البحث

عبارات مقترحة:

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

العلم بأسماء الله وصفاته

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التوحيد
عناصر الخطبة
  1. أهمية العلم بأسماء الله وصفاته وعلاقته بأصل الدين .
  2. الأدلة علي أهمية ومكانة العلم بأسماء اله وصفاته من الكتاب والسنة وأقوال أئمة السلف .
  3. علاقة العلم بأسماء الله وصفاته بإيمان العبد وصلاحه .
  4. ذكر فوائد العلم بأسماء الله وصفاته .
  5. أهم نتائج العلم بأسماء الله وصفاته ، الفهم التام والحقيقي لأوامر الله ونواهيه ، وما يليق به عز و جل ، وما لا يليق ، وهي مرتبة البصيرة . .
اهداف الخطبة
  1. بيان أهمية العلم بأسماء الله وصفاته
  2. بيان آثار وفوائد أسماء الله وصفاته
  3. بيان منزلة الإيمان بالأسماء والصفات
  4. التذكير بنتائج العلم بأسماء الله وصفاته.

اقتباس

والقرآن فيه ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله أكثر مما فيه ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة، والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته أعظم قدراً من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة لذلك، كما ثبت ذلك في حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال لأبي بن كعب " أتدري أيّ آية في كتاب الله أعظم ؟ " قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم . فالعلم بأسماء الله وصفاته تفتح للعبد آفاقا واسعة للتلذذ بالطاعة والعبادة، وتترجم المقامات الإيمانية العلية لواقع عملي في حياة العبد...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الكبير المتعال، ذي الآلاء والأفضال،  الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، ذي العظمة والجبروت، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون في خلقه إلا ما يريد، ذي الكبرياء والجمال، والعزة والإجلال، له الأسماء الحسنى والصفات العلي، أحمده حمد الشاكرين الراضين،  وأثني عليه ثناء الذاكرين المنيبين، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي هو في السماء إله وفي الأرض إله، وهو العزيز الحكيم، إله الأولين والآخرين،  وخالق الخلق  ورازقهم أجمعين، وحاشرهم إلي يوم الدين،   وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلغ الناس شرعه، أدي الأمانة، ونشر الديانة، ونصح لهذه الأمة، وكشف تعالي به الغمة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله: أوصيكم ونفسي بما أوصى به الله عز و جل عباده المؤمنين، أوصيكم بتقوى الله، فمن اتقاه وقاه، ومن همّ الدنيا كفاه، ومن فتنها نجّاه، وأرشده إلى صالح دنياه وأُخراه.

أيها المسلمون: اعلموا - وفقني الله وإياكم - أن من أعظم مقامات الإسلام، وأخطرها وأهمها في حياة العبد، بل أن هذا المقام  يتوقف عليه  صلاح دنيا العبد وآخره، وفلاحه  ونجاته وأمنه واستقامته وعبادته،  وغيرها من المطالب العلية  كلها موقوفة على فهم هذا المقام، بل لا حياة على الحقيقة بدون فهمه والعمل به.

هذا المقام - أحبتي في الله - هو مقام العلم بالله عز و جل، ومعرفةَ الرب العظيم والخالق الجليل بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وهذا - عباد الله - أساس من أسس الدين العظيمة وأصل من أصول الإيمان المتينة، فقوام الاعتقاد وأصلُه وأساسُه معرفة الله جل وعلا بمعرفة أسمائه وصفاته، فما أعظمَه من مقام وما أجلَّها من منزلة وما أعلاها من رتبة حينما يتعرف العبد على ربه وخالقه ورازقه ومحييه والقيوم عليه، والشهيد على أفعاله، البصير بدخائل قلبه، والخبير بخفايا نفسه.

هذا المقام هو أول مقام افترضه المولى على عباده في الدين؛ لأنه أصل الأصول، ومفتاح الوصول، والفقه في أسماء الله الحسنى وصفاته العلية هو الفقه الأكبر في الدين، وهو أشرف ما صرفت فيه الأنفاس والأعمار، وخير ما سعى في تحصيله ونيله أولو النهى والأبصار، بل هو الغاية التي تسابق إليها المتسابقون، والجائزة الغالية التي تنافس فيها المتنافسون، وهو عماد السير إلى الله، والمدخل القويم لنيل حبه ورضاه، والصراط المستقيم لكل من أحبَّه الله واجتباه، وهو أساس بناء الدِّين، ومفتاح الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته، وكلّما كان هذا الأساس راسخا حمل البنيان بقوة وثبات، وسَلِم من التداعي والسقوط.

