن يجعلنا من المرحومين المغفور لهم المعتوقين من النار.

إخوة الإيمان: الناس في وداع رمضان أصناف، لأنهم في صيامه أصناف، فهم أصناف في صيامه وأصناف في وداعه، الذي كان متشوقًا إليه يعلم أنه موسم من مواسم الخير ونفحة من نفحات الكريم، استقبله بحب وشوق وسرور وإقبال وتوبة وجد واجتهاد وصدق وإخلاص واغتنام دون تفريط في بذل الجهد، وعند كل مؤمن تفريط وخطأ وتقصير لكنه بالتوبة يمحو هذا التفريط والخطأ والتقصير لأن المؤمن تواب، والله –عز وجل- يحب التوابين ويحب المتطهرين.

المؤمن اليقظ العاقل لا يرضى عن نفسه أبدًا لأنه يعلم أن نفسه مقصرة وأن نفسه غافلة وأن نفسه قد تلهو وتلعب، فهو يلومها، نفسه لوامة دائمًا يتوب من ذنوبه وأخطائه، يكفي المؤمن العاقل ذنبًا أنه لم ير أنه أدى حق الله في عبادته وأنه غفل عنه كثيرًا من أوقاته وأنه لم يملأ ظرف الوقت بما ملأه السابقون المقربون قبله وبعده ومعه، يكفي هذا شعورًا بالذنب والتقصير، يكفي أن كل عامل يرى أن هناك من يعمل أكثر منه، وأن كل فاعل خير يشعر أنه ربما غيره قد فعل خيرًا منه أو أكثر.

يكفي هذا الشعور لأنه يوم القيامة كل الناس يندمون، المحسن يندم؛ لماذا لم يزدد إحسانًا؟! والمسيء يندم؛ لماذا قد فعل الإساءة ونحن اليوم نستشعر هذا، نستشعر شيئًا من الحسرة والتقصير في جنب الله وفي ظرف هذا الشهر المبارك، نستشعر بأننا كنا قادرين على بذل الأكثر وعلى الجد والاجتهاد، وكنا قادرين على أن نتوجه بصدق ونفرغ الوقت ونعطي لربنا من وقتنا أكثر: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162، 163].

كل ما نملك هو لله؛ لأن العبد وما ملكت يداه لمولاه، فكيف نؤدي حق الله؟!

صنف من الناس وفقه الله في هذا الشهر والتوفيق متفاوت، ليسوا سواء، لكنهم وفقوا للصيام فأعطوا للشهر قدسيته واحترامه، لم ينتهكوا الشهر بالحرام، حفظوه، وجنبوه معاصي الله لأنهم يخافون الله، يخشون الله، يعبدون الله، بعيدون عن المعاصي قبل رمضان وفي رمضان وبعد رمضان.

هؤلاء يهنئون ويرجى لهم القبول ويدعى لهم بالرضا والقرب من الله –عز وجل-، فلتهنأ نفوسهم ولتقر أعينهم بما بذلوا وبما اجتهدوا وبما فعلوا، وهم كما ذكرت غير راضين عن أنفسهم، بل يبكون مزيجًا بين الفرح بتوفيق الله وبين الحسرة على ما فرطوا وما قصروا حيث لم يغنموا أكثر.

هذا صنف من خيار أصناف المؤمنين، سابقون ملتزمون صادقون، وصنف على النقيض تمامًا، لم يعرف للشهر حرمته، ولم يؤدّ فيه لربه حقه، فلم يصمه أو لم يصم بعضه ولم يواظب على صلاته ولم يفعل الخير، بل بقي سادرًا في غيه لاهيًا غافلاً بعيدًا عن ربه، لم تحركه شجون رمضان ونفحاته ولا ظرفه القدسي ولا نعم الله فيه، لم تجذبه لأنه ليس ممن يجذبه الخير؛ لأنه غارق في المعاصي والآثام، لأنه لا يعرف قدر الله ولا يؤدي واجبه.

هذا صنف من الظالمين لأنفسهم، ظالم لنفسه، ظلم نفسه ظلمًا كثيرًا وشديدًا، واليوم ما عسى الظالمون لأنفسهم أن يفعلوا؟! هل ينتهي شهر الصوم وتغرب شمسه ويأتي العيد وهم في هذه الغفلة لم يواظبوا على الصلاة ولم يصوموا الشهر ولم يؤدوا حقه ولم يبتعدوا عن محرمات الله –عز وجل- ولم يتوبوا إلى الله سبحانه، ألم يسمعوا أن رمضان شهر المغفرة، أن رمضان شهر الرحمة، أن رمضان شهر الإنابة والرجوع والقبول!! ألم يسمعوا أن الذي يدركه شهر رمضان ثم ينصرم عنه وينتهي ولا يكتب الله له المغفرة والرحمة أنه ذليل قد رغم أنفه وذل، أنه قد أبعده الله وأدخله النار، وهذا ما قاله جبريل -عليه السلام- عندما بعثه الله إلى سيد الخلق سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو يصعد درج المنبر فقال: يا رسول الله: قل "آمين"، فقال: "آمين"، ثم صعد الثانية فقال: قل "آمين"، فقال: "آمين"، ثم صعد الثالثة فقال: قل "آمين"، فقال: "آمين"، ولما سأله قال: "يا محمد: يا رسول الله: من أدرك شهر رمضان فأبعده الله فلم يغفر له فأدخله النار، قل: "آمين".

