الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | عبدالمحسن بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية - أركان الإيمان |
أشدُّ الناسِ تَواضعًا وأحسنُهم بشرًا، يجالِس الفقراءَ، ويُؤاكل المساكينَ، يخصِف نعلَه، ويخدم أهلَه ونفسَه، وشرَب من القِربة البالية، وحمل مع صحابتِه اللَّبِن في بناءِ المسجد، لا يعيبُ على الخدَم ولا يوبِّخُهم، قال أنس رضي الله عنه: خدمتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تسعَ سنين فمَا عابَ عليَّ شيئًا قط. رواه مسلم.
يوقِّر الكبارَ ويتواضَع للصغار، إن مرَّ على صبيانٍ سلَّم عليهم، ورأى أبا عُميرٍ رضي الله عنه وكان صبيًّا فقال مداعِبًا له: ((أبَا عمير، ما فعل النّغير؟)) متفق عليه. يقول أنس رضي الله عنه: ما رأيتُ أحدًا كان أرحمَ بالعيال من رسول الله. رواه مسلم.
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهَد أنّ نبينا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فاتقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوَى، فمَن اتّقى ربه نجا، ومن أعرض عنه تردّى.
أيّها المسلمون، اختَارَ الله منَ البقاعِ والبِلادِ خيرَها ومِن النفوسِ أشرفها، اصطفى منَ البشرِ رسُلاً جعل أقوالهم وأعمَالهم وأخلاقَهم موازينَ توزَن بها الأقوال والأخلاق والأعمال، ومعرفةُ نبيِّنا محمّد صلى الله عليه وسلم من الأصولِ الثلاثة التي يجِب على الإنسانِ معرفتُها، وكلُّ عبدٍ يُسأَل عنه في قبره، قال ابن القيم رحمه الله: "اضطِرار العبادِ إلى معرفةِ الرسول وما جاءَ به وتصديقه فيما أَخبر وطاعَته فيما أمَر فوقَ كلِّ ضرورة".
سيِّدُ ولَد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة محمّدُ بن عبد الله بن عبد المطلب، اصطفَاه الله من بني هاشِم، واصطفى بني هاشِم من قريش، وهم من سلالة نبيِّ الله إبراهيمَ عليه السلام صفوَة الخلق، هوَ خير أهلِ الأرض نسبًا على الإطلاق، قال عليه الصلاة والسلام: ((كانَ خيرهم نسبًا وخيرهم بيتًا)) رواه الترمذي.
نشَأ يتيمَ الأبوين فاقدًا تربيتَهما وحنانهما، (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) [الضحى:6]، متقلِّبًا بين أحضانٍ متوالِية برعايةٍ من الله وكَلاءة، بُغِّضت إليه عبادةُ الأوثان والخنوع للأصنام، حفِظه ربّه في صغره، وصانَه في شبابه، فما استَلَم صنمًا ولا مسَّ وثنًا. تزوَّج قبلَ البعثة بامرأةٍ نبيلة شريفةٍ لبيبة، هي أعظم النساء شرفًا، وأوفرهنّ عقلاً، خديجةُ رضي الله عنها.
بعثَه الله والأرضُ مملوءةٌ بعبادةِ الأوثان وأخبارِ الكهّان وسفكِ الدماء وقطيعةِ الأرحام، فدعا إلى عبادة الله وحدَه صابرًا على ما يلقَاه من تكذيبٍ وإعراض وجفاء.
رفَع الله ذكرَه، وأعلى شأنه، معجزاتُه باهرة، ودلائلُه ظاهرة، منصورٌ بالرعب، مغفورُ الذنب، أوّل من ينشقّ عنه القبر، وأوّلُ الناس يشفَع يوم القيامة، وأكثرُ الأنبياءِ تبَعًا، وأوّل من يقرَع بابَ الجنة، وأوّل من يعبر الصراطَ، كان عبدًا لله شكورًا، يقوم من الليلِ حتى تتفطّر قدماه، قرّةُ عينِهِ في الصلاة، يقوم لله مخلِصًا خاشعًا، يقول عبد الله بن الشّخّير رضي الله عنه: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلّي ولجوفِه أزيزٌ كأزيزِ المِرجَلِ من البكاء. رواه أحمد. وقال عن نفسه: ((والله، إني لأتقاكُم لله)) متفق عليه.
