المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
عباد الله: إننا لنقرأ هذه الآية باستمرار، ولم يدر في خواطر البعض ما فيها من المغازي، بل البعض يقرأ ليعترض عليها بالعلم الحديث، فيا سبحان الله هل يريد أمثال هؤلاء أن يقولوا إن الناس استطاعوا أن يكَذِّبوا الله -تعالى الله عن هذا الفهم السيء الخبيث-. إذا، لنقرأ القرآن، ولنجعله حياةً للقلوب، وما اشتبه علينا منه فلنؤمن به على مراد الله -تعالى-، فنقول: آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله. معاشر المؤمنين: سنقف على بعضٍ مما احتوت عليه هذه الآية العظيمة.
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: يقول سبحانه: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء: 85].
فمهما تعلم الناس، ومهما تطوروا، ومهما بلغوا من العلم، لن يتجاوزوا هذه الآية، فعلمهم بالنسبة لعلم الله قليل نزر يسير، ولهذا جعل الله لهم في حياتِهم ما يبين ضعفَهم وعجزهم، ليقروا بهذه الآية علم اليقين.
ومن ذلك، بل من أبرزه كله ما ذكره الله في كتابه العزيز حيث يقول: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ)[الأنعام: 59].
وهذه المفاتيحُ جاءت مفسرة في السنة، روى البخاري بسنده عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مفاتح الغيب خمس، ثم قرأ الآية: (إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان: 34].
هذه الخمسة أشياء، هي مفاتح الغيب، وسميت مفاتح؛ لأن كل واحد منها فاتحةٌ لشيء بعده:
(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) فالساعة فاتحة للآخرة التي هي النهاية.
(وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) والغيث فاتحة لحياة النبات، وبه حياة كل شيء.
(وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ) فاتحة لحياة كل شيء، فكل ذي روح مبدؤه من الرحم.
(وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) فاتحة للمستقبل.
(وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) فاتحة لقيامة كل إنسان؛ لأن من مات فقد قامت قيامته.
عباد الله: إننا لنقرأ هذه الآية باستمرار، ولم يدر في خواطر البعض ما فيها من المغازي، بل البعض يقرأ ليعترض عليها بالعلم الحديث، فيا سبحان الله هل يريد أمثال هؤلاء أن يقولوا إن الناس استطاعوا أن يكَذِّبوا الله – تعالى الله عن هذا الفهم السيء الخبيث-.
إذا، لنقرأ القرآن، ولنجعله حياةً للقلوب، وما اشتبه علينا منه فلنؤمن به على مراد الله -تعالى-، فنقول: آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله.
معاشر المؤمنين: سنقف على بعضٍ مما احتوت عليه هذه الآية العظيمة.
أولا: علم الغيب: وهو ما غاب عن الأبصار، ولا يمكن دركه بالحواس، قد اختص الله بعلمه، فلا يعلم الغيب أحدٌ إلا الله؛ كما قال سبحانه: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)[النمل: 65].
إلا ما أذن الله بظهوره، فيطلع الله من يشاء من خلقه عليه؛ كما قال سبحانه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ)[الجن: 26- 27].
فمن ادعى علم الغيب فقد كفر؛ لأنه كذب القرآن، ومن كذب القرآن فقد كذب الله، لهذا حكم أهل العلم على السحرة والكهان بالكفر، والخروج من الملة لادعائهم علم الغيب، عدا موبقاتهم الأخرى.
ومن هذا القبيل: قراءة الكف والفنجان والاعتقاد بصحة الأبراج، والتصديق بالنجوم كلُها من هذا الضرب، فلا تعلق نفسك إلا بعالم الغيب والشهادة -جل في علاه-.
وأول مفاتح الغيب: علم الساعة، والمقصود علمُ وقتِ قيامِها، فلا يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، بل اختص الله -سبحانه- بعلم ذلك، فلا يمكن لأحد أن يدركه إلا الرب -عز وجل-، فها هو أفضل الرسل من الملائكة جَبرائيل يسأل أفضل الرسل من البشر محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، يقول: أخبرني عن الساعة؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل".
أي علمي وعلمك فيها سواء، فكما أنك لا تعلمها فأنا كذلك لا أعلمها.
ولهذا من ادعى علم الساعة فهو مكذب للقرآن، ومكذب للسنة، ومكذب لإجماع المسلمين، وخارج عن المسلمين، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 187].
وثانيها: إنزال الغيث، فلا أحد يعلم متى يأت المطر إلا خالقه سبحانه، ونلاحظ أن الله -جل وعلا- قال: (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) [لقمان: 34] ولم يقل يعلم وقت نزول الغيث، وذلك لأن الذي ينزل الغيث يعلم نزوله، فكيف إذا كان منزلُه هو الذي خلقه سبحانه؟!.
ولربما يقول قائل: إن الأرصاد الجوية يقولون: سينزل المطر في الوقت الفلاني، ويصدقون!.
والجواب: أن هذا يشكل على كثير من الناس، فيظن أن هذه التوقعاتِ التي تذاع في الإذاعات، ويظن أنها تعارض قول الله -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ).
والحقيقة أنها لا تعارض ذلك؛ لأن علمهم بهذا علمٌ مستندٌ إلى محسوس لا إلى غيب، وهذا المحسوس هو أن الله -عز وجل- حكيم، جعل كل شيء يقع له سببا، فالأشياء مربوطة بأسبابها، فقد تكون الأسبابُ معلومةً لكل أحد، وقد تكون معلومةً لبعض الناس، وهكذا، فهذا علم بالسبب وليس علما بالغيب، ولهذا كلامُهم كلُه مبني على الظن والتوقعات، ومتى حضرت الأسباب خرج نزول الغيث من الغيب للشهادة فعلمه الخلق.
ولذا يجب على كل منا أن يعتقد أن ما صح في الكتاب والسنة لا يمكن أن يتعارض مع الواقع أبدا.
اللهم فقهنا في ديننا، واجعلنا لك مسلمين.
أقول...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: وإكمالا لما بدأناه من الحديث عن مفاتيح الغيب، فثالثها: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)[لقمان: 34].
فلا يعلم ما في الأرحام إلا هو، وعلم ما في الأرحام لا يقتصر على علم كونِه ذكرًا، أو أنثى، واحدًا أم متعددًا، بل علم ما في الأرحام أشمل من ذلك، فهو يشمل كونَه ذكرًا أو أنثى، يشمل كونه واحدًا أو متعددًا، يشمل كونَه يخرج حيًا أو يخرج ميتًا، يشمل أن هذا الجنينَ سيبقى مدة طويلة في الدنيا أو مدة قصيرة، يشمل أن هذا الجنين سيكون ذا مال كثير، أو فقر مدقع، يشمل أن هذا الجنين سيكون عالمًا أو جاهلًا، فكل ما يتعلق بهذا الجنين يدخل في قوله: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ) فهو شامل عام وعلم ذلك خاص بالله -تعالى-ـ.
ولكن قد يشكل على البعض أنه في عصرنا الحاضر توصل الطب إلى أن يعلم أن ما في بطن هذه الأنثى ذكرٌ أو أنثى، فهل يكون معارضا لما في الآية؟
فالجواب: أنه ليس هناك معارضةٌ للآية؛ لأنهم لا يعلمون أنه ذكرٌ أو أنثى إلا بعد أن يكون ذكرًا أو أنثى، أما قبل ذلك فلا يستطيعون العلم بأنه ذكر أو أنثى، وإذا كان ذكرًا أو أنثى وخلق ذكرًا أو خلق أنثى فإنه يكون من عالم الغيب عند أكثر الناس، ويكون من عالم الشهادة، فيخرج من الغيب إلى الشهادة فلا معارضة.
ورابعها: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) فالكل يعد جدولا لأعمال الغد، ولكن لا يدري هل يعملها أو لا ولا يدري؟ هل يأتيه الرزق من هنا أو هناك؟ فالبعض ينتقل من الفقر إلى الغنى في طرفة عين، بلا سابق إنذار، وآخر يفتقر في طرفة عين.
وخامسها: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) فالكل يغدو ويروح، ولن يموت إلا في وقته المحتوم، وفي المكان المقدر، بلا زيادة ولا نقصان.
فمن الناس من يولد في الرياض ويدفن في غياهب أفريقيا، والعكس، وكم من مؤمل أن يدفن في مكان وروحه ستقبض في مكان آخر، وهو لا يشعر، والقصص في هذا أكثر من أن تحصر.
وهذا كله يدل على وحدانية الله، وأنه جل في علاه المدبر للكون، والمتصرف في الوجود: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23] فالخلق خلقه، والأمر أمره، والملك ملكه -جل وتقدس-.
اللهم ارزقنا تلاوة كتابك على الوجه...
اللهم علمنا منه...
اللهم اغفر للمسلمين...
اللهم آمنا في...
اللهم قنا شر الفتن...
اللهم أصلح أحوال المسلمين...