وفي رواية: "رغم أنف من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له، ومن أدرك والديه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخلاه الجنة، فأبعده الله وأدخله النار، قل "آمين"، فقلت: "آمين"، ومن ذكرت عنده ولم يصل عليك فأبعده الله فأدخله النار، قل "آمين"، فقلت: "آمين". اللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم.

إخوة الإيمان: هذا صنف آخر، صنف قد ظلم نفسه فمتى يرجع؟! متى يرجع إلى فطرته؟! متى يرجع إلى ربه؟! متى يرجع إلى حقيقة الأمر؟! متى يعود قبل فوات الأوان؟!

يا نفـس توبي فإن الموت قد حانَ

واعصي الهوى فالهوى مازال فتانًا

في كل يوم لنـا ميت نشــيعه

نـرى بمصـرعه آثـار موتـانا

يا نفـس ما لي وللأمـوال أتركها

خلفي وأخـرج من دنياي عريانًا

لا تـركن إلى الـدنيا وما فيها

فالموت لاشك يفنينا ويفنيها

واعمل لدارٍ غدًا رضوان خازنها

والجار أحمد والرحمن ناشيها

قصورها ذهبٌ والمسك طينتها

والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها

لا تركن إلى القصور الفاخرة

واذكر عظامك حين تمسي ناخرة

وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل

يا ربي إن العيش عيش الآخرة

ابن آدم: علام الظلم للنفس، وإلامَ الظلم؟! إلى متى؟! ولأي شيء؟! علام نظلم أنفسنا ونتجاوز حدودنا، لماذا لا نرجع إلى ربنا؟! المجال لا يزال مفتوحًا، وساعات رمضان لا تزال قائمة، وقد عرفنا أن الله –عز وجل- ينظر إلى هذه الأمة في أول ليلة من شهر رمضان، وأن خلوف فم الصائم منها أطيب عنده من ريح المسك، وأن الملائكة تستغفر للصائمين في كل يوم وليلة، وأن الله يأمر جنته أن تستعد لعباده المتقين لأنهم قد أوشكوا أن يرتحلوا عن هذه الدنيا، وكما ذكرت في كل لحظة من يرتحل عن هذه الدنيا سواء كان محسنًا أو مسيئًا طائعًا أو عاصيًا، متلبسًا بالجريمة أو شهيدًا في أرض المعركة.

في كل لحظة من يلقى الله، في كل لحظة من يسافر سفرًا لا عودة فيه ولا رجعة.

تـأهب للـذي لابد منه

فإن الموت ميقات العباد

أترضى أن تكون رفيق قوم

لهم زاد وأنت بغير زاد

أخا الإيمان: إن الظالم لنفسه يجب أن يتوب إلى ربه، يجب أن يندم ولو في آخر ساعة، يجب أن لا تغرب شمس هذا الشهر وهو غافل وهو عاصٍ وهو متلبس بالكبائر وهو معرض عن خالق الأرض والسماوات وهو غافل عن فرائض الله -عز وجل-، يجب أن نرجع إلى الله.

والصنف الثالث في هذا الشهر ونحن نودعه صنف صام ولكنه قصر، لم يصم الصوم الحقيقي، أطلق لجوارحه انزلاقاتها ومساراتها وأفعالها، فقد عصى بلسانه وعينه وأذنه، وبيده ورجله فعل من الأخطاء ما لم يصل إلى الكبائر، فعل المحرمات التي هي اللمم، ليست بالكبيرة من كبائر الذنوب الموبقة، لكن الصوم يقتضي البعد عن الصغائر والكبائر، الصوم يقتضي أن تصوم الجوارح عما حرم الله –عز وجل- من غيبة أو نميمة أو كذب أو إيذاء أو نظر محرم أو سماع آثم.

لا ينبغي أن نتهاون ونحن صائمون بمحرمات الله –عز وجل-، بل ينبغي أن نحاسب النفس حسابًا شديدًا حتى يهون الحساب أمام الله –عز وجل-، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتزينوا لليوم الأكبر يوم العرض على الله -جل جلاله-.

إخوة الإيمان: إننا في هذه الساعات الأخيرة في هذه الأوقات الختامية إننا نودع هذا الشهر المبارك، إننا لو عرفنا حقيقته، ولو عرفنا عطايا الله فيه، ولو عرفنا نفحات ربنا في ليله ونهاره، لتمنينا ورجونا أن تكون الحياة كلها رمضان، ولا عجب فهذا ما صرح به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو يعلم الناس ما في رمضان لتمنوا أن تكون الحياة رمضان"، ورجوا أن تكون الدنيا كلها رمضان.

