العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - التوحيد |
فقد تكفل الرزاق -سبحانه- برزق كل مخلوق، وذلك يشمل الإنسان والحيوان والجان، فتكفل برزق كل واحد مـن هـؤلاء، وقسم له رزقه، قال سبحانه: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6]، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يُصلحه، حتى الذرّ في باطن الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الأعماق، والأجنّة في الأرحام، والحشرات في الصخور، فسبحان الرزاق العليم...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له ومَنْ يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله. اللهم صلِّ على سيدنا محمد النبي، وأزواجِه أمهاتِ المؤمنين، وذرِّيته وأهل بيته، كما صليتَ على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله -تعالى-، وخيرَ الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحْدثاتُها، وكلَّ محدَثة بدعةٌ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واعبدوا ربكم، واشكروا له، وأحبوه لما يغذوكم به من نعمه؛ فهو الذي خلقنا ورزقنا، ومن كل نعمه أعطانا، سبحانه هو المعطي الرزاق لجميع المخلوقات، فما من مخلوق إلا وهو متمتع برزقه، مغمور بكرمه، فهو سبحانه القائم على كل نفس بما يقيمها من قُوتِها، وسع الخلقَ كلهم رزقُه ورحمتُه، لا يخص بذلك مؤمنًا دون كافر، ولا وليًّا دون عدو، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيلة له، كما يسوقه إلى الجلد القوي، متكفل بالأقوات وإيصالها، بحيث يأخذ كل كائن نصيبه من هذه الأرزاق، قال تعالى: (كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء:20].
أيها المسلمون: إن خزائن الله -عزَّ وجلَّ- مملوءة بكل شيء، يعطي منها جميع الخلائق ولا تنقص إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، قال الله -تعالى-: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) [النحل: 96]، بل لو سأله جميع الخلائق فأعطاهم لم ينقص ذلك من ملكه شيئًا؛ لأن فضل الله عظيم، وفضله لا يصفه الواصفون، ولا يخطر بقلب بشر، بل وصل فضله وإحسانه إلى ما وصل إليه علمه، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا، فعمّ بفضله وإحسانه وعلمه ورحمته جميع الخلائق.
وتدبروا معي قول الله -تعالى-: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) [الشورى: 19], إن الرزاق -سبحانه وتعالى- قريبٌ من خلقه، تكفّل بهم من غير عوضٍ أو حاجة، فيسَّر أسبابهم، وقدّر أرزاقهم، وهداهم لما يصلحهم، فنعمته عليهم سابغة، وحكمته فيهم بالغة، يحب عباده الموحدين، ويتقبل صالح أعمالهم، ويقرّبهم وينصرهم على عدوهم، ويعاملهم بعطف ورحمة وإحسان، ويدعو من خالفه إلى التوبة والإيمان.
فسبحان الرزاق الذي يرزق البرّ والفاجر؛ فلم يقتل خلقه جوعًا بمعاصيهم، بل وسَّع عليهم في أرزاقهم؛ حيث جعل رزق العبد من الطيبات، وقدَّر جميع رزقه، ووزَّعه على سني عمره، ولم يدفعه إليه مرة واحدة فيبذّره، ولم يمنعه رحمته؛ كي لا يهلك.
عباد الله: لقد أثنى الله -تبارك وتعالى- على ذاته العلية، فوصف نفسه بأنه الرزاق، فقال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56 - 58]، كما أشار -سبحانه- إلى أن رزقه أفضل الرزق, قال تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة: 11]، كما بيّن أن رزقه للعباد صورة من صور لطفه بهم، فقال -جل وعلا-: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) [الشورى:19], وأخبر أن رزقه ليس له عدٌّ ولا حساب, لكن لمن شاء من عباده: (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [البقرة:212].
وقد يرزق الله بعض عباده بأسباب غير معتادة للخلق, فمن ذلك أنه رزق مريم -عليها السلام- بأنواع المطاعم والمشارب بكرة وعشيًّا, قال تعالى: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [آل عمران:37].
وهو الرزاق -سبحانه- الذي تكفل بأرزاق الخلائق جميعًا، قال سبحانه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 60].
