العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - التوحيد |
إن هذا التغيير الذي فرح به قومنا، وظنوا أن فجر الأمة قد بزغ معه لا يَدَ لنا فيه، ولن يكون نفعه لنا، إنه لمصلحتهم هم بعد أن عاثت حكومة الجمهوريين فسادا في الأرض، وأظهرت الوجه الحقيقي المستتر بأقنعة الديمقراطية والحرية لدولة الاستكبار والظلم.
لقد كان تغييرا ضروريا بعد أن استُنزفت أموالهم في حروب جائرة، ومغامرات متهورة ..
الحمد لله القوي القهار، العزيز الجبار؛ كتب النصر والعز لمن تمسك بدينه، وأقام شريعته، وقضى بالذل والهوان والخذلان على من خالف أمره، واطرح شريعته، وركب هواه؛ نحمده على ما هدانا ووفقنا وأولانا، ونشكره بكل نعمة أنعم بها علينا في كثير وقليل، وجليل وحقير، وخاصة وعامة ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ) [النحل:53] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ من تمسك بحبله نجَّاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن تعلق بغيره وكل إلى ما تعلق به فحاق به الشقاء، ولحقه الخذلان، ولا مَعَاذَ له إلا بمولاه جل في علاه ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ) [الطَّلاق:3] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ وقف عبيد الدنيا كلُهم في وجهه لإجهاض دعوته، ومنعه من تبليغ رسالة ربه؛ فما وهنت عزيمته، ولا لانت شكيمته؛ حتى كثَّر الله تعالى أتباعه، وأعزهم بعد الذل، وقوّاهم بعد الضعف، وأغناهم بعد الفقر؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ بذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله تعالى، وتحملوا في ذاته سبحانه عداء الكافرين، وأذى المنافقين، ودسائس اليهود؛ فأنالهم الله تعالى حسنة الدنيا، وأجرُ الآخرة أكبر وأبقى، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى وطاعته؛ فاتقوا الله حق التقوى، وأسلموا له وجوهكم، وعلقوا به قلوبكم؛ فإن الخلق مهما كانت كثرتهم وقوتهم لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا رزقا ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ) [الأنعام:18].
أيها الناس: من طبيعة البشر أن قلوبهم تتعلق بأهل العز والقوة، والقهر والغلبة، والمال والجاه، وتنجذب النفوس نحوهم، ويركن الناس إليهم، ويذلون لهم، ويخضعون لقوتهم وغلبتهم؛ لأنهم يبتغون منهم نفعا، أو يخافون منهم ضرا، وهذا التعلق بهم يبقيهم في دركات الذل والمهانة، وأسر الانبهار والتبعية، واستلاب العزة والكرامة، ونزع القوة والمهابة، فتؤكل حقوقهم، وتسلب إرادتهم، ويستباح حماهم، ويبلغ بهم الذل والهوان إلى حدِّ أنهم يقدسون من يفعلون ذلك بهم، كما يقع ذلك في عصرنا، ويقع في كل زمان ومكان.
ولذا نجد أن دين الله تعالى يربي المؤمنين على تعلق قلوبهم بالله تعالى، وتوكلهم عليه دون سواه، وتجريد العبودية له لا لغيره، ويغرس فيهم معاني العزة والأنفة والقوة، ويعدهم التوفيق والظفر إن هم أعزوا أنفسهم أمام غيرهم، ويحذرهم الفشل والخذلان إن هم ذلوا لغيره سبحانه.
إن العزة والقدرة والقهر والقوة هي من صفات الله تعالى التي يُقِّرُ بها أهل الإيمان، وتمر بهم كثيرا في كتاب الله تعالى؛ فربنا جل جلاله على كل شيء قدير، وهو بكل شيء محيط، وهو العليم الحكيم، وهو القوي العزيز؛ لم تقف قوة أمام قَدَره، ولم تصمد أمةٌ أمام عذابه..
قال قوم عاد ( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) [فصِّلت:15] فأهلكهم ( بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ) [الحاقَّة:6].
( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) [القصص:38] فأخذه الله تعالى وجنده فأغرقهم أجمعين.
وقال قارون: ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) [القصص:78] فخسف الله تعالى به وبداره الأرض.
وأغرق سبحانه قوم نوح عليه السلام، وأخذ ثمود بالصيحة، وقوم شعيب عليه السلام بعذاب يوم الظلة، وقَلَبَ على قوم لوط عليه السلام ديارهم، وأتبعهم بحجارة من سجيل، ونجَّى يوسف عليه السلام من الهلاك في الجب، ومن بلاء السجن، ورفع مكانه، وأعز مقامه، فجعله على خزائن الأرض، يأمر وينهى، ويقسم للناس أرزاقهم، ويعطيهم أقواتهم.
كان ربنا سبحانه ولا يزال يعز ويذل، ويرفع ويضع، ويغني ويفقر، ولا يُسأل عما يفعل ( قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [آل عمران:26].
وإذا كانت مقادير كل شيء بيده سبحانه، ومصير العباد إليه، وآجالهم وأرزاقهم عنده، بل سعادتهم وشقاؤهم في الدنيا والآخرة لا يملكها أحد سواه عز وجل - وجب أن تتعلق القلوب به وحده، وأن لا تذل إلا له، ولا تعتز إلا به، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تركن إلا إليه ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ) [التوبة:51].
فالنفع والضر بيده سبحانه، ولا يملكهما غيره، ولا يقعان إلا بقدره ( قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ) [الأحزاب:17] وفي آية أخرى ( قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ) [الفتح:11].
والعزة له سبحانه وتعالى كما في القرآن ( إِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا ) [يونس:65] وفي السنة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الذي لا إِلَهَ إلا أنت الذي لا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ " رواه الشيخان، وتُبتغى العزة منه سبحانه، ولا يقدر عليها غيره ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [الصَّفات:180].
لا يملكها الكفار لأتباعهم وحلفائهم مهما كانت قوتهم، وكَثُر جمعهم، وبلغت حضارتهم ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا ) [فاطر:10].
ولا يبتغي العزة من الكفار إلا المنافقون كما قال تعالى فيهم ( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا ) [النساء:139]. ولما قال رأس المنافقين ( لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ) قال الله تعالى ( وَلله العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) [المنافقون:8].
والقوة والغلبة لله تعالى يمنحها من يشاء ولو كانوا قلة مستضعفين، أذلة مستضامين ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله ) [البقرة:249] وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي: " الله أَكْبَرُ ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ " ونَصَرَ الله تعالى أهل بدر وهم الأقل والأضعف، وكان عدوهم أكثر وأقوى ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ) [آل عمران:123].
وإذا شاء الله سبحانه سلب القوة من الأقوياء فنكأ فيهم الضعفاء، وقد وقع ذلك كثيرا، ولا يزال يقع إلى يومنا هذا ( إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ ) [الذاريات:58] ( وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) [يوسف:21].
والذين لجئوا إلى غير الله تعالى يبتغون القوة والغلبة منهم ما نفعوهم من الله تعالى شيئا ( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لله جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ ) [البقرة:165].
وتَعَلُّقُ القلب بالله وحده، واللجوءُ إليه سبحانه هو سبيل الرسل الكرام عليهم السلام، وبه نُصروا على أعدائهم، وأظهرهم الله تعالى في الأرض، وكتب لهم العزة والغلبة، وجعل العاقبة لهم، ولما ابتُلي موسى عليه السلام بأقوى سلطة، وأعتى طاغية، وخشي المؤمنون من أتباعه الهلكة كان موسى عليه السلام قد علق قلبه بالله تعالى في تلك الساعة الحرجة ( فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) [الشعراء:61-62] فنجاه الله تعالى والمؤمنين معه، وأهلك فرعون وجنده.
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم لما اجتمع عليهم كَلَب الكافرين، وتخذيل المنافقين، وكيد اليهود - قابلوا ذلك بالتوكل على الله تعالى، وعدم التنازل عن شيء من دينهم، وعلقوا قلوبهم بربهم عز وجل، فكفاهم الله تعالى شر أعدائهم، وكتب العز والغلبة لهم، وقد جاء ذكر ذلك في قرآن يتلى إلى يوم القيامة ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) [آل عمران:174].
نسأل الله تعالى أن يمن علينا بما من به عليهم من صدق الإيمان به، والتوكل عليه، واللجوء إليه، وإسلام القلب له وحده لا شريك له، ونعوذ بالله تعالى من الخذلان، ولا عز ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ) [آل عمران:160].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا الذنوب والمعاصي فإنها سبب الفشل والخذلان في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون: الموفق من وفقه الله تعالى، والمخذول من خذله الله تعالى، ومن تعلق قلبه بغير الله تعالى وكله الله تعالى إليه فخاب وخسر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من تَعَلَّقَ شَيْئاً وُكِلَ إليه " رواه أحمد.
وقد أجمع أهل العلم واليقين على أن التوفيق بأن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك، ولا إلى أحد غيره سبحانه ، وأن الخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك، أو إلى أحد سواه عز وجل.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن من مفسدات القلب: تعلقه بغير الله تبارك وتعالى، ثم قال: " وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله تعالى حصل، ولا إلى ما أمَّله ممن تعلق به وصل ".
إن مصيبة المتعلقين بغير الله تعالى أنهم يتعلقون بفانٍ زائل، وينتصرون بمهزوم، ويستقوون بضعيف، ويعتزون بذليل، ويرجون من لا يُرجى، ويسألون من لا ينفع، ويخافون من لا يضر، وينسون القوي العزيز الذي بيده ملكوت كل شيء.