أجل لأن شهر رمضان شهر تنزل فيه الرحمة، شهر عتق الرقاب من النار، شهر المغفرة، شهر الجود والعطاء، شهر النعم والآلاء والفضل المتدفق على البرية، شهر فيه تنزل كل معاني الخير وكل فضائل هذا الشهر على العباد المتعرضين له.

أجل -إخوة الإيمان- فهل من متعرض لهذه النفحات؟! هل من متدارك لما فات؟! هل من تائب سائل أو مستغفر؟! هل من نادم على التقصير والتفريط؟! إن رحمة الله قريب من المحسنين، وإن الإحسان هو الإتقان، وإن الله كتب الإحسان على كل شيء.

إخوة الإيمان: أذكر نفسي وإياكم بفريضة الزكاة التي فرضها الله حتى يكون أداؤها في هذا الشهر الكريم أداء لسبعين فريضة في الأجر، من لم يؤدّ زكاة ماله فليبادر، ومن بقي عليه شيء من الزكاة فلا يؤخر، وزكاة الفطر أيضًا واجبة، فرض النبي -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر على الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الحر والعبد من المسلمين، صاع من طعام أو صاع من بر أو تمر أو شعير، صاع من غالب قوت البلد مما يأكله الناس ويتقوتون به.

هذا هو الأصل في صدقة الفطر، ويتساءل الناس في كل سنة: هل يجوز إخراج القيمة؟! إن الحديث ينص على الطعام أو على القوت، ولكن بعض الصحابة والأئمة المجتهدين -رضي الله عنهم وأرضاهم- نظر إلى مصلحة الفقير ورأى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: أغنوهم في هذا اليوم عن السؤال، أي أغنوا الفقراء عن أن يمدوا أيديهم إلى الناس في حاجة أو فاقة، أعطوهم ما يغنيهم، وإذا كان المقصود هو إغناء الفقير فإن إغناء الفقير يكون بقيمة الطعام وخاصة مع اختلاف الزمان وحوائج الناس؛ لذلك أجاز فريق من الفقهاء إعطاء القيمة وإن تشدد البعض الآخر في دفع الطعام فديننا يسر وواسع، ولا ينبغي لأهل العلم أن يتشددوا، فمن أخرج الطعام فقد وافق ظاهر النص ومقتضاه، ومن أخرج القيمة للفقراء والمساكين والمحتاجين فقد راعى أيضًا مصلحة الفقير وحاجاته، ولم يرد أن الله لا يقبل إلا الطعام، إنما كان المفروض طعامًا، ولقد كان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- وعمر بن عبد العزيز -رحمه الله- يأخذون من الناس القيمة عن الزكاة لحاجة الفقراء وفاقتهم إلى ذلك، فمن فعل هذا أو هذا فلا حرج، ولا ينبغي التشديد والتعسير والتضييق على عباد الله طالما أن سلفهم الصالح قد فعلوا هذا وهذا.

كما أذكر نفسي وإياكم بأن نختم ساعات هذا الشهر المبارك بالحسنى وبالعمل الصالح، فالأمور بخواتيمها، وأن نزداد إقبالاً وتوجهًا وتوبة وعملاً صالحًا، وأن لا نتصور أن العمل الصالح يقل إذا انتهى شهر رمضان، وأن لا ننصرف عن ربنا ليلة العيد ويومه، بل إن يوم العيد وليلته من الأيام والأوقات الكريمة التي ينبغي أيضًا أن نملأها بالخير والعمل الصالح، وأن نكون يوم العيد وما بعده عبيدًا صالحين طائعين ملتزمين، غير مالّين ولا كارهين ولا معرضين ولا منصرفين عن ربنا، وأن نواظب على ما تعودنا عليه في هذا الشهر المبارك، وأن نزداد من الأعمال القلبية الصالحة، وأن نمحص النفوس والقلوب ونطهرها من أدرانها وأوصافها السيئة من الرياء والنفاق ومن العجب والكبر ومن الحسد والضغينة ومن الحقد ومن كل صفة تبعدنا عن الله –عز وجل-.

فينبغي أن نخلي قلوبنا وننظفها ونزكي نفوسنا ونطهرها في هذه الأوقات وما بعدها حتى نكون ممن طاب قلبه وزكى نفسه حتى يختم له بحسن الخاتمة ونلقى ربنا وهو راضٍ عنا غير غضبان.

نسأل الله –عز وجل- أن يمن علينا بخير وعافية، وأن يرحم أمواتنا وأمواتكم وأموات المسلمين، وأن يتغمد شهداء هذه الأمة الذين يدافعون عن الدين والعرض والأرض في مشارق الأرض ومغاربها.