معظِّمٌ لربّه، رفيق الأدَب مع خالقه، لا يدّعي لنفسِه شيئًا ممّا لا يملكه إلاّ الله، قال سبحانه: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:188] . وجَاءَه رَجل فقال له: ما شاءَ الله وشِئتَ، فقال له: ((أَجَعلتني لله ندًّا؟! قل: ما شاءَ الله وحده)) رواه النسائي. وقال الله له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) [الجن:21]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ وعبدٌ من عبادِ الله، ليس إليّ من الأمر شيء في هدايتِكم ولا غِوايتكم، بل المرجِع في ذلك كلِّه إلى الله عز وجل".
أشدُّ الناسِ تَواضعًا وأحسنُهم بشرًا، يجالِس الفقراءَ، ويُؤاكل المساكينَ، يخصِف نعلَه، ويخدم أهلَه ونفسَه، وشرَب من القِربة البالية، وحمل مع صحابتِه اللَّبِن في بناءِ المسجد، لا يعيبُ على الخدَم ولا يوبِّخُهم، قال أنس رضي الله عنه: خدمتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تسعَ سنين فمَا عابَ عليَّ شيئًا قط. رواه مسلم.
يوقِّر الكبارَ ويتواضَع للصغار، إن مرَّ على صبيانٍ سلَّم عليهم، ورأى أبا عُميرٍ رضي الله عنه وكان صبيًّا فقال مداعِبًا له: ((أبَا عمير، ما فعل النّغير؟)) متفق عليه. يقول أنس رضي الله عنه: ما رأيتُ أحدًا كان أرحمَ بالعيال من رسول الله. رواه مسلم.
عظيمُ التواضع، بعيدًا عن الفخرِ والخيلاء والكبرِ والاستعلاء، يقول: ((إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)) رواه البخاري.
كريمُ النفس، سخيّ اليد، غزير الجود، ينفِق سخاء وكرمًا وتوكلاً، ما سئِل شيئًا من متاعِ الدنيا مما يملِك فردّ طالبَه، يقول أنس رضي الله عنه: ما سئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلامِ شيئًا إلا أعطاه.
لا تغضِبه الدّنيا وما كانَ لها، أعرض عن هذه الدار وعمِل لدار القرار، كانَ يقول: ((ما لي وللدنيا؟! ما أنا والدّنيا إلاّ كراكب استظلّ تحتَ شجرةٍ ثم راح وتركها)) رواه الترمذي.
كان يمرّ به هلالٌ وهلال وما يوقَد في بيوتِه نار، ويبيتُ اللياليَ المتتابعة طاويًا وأهلُه لا يجِدون عشاءً، يقول عمر بنُ الخطاب رضي الله عنه: "لقد رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يلتوي من الجوعِ ما يجِد من الدّقل ـ أي: رديء التّمر ـ ما يملأ بطنه". رواه مسلم.
وخرَج من بيته من حرارةِ الجوع، وربط على بطنهِ الحجرَ من ألم الجوع، وكان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون الجوعَ فيه من تغيُّر صوته، يقول أبو طلحة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا أعرِف فيه الجوع. وتأتي أيّام على بيتِ النبوّة وما فيها إلا الماء، جاء رجل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعضِ نسائه، فقالت: والذي بعثَك بالحقّ، ما عندي إلا ماء، ثم أرسلَ إلى أُخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلنَ كلّهنّ مثل ذلك. كامِلُ الخوفِ من ربّه مع ما لاقاه من الجوعِ، فقد كان يجِد التمرَ على فراشه فيقول: ((لولا أني أخشَى أن تكونَ منَ الصدقة لأكلتها)) رواه البخاري.
