الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله بن حميد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لا يعرفُ فضائل الأمن إلا من اكتوَى بنارِ الخوف والرُّعب، والفوضَى والتشريد والغُربة، اسأَلوا القُرى من حولِكم، اسألوا الغريبَ عن وطنه، واسألوا المُشرَّد عن أهلِه، واسألوا اللاجِئ عند الآخرين. وشاهِدوا بعين الشُّكر والبصيرة ما تنقلُه إليكم وسائلُ الإعلام نقلاً حيًّا مُباشِرًا. عالمٌ حولكم تجتاحُه فتنٌ وحروبٌ، ومجاعاتٌ وقلاقِل، يُحيطُ بهم الخوفُ والجوعُ، واليأسُ والقلق، سلبٌ ونهبٌ، في فوضَى عارِمة، وغابة مُوحِشة، دماءٌ تُراق، ورِقابٌ إلى الموت تُساق، في أعمالٍ نكراء، وفتنٍ عمياء. حفِظَهم الله ورحمهم، وأعادَ إليهم أمنَهم، واستقرارَهم ورخاءَهم.
الخطبة الأولى:
الحمد لله على عظيم آلائِه، والشكرُ له على جزيل كرمِه ونوالِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيَّته وأولوهيَّته وصفات كمالِه، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه هو القدوةُ في أقوالِه وأفعالِه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى أصحابِه وآلِه، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الدهرُ في إدبارِه وإقبالِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-؛ فمن تفكَّر في عواقِب الدنيا أخذ بالحذَر، ومن أيقنَ بطول الطريق تأهَّب للسفر.
أعجبُ العجب: سرورٌ بغرور، وسهوٌ في لهوٍ. مسكينٌ من اشتغلَ بملذَّاته عن حفظِه لِذاتِه، ومن سلَّم زِمامَ نفسِه لهواهُ ورغباتِه.
رُبَّ شدٍّ أوجبَ استِرخاءً، ورُبَّ عجَلَةٍ أعقَبَت غيثًا، ومن حصدَ الذنوبَ بمِنجَلِ الورع طابَت له الاستقامة، ومن قطعَ فضولُ الكلام بسكِّين الصمت وجدَ راحةَ النفس والكرامة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 5، 6].
أيها المسلمون: في مُفتَتح العام، أسأل الله -جل جلاله- أن يجعلَه عامَ خيرٍ وأمنٍ وأمانٍ، ورخاءٍ وسلمٍ وسلامٍ، وبركةٍ علينا وعلى إخواننا المسلمين في كل مكان، وعلى العالمين أجمعين.
ومن أعظم ما ينبغي التذاكُر فيه والتواصِي به في مثلِ هذا المقام -إخواني في الله-: شُكرُ النِّعم، والتبصُّر بالأحوال؛ فالنِّعمُ لا تدومُ إلا بالشُّكر، وشُكرُها صرفُها في طاعة الله ومرضاتِه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
ولا يُغيِّر الله على قومٍ أمنَهم ورخاءَهم إلا حين يكفُرون بنعم الله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].
ومن أعظم شُكر النِّعم: تذكُّرُها والتذاكُر فيها، ورد في الحديث: "التحدُّث بالنِّعم شُكرٌ".
ويقول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "تذكَّروا النِّعَم؛ فإن تذكُّرَها شُكرُها".
وأصدقُ من ذلك وأبلغ: قولُ الحقِّ -عز شأنُه-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى: 11].
وإن من أعظم ما نتذاكَرُ به ونشكُرُه ولا نكفُرُه، ويشكُرُه جميعُ أهل الإسلام: ما أنعمَ الله به على هذه البلاد -بلاد الحرمين الشريفين- من نعمة التوحيد والوحدة، وإقامة الشرع، وبسط الأمن، ورخاء العيش، ونعوذ بالله من التقلُّبات السياسية، والحروب الأهلية، والتحزُّبات الطائفية.
لقد منَّ الله على هذه البلاد بطالع السعد والسُّعود: الإمام المُؤسِّس ورجاله -رحمهم الله-، فوفَّقهم الله وأعانَهم فوحَّدوا الأمة، وبسَطوا الأمن، وأقامُوا الشرع، فكان عهدُهم عهدَ تحوُّلٍ في تاريخ البلاد، انتقلَت به من حالٍ إلى حالٍ، انتقلَت من الفوضَى الضارِبة، والضياع المُمزِّق، والجهل الحالِك، والمرض المُنتشِر، والخوف المُهلِك، إلى الأمن والاستقرار، والوحدة والنظام، والتوحيد والطمأنينة، والعلم والصحة، وسلامة الفِكر والتحضُّر. فلله الحمدُ والمنَّة.
اذكُروا واشكُروا، كانت بلادُكم مسبعَةً بشريَّةً مُمزَّقةً سياسيًّا وتاريخيًّا وأمنيًّا، كان بلدًا مُتناحِرًا يعيشُ على هامِش التاريخ، ثم أصبحَ بيت الله الحرام، ودار المسلمين، وارتفعَت مكانتُه، حتى غدَا شريكًا مع الكبار في صُنع القرار. وطنٌ يسكُن التاريخ، ويسكنُه التاريخ.
أيها الإخوة في الله: لا يعرفُ فضائل الأمن إلا من اكتوَى بنارِ الخوف والرُّعب، والفوضَى والتشريد والغُربة، اسأَلوا القُرى من حولِكم، اسألوا الغريبَ عن وطنه، واسألوا المُشرَّد عن أهلِه، واسألوا اللاجِئ عند الآخرين. وشاهِدوا بعين الشُّكر والبصيرة ما تنقلُه إليكم وسائلُ الإعلام نقلاً حيًّا مُباشِرًا.
عالمٌ حولكم تجتاحُه فتنٌ وحروبٌ، ومجاعاتٌ وقلاقِل، يُحيطُ بهم الخوفُ والجوعُ، واليأسُ والقلق، سلبٌ ونهبٌ، في فوضَى عارِمة، وغابة مُوحِشة، دماءٌ تُراق، ورِقابٌ إلى الموت تُساق، في أعمالٍ نكراء، وفتنٍ عمياء. حفِظَهم الله ورحمهم، وأعادَ إليهم أمنَهم، واستقرارَهم ورخاءَهم.
معاشر الأحبة: وإن من الشُّكر: أن نستذكِر ونتذاكَر بعضَ عوامل هذا الأمن، وأسباب هذا الاستقرار:
إن من أول عوامل الاستقرار وأولاهَا: الإيمان بالله، والتوكُّل عليه والاعتماد عليه -سبحانه-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
ومن أظهر مظاهر الإيمان: تطبيقُ شريعة الله والمُحافظة على مقاصِدها، وإقامة حُدودها، والتزامُ نهج السلف الصالح، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر.
وعدم الالتفات لما يُثار من تشويشات أو شُبُهات حول الحزم في تطبيق الشرع باسم التحضُّر وحقوق الإنسان. ومن هو بربِّكم يا تُرى الذي أضاع حقوق الإنسان، ثم هو يتباكَى عليها؟!
إن تحكيم شرع الله هو العامل الحاسِم الذي يقوم عليه نظام الحُكم في بلاد الحرمين الشريفين، حاضِني مُقدَّسات المسلمين، ويقوم عليه أمنُ البلاد وسعادتها.
ومن عوامل الاستقرار واستِتباب الأمن -يا عباد الله-: لزوم السمع والطاعة في غير معصية الله، وفي حديث عُبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: دعانا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، فبايَعناه، فقال فيما أخذَ علينا: السمع والطاعة في منشَطنا ومكرَهنا، وعُسرِنا ويُسرِنا، وأثَرَةٍ علينا، وألا نُنازِع الأمرَ أهلَه، وقال: "إلا أن ترَوا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه بُرهان".
وعن وائل بن حُجر -رضي الله عنه-: قُلنا: يا رسول الله: أرأيتَ إن كان علينا أُمراء يمنَعوننا حقَّنا ويسألون حقَّهم. فقال: "اسمَعوا وأطيعُوا؛ فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم". رواه مسلم.
يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "وأما السمعُ والطاعة لوُلاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظِم مصالح العباد في معاشِهم، وبها يستَعينون على إظهار دينِهم وطاعة ربِّهم".