أيها المسلمون: وقد وصف نبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- ربه، وهو أعرف الخلق به، بأنه الرزاق، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله هو المسعِّر، القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال" (الترمذي 1314 وصححه الألباني).
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينسب الرزق لربه مادحًا إياه على رزقه لعباده, مع عصيانهم لربهم وتمردهم على شرعه، إلا أنه لم يزل يرزق ويعطي ويمنح سبحانه، وكل هذا من صبر الله الواسع وكرمه الفياض، فعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ" (البخاري (7378). أين حيارى بني آدم من هذا الكلام الجميل!, وأين ضُلال البشر من نداء رب العالمين، -سبحانه وتعالى- ما اتخذ صاحبة ولا ولدًا؛ إذ هو الغني الكريم، الذي استغنى و-تعالى- وتقدس عن الشبيه والنظير والصاحبة والولد.
كما أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أنه إذا أعوزنا الرزق، فلا نطلبه بكثرة الحرص، فلن يزيد الحرصُ والشحُّ العبدَ في رزقه المقدّر فوق ما قسمه الله له، فلنطلب أصفا الرزق وأحله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّـهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ" (أبو نعيم في الحلية وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2607).
عباد الله: والرّزَّاقُ -سبحانه- هو الذي خلق الأَرْزاق، وأَعطى الخلائق أَرزاقها، وأَوصَلها إليهم، وهو القائم على كل نفس بما يقيمها من قُوتِها، وهو الذي يرزق جميع خلقه بلا كلفة ولا ثقل ولا مشقة، وخزائنه مملوءة بكل شيء يحتاجه الخلق، وهو -سبحانه- يصرّف الأرزاق، ويقسّمها على الخلائق بحسب علمه وحكمته كيف يشاء، سبحانه يرزق كل مخلوق رزقًا بعد رزق.
وهو المتفرد بالرزق وحده لا شريك له، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر: 3]. وقال تبارك و-تعالى-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 60]. قال الحليمي: "الرازق: هو المفيض على عباده ما يجعل لأبدانهم قوامًا به، والمنعم عليهم بإيصال حاجتهم من ذلك إليهم؛ لئلا تتنغص عليهم لذة الحياة بتأخره عنهم، ولا يفقدوها أصلاً لفقدهم إياه".
أيها المؤمنون: لقد تكفل الرزاق -سبحانه- بإيصال جميع الأقوات التي تتغذى بها المخلوقات برّها وفاجرها، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [البقرة: 126]، فقد تكفل الرزاق -سبحانه- برزق كل مخلوق، وذلك يشمل الإنسان والحيوان والجان، فتكفل برزق كل واحد مـن هـؤلاء، وقسم له رزقه، قال سبحانه: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6]، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يُصلحه، حتى الذرّ في باطن الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الأعماق، والأجنّة في الأرحام، والحشرات في الصخور، فسبحان الرزاق العليم.
أيها المسلمون: اتقوا الله وأحسنوا الظن به، ولا تحسبوا أن الرزق مجرد أموال ووظائف وأولاد فقط، بل هناك رزق الأرواح وهو أطيب الأرزاق وأفضلها، واعلموا أن الرزق النافع هو الذي يوصل للعبد إلى أعلى الغايات، وهو الإيمان والتوحيد، الذي يرزقه الله من يستحقه ويشكره، فيمُنّ سبحانه برزق القلوب بالعلوم النافعة والإيمان الصحيح، فإن القلوب لا تصلح ولا تفلح ولا تطمئن حتى يحصل لها العلم بالحقائق النافعة، والعقائد الصحيحة، ثم التخلق بالأخلاق الجميلة، والتنزه عن الأخلاق الرذيلة، ويحصل العبد الخير الوفير من هذا الرزق بإيمانه واتباعه لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والعمل بما فيهما.
ومن الأرزاق رزق خفي، بأن يرزق الله العبد القناعة، فيقنع العبد في نفسه ويرضى بما أعطاه الله من مال وولد، وهذا ما مدح به النبي -صلى الله عليه وسلم- العبد الموفق، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قد أفلح من أسلم، ورُزق كَفَافًا، وقنَّعه الله بما آتاه" (مسلم 1054)، ومن جميل الرزق أن يُغني الله عبدَه بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، وهذا ما علّمه النبي -عليه الصلاة والسلام- أمته أن يحرصوا عليه، فعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه-، أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: "إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ" (الترمذي (3563) وصححه الألباني في الصحيحة (266)).
