البحث

عبارات مقترحة:

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

كبيرة القتل بغير حق

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات
عناصر الخطبة
  1. الشقاء والأشقياء درجات .
  2. جراثيم آدمية .
  3. الترهيب من قتل النفس المعصومة .
  4. جزاء القاتل في الآخرة .
  5. جريمة قتل المسلم لأخيه .
  6. النفوس المتوحشة لا تأبه بالنصوص المحذرة من القتل .
  7. نصرة الله للمظلومين وخذلانه للظالمين .
  8. خطر إعانة الظالم على ظلمه .
  9. الكيد والتعذيب ديدن الطغاة المستكبرين .

اقتباس

هم فعلا ظاهرة غريبة عجيبة تستحق الدراسة والتحليل، مخلوقات متعددة الجنسية، رأيناهم في البوسنة لما هاجم ذلك الصنف من المخلوقات بكل قسوة على المسلمين المستضعفين، قتلا وتعذيبا، واغتصابا، بلا رحمة، ورأيناهم على هيئة ميلشيات في مذابح التطهير العرقي في روندا، ورأيناهم في كتائب الموت في العراق يقتلون على الهوية وعلى الاسم، ورأيناهم شبيحة في الشام، وأخيرا رأيناهم بـ...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]

 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

يقول الله -تعالى-: (يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)[هود: 105-107] فمنهم شقي وسعيد.

معاشر المسلمين: الشقاء والشقوة من معانيها الفساد والضلال، ولذلك يقول المجرمون يوم القيامة: (غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ)[المؤمنون: 106].

والأشقياء في دنيانا كثر -نسأل الله السلامة والعافية-.

الإنسان مهما حاول الابتعاد عنهم، والحذر منهم، فإنه قد يصطدم بهم في يوم من الأيام في حياته، فعلينا جميعا الحذر من أولئك الأشقياء.

وهؤلاء الأشقياء درجات كما هو حال كل شيء تقريبا في هذه الخليقة، الإيمان والكفر درجات، والخير والشر، والذكاء والغباء، وهكذا درجات.

فالأشقياء درجات أيضا منهم شرهم على أنفسهم فقط، شقي شره على نفسه، إما أن يكون هذا الشر جسديا، أو يكون بلسانه، أو بكتابته على نفسه، ومنهم شرهم يطال الغير يصل إلى الغير، ومنهم شرهم يستهدف الغير تهديدا، وهؤلاء أتعس وأشقى صنف.

وهذا الشر كما تقدم يتفاوت منه البسيط، ومنه المفرط المعقول، ومنه الفاحش الذي يتجاوز التصور العقلي، ينقلب فيه الشقي إلى حالة هستيرية لا إنسانية، ولا حتى وحشية؛ لأن الوحوش تقتل لكنها لا تقتل إلا لخوف، أو من جوع، لا تقتل إلا لخوف، أو من جوع، أما القتل لأجل مجرد القتل، بل والتلذذ بالقتل فيما يشبه السادية، والتفنن في طرق القتل في أناس عزل أبرياء، رجال ونساء، من مختلف الأعمار، بل حتى الأطفال لا يسلمون من قتلهم، هذا عمل مخلوقات لا حيوانية ولا بشرية.

صنف آخر من المخلوقات سمها ما شئت، جراثيم ضارة الشكل، طفيليات ضارة على هيئة بشر، سمها ما شئت، لكن المهم أن يبحث هم عن مصطلح مستحدث لا ضمير عندهم يخف، ولا دين يردع، ولا عقل يزن، ولا مبدأ يحترم، مخلوقات أنشئت على شر، ودربت على الشر، وأشربت بغض الناس، والحقد عليهم، يتحكم بها الظلمة المستبدون والطغاة، ويستخدمونهم في نشر الذعر بين الناس، وبتحقيق طموحاتهم الشريرة بكل قسوة، أشقياء، تعساء، يعيشون بين الناس وما هم منهم، أسماءهم مسلمة لكن لو جئتهم بالقرآن كله، ومواعظ الأرض كلها دون استثناء لما استجابوا ولا تأثروا.

هم فعلا ظاهرة غريبة عجيبة تستحق الدراسة والتحليل، مخلوقات متعددة الجنسية، رأيناهم في البوسنة لما هاجم ذلك الصنف من المخلوقات بكل قسوة على المسلمين المستضعفين، قتلا وتعذيبا، واغتصابا، بلا رحمة، ورأيناهم على هيئة ميلشيات في مذابح التطهير العرقي في روندا، ورأيناهم في كتائب الموت في العراق يقتلون على الهوية وعلى الاسم، ورأيناهم شبيحة في الشام، وأخيرا رأيناهم بلطجية في مصر.