في طاعة وُلاة الأمر تنتظِمُ شُؤون الأمة، وتنتظِمُ شُؤون الدولة، وتتَّحِد الكلمة، وتستقرُّ النفوسُ والأوطانُ، وتقوَى الصلةُ بين الأفراد، وتُحفَظُ الهيبة، ويتفرَّغ الناسُ للعبادة والعمل والبناء والتعمير.
ولُزوم الطاعة -أيها المسلمون- لا يمنعُ حقَّ النصيحة، ولا المُطالبَة بالحقوق بإخلاص ومصداقية وأدب في إعانةٍ على الحق، وتذكيرٍ بحوائِج العباد وحقوقهم، مع حبِّ صلاحهم، واجتماع الأمة عليهم، والتديُّن بطاعتهم، وأن طاعتهم من طاعة الله ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59]، وكراهة افتراق الأمة عليهم، وحبِّ إعزازهم في طاعة الله، وسدِّ خلَّتهم عند الهفوة.
يقول -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاثٌ لا يغلُ عليهنَّ قلبُ امرئٍ مُسلم: إخلاصُ العمل لله، ومُناصَحةُ ولاة الأمر، ولُزوم جماعة المسلمين". رواه الإمام أحمد.
معاشر الإخوة: ومن عوامل الاستقرار وبَسط الأمن وانتظام المعاش: قيامُ كل مسؤول بمسؤوليَّته وواجبه في المحافظة على كل هذه النِّعم والخيرات؛ فالوطنُ للجميع، والأمنُ نعمةٌ للجميع، وذلك كلُّه مسؤوليَّةُ الجميع مسؤولاً، وتاجرًا، ومُعلِّمًا، ومُفكِّرًا، وإعلاميًّا.
وقد علِم الجميع أن هناك مُحاولات وجِهات تستهدِفُ تفتيت الوحدة، وتكدير الأمن، وانتِهاب الخيرات حسدًا من عند أنفسهم على ما أنعم الله به من اجتماع الكلمة، والأمن على الدين والدنيا، والأعراض والأموال والأهلين. نعمٌ كُبرى لا تكاد تجتمعُ في بلدان كثيرة.
وقد علِم العُقلاء أنه لا مكان لمُخرِّبٍ بين شعبٍ يقِظ يُدرِك معنى البناء، ويقِف حارِسًا أمينًا، ساهرًا مُخلِصًا.
المؤمن المُخلِص الصادق هو الذي يغارُ على أهلِه وبلده، يعملُ أكثرَ مما يتكلَّم، يدٌ تحمِي ويدٌ تبني، يحذَرُ ويُحذِّر من كل مظاهر الفوضَى والاضطراب، حصيفٌ يُدرِك مكائِد الأعداء في حبٍّ، وقُدوةٍ، ومسؤوليَّةٍ، وجدٍّ، وعملٍ، ومنع إثارة الفتن.
وكل مُحبٍّ ومُخلصٍ لا يمكن أن يسمح لأحدٍ بالسعي في هدم بلده، أو التطاوُل على قِيَمه وثوابته، أو يسعَى في إشاعَة الفوضَى، أو الاستجابة لمن يُريد زعزعة الاستقرار والإخلال بالأمن.
وبعد -حفظكم الله-:
فالأمنُ هو شُريانُ الحياة، لا أمن للثروات، ولا أمن للنفوس إذا لم يحفَظ الله أمن القُرى والديار. في ظلِّ الأمن يهنَأ الطعام، ويلذُّ النوم، ويذوقُ المسلم حلاوةَ العبادة، "من أصبح آمنًا في سِربه، مُعافًى في بدنِه، عنده قُوتُ يومِه؛ فكأنَّما حِيزَت له الدنيا بحذافِيرِها". رواه الترمذي. وقال: "حديثٌ حسنٌ غريب".
حَذار ثم حَذار أن يُصاب المرءُ بفقد الذاكرة، ثم لا يستيقِظ إلا بعد فوات الأوان، ولاتَ ساعة مندَم.
نعم، إن طُولَ الإلف قد يُفقِدُ المرءَ الإحساس، فانظروا أحوال جيرانِكم الذين فقَدوا الأمن والاستقرار، كم يتمنَّون العودة إلى سابِق أحوالهم، وقد علِمتم أن منعَ الفتن أسهلُ من دفعِها.
فاحفَظ نعمَ الله -يا عبد الله-، إذا مرَّ بك يومٌ وقد سلِمَ لك فيه دينُك وبدنُك ومالُك وعيالُك، فأكثِر شُكر الله تعالى.
فكم من مسلوبٍ دينه، ومنزوعٍ مُلكه، ومهتُوكٍ سِتره، ومقصومٍ ظهره، وأنت في أمنٍ وسترٍ وعافيةٍ.
اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين، اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين، اللهم أعِنَّا على ذِكرك وشُكرك وحُسن عبادتك، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمِك قابِليها، وأتمَّها علينا يا ذا الجُود والفضل والكرَم، واحفَظ اللهم جميع بلاد المسلمين، وآمِنهم في دُورهم وديارهم وأهلِيهم يا سميع الدعاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت: 67].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مُبارَكًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى، والشكرُ له على ما أولَى من نعمٍ سابغةٍ وأسدَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمدُ في الآخرة والأولى، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المبعوثُ بالرحمة والهُدى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأزواجِه وأصحابِهِ والتابعين ومن اهتدَى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا عدُّه لا يُحصَى.
أما بعد:
معاشر الأحبَّة: ومن عوامل الاستقرار: الإعلامُ الصادق، البعيدُ عن ترويج الأكاذيب والأراجِيف، وقلب الحقائق، والتهويل للوقائع، وخِداع الناس؛ فالإعلام إما أن يبنِي وإما أن يهدِم، والذي يحفظُ من ذلك ويقِي -بإذن الله- عدمُ الاستسلام والتسليم لكل ما يُذاع أو يُنشر في هذه الوسائل كافَّة؛ فذلك أمرٌ خطيرٌ، وتهديدٌ مباشرٌ لأمن النفوس والأوطان.
واعلم -يا عبد الله حفظك الله- أنه لا يلزمُ أن يكون للإنسان رأيٌ أو موقفٌ من كل قضيَّةٍ تُطرَح، أو مسألةٍ تُورَد، أو حادثةٍ تقع؛ فالرأيُ الصحيحُ والموقفُ السليم لا يُطلَبُ إلا من خبيرٍ مُختصٍّ، مُحيطٍ بالقضية، مُتصوِّرٍ لأبعادها.
فليس من دلائل الحكمة ولا الوعي: الحرصُ على المُشاركة في كل قضية، والمُسارعة في التغريد حول أي موضوع، حتى لو بدَا له أن ما يقولُه حقٌّ وصوابٌ؛ بل قد تكون كثرةُ المُشارَكات والمُداخَلات سببًا في إثارة الفتن، وبثِّ أفكار، ونشر شائعات، وتصيُّد أخطاءٍ وهفَوَات. والعاقلُ لا يستعجِلُ الكلام في كل مناسبَة، ولا يُبادِرُ في الحديث عن كل قضية.
إن المُبالغة في مُلاحقَة التغريدات، والإكثار من تتبُّع أخبار القائمين على بُؤَر التوتُّر يُوقِع في ضلالٍ وحيرةٍ وإرباكٍ، عاقبتُه الانشقاقات والتصدُّعات وهدمُ المُكتسبات، وحاصِلُه فوضَى فكرية، ومُداخلاتٌ مُضطربة، وتعليقاتٌ بائِسة يختلِطُ فيها الحابِلُ بالنابِل ممن هبَّ ودبَّ، ونتيجتُها الفُرقة، وعاقبتُها عذابٌ يُورِثُ نفوسًا سوداء، وحقدًا مُتبادَلاً، من غير مُسوِّغٍ ولا معقوليَّة.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-؛ فهذا هو سبيلُ الاستقرار والأمن، فليشتغل المسلم الناصِح المُخلِص فليشتغل بخاصَّة نفسه، وبما يَعنيه، وبما يُحسِنُه، وبما يُفيدُ فيه وينفعُ أمَّتَه وأهلَه وبلدَه؛ فخيرُ الناس أنفعُهم للناس، وطُوبَى لمن شغلَه عيبُه عن عيوب الناس.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم في مُحكم تنزيله، فقال -وهو الصادقُ في قِيله- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.