قال ابن القيم رحمه الله: " من أراد علوَّ بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدَّة الاعتناء به، فإن علوَّ البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه، فالأعمال والدرجات بنيان وأساسها الإيمان، ومتى كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه، وإذا تهدَّم شيء من البنيان سهل تداركه، وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت، وإذا تهدم شيء من الأساس سقط البنيان أو كاد.

فالعارف همَّته تصحيح الأساس وإحكامه، والجاهل يرفع في البناء عن غير أساس فلا يلبث بنيانه أن يسقط قال تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) [ التوبة: 109 ], فاحمل بنيانك - يا عبد الله - على قوة أساس الإيمان, فإذا تشعث شيء من أعالي البناء وسطحه كان تداركه أسهل عليك من خراب الأساس...".

ومن أجل ذلك زخر القرآن الكريم بالآيات المحكمات المدلِّلة والمرسِّخة لهذا الأساس، وهي الدلائل التي أثبتت هذا الأصل في أكثر من ثلاثين موضعا في الكتاب الحكيم، بل لا تكاد تخلو آية من آياته من ذكر لأسماء الله الحسنى وصفاته العليا؛ مما يدل دلالة واضحة على أهمية العلم، ومن  أمثلة الآيات الداعية للعلم بأسماء الله وصفاته:

قال تعالى: (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [ البقرة: 209 ]، وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:233]، وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [ البقرة: 235 ]، وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 244]، وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [ البقرة: 267 ]، وقال: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 98]، وقال: (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الأنفال: 40] ، وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة: 235]، وقال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) [ محمد: 19 ], والآيات كثيرة نكتفي بما ذكرناه من أمثلة ودلائل.

وذكر أسمائه وصفاته في القرآن، فهو الخبر الذي فاق كل الأخبار، والعلم الذي انهال في الكتاب كالغيث المدرار،  فهو كثير جدَّا ولا يقارن بما سواه من أمور وعلوم ذكرها الواحد القهار، إذ هو أعظم شيء ذكر في القرآن وأفضله وأرفعه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والقرآن فيه ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله أكثر مما فيه ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة، والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته أعظم قدراً من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة لذلك، كما ثبت ذلك في حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال لأبي بن كعب " أتدري أيّ آية في كتاب الله أعظم ؟ " قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، فضرب بيده على صدره وقال: " ليهنك العلم أبا المنذر"[مسلم(810)].

وأفضل سورة ؛ الفاتحة  أم القرآن كما ثبت في حديث أبي سعيد بن المعلى حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها وهي السبع المثاني, والقرآن العظيم الذي أوتيته "[البخاري (4474)]، وفيها من ذكر أسماء الله وصفاته أعظم مما فيها من ذكر المعاد.

وقد ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن، وثبت أن بشرا لما كان يقرأها يقول: "إني لأحبها لأنها صفة الرحمن بأن الله يحبه، فبيَّن أن الله يحب من يحب ذكر صفاته سبحانه وتعالى وهذا باب واسع ".

وحقيقة الإيمان: أن يعرف العبد ربه الذي يؤمن به، ويبذل كامل جهده في معرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة آلائه وإحسانه، ويتدرج في مراقي الإيمان حتى يبلغ درجة اليقين والإحسان، وكلما ازدادت معرفته بربه زاد إيمانه به، وكلما نقصت معرفة العبد لربه كلما نقص إيمانه، لذا ينبغي للعبد أن يعرف أن ربه هو الواحد الأحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، وفقه معانيها, والاشتغال بهذا العلم، وبذل الجهد لفهمه.

فالعلم بأسماء الله وصفاته تفتح للعبد آفاقا واسعة للتلذذ بالطاعة والعبادة، وتترجم المقامات الإيمانية العلية لواقع عملي في حياة العبد.

واعلموا – يا عباد الله – أن للعلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلية فوائد عظيمة في الدنيا والآخرة منها:

أوّلا: أنَّ معرفة الله بعلم الأسماء والصفات أشرفُ العلوم وأفضلُها وأعلاها مكانةً وأجلُّها شأناً، وشرف العلم وفضلُه من شرف معلومه، ولا أشرف وأفضل من العلم بالله وأسمائه وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، ولهذا فإنَّ الاشتغال بفهمه والعلم به والبحث عنه اشتغال بأسمى  المطالب وأجَلِّ المقاصد، وهو النوع الثالث من أنواع التوحيد الثلاثة، فتوحيد العبد لربه لا يتم إلا بمعرفة أسماء الله وصفاته.

