البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

وقفات بين مكر الله ومكر البشر

العربية

المؤلف حسان أحمد العماري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. ظهور أخلاق ذميمة خطيرة الأثر .
  2. المكر السيئ نتاج من ضعف الإيمان .
  3. أنواع المكر .
  4. حاجتنا إلى تصفية قلوبنا .
  5. الحذر من مكر الله .

اقتباس

والمكر السيئ ناتج عن ضعف الإيمان وخبث النفس ودناءة الخلق، ويؤدي إلى انطماس البصيرة وفساد العمل، وصاحبه عقوبته عاجلة غير آجلة؛ قال تعالى: (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) [إبراهيم: 45 -47].

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله مُجزِل العطايا مسبِل النِّعَم، رافِع البلايا دافِع النِّقم، يعلَم الخفايا ويرى ما في الظُّلم، أحمده تعالى وأشكره خَلقَنا من العدَم وأمدَّنا بالنّعم، هدانا للإسلام؛ فللّه الحمد مِن قبلُ ومِن بعد، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، مجيب الدعاء كاشف البلوى عالم النجوى.

أنت الملاذ إذا ما أزمة شمـلت

وأنت ملجأ من ضاقت به الحيل

أنت المنادى به في كل حـادثة

أنت الإله وأنت الذخر والأمل

أنت الرجـاء لمن سدت مذاهبه

أنت الدليل لمن ضلَّتْ به السبل

إنـا قصدنـاك والآمـال واقعة

عليك والكل ملهوف ومبتهل

وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّة وجاهد في الله حقَّ جهاده، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتبعها إلا كل منيب سالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه ومن سار على نهجِه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: 

عباد الله: مع صخب الحياة وكثرة تكاليفها وأعمالها، والتنافس والصراع على شهواتها، وضعف الإيمان من فترة إلى أخرى، وغياب قيم الخير في النفوس؛ تظهر بين الناس أخلاق ذميمة وسلوكيات خاطئة وأعمال سيئة يكون أثرها خطيراً على الفرد والمجتمع، وتكون سبباً في الظلم والطغيان، ومظهراً من مظاهر العدوان ودناءة النفس وخبثها وانحطاطها.

من هذه الأخلاق المكر السيئ، وهو إرادة الشر بالآخرين اعتماداً على القوة والسلطان أو على الذكاء والمال والجاه، وقد يكون بأن يظهر الفرد الخير ويبطن الشر ويحيك المؤامرات في الخفاء ليحصل على مكاسب وأطماع دنيوية دون وجه حق.

وأما مكر الله فإنه يعني أن الله يحق الحق ويبطل الباطل ويستدرج الظلمة والعصاة ويملي لهم ثم يأخذهم بذنوبهم.

والقرآن الكريم قد حذر من هذا الخلق وبيّن صفات أصحابه، وبيّن أن عاقبة مكرهم سيئة، ونهايتهم وخيمة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30] وقال سبحانه: (وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [النمل: 48-52].

والمكر السيئ ناتج عن ضعف الإيمان وخبث النفس ودناءة الخلق، ويؤدي إلى انطماس البصيرة وفساد العمل، وصاحبه عقوبته عاجلة غير آجلة؛ قال تعالى: (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) [إبراهيم: 45 -47].

والقرآن الكريم حافل بالآيات التي تتحدث عن قصص ومواقف وسلوكيات كان المكر السيئ هو الصفة البارزة فيها، وبيّنت كيف كانت آثاره ونتائجه ليتعظ الناس ويعتبروا، وحتى لا يغتروا بأنفسهم ولا بأموالهم ولا بقوتهم فيعرضوا أنفسهم للمصير الذي وقع على من قبلهم: (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) [النمل 51].

والمكر أنواع؛ فقد يكون بالصد عن الحق ومحاربة المعروف والانتصار للباطل كما حدث للأنبياء والمصلحين، وقد يكون هناك المكر بين الناس على بعضهم البعض بسبب الصراع على المال أو المكانة أو الجاه، وهناك مكر بين الأقران سببه الحسد، وهناك المكر بين الدول سببه الأطماع وحب السيطرة وإظهار القوة، وهناك المكر السياسي بين الأحزاب والجماعات والأنظمة والشعوب سببه حب السيطرة والتملك والقمع والاستبداد وإلغاء الآخر وعدم فهم واستيعاب متطلبات الحكم الرشيد والتداول السلمي للسلطة والحقوق والواجبات المطلوب أداؤها والقيام بها.

أيها المؤمنون عباد الله: مكث فرعون سنوات يحيك المكر السيئ؛ يقتل الرجال ويستحيي النساء ويستعبد الناس خوفاً على الملك والسلطان، فارتكب جميع الجرائم وادعى لنفسه الألوهية والربوبية من دون الله، وأرسل جنوده في الأرض ليخوف الناس ويحكم السيطرة، ومكر مكراً ومكر الله، وساق الله موسى -عليه السلام- بعد أن رمته أمه في البحر خوفاً عليه إلى قصر فرعون، وشب موسى وترعرع في ذلك القصر والجيوش تحرسه وفرعون يرعاه، وصدق الله إذ يقول: (قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ) [يونس: 21].

أين ذهب مكر فرعون ودهاؤه؟! أين قوته وجبروته وسلطانه وأمواله؟! لقد سخرها الله لرعاية موسى، وبعد أن آتاه الله النبوة والكتاب وعرض أمر الله على فرعون أخذ فرعون يمكر بموسى وبمن معه ويحيك المؤامرات والدسائس والأكاذيب ويحشد الجنود ويستعمل القهر والتعذيب ويجمع السحرة ليناصروه، فلما أيقنوا أنما جاء به موسى ليس بسحر إنما هو الحق آمنوا بالله وأخذ فرعون يتهمهم بالمكر والخداع وهو مكر أخير يستعمله فرعون أمام الجماهير وزبانيته وجيوشه.

قال سيد قطب -رحمه الله-: "إنَّه الفزَع على العرش المهدَّد، والسلطان المهزوز: (إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا) [الأعراف: 123]، وفي نصٍّ آخَر: (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) [طه: 71]، والمسألة واضحة المعالم، إنَّها دعوة موسى إلى "ربِّ العالمين"، هي التي تزعج وتخيف، إنه لا بقاء ولا قرار لحكم الطَّواغيت مع الدعوة إلى ربِّ العالَمين، وهم إنَّما يقوم ملكهم على تنحية ربوبيَّة الله للبشر بتنحية شريعته، وإقامة أنفسهم أربابًا من دون الله يشرعون للناس ما يشاؤون، ويعبِّدون الناس لما يشرِّعون! إنهما منهجان لا يجتمعان، أو هما دينان لا يجتمعان، أو هما رَبَّان لا يجتمعان، وفرعون كان يعرف، وملَؤُه كانوا يعرفون ذلك". (الظِّلال، سيد قطب، 3/1351).

لقد اقتضَتْ حكمة الله تعالى أنْ جعل في هذه الدُّنيا خيرًا وشرًّا، وحقًّا وباطلاً، ولا رادَّ لحِكمته، وجعل في كلِّ زمان ومكان أناسًا يعيثون في الأرض الفساد، وينشرون الرذيلة، ويُحاربون الفضيلة، وابتلى بعض الناس ببعض؛ ليمحص الله عباده: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام: 123].

والأكابر هم أصحاب النفوذ والجاه والمال والسلطان الذين فسدت حياتهم وساءت أخلاقهم وتملك حب الدنيا من قلوبهم ونسوا فضل الله ونعمه عليهم خوفاً على نفوذهم ومكانتهم ومصالحهم وأطماعهم، فهم أكثر الناس مكرًا، وأكثرهم جرأة على ذلك، وانظروا إلى يوسف -عليه السلام- وقد أحيك المكر السيئ به من قبل إخوته وخططوا لقتله ثم رميه في البئر وكيف حفظه الله، ثم امرأة العزيز صاحبة المكانة والجاه والسلطان وقد شاع الخبر في المدينة بمراودتها لفتاها عن نفسه ومكرها وإصرارها على فعل الباطل وارتكاب الجريمة؛ قال تعالى: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) [يوسف: 31-32]، ودخل السجن مظلوماً ومكر الله له ثم خرج ملكاً يحكم في الأرض وبيده خزائن الأموال وجاءت أخوته يطلبون ويسألون ويستجدون، أين ذهب مكرهم؟! وأين خططهم؟! ذهبت وعادت عليهم وبالاً، والله -عز وجل- يقول: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43] .

عباد الله: كم نحن بحاجة إلى تصفية قلوبنا من الحقد والحسد والغل، كم نحن بحاجة إلى تزكية أخلاقنا بعيداً عن الكبر والظلم والعدوان، كم نحن بحاجة إلى تقوية صفوفنا بعيداً عن العصبية والتنافس على الدنيا وتدبير المؤامرات على بعضنا البعض، كم نحن بحاجة إلى إيمان بالله يوجه تصرفاتنا وأعمالنا نحو الخير وبناء مجتمعاتنا وأمتنا بعيداً عن تصيد الأخطاء ونشر الأكاذيب وإشاعة المنكر وزعزعة الأمن وسفك الدماء وقطع الطرقات وتعكير صفو السلم الاجتماعي في البلاد من أجل مصالح تافهة وشهوة عابرة، ما أحوجنا إلى مراقبة الله واستشعار عظمته وقوته ومكره وغضبه من أعمال السوء وأخلاق السوء، حتى نبتعد عن كل مساوئ الأخلاق ونستغل قدراتنا وطاقاتنا في مواجهة أعداء الأمة ومكرهم وخططهم التي يحيكونها وينفذونها عند ضعفنا وتفرقنا، ولنتعامل جميعًا مع بعضنا البعض بأخلاق العظماء وسلوك الأتقياء، مقتدين برسولنا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الذين نشروا الخير في الآفاق وأقاموا العدل في كل بلاد، وليقف الجميع صفاً واحداً ضد كل من يحاول الإفساد والمكر والخداع في هذه الأرض، ففي ذلك النجاة والسعادة والحياة الطيبة للجميع.

ذلك عاقبة المكر، وآثاره لن تستثني أحدًا، سواء كانوا أصحابه أو الساكتين عنه أو الراضين به، ولن تكتب النجاة إلا لأصحاب الحق والخير؛ قال تعالى: (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [النمل: 52]، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنا سيئها وخذ بنواصينا إلى كل خير، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

عباد الله: إن علينا جميعاً أن نحذر من مكر الله، والذي يأمن من مكر الله وغضبه وهو قائم على المعاصي والذنوب فقد ارتكب كبيرة من الكبائر يحتاج إلى توبة نصوح، وعليه أن يراجع إيمانه بالله فلا يغتر أحدنا بعمله مهما كان، ولا يغتر بحلم الله عليه وهو مفرط في عمله ومقصر في واجباته، والمطلوب من كل مسلم أن يحسن العمل ويتقنه، وأن يحسن الظن بربه، فبعض الناس يعتقد -وهو قائم على المعاصي والذنوب ومقصر في واجباته وبالمقابل يعطيه الله الكثير من النعم- أنها دلالة على حب الله له ورضاه عنه، كلا، فهذا استدراج من الله، فلا تأمن مكره؛ قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:96-99]، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا".

وقال الحسن البصري: "المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وَجِلٌ خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن".

عباد الله: لنحسن العمل ونقوم بواجباتنا ومسئولياتنا تجاه ديننا ومجتمعاتنا وأوطاننا، ونعمل على بذر الخير ونشر ثقافة التسامح والعفو، وندعو بأفعالنا وأقوالنا وسلوكياتنا إلى التآلف والأخوة والتعاون، ولنحفظ دماءنا وأموالنا وأعراضنا، فنأمر بمعروف وننهي عن منكر ونقول كلمة الحق وننصر المظلوم ونأخذ على يد الظالم حتى يرتدع ويكف عن ظلمه، وننتصر للمظلومين والمستضعفين في الأرض، ونحسن تربية أبنائنا ومعاملة أرحامنا، ومع هذا كله نحسن الظن بالله، والله -عز وجل- لا يختار ولا يريد لعباده إلا الخير، فأملوا وأبشروا وأكثروا من الدعاء واللجوء إلى الله، فهو نعم المولى ونعم النصير، اللهم إنا نعوذ بك من الأمن من مكرك، ونسألك نفساً طيبة تعرف المعروف وتفعله، وتعرف المنكر وتجتنبه.

اللهم إنا نعوذ بك من قول بلا عمل، ونعوذ بك من سوء الخاتمة، ومن مردٍّ مخزٍ أو فاضح، اللهم إنا نسألك بصيرة في الدين، وحسن ظن مع حسن عمل، ونعوذ بك من أمنٍ مع سوء عمل.

هذا؛ وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ  اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.