لقي من الحياة مشاقَّها، ومن الشدائدِ أحلَكها، نشأ يَتيمًا فاقدًا حنانَ الأمومة، وتوفِّيَ والده ولم تأنَس عينه برؤيته، وآذاه قومُه بالقولِ والفعل، قال أنس رضي الله عنه: ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّةً حتى غُشِي عليه. اتَّهموه بالجنون، ورمَوه بالسِّحر، ووصفوه بالكذب، وقال الكافرون: هذا ساحِر كذّاب. وفي الغارِ كربٌ وهمّ، خوف وحزن، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة:40]. وفي أحُد كُسِرت رَباعيّته وشُجّ في وجهه وسالَ دمُه، لاقى من الجوعِ حرارَتَه، ومن العدوّ بأسَه، وضَعوا السّمَّ في طعامه وسَحَروه في أهله.
توالَت عليه المصائبُ، وتوالَت عليه المحَن، وربُّه يقول له: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ) [الأحقاف:35]. يبثُّ أشجانَه وأحزانَه إلى زوجته، يقول: ((يا عائشة، لقد لقيتُ من قومِك ما لقيتُ)) رواه البخاري.
مات ستّةٌ من أولاده في حياتِه، فلم تثنِه تلك الكروبُ عن الدّعوة إلى الله، صبَر على كمَد الحياة ولأوائِها، يقول عن نفسه: ((لقد أوذِيتُ في الله وما يؤذَى أحَد، وأخِفتُ في الله وما يخاف أحَد)) رواه أحمد.
رقيقُ القلب مليءٌ بالرحمة، إذا سمِعَ بكاءَ الصبيّ في الصّلاة تجوّز في صلاته؛ مما يعلَم من شدّةِ وَجدِ أمّه مِن بكائه. يزور البقيعَ فيتذكّر الآخرةَ ويبكي، كان يزور ابنَه إبراهيمَ عند مرضِعَته وهو رضيع، فيأتيه إبراهيمُ عليه أثَر الغُبار، فيلتزمه النبي صلى الله عليه وسلم ويقبّله ويشمّه من عَطفِ الأبوّة عليه. رواه البخاري. ولمّا مات دمَعَت عيناه وقال: ((إنَّ العينَ لتدمع، وإنّ القلب ليحزن، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربَّنا، وإنا على فراقك ـ يا إبراهيم ـ لمحزونون)) متفق عليه.
كامِلُ العقلِ سامِي الأخلاق، لم يضرِب أحدًا بيده، تقول عائشة رضي الله عنها: "ما ضَرَب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطّ بيده ولا امرأةً ولا خادمًا". رواه مسلم.
أعَفُّ الناس وأشرفهم، لم تمسّ قطّ يدُه امرأةً لا تحلّ له، كاملُ الوفاءِ مع أهل بيته وصحابتِه رضي الله عنهم، كان يذبَح الشاة ثم يقطِّعها أعضاءً، ثم يبعَثها إلى صواحِبِ خديجة بعد وفاتها وفاءً لها، وصلّى على قتلَى أحُدٍ بعد ثماني سنين من الغزوةِ كالموَدِّع لهم، يُكرِم صحابتَه ولا يؤثِر لنفسه شيئًا دونهم، يقول عثمان رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسينَا بالقليلِ والكثير، وسِعَ الناسَ بخُلُقه، حليمٌ لا يجزى بالسيئة، ولكن يعفو ويصفَح، لا يغضَب لنفسه ولا ينتصِر لها، يجذبه الأعرابيّ يريد مالاً، فيلتفِتُ إليه مبتسِمًا ويعطيه سؤلَه، عفا عمّن سحره، ولم يثرِّب على من وضَع السمَّ في طعامه، وصفح عمّن قاتله، وقال لهم في فتح مكة: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))، تقول عائشة رضي الله عنها: ما نِيلَ منه شيء قطّ فينتقِمَ مِن صاحبه.
ليّنُ الجانِب دائم البِشر، يقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه: ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسَّم. رواه البخاري.