عباد الله: إذا رزق الله العبد العلم النافع والإيمان الصحيح، والرزق الحلال، والقناعة بما أعطاه الله منه، فقد تمت أموره، واستقامت أحواله الدينية والبدنية، وهذا النوع من الرزق هو الذي مدحته النصوص النبوية، واشتملت عليه الأدعية النافعة، ومن لا يملكه فهو الفقير فعلاً الذي يُرثَى له.
أيها المؤمنون: ثقوا بربكم، وأحسنوا التوكل عليه، ولتطمئن النفوس إلى كفاية من تكفل بأرزاقها، وأحاط علمًا بذواتها وصفاتها وأسرارها، فرزقُها يطلبها كأجلها أينما كانت، فلا ينقطع رزقها حتى تنقطع أنفاسها، وحتى تفارق الروح الحلقوم، وإذا تأمل الإنسان في رزق الله -عز وجل- لعباده، امتلأ قلبه يقينًا وتوكلاً عليه -سبحانه وتعالى-؛ فترتاح نفسه ويطمئن قلبه، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت، لأدركه رزقُه كما يدركه الموتُ" (البيهقي في شعب الإيمان 2/537 وحسنه الألباني في الصحيحة 952).
وعن أبي ذر -رضي الله عنه-، قال: قال عليه الصلاة والسلام: قال الله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي: كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُـهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي: كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُـهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ. يَا عِبَادِي: لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَـهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِـمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ الْبَحْرَ" (مسلم (2577)). فسبحان الغني الكريم الذي عمَّ فضله جميع المخلوقات.
أيها المؤمنون: تيقنوا أن الله هو الرزاق، ومِن جميل رزقه وأرفعه أن يرزق عبده علمًا هاديًا، ولسانًا مرشدًا معلمًا، ويدًا منفقة متصدقة، ومن رزقه ما يضعه في قلوب الصالحين من المعرفة والمحبة والإنابة، وإذا أحب عبدًا أكثر حوائج الخلق إليه.
أيها المسلمون: هناك فكرة خاطئة، يعتقدها بعض الناس، وهي أنهم يظنون أن مجرد عطاء الله لخلقه، وتوسعته عليهم في المال والصحة والولد، دليلٌ على محبة الله لهم، وهذا فَهْم غير صحيح، فكثرة الرزق في الدنيا كقلة الرزق لا تدل على محبة الله -تعالى- للعبد ورضاه عنه؛ لأن الله يعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب، بينما الآخرة وأعمالها لا يعطيها إلا لمَن يحبهم، قال الله -تعالى- عن شبهة بعض المشركين وما احتجوا به: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ: 35 – 37].
فليست توسعة الأرزاق دليلاً على محبة الله للعبد إذا كان بعيدًا عن الصراط المستقيم، وليست قلة الرزق دليلاً على بغض الله لعبده، بل هي أنفاس معدودة، وآجال مكتوبة، وأرزاق مدبرة لحكمةٍ الحكيم العليم -سبحانه وتعالى وعز وجل-، وقد يكون الكفار أكثر رزقًا وأفضل صحة، والمؤمن قد يكون مقترًا عليه مضيقًا عليه في رزقه؛ حماية له وصيانة من فتن الدنيا، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا من شربة ماء" (الترمذي 2320 وصححه الألباني)، فافهموا عن الله حكمته في الرزق وتقسيمه، فإنه الغني الحميد.
عباد الله: احذروا المعاصي فإنها تذهب ببركة الأرزاق والأبدان، واعلموا أن الإيمان والتقوى سببان عظيمان للحصول على الأرزاق والبركات، وأن الكفر والفجور سببان عظيمان لنقص الأرزاق ومحق البركات، قال الملك الوهاب -سبحانه-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96]، وعن ثَوْبَان -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ" (ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في شرح الطحاوية، ص144).
ولا شك - عباد الله- أن الأرزاق تزيد بالشكر، وتنقص بعدمه، وهو الكفران والمعاصي، قال سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، وهكذا تذهب الأرزاق والخيرات، وتُنزَع البركات، ويحل المحق والفساد بسبب المعاصي، قال الله -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].
أيها المسلمون: إن أعظم رزق يرزقه الله عباده، وأحسنه وأكمله، وأفضله وأكرمه، وأعلاه وأدومه، وهو الذي لا ينقطع ولا يزول، هو أن يرزقهم الجنة بفضله ومنّه وكرمه، قال -تعالى-: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) [ص: 54] وذلك الرزق قد اختص به المؤمنين دون غيرهم، قال سبحانه: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا) [الطلاق: 11].
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل الجنة، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا.
اللهم إنا نسألك من واسع رزقك وكرمك يا رزاق يا كريم، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
يا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واعلموا أن الله هو الرزاق وحده، له الحق أن يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ويفضّل في عطائه من يشاء، لا يسأله عن فعله أحدٌ، فهو -سبحانه- متحكم في أرزاق عباده، فيجعل من يشاء غنيًّا كثير الرزق، ويقتر على آخرين، وله في ذلك حِكَم بالغة، قال تعالى: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) [النحل: 71].
وقد حصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجوه الانتفاع في الرزق في أمور، كما جاء من حديث مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ: "(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ: "يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ، أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ" (مسلم (2958))، فانظر الباقي من الفاني يا عبد الله! ولتنفق فيما ينفعك ولا يضرك.
إن السر في قوله -تبارك وتعالى-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)، هي عبارة (إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6]، فالله -سبحانه- ألزم نفسه -تبارك وتعالى- برزق جميع الكائنات الحية، وهذا الرزق تفرد به الله وحده، أما البشر فيمكن لأحد أن يعطيك مرة وأخرى، وكثيرًا ما يتضجر ويتضايق، وربما يخبرك بأنها آخر مرة يعطيك فيها.
واستمع معي لهذه القصة، فقد سمع أعرابي يومًا قول الله -تبارك وتعالى-: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) [الذاريات: 22- 23 ]، فالرزق مكتوب لكل كائن حي، وكان نزول هذه الآية على جزأين الجزء الأول (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات: 22]، فلما سمعها الأعرابي قال: صدق الله، ومن ثَم عاد الأعرابي نفسه بعد عدة شهور فكان حينها قد نزل جزؤها الثاني، وهو قوله: (فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُم ْتَنطِقُونَ) [الذاريات: 23]، فبكى الأعرابي عندما سمعها وقال: "ماذا فعلتم ليُقسم الله -سبحانه وتعالى- أن الرزق حق؟! فنحن صدقناه من الآية الأولى".
وروي أن أحد خلفاء بني أمية طلب عالمًا جليلاً ليلتقي به، فالتقى به، فأراد هذا الخليفة أن يُكرِم هذا العالم، قال له: سلني حاجتك، فقال: "والله! إني لا أسأل غير الله في بيت الله، فهذا بيت الله أستحي أن أسأل أحدًا سواه"، فلما التقى به خارج المسجد، قال له: سلني حاجتك، قال: "والله ما سألتها من يملكها، أفأسألها من لا يملكها؟!", فلما أصرَّ عليه، قال: "أطلب منك الجنة". قال: هذه ليست لي، قال: "إذًا ليس لي عندك حاجة!!". وهذا مثال لعلماء السلف استغنوا عن دنيا السلاطين وأموالهم فعاشوا سادة وأعزة، ويوم يهين العالم نفسه ويقف بأبواب السلاطين ويرضيهم بفتاواه وأقواله طمعًا في دنيا زائلة، فاعلم أنه مفتون، باع دينه بدنيا غيره، نسأل الله السلامة والعافية.
أيها المسلمون: إن المتأمل في اسم الله الرزاق يزداد إيمانًا ويقينًا، فالرزاق -سبحانه- أعطى الدابة القدرة على إنتاج الحليب من بين فرث ودم، قال سبحانه: (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) [النحل: 66]، وهذا الحليب غذاء كامل، بل من أطيب الغذاء، مدحه الله في كتابه وأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- لأفضليته على سائر الطعام، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَارْزُقْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، إِلَّا اللَّبَنُ" (ابن ماجه (3322) وحسنه الألباني)، ومشتقات الألبان غذاء أساسي للإنسان، فمن مصممهُ؟ من خلقهُ؟ إنه اللهُ -جل جلاله- الرزاق ذو القوة المتين.
عباد الله: لا شك أن الرزاق هو الله -عز وجل- وحده، لذا ينبغي أن نرضى بقسمة الرزاق -سبحانه-، فإذا استحضر العبد ذلك، سأل الله -عز وجل- الرزق، وابتغى منه الفضل، كما قال إبراهيم -عليه السلام-: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت: 17]، وقوله -تعالى- على لسان عيسى -عليه الصلاة والسلام-: (وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [المائدة: 114].
وعلى المسلم أن يثق كل الثقة أن الرزق بيد الله وحده، لا يزيده حرص حريص، ولا يردّه كراهية كاره، ولذلك ينأى المسلم بنفسه عن أن يأكل مالاً حرامًا، كما يحرص على ألا يذل نفسه لأي مخلوق من أجل لقمة العيش، وقد قال: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6]، وما دام أن رزقك لا يمسكه أحد، أو يقدر على منعه، فاطلبه منه وحده، قال تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) [الملك: 21].
وإذا استحضر العبد أن الرزق مِن الله، لزم شكره، ولم يشكر غيره؛ لأن شكر غيره نكران للجميل، وجحود للمنعم، فالله وحده هو الذي أعطى ومنح، وعندما نشكر الآخرين إنما نشكرهم لأنهم كانوا أسبابًا وأدوات لوصول ذلك الرزق، فهم لم يرزقونا، بل ربما ساعدونا فقط، فنشكرهم على مساعدتهم، وننسب الفضل أولاً وأخيرًا لصاحب الفضل كله رب العالمين.
يا عباد الله: ومن آثار الإيمان باسم الله الرزاق الثقة واليقين بأن الله هو المتفرد بالرزق وحده لا شريك له، قال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [سبأ: 24]، وهذا معناه أنه يجب أن يُفرَد بالعبادة وحده، والشكر والثناء، ولا يُشرَك معه غيره، قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ) [النحل: 73].
كما ينبغي للعبد أن تظهر عليه آثار فضل الله -سبحانه-، ومنّه عليه، وكرمه له، ولا يجحد النعم فيخفيها، بل يعلن ويظهر فضل الله عليه؛ شكرًا لله، وإظهارًا لفضله عليه، وهذا مما يحبه الله -عز وجل-، فعن مالك بن نضلة -رضي الله عنه- أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثوبٍ دُونٍ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألك مال؟" قال: نعم، من كل المال. قال: "من أيّ المال؟" قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق. قال: "فإذا أتاك الله مالاً فَلْيُرَ عليك أثر نعمة الله وكرامته" (النسائي 5239 وصححه الألباني).
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى نِعَمَهُ عَلَى عَبْدِهِ" (ابن رجب في اختيار الأولى ص109 وصححه الألباني)، وقال تبارك وتعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الأعراف: 32].
فإذا علمت -أيها المسلم- أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين أفردته بالسؤال والقصد، فالناس أحيانًا يتجهون إلى أمثالهم من البشر، ونصيب العبد من اسم الله الرزاق: أن يعرف حقيقة هذا الوصف، وأنه لا يستحقه إلا الله -تعالى-، فلا ينتظر الرزق إلا منه، ولا يتوكل فيه إلا عليه، وإذا علم أن الله وحده هو الرزاق أفرده بالدعاء وسؤال الرزق، ولا يسأل أحدًا سواه، وحينها يكتسب العزة والكرامة والطمأنينة.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، زدنا ولا تنقصنا، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، واجعل أوسع أرزاقنا عند ضعفنا وكبر سننا، اللهم لا تحوجنا إلا إليك، ولا تذلنا إلا بين يديك، وصب علينا الرزق صبًّا، ولا تجعل معيشتنا كدًّا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، اللهم ارزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال، آمين.. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.