ولما تصاف المسلمون والتتر للقتال جعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يشجع السلطان ويثبته، ويبث الحمية والغيرة في قلوب الجند، فلما رأى السلطان كثرة التتار، قال: " يا لخالد بن الوليد! " فقال له ابن تيمية: " لا تقل هذا، بل قل: يا الله! واستغث بالله ربك، ووحِّده وحدَه تُنصر، وقل: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين! " وما زال يُطل تارة على الخليفة المستكفي بالله، وتارة على الملك الناصر بن قلاوون، ويهدئهما، ويربط جأشهما، ويزيل خوفهما، ويعلقهما بالله تعالى حتى جاء نصر الله والفتح.
إن الأمة المسلمة في هذا الزمن ما تسلط عليها أعداؤها، فاستباحوا حماها، وكسروا هيبتها، واحتلوا أراضيها، وطمعوا في ثرواتها، وصادروا حقوقها في العيش الكريم - إلا لأن الخذلان قد أحاط بالمسلمين، وأصيبوا بوهن قلوبهم، وانحطاط عزائمهم، وضعف هممهم، وسبب ذلك تعلق قلوبهم بغير الله تعالى.
وفي قضايا الأمة الكبرى، وقراراتها المصيرية يستبقون إلى أعدائهم زرافات ووحدانا، وسرا وجهارا؛ للحفاظ على مصالح خاصة ولو سحقت الأمة كلها في سبيل ذلك.
لقد امتلأت القلوب بالتعلق بالأعداء، ورُميت كرامة الأمة تحت أقدامهم، واعتقد كثير من المخذولين أن عز الأمة يأتيها من خارجها، وعلى أيدي أعدائها، وأن ما يحصل من تغيرات رئاسية أو حزبية عند الآخرين هو الحل والمنتهى، وهو المخرج للأمة مما هي فيه.
يفرحون بترشح هذا وإقصاء ذاك، وفوز حزب على آخر، يظنون أن القادم سيحل مشاكلهم، وينصفهم في قضاياهم، ثم لا يلبثون إلا قليلا ليدركوا أن اللاحق مثل السابق أو شرا منه، وأن للأعداء أهدافا لا يحيدون عنها، وخططا لا تتغير بتغير أفراد أو أحزاب.
إن من رأى الفرح يتراقص هذه الأيام من بين حروف المقالات في الصحف والمجلات إثر فوز الحزب الديمقراطي برئاسة الدولة الأولى في العالم يظن أن بيت المقدس قد حُرر، وأن الأمة قد فكت أغلالها وقيودها، وأن العدل والحق سيأتيها؛ فما أضعفها من نفوس تنشد عزها عند غيرها، وتستجدي حقوقها من أعدائها، وهي لا تعمل ولا تغير، بل تنتظر من يعطف عليها.
إن هذا التغيير الذي فرح به قومنا، وظنوا أن فجر الأمة قد بزغ معه لا يَدَ لنا فيه، ولن يكون نفعه لنا، إنه لمصلحتهم هم بعد أن عاثت حكومة الجمهوريين فسادا في الأرض، وأظهرت الوجه الحقيقي المستتر بأقنعة الديمقراطية والحرية لدولة الاستكبار والظلم.
لقد كان تغييرا ضروريا بعد أن استُنزفت أموالهم في حروب جائرة، ومغامرات متهورة، وانتكسوا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، فرأت مؤسساتهم أو شعوبهم أن التغيير مطلوب لإعادة الثقة المفقودة، وحفظ السمعة الملوثة، وترميم البناء المتهدم؛ فعلام يفرح الأتباع ولا يد لهم في هذا التغيير، ولن ينتفعوا منه نقيرا ولا قطميرا؟!
إنه ليس سوى التعلق بغير الله تعالى الذي كان سببا في خذلان الأمة وضياعها، ولن يزول هذا الخذلان إلا بإعادة القلوب إلى التعلق بالله تعالى وحده دون سواه.
إن الله تعالى قد علَّق تغيير حالنا من الضعف إلى القوة، ومن الذل إلى العز، ومن الهزيمة إلى النصر، علَّق ذلك بتغييرنا نحن لأنفسنا لا بتغيير الآخرين لما عندهم؛ فيرفضون حزبا اختاروه من قبل، أو يقبلون حاكما رفضوه بالأمس ( إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) [الرعد:11] وكل تغيير لا يطال قلوبنا، ولا ينبع من نفوسنا فلن يجدي شيئا، بل سيكون تعلقا ببيت العنكبوت ( وَإِنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [العنكبوت:41].
وصلوا وسلموا على نبيكم...