ثانياً: أنَّ معرفة الله والعلم به تدعو العبد إلى محبّته وتعظيمه وإجلاله وخشيته وخوفه ورجائه وإخلاص العمل له، وحاجة العبد إلى هذا وتحصيله هي أعظمُ الحاجات وأفضلها وأجلها، قال ابن القيم رحمه الله: " وليست حاجة الأرواح قطُّ إلى شيءٍ أعظمَ منها إلى معرفة باريها وفاطرها ومحبّتِهِ وذِكره والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه و الزلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلَّما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب، وكلَّما كان لها أنكر كان بالله أجهل وإليه أكره ومنه أبعد، والله ينزِل العبد من نفسه حيث يُنزله العبدُ من نفسه".

ولا سبيل لنيل هذا وتحصيله إلا بمعرفة أسماء الله وصفاته والتفقّه فيها والفهم لمعانيها، لذلك فإن العبد إذا عرف أن ربه هو الواحد الأحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11], سوف يزداد له حبا وتعظيما وإنابة وتوكلا، سوف يعلم أنه سبحانه الرب وكل ما سواه مربوب, وهو الملك وكل ما سواه مملوك, وهو الخالق وكل ما سواه مخلوق, وهو القوي وكل ما سواه ضعيف, وهو العزيز وكل ما سواه ذليل, وهو الغني وكل ما سواه فقير, وهو الرزاق وكل ما سواه مرزوق, وهو الحي وكل ما سواه يموت.

ثالثاً: أنَّ الله خلق الخلق وأوجدَهم من العَدَم، وسخّر لهم السموات والأرض وما فيهما ليعرِفوه ويعبدوه، كما قال سبحانه: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثَلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) [الطلاق 12]، وقال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِن رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينِ)  [الذاريات 56 ـ 58], فهذه الغاية التي خُلق الخلقُ لأجلها, وأوجِدوا لتحقيقها، فالاشتغال بمعرفة أسماء الله وصفاته اشتغال بما خُلق له العبد، وتركه وتضييعه إهمال لما خُلق له، ولا ينبغي لعبدٍ - فضلُ الله عليه عظيم، ونِعَمُه عليه متوالية - أن يكون جاهلاً بربّه مَعرِضاً عن معرفته سبحانه.

رابعاً: أنَّ أحد أركان الإيمان الستّة، بل أفضلها وأصلها هو الإيمان بالله، فهو الركن الركين وعمود هذا الدين، وليس الإيمانُ مجرّدَ قول العبد آمنت بالله من غير معرفته بربّه، بل حقيقة الإيمان أن يعرف ربّه الذي يؤمن به ويَبذل جهدَه في معرفة أسمائه وصفاته، ويتدرج في مراقي الإيمان، حتى يبلغ درجة اليقين، فيكون عابدا على بصيرة، خائفا على بصيرة، مخبتا منيبا على بصيرة،  وبحسب معرفته بربّه يكون إيمانُه، فكلما ازداد معرفة بأسمائه وصفاته ازداد معرفةً بربِّه، وازداد إيمانُه، وكلما نقص نقص، ولهذا قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) [فاطر:28].

قال ابن كثير رحمه الله: " أي إنَّما يخشاه حق خشيته العلماءُ العارفون به؛ لأنَّه كلَّما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفةُ به أتمَّ والعلمُ به أكملَ، كانت الخشيةُ له أعظمَ وأكثر"

اللهم اجعلنا من عبادك العالمين العاملين، وارفعنا لأعلى الدرجات في أعلى عليين، واحشرنا آمنين يوم الدين، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، وصلاة وسلاما على من لا نبي بعده، المبعوث رحمة للعالمين، إمام الأنبياء والعاملين، أما بعد:

أيها المسلمون: ومن الأمور بالغة الأهمية في باب العلم بأسماء الله وصفاته، أن العلم به تعالى أصلُ الأشياء كلِّها، فهو سر الأسرار، ومفتاح العلوم، وباب الفهم الكامل لأمور الدنيا والآخرة، حتى إنَّ العارفَ به حقيقة المعرفة يستدل بما عرف من صفاته وأفعاله على ما يفعله وعلى ما يشرعه من الأحكام؛ لأنَّه سبحانه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته.

فأفعاله دائرةٌ بين العدل والفضل والحكمة، ولذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام إلاّ على حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله، فأخباره كلُّها حقٌ وصدقٌ، وأوامره ونواهيه كلُّها عدلٌ وحكمةٌ.

والعبدَ إذا تدبّر كتاب الله وما تعرَّف به سبحانه إلى عباده على ألسنة رسله من أسمائه وصفاته وأفعاله، وما نزّه نفسه عنه مما لا ينبغي له ولا يليق به سبحانه، وتدبّر أيامه وأفعاله في أوليائه وأعدائه التي قصَّها على عباده وأشهدهم إياها ليستدلوا بها على أنَّه إلهُهُم الحق المبين، الذي لا تنبغي العبادةُ إلا له، ويستدلوا بها على أنَّه على كلِّ شيء قدير، وأنَّه بكلِّ شيء عليم، وأنَّه شديد العقاب، وأنَّه غفور رحيم، وأنَّه العزيز الحكيم، وأنَّه الفعّال لما يريد، وأنَّه الذي وسع كلَّ شيء رحمةً وعلماً، وأنَّ أفعالَه كلَّها دائرةٌ بين الحكمة والرحمة والعدل والمصلحة، لا يخرج شيءٌ منها عن ذلك، فإذا تدبّر العبدُ ذلك أورثه ولا ريب زيادةً في اليقين، وقوّةً في الإيمان، وتماماً في التوكّل.

ولهذا فإنَّ حظَّ العبد من الصلاح واستحقاقه من المدْح والثناء إنَّما يكون بحسب معرفته بربه سبحانه  وعمله بذلك.

لذا حري بكل عبد مؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا أن يتحري هذا العلم ويطلبه أشد الطلب، ويقتفي آثاره، ويحصله من مظانه، ليعبد الله على بصيرة، ويصدق في دعاواه أنه يحب الله عز وجل، فمن أحب شيئا اهتم به أيما اهتمام، وحرص على معرفة كل أموره وأحواله وما يحب وما يبغض، وعلم كل شيء عنه، فمن أحب شيئا أكثر من ذكره، ولهج به ليل نهار، وهذا مشاهد من أحوال أرباب الدنيا وأتباع الأهواء، فمن أحب الدنيا، أكثر من ذكر وصار خبيرا في أمورها وفنونها، ومن أحب الآخرة أكثر من وصفها والمنجيات من أهوالها واستعد للقائها، ومن أحب الله تعالى أكثر من ذكره والتعرف على صفاته ومعاني أسمائه؛ لأن هذا الذكر وهذا العلم سيزيده حبا وقربا من حبيبه الذي يحب، ويورثه السبل التي تزيده قربا وحظوة عند من يحب.

نسأل الله جل في علاه أن يجعلنا من عباده السعداء، الذين من عليهم بسلوك دربه، وولوج طريق العلم به وبأسمائه وبصفاته، وأن يزيدنا علما وفهما، أنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معـصيتك .. ومن طاعـتك ما تبلّـغـُـنا به جنتَـك .. ومن اليقـين ما تُهـّون به عـلينا مصائبَ الدنيا .. ومتـّعـنا اللهم بأسماعنا وأبصارِنا وقـواتـِنا ما أبقـيتنا .. واجعـلهُ الوارثَ منـّا .. واجعـل ثأرنا على من ظلمنا.. وانصُرنا على من عادانا .. ولا تجعـل مصيبـتَـنا في ديـننا .. ولا تجعـل الدنيا أكبرَ هـمِنا .. ولا مبلغَ علمِنا .. ولا إلى النار مصيرنا .. واجعـل الجنة هي دارنا .. ولا تُسلط عـلينا بذنوبـِنا من لا يخافـُـك فينا ولا يرحمـنا .

اللـهم أصلح لنا ديـنـَنا الذي هـو عـصمةُ أمرِنا .. وأصلح لنا دنيانا التي فـيها معـاشُنا .. وأصلح لنا آخرتـَنا التي إليها معـادنـا .. واجعـل الحياة زيادةً لنا في كل خير .. واجعـل الموتَ راحةً لنا من كلِ شر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.