وليس الإشكال الأكبر فيهم، بل قبل ذلك في من يستخدمهم من السياسيين المنتفعين، ويسلطهم على عباد الله ليبطشوا بهم في طريق تحقيق مصالحهم، كيف يطيب لهم نوم بالليل أو لقمة في نهار، كيف؟

أنا أتعجب، كيف يقوى ضمير أحدهم على مواجهة فعلته الشنعاء، كيف يواجه ربه إن قام يصلي إن كان من أهل الصلاة، كيف يواجه ربه؟ لا أدري.

أسئلة محيرة في عالم اليوم!.

ولهذا لو سقت نصوص الترهيب من عاقبة قتل المسلمين بلا حق، وإيذائهم أو مجرد ترويعهم، فقط صح في الحديث: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه".

من أشار بالحديدة، فكيف بمن قتلهم؟!

هذه النصوص قد تكون نافعة لنا نحن المصلين -بإذن الله-، لكنها ستكون كلاما لا قيمة له عند أولئك المخلوقات الغريبة، ولا عند الظلمة الذين يستخدمونهم إلا أن يشاء الله.

أيها الأخوة: إن حفظ الأنفس وحمايتها ضرورة دينية، ومصلحة شرعية، بل وفطرة سوية، وطبيعة بشرية، وغريزة إنسانية، ودماء المسلمين عند الله مكرمة محترمة، مصونة محرمة، فالكل بريء لم يعتد على أحد، لا يحل سفكها، ولا يجوز انتهاكها إلا بحق شرعي.

وقتل النفس المعصومة عدوان آثم، وجرم غاشم، وذنبه عند الله أعظم بعد الشرك بالله من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.

أي جرم، أي ذنب، ففي ذلك من إيلام المقتول، وخطف حقه في الحياة، وإحزان أهله، وترميل نساءه، وتيتيم أطفاله.

كلنا يتأثر عندما يسمع عن قتل نفس مسلمة على أيدي آثمة، وأنفس شريرة مجرمة، تسفك دم مسلم واحد، فكيف بقتل الألاف، بل مئات الآلاف.

إنها لجريمة شنيعة ترتعد منها الفرائص، وتنخلع لها القلوب.

أما جزاء القاتل في الآخرة فكبير، قال الله -تعالى-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء: 93].

من شدة الآية ذكرت جهنم ثم ذكرت العذاب العظيم، وأي عذاب بعد جهنم أربع عقوبات عظيمة للمجرم يستحقها من الله: (جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) لعن الله إياه: (عَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).

يقول تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا)[الفرقان: 68-69].

مضاعفة لشدة الإثم والذنب: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[الفرقان: 70].

إن من أبشع الأفعال التي تنافي الإيمان الصادق جريمة القتل العمد للنفس المؤمنة التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فهي الكبيرة التي لا ترتكب وقلب القاتل ينبض بالإيمان.

أما الكفار فيمكن أن يقتلوا المؤمنين الصالحين المصلحين قد حذر القرآن من قتلهم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[آل عمران: 21].

هؤلاء الكفار، وأما المسلمين فلا يوجد سبب يبلغ من ضخامته أن يفوق ما بين المسلم والمسلم من رابطة العقيدة، وعلاقة الأخوة والإيمان، بحيث يمكن أن يقتل المؤمن المؤمن أبداً، إلا أن يكون ذلك القتل خطأ هذا في تصور الإسلام، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا)[النساء: 92].

لا يتصور أن يقتل المؤمنُ المؤمنَ إلا خطأ، ولذلك اشتد الوعيد حتى صح في الترغيب من حديث أبي الدرداء قوله صلى الله عليه وسلم: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا، أو من قتل مؤمنا متعمدا" عسى الله أن يغفره إلا هذا، قتل مؤمنا متعمدا.

فسوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين من مات مشركا، ومن أصاب دما حراما في عدم رجاء المغفرة لكل منهما.

دل ذلك عظم الجريمة جريمة من قتل مؤمنا متعمدا وعلى عدم قبول توبته، بل إن الدنيا بما فيها ترخص في مقابل دم المسلم الدنيا بما فيها دم المسلم أعز وأغلى منها، قد جاء في صحيح الجامع من حديث ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا عند الله –عز وجل- أهون من قتل رجل مسلم" أهون على الله من قتل رجل مسلم.