يتفقّد أصحابَه، ويؤثِر أهلَ الفضل بأدبه، جميلُ المعاشرة، حسَن الصّحبة، يصِل ذوي رحمه ولا يجفو على أحد، عَفّ اللسان، لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا، بل كان أشدَّ حياءً من العَذراء في خِدرها، خِلاله على سجيّته، لا يحِبّ تعظيمَ الألفاظ ولا تشدّقَها، جاء ناسٌ إليه فقالوا: يا رسول الله، يا خيرَنا وابنَ خيرنا، وسيّدَنا وابنَ سيّدِنا، فقال: ((يا أيّها الناس، قولوا بقولِكم، ولا يستهوينّكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحِبّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله عز وجل)) رواه النسائي.
وفي طعامِه لضيفهِ لا يتكلَّف موجودًا، ولا يطلب معدومًا. أحبّه الصحابة حبًّا جمًّا، إن قال استمَعَوا لقوله، وإن أمَر تبادروا إلى أمرِه، يقول أنس رضي الله عنه: لم يكن شخصٌ أحبَّ إليهم من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
جمع من الأخلاق أطيَبَها ومن الآدابِ أزكاها، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "لا تحفَظ له كِذبةٌ واحدة، ولا ظلمٌ لأحد، ولا غدرٌ بأحد، بل كان أصدَقَ الناس وأعدَلَهم وأوفاهم بالعهد، مع اختلافِ الأحوال عليه مِن أمنٍ وخوف وتمكّنٍ وضَعف".
يبجِّل أهلَ بيته ويحسِن معاملتهم، إذا قدِمت إليه ابنته فاطمةُ رضي الله عنها قام إليها وقال لها: ((مرحبًا))، وأجلسها بجانبه، وقال: ((خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)). شهد له خالقُه بعلوِّ خُلُقه، فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].
أبهى الناس وأنضرُهم منظرًا، يتلألأ وجهُه تلألُؤَ القمَر ليلةَ البدر، يقول البراء رضي الله عنه: لم أر شيئًا قطّ أحسن منه. رواه البخاري. طيِّبُ الجسَد زكيّ الرائحة، يقول أنس رضي الله عنه: ما شممتُ عنبرًا قطّ ولا مسكًا ولا شيئًا أطيب من ريحِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
فصيحٌ بليغ باهِرُ البيان، كلامُه يأخذ بمجامعِ القلوب، أوقاتُه كلّها معمورة بطاعةِ الله ومرضاتِه، (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ) [الأنعام:162، 163].
من بعثتِه إلى مماته يدعو إلى عبادةِ ربّه، وينهى أمته عن الوقوع في الشرك، لا خيرَ إلا دلَّ الأمةَ عليه، ولا شرَّ إلا حذّرها منه، فالزَموا طريقَه واستمسِكوا بهديه وسنّته، واحذروا مخالفته تفوزوا في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].
بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعني الله وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولَكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقِه وامتنانه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: أيها المسلمون، نبيُّنا محمّد صلى الله عليه وسلم بشَرٌ من البشَر، يمرَضُ ويجوع ويحزَن وينام، ليس له من خصائصِ الربوبيّة ولا الألوهيّة شيء، وإنما هو رسولٌ يبلِّغ رسالةَ ربّه، قال عز وجل: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110] . لا يُرفَع فوقَ قدرِه، ولا ينقَص مِن مَنزلتِه، واجبٌ اتّباعه وامتثال أمره، قال في فتح المجيد: "يحصُل تعظيمُ الرسول صلى الله عليه وسلم بتعظيمِ أمرِه ونهيه والاهتداء بهديِه واتّباع سنته".
بطاعتِه تتنزّل الرحمات وتتوالى الخيرات، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:132] ، ومحبّته بطاعتِه مقدَّمةٌ على الوالد والولد، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من وَلَده ووالده والناس أجمعين)) رواه البخاري.
وباتِّباعه يرغد العيش ويهنأ الجميع، قال جل وعلا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97]. وسعادةُ العبد في الدّارين معلّقةٌ بالتّمسّك بهديِه، والعِزّةُ على قدرِ متابعته، والفلاحُ باقتفاء أثره.
ثم اعلَموا أن الله أمَركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكمِ التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهمّ صلّ وسلِّم على نبيّنا محمّد، وارض اللهمّ عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كان يعدلون: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين...