القوي
كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | عاصم محمد الخضيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
ما الذي يجعل من هذا الأمر عصيا على المصارحة, حتى إذا تكلم الناس فيه أصبح الحديث ليس له خطام أو زمام, ولا أول أو آخر!! نقدِّم الخطى فيه ثم نؤخِّرها, ونحن نعلم حساسية الموضوع ومآلاته وتشابكاته, إذا تقدمنا خطوة, عوت صافرات الإنذار, أو نُودي في الناس: هاهنا حقل ألغام!. نخافُ الكلام عنه, ونخشى أن يقال: ضربٌ من مبالغات الدعاة والخطباء...
الخطبة الأولى:
الحمد لله خلق الخلق وبالعدل حكم, مرتجى العفو ومألوهُ الأمم, كل شيء شاءه رب الورى, نافذ الأمر به جف القلم, الحمد له, له الحمد ربي, من ذا الذي يستحق الحمد إن طرقت طوارق الخير, تبدي صنع خافيه, إلاك يا رب كل الكون خاشعة, ترجو نوالك فيضا من يدانيه, أشهد ألا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك, أتتك السماوات والأرض طوعا, وأسلم من فيهن لك طوعا وكَرْها وإليك يرجعون.
وأشهد أن محمد بن عبدالله, عبد الله ورسوله إمامُ الهدى أجلى الله به الدجى فأصبح ليلُ الأرض في أفقه فجرا, صلى الأولون والآخرون عليه ما صلت عليه وسلمت أم القرى, وصلى الله على آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
يا أيها الناس: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
إحدى نوازل هذا العصر, إحدى أصنامه الكبرى, إحدى معبوداته العظمى, هي صنم ليس كاللات ولا العزى أو هبل, صنمٌ بها الأكوان سكرى تقتتل, صنم لم تسجد لها قريش ولم يجلبها عمرو بن لحي, صنمٌ لا كالأصنام, معبودة ولا معبودة, فاتنةٌ مفتِّنة, مجنونة هذا العصر, أخذت قلوب الشباب, وهوت بأفئدة الورى, هي قدسُ هذا الكونِ سحرُ قلوبهم وصليلُ سيفٍ, صوتُ جند عَسَكَرا هي فتنة الشُّبان صاح حماتها: هيا إليها اليوم لن نتأخرا, يتهافت الأحداث تحت لوائها: إنا أخذنا العهد ألا نُقهرا, هي كَأْسُ خَمْرٍ، وَالبَرِيَّةُ شَارِبٌ حتَّى تَرَى وَجْهَ البَسِيطَةِ أَصْفَرَا.
عشاقها كنجوم السماء عددا, والسمَّار حولها يزيدون, وإليها كلَّ يوم يفيئون!! صرعاها كثير, إن سلموا منها في مكان, صرعتهم في آخر!! ترى الرجل الحكيم فتبتليه, فتبصر عاشقا في العاشقينا, فتنة الفتن, ألهت روادها وعشاقها عن الأصل الذي خلقوا له, وبلوا بها حبا وعشقا فاني!.
لم تعد لعبة من اللعب, ولم تعد مستراحا من تعب, بل تعبا من راحة, وعذابا من عذْب! قالوا: تُسلينا, فإذا هي تشقيهم, قالوا: نستجم بها, فإذا هي تسرق حياتهم, قالوا: نُدخِل بها علينا السرور, فإذا هي تدخل عليهم الوباء والوبال, قلبوا بها مفهومَ: ساعةً وساعة, لتستأثر بساعاتهم كلِّها, إنها ذاك الصنم, ذاك الذي لم يبن من لحم ودم, صنم من الجلد الرخيص من الأدم, إنها كرة القدم, كرة القدم.
كُرَةٌ.. نَعمْ، لَكِنَّها أعتَى مِنَ الطُّوْفَانُ يُهْلِكُ مَن طَغَى وَتَجَبَّرَا
كُرَةٌ.. نَعَمْ، لكِنَّها "الفِيْتُو" إذَا نادت بنا قلنا الصَّوَابُ كَمَا تَرَى!
هي أَلْفُ تَيْمُورٍ بِبَغْدَادَ الَّتِي أَنَّتْ وَعادَ المُخْلِصُونَ القَهْقَرَى
كرة تقول لكل ساع حولها: آَخِ الجُنُونَ وَإِن عَتَا وَتَجَمْهَرَا
يَا أَيُّهَا الدَّهْرُ المُوَارَى بِالكَرَى, كَمْ مِن حَقِيرٍ حازَ شَأْواً أَكْبَرَا
هَلاَّ سَأَلتَ الكَونَ عَن كُرَةٍ شَدَا بِالبِشْرِ مَنْ مَرَّتْ عَلَيهِ وَكَبَّرَا
كرة القدم, سيكون من الضروري في هذا المقام الشرعي أن نأتي في الحديث عن أشهر نازلة في العصر الحديث, عن أشهر نازلة لوت أعناق الناس, والحديث عنها كالخنجر المسموم, من لم يحسن إمساكه, أردته السموم, حديث عمت به البلوى, ولن تفلح فيه النجوى, كان السكوت عن مثل هذا الحديث أشبهَ بالمغامرة المجنونة, ولن يفلح الصمت, أو يقنعَنا منتصف العصا؟!.
ما الذي جعل هذه النازلة تتصدر المشاهد المحلية, بل تتصدر البيوت والمدارس والأحواشَ والمجمعاتِ, بكل هذا الرُّهاب المتوحش, والتوحش الرهيب.
كرة, نعم لكنها أعتى من الطوفان يهلك من طغى وتجبرا, كرة, وماذا؟. لكنها جاسوسة جسّت بيوت العالمين وما حوت شمُّ الذرى.
ما الذي يجعل من هذه النازلة زلزالا لا يمكن مجابهته, أو سحرا لا يُفك, أو زجاجة لا تُجبر, ما الذي يجعل من هذا الأمر عصيا على المصارحة, حتى إذا تكلم الناس فيه أصبح الحديث ليس له خطام أو زمام, ولا أول أو آخر!! نقدِّم الخطى فيه ثم نؤخِّرها, ونحن نعلم حساسية الموضوع ومآلاته وتشابكاته, إذا تقدمنا خطوة, عوت صافرات الإنذار, أو نُودي في الناس: هاهنا حقل ألغام!.
نخافُ الكلام عنه, ونخشى أن يقال: ضربٌ من مبالغات الدعاة والخطباء, وليس كذاك!! بل الحديث الذي لن يقال, هو أعتى مما سيقال!.
نعم كرة القدم, محرابُ الشباب في هذه الأعصر السافرة بكل شيء إلا ما ينفع هذه الأمة, كرة القدم, خندريس الألباب, وخمر القلوب!! ملكت معاقد قلوبهم, واستأثرت بأوقاتهم, فيا لله من تضييع وقت, بها والوقت أنفسُ ما يضيع!! تضييع وتمييع, إضاعة وبشاعة, صارت الَنَفَس الحقيقي لشباب الأمة, صارت الرهان الكبير لمستقبل أوقاتهم.
كرةُ القدم صارت أجلَّ | أمورنا هذا الزمنْ |
ما عاد يشغلنا سواها | في الخفاءِ وفي العلنْ |
أكلتْ عقولَ شبابنا | والوهْن يجتاحُ المدنْ |
وعويلُ أطفالٍ يتامى | جُــرعوا كأس الحزنْ |
كم مسلمٍ فقد الرعايةَ | والحمايةَ والسكنْ |
كم جائعٍ والمالُ يُهدَرُ | لا حسابَ ولا ثمنْ |
للاعب المقدام تَصْنع | رجلهُ مجدَ الوطنْ !! |
وتَـرد عنه العادياتِ | إذا دجا ليل الفتنْ |
الخيرُ يسفحُ في النوادي | كالسحابِ إذا هتنْ |
والمسلمونَ البائسون | تنوشهم كفُّ المحنْ |
عجباً لآلاف الشباب | وإنهم أهل الشممْ |
أُسْدُ العزيمةِ والمروءةِ | إن دجا ليل الألمْ |
يَلْقون وجه الحادثاتِ | إذا تلبدَ وادلهمْ |
صُـرِفوا إلى الكرةِ الحقيرةِ | دُنسَـتْ لهمُ حُـرَمْ |
وجهادنا واللهُ ينصر | جندهُ كرة القدمْ !! |
ناشدتكمْ باللهِ والرحمن | يا جيل الكرهْ |
أيسجل التاريخُ أنا | أمةٌ مستهتـرهْ ؟؟ |
داستْ على مجد السنين | وأقبلتْ متبختره |
في كل يومٍ نكبةٌ | وبكل يومٍ مجزره! |
شهدت سقوطَ بلادها | وعيونها فوق الكرهْ ؟!! |
من نشوةِ الفوزِ العظيمِ | لغيرنا أجفاننا لم تلتئمْ |
وصلاةُ تلك الصبحِ | ضاعتْ بين أقدامِ الأممْ !! |
والنارُ شبّتْ في العلمْ | وأبيد شعبٌ كاملٌ جمعوهُ من تحت الخيمْ |
لكننـــــا والغلُ في أعناقنـــــا والغزو في آفاقنـــــا
والموتُ في أحداقنــــا والخوفُ في أعماقنــــا
لم تُـلهنا الأهوالُ | عن كرةِ القدمْ !! |
حصنتكم باللهِ يا جيل الغدِ, من كل حظٍ أسودِ
ومن العيونِ الصائباتِ, ومن سهام المعتدي
هذي مواقفنا التي نزهو بها | وعدونا, يلهو بتركيع الأممْ !! |
أيسجل التاريخُ أنا أمةٌ باتت | وقد عكفت على هذا الصنمْ ؟!, |
يا هل تُــرى ماذا جرى لرؤوسنا | حتى يطوقنا العدو من القدمْ ؟؟!! |
كرة القدم, إذا جذبنا حديثٌ عنها طوَّقنا آخر, صارت من أوليّات نشوء الشباب في هذا الزمان, فإذا بلغ الحُلُم كان لا بدَّ له أن يسلُك سبيلا يُعرفُ به, ونادياً يشجِّعه, حديث كهذا الحديث هو من أي النواحي أتيتيه, فلجته التعقيد, والعِيُّ ساحله.
وقد يعترضنا هذا السؤال: هل الإسلام ضد الرياضة؟ وضد اللهو المباح والتسلية المنضبطة؟ حاشا دين الله من هذه الافتراءات التي تُقرن إذا أتى الحديث عن كرة القدم؟ فإن هذا الإسلام يسر, ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه, وإن نبي الإسلام أولُ من أسس الموازنة الكبرى بين الجد واللهو المباح, فقد كان يمزح ولكنه لا يقول إلا حقا, وكان يضحك حتى تبدوَ نواجذُه, وكان يسابق ويسبِق ويُسْبق.
موازنته -عليه الصلاة والسلام- عظيمة, فالجد عنده لا يكون لعبا, واللعب يخرج به من عناء الجد, موازنته عظيمة, كان هو الذي يبكي حتى تتخضبَ لحيته بدموعه, لكنه هو الذي يعلمنا كيف يُقبل على الصبية الصغار فيروِّح عنهم, فيجمعهم صفاً واحداً ويقول: "من قدم إلي فله كذا وكذا"، فيهرولون على رسول الله فيقبلهم ويلتزمهم.
كان هو الذي تحتمي به الصحابة, إذا زمَّرت الحرب صليلا وعويلا, حتى يقول قائلهم: من لي بمثل محمد إن جال في خطراته يتضور الإعصار هذي ليوث الحرب شامخة, إذا ذكر اسمه, يتفزع الزؤآر, كانوا يحتمون به, ولكنه هو الآخر الذي يعلمنا كيف يسابق زوجته, وكيف يجعل من كتفه, محطة فرجة لها تنظر إلى الحبشة كيف يلعبون, فتلكم الموازنة.
لكننا نأسى إذا جاء الكلام عن الكرة, ليس الكلام عن الكرة, كل الكلام عن الحلال إذا أتى في صورة مُستنكرة !!.
أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
مَرَّ النَّبِيُّ -عليه الصلاة والسلام- عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ, يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ, فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا, ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ". قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ؟" قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ -عليه السلام-: "ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُّلكم".
وكانَ الصَّحابةُ -رضيَ اللهُ عنهمْ- يتسابقونَ على الأقدام، والنبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقِرُّهُمْ عليهِ، بل يُرْوَى أنَّهُ -عليه الصلاة والسلام- صارعَ رجُلاً معروفاً بقوَّتهِ يدعى رُكانةَ، فصَرَعَهُ النَّبِيُّ أكْثَرَ من مرَّةٍ.
بل هو الذي أشرف على مصارعة حرةٍ بين صحابيين جليلين, وأقام مصارعة بين رافع بن خديج وسمرة بن جُنَدب وهما ابنا أربعة عشر عاما، فصرع سمرة رافعا, وقبلهما النبي في الغزوة بعد ما رأى قوتهما، وكان رافع راميا، وسمرة مصارعا بطلا.!.
ولا زال الدهر كله يصدح بما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل". أفيقال بعد ذلك: أن دين الإسلام لا يقر الرياضة في الإسلام!!, بل هي من صميم بنية الرجل القوي, الذي هو خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
لكن المشكلة الكبرى إذا أدخل في الشيء ما ليس منه زورا وكذبا, ومنه: كرة القدم, فليس الحديث عنها بالحديث عن اللعب بها, والتسلية بركلها,, إذا كانت لا تجر إلى باطل, أو تُفضي إلى حرام!! إن أم المشاكل المعاصرة: أن كرة القدم لم تكن مجرد لعبة يُروَّح بها, أو رياضةٍ يتقوّى بها, بل لها شبكتها المعقدة, إن سَلِم الشباب من سوء بعضها أردتهم بالبعض الآخر.
يتخوف بعض الشباب أن يدخل الكلامُ فيها بالحرام وبالحلال !! وينادون: لا تتكلم فيها شططا, ولا تحجِّر على الناس واسعا, وما هو بواسعٍ فأضيِّقَه, لن يكون الكلام عنها بالحلال وبالحرام, لكنه عيب -والله- أن تكون هذه الكرة هي جاثوم هذا العصر في كل بيت, ومن لم يسلم من إضاعة الأوقات في لعبها, لم يسلم من إضاعة الأوقات في مشاهدتها.
لكنه عيب -والله- أن يخرج الأمر فيها من الاعتدال إلى الجدال إلى الوبال إلى القتال! لكنه عيب -والله- أن تستأثر هذه المنفوخة جلَّ قضايانا المفتوحة, وكأن الأمة لا تواجه حربا مفتوحة مع أحد, ولا تخوضُ معركة مصيرية كبرى.
لكنه عيب -والله- أن تفقدك الأمة حيث أمَّلت بك, ثم يراك الأعداء حيث أمَّلوا, لكنه عيب -والله- أن تُدار المنايا على الرؤوس, و أنت بين قوم جلوس تتحسرون على ضياع فرصةٍ ما كان لها أن تضيع!! وأمتك كلُّ فرصها ضائعة فيك.
لكنه عيب عليك, أن يخفق قلبك, لنصرة الفريق الفلاني, ولا يخفقُ مثلَه لنصرة دينك وأمتك, عيب عليك, أن يكون عقلك الكبير, مختَبرا لتجارب شيطانيَّة صيغت بدهاء من أعدائك الأولين !!.
عيب عليك, أن يكون نصيبُ أوقاتك كلِّها في مشاهدة محمومة, أو سُعارٍ تنافسي وأنت تعلم أن عمرك هو أولى ما عُنيتَ بحفظه, وأراه أسهل ما عليك يضيعُ!!, لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه!!.
لكنه عيب عليك -والله- أن يكون خشوعك وارتقابك لمواعيد المباريات ليس كمثله في الصلوات والركعات والسجدات والقربات, عيب عليك -والله-, أن تستسهل الجلوس لانتظار المباريات ساعات طوال, وقد يكونُ تحت لهيب الشمس, ولا تجلس نصفها في طاعة لله, أو تستكثر منها شيئا قليلا, إذا كنت تجري وراء الكرة وتجذبك الشـاشـة المبهـرة وخلفك نادٍ وألف صديق تباروا على النـت فـي الثرثرة فطاعة رب العبـــاد متى؟! وقل لي: متى حصة الآخرة؟.
لكنه عيب عليك هذا التعصبُ المذمومُ المحمومُ للاعب أو فريق, وكأنك تدافع عن مسألة شرعية من ثوابت هذا الدين, أو عن محمد بن عبد الله حين أُهينت كرامته أو انتُقِصَ عِرْضُهُ, أو عن أخيك في الشآم أو العراق وفي كل مكان,
وعيناك تسهر عندها | مبهورةً حتى الصباحْ |
لتشاهد الفرسان يعــ | ـتركونَ في ساحِ الكفاحْ !! |
يعلو الهتافُ وتمـلأ | الآفاقَ أصوات الصياحْ |
هذا يُشجـعُ لاعبـاً | هذا جناحُ ، وذا جناحْ |
اللاعبون أسود غابٍ | يمسحونَ لظى الجراحْ !! |
فيُعـانَـقونَ ، يُـطوقونَ | الورد أو زهرَ الأقاحْ |
هيا إلى رد العـدو | المستكن على البطاحْ |
غَــطَّ الجميعُ بنومهم | فوزُ الفريق هو الفلاحْ |
والعلمُ من لغو الحديثِ | ودربهُ وخـز الجراحْ! |
عيب عليك -والله- أن يكون أخوك في الإسلام هو أعدى أعاديك, في حين سلم منك أعداء الملة والدين, من أجل التعصب المذموم!, عيب على رجال يعلمون الناس الخير, على صالحين, يطبِّعون السفاسف على من ولاهم الله رعايته.
عيب عليك, وأنت بدل أن تتبرأ من أعدائك الذين كفروا بالله, وتقولَ لهم إنا: (كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: 4] إذا أنت توالي ذلك اللاعبَ الكافر, وتحبُّه وتنافح عنه, ويهِشُّ له قلبك ضاربا بأهم أصول الإسلام وهو البراء من المشركين ومعاداتهم, "وإذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة".
لكنه عيب عليك -والله- وعلى شباب لا يعون أظهر تصورات المسائل العقدية, من بغض الكفار وبغض معتقداتهم, والله يقول لنا: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة: 22] وأي محادة أعظمُ من الكفر بالله, وإخوان الجراح في أرض الشآم يهتفون:
لو أن آساد العرين تفزعت | لم يلق غير ثباتنا الميدان |
توحيدك الأعلى جعلنا نقشه | نورا تضي بصبحه الأزمان |
عيب -والله- على شباب الإسلام حين يعرِّفون أنفسهم بأندية ويبيعون لها ولاءاتهم, وكأنهم لا ينتمون لأعظم دين سماوي, أو كأن الله أنزل عليهم: وما خلقت الجن والإنس إلا ليشجِّعون!.
عيب -والله- وعارٌ وخزي ونار, على صُلبانٍ تعلّق في أقمصة شبابنا وأبناءنا على صلبان, تدخل مساجدنا, على أسماءَ لاعبين كفرة, تدخل مصلياتِنا, على آباءٍ آخر همِّ أحدهم تنظيفُ عقيدة أولاده من الدرن والشوائب العقدية أو يرضى بالدون في تربية أولاده, فيجعل البيت فسطاطين, فجزء يشجع فريقا, وجزء يشجع آخرا, ألمثل هذا انتظرناهم, ألمثل هذا أردناهم, عيب -والله- كنا أردناهم:
شبابا لا تحطمه الليالي | ولم يُسلم إلى الخصم العرينا ! |
كذلك أخرج الإسلام قومي | شبابا طامحا حرا أمينا |
الحديث ذو شجن, وهو كما ذكرت حديث من أي النواحي أتيته, فلجته التعقيد والعِيُّ ساحله, فهل تتحدث عن ظاهرة التعصب العاصفة, أم عن تضييع الأوقات بالمشاهدة واللعب وتضييع المروءات, أم عن موالاة المشركين وحبهم بحجة أن الناس تحب فنهم, ولا يحبون ذواتهم, وهي حجة سهلة الإخراج صعبة الإدخال.
كان الحديث شذراتٍ وخواطرَ ليس لها سلك أو طرف, ولم يكن تقعيدا فقهيا صرفا, مع ظهور الفتاوى البينة في هذا الشأن وحرمة تضييع الأوقات في مباحات فكيف إذا تعلقت بالأمر جملةٌ من المحرمات, كموالاة المشركين وحب ذواتهم, والنظر إلى عورات اللاعبين, وتعليق الصلبان في الملابس الرياضية أو تعظيم أحدٍ من الكفار، بوضع صورته، أو كتابة اسمه ونحو ذلك، من الأمور المحرمة الشديدة التحريم!. ولعل للحديث المكثف عنها سعةٌ من وقت -إن شاء الله-.
اللهم إنا نعوذ بك من الأهواء والأدواء, ومن شر الفتن ما ظهر منها وما بطن, ومن همزات الشياطين الإنسية والجنية! ونعوذ بك من شر أنفسنا, اللهم إنا نستعيذ بك ونعيذ بك شبابنا وإخواننا وأبناءنا من وهن القلوب والأبدان, ومن دنو الهمم والإرادات, ومن ساقط الأفعال والأقوال.
اللهم صل وسلم على محمد