صح في حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم: " يجيءُ المقتولُ متعلِّقًا بقاتلِهِ يومَ القيامةِ، آخذًا رأسَهُ بيدِهِ الأُخرى فيقولُ: يا ربُّ، سَل هذا فيمَ قتلَني؟ قال: فيقولُ: قتلتُهُ لتكونَ العزَّةُ لَكَ، فَيقولُ: إنَّها لي، قالَ: ويَجيءُ آخرُ متعلِّقًا بقاتلِهِ، فيقولُ: ربِّ، سل هذا فيمَ قتلَني؟ قال: فيقولُ قتلتُهُ لتكونَ العزَّةُ لفلانٍ، قالَ: فإنَّها ليسَت لَهُ فيبوءُ بإثمِهِ، قالَ: فيَهْوي في النَّارِ سَبعينَ خريفًا".

والنصوص في هذا كثيرة، لكن المقصود أن التوحش السائد في بلاد الإسلام لا يأبه بمثل هذه النصوص، وهو واقع نعيشه اليوم، هذا هو قدرنا وواقعنا نعيشه نحن اليوم، وهو لم يستمر بإذن الله -تعالى-، بل سيصلح الحال ربما يأخذ الإصلاح زمنا لكن العاقبة للمتقين بنص القرآن رغم عن أنفس من يقوم ويقول عكس ذلك: (إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الأعراف: 128].

ويقول تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ)[الأنبياء: 105-106].

لكن الظلم يستمر ونحن نراه، والكذب الطالح الصارخ الوقح يستمر، والافتراء يستمر ما دام في الأمة منافقون، ليبراليون علمانيون منحازون عن الحق وهم في حماية ضعفاء الإيمان وأهل الأهواء من أصحاب السلطة والنفوذ، أو كما جاء في حديث حذيفة "قلوب الشيطان في جثمان إنس" هكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قلوبهم قلوب الشيطان في جسمان إنس.

ولذلك تظهر الفتن، وتفسد الأرض، ويفسد البحر بمعاصي ومنكرات وظلم العباد، يقول تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41].

والله -تعالى- ينفث الظلم والظالمين، ويجعل للمظلوم ميزة الإجابة، ولو كان مشركا كافرا، يجيبه الله -عز وجل- فليس بين دعوته وبين الله حجاب دعوة المظلوم، سواء كان هذا الحجاب كفرا أو شركا، أو أي شيء آخر، ليس بينها وبين الله حجاب، ميزة للمظلوم، حتى لو كان ظالمه مسلما ولا ينصر الظالمين سبحانه ولو كانوا مسلمين.

ولذلك قال شيخ الإسلام: "الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".

فالظلم لو رفع رأسه وشمخ يوما ما، فهو وضع مؤقت قدره الله -تعالى- ليبتلي عباده، وسيدمغه الحق بعد ذلك قطعا، يقول تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)[الأنبياء: 18].

والذين يفرحون بقتل المسلمين في أي مكان شركاء في قتلهم، والذين يزورون أحداث قتل المسلمين ويطمسون الحقائق ويقلبون الحق باطلا والباطل حقا مشتركون في الجريمة بلا شك.

في الجامع الصغير من حديث ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أعانَ علَى خصومَةٍ بظُلْمٍ، لَمْ يزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حتى ينْزِعَ" لا يزال يمشي وهو في سخط الله.

وفي حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: "من أعان باطلا ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله".

أسأل الله -تعالى- فرجا قريبا.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد:

عندما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في مطلع بعثته مأمور بكف اليد عن المجرمين في قريش، مأمورا بذلك، ومأمورا بالدعوة السلمية الهادئة بالرغم من شراسة أعدائه وبطشهم وهي حكمة الله -تعالى- في تدرج النصر ووصوله إلى المؤمنين: (كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ)[النساء: 77].

ولما لم ينفع ذلك الكيد والتعذيب في استدراج النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه للقتال اشتغلت دعاية أعدائه في اختلق الروايات والأباطيل الكاذبة، كذبا وقحا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، بين الناس في مكة وفي القبائل حولها، تمهيدا للضربة القاضية، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الأنفال: 30].

وهو ديدن الطغاة المستكبرين في كل زمان.

هذا ما فعله الملأ هذا ما فعله الملأ من أقوام الأنبياء في مواجهة دعوة كل حر يريد كسر الظلم والشرك والطغيان، ومن أشهرهم فرعون عندما حذر المجتمع من إفساد موسى -عليه السلام- وقومه: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)[غافر: 26].

فكان أن جعل الله -تعالى- هلاكهم في كيدهم وهزيمتهم فيما ظنه نصرا له، وإن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة حتما -أيها الأخوة-، يعرف السعداء من الأشقياء فيما تؤول إليه الأمور فلله الأمر من قبل ومن بعد: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[هود: 106-108].

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين..