المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - الحياة الآخرة |
ومن أشراط الساعة التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- فشو التجارة؛ ففي الحديث الصحيح عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: تَسْلِيمُ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوُّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعُ الْأَرْحَامِ، وَفُشُوُّ الْقَلَمِ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
أيها المسلمون: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته بشيء من الغيبيات التي ستقع لها في مسيرتها الحياتية على وجه الأرض، وهذه الأخبار هي من الغيبيات التي لا يطلع عليها إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- بإذن ربه العليم الحكيم، وهذه الغيبيات هي من أشراط الساعة، وأشراط الساعة صغرى وكبرى، ونقف في هذه الخطبة مع عدد من أشراط الساعة الصغرى؛ فمن ذلك:
ظهور الربا وانتشاره بين المسلمين؛ ففي الحديث الصحيح عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ يَظْهَرُ الرِّبَا، وَالزِّنَا، وَالْخَمْر"؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يبين لأمته في هذا الحديث أنه سيظهر فيها الربا وأن ظهوره يكون بين يدي الساعة وهذا يدل على أن ظهور الربا هو علامة من علامات الساعة وهو أمر مفزع حقا.
ولا ريب أن الربا المحرم بصريح القرآن والسنة لم يكن ظاهرا في العهود الأولى من تاريخ الأمة، ولا فيما ما بعدها؛ فقد كان المسلمون ملتزمين بحرمة الربا، ولكننا وجدنا ظهور الربا وانتشاره بين المسلمين في عصرنا الحديث، وظهوره في مجتمعاتنا الإسلامية مخيف حقا، وبصورة تشعرك بالعجب أنك في مجتمع مسلم، إذْ لم تكن صور ظهور الربا مجرد معاملات فردية محدودة بل هو ظاهر في مؤسسات مالية قوية، بل والأدهى والأمر أن الربا يدرّس في مناهج التعليم في بعض الجامعات تحت مسميات الاقتصاد والمالية، ويروج له أصحابه بمسميات مغرية مثل مسمى الفائدة، ليوقعوا الناس في شباكه.
عباد الله: فإن من ينظر في واقع بعض المسلمين في هذا الزمان يجد منهم حرصا على جمع المال وتحصيله وكسبه بأي وسيلة كانت، دون النظر إلى شرعيتها، وهذا بلا شك مخالفة صريحة لمنهج الله تعالى الذي جعل للكسب وسائله المشروعة، وحال بعض المسلمين هذه في جعل غايتهم الكسب دون النظر إلى الوسيلة، وقد أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ بِمَا أَخَذَ المَالَ، أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ".
أيها المؤمنون: ومن أشراط الساعة التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- فشو التجارة؛ ففي الحديث الصحيح عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: تَسْلِيمُ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوُّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعُ الْأَرْحَامِ، وَفُشُوُّ الْقَلَمِ، وَظُهُورُ الشَّهَادَةِ بِالزُّورِ، وَكِتْمَانُ شَهَادَةِ الْحَقِّ"، فحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على أمور ثلاثة فيما يتعلق بالتجارة:
الأول: أن فشوّ التجارة من علامات الساعة الصغرى.
والثاني: أن التجارة ستظهر في المجتمعات وتنتشر بكثرة.
والثالث: أنه سيكون هناك ظهور للمرأة في العمل التجاري ومشاركتها الميدانية لأهل بيتها في البيع والشراء والإجارة وغيرها من أمور التجارة.
أيها المسلمون: إن الناظر في واقع مجتمعاتنا الإسلامية يجد أن التجارة قد غزت كل مكونات المجتمع المدنية؛ ولو تأملت في القرى والمدن وجدت التجارة بكل أشكالها الممكنة؛ سواء التجارة الفردية على عربة إلى المؤسسات، والبرّ والبحر، وفي الجو في الطائرات، وفي الأفراح والأحزان.
ومن أشراط الساعة الصغرى وعلاماتها التي أنبأتنا بها السنة النبوية الثابتة: تلك العلامة التي ما عادت تخفى على أحد لكثرة رواجها ودخولها بيوت الناس رغما عنهم، وما تكاد تمر دقيقة وإلا وهناك مشهد في مكان ما يدل على هذه العلامة من علامات الساعة؛ فما هي هذه العلامة؟ يَقُولُ النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ"، والمعازف كل آلات اللهو والموسيقى والطرب التي تعرف في كل زمان ومنطقة ومجتمع، وقد أصبحت في زماننا متطورة بشكل ساحر ومفتن، تنبري لها كبرى الشركات لإنتاجها وتصميمها.
ومن غريب وعجيب أمر هذه العلامة من علامات الساعة وظهورها أنه يصاحبها الفجور بأشكاله المغضبة لوجه الله؛ إذ لا يكتفي هؤلاء بمجرد سماع الموسيقى والمعازف؛ بل تجد فيهم: من يستحلّ ذلك ويراه حلالا لا حراما، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يستحلون.. المعازف".
وتجد فيهم من يشرب الخمرة مع سماعه للموسيقى ويجلب المطربات من النساء والراقصات والفنانات وهذا أصبح موضة فنية في السهرات الغنائية حيث يجتمع الطرب والرقص والغناء والخمر وتناول الطعام والمشروبات.
ولاشك أن هؤلاء معرضون لأقسى العقوبات الربانية؛ ففي سنن ابن ماجه والحديث صحيح، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ، وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ"، وفي سنن الترمذي والحديث حسن لغيره، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا البَلَاءُ" وذكر منها: "وَاتُّخِذَتِ القَيْنَاتُ وَالمَعَازِفُ، وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ أَوْ خَسْفًا وَمَسْخًا".
وفي مسند أحمد والحديث حسن لغيره عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَبِيتُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلَهْوٍ وَلَعِبٍ، ثُمَّ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَيُبْعَثُ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَائِهِمْ رِيحٌ فَتَنْسِفُهُمْ، كَمَا نَسَفَتْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِاسْتِحْلَالِهِمُ الْخُمُورَ وَضَرْبِهِمْ بِالدُّفُوفِ، وَاتِّخَاذِهِمُ الْقَيْنَاتِ".
ومن أشراط الساعة الصغرى وعلاماتها المهمة التي أخبرنا بها نبينا -صلى الله عليه وسلم-: حدوث الزلازل واهتزاز الأرض وارتجاجها من تحت الناس؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ"، قال ابن رجب في شرحه للبخاري: "الزلازل: هي ارتجاف الأرض وتحركها"، وقال ابن حجر: "الزلازل: اضْطِرَاب الأَرْض".
وقد جاء في بعض الأحاديث النبوية التي ذكرت هذه العلامة من علامات الساعة -وهي حدوث الزلازل- تحديد بعض المناطق الجغرافية من بلاد العالم بوجود الزلازل فيها، كما في صحيح البخاري حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق منطقة نجد: "هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ" قال البغا: (نجد) ما ارتفع من بلاد العرب إلى أرض العراق.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
عباد الله: ومن علامات الساعة الصغرى القريبة من علامة الزلازل هي علامة الخسف؛ وهي من علامات الساعة الصغرى التي جات السنة ببيانها؛ ففي صحيح البخاري: عَائِشَةُ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ" قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: "يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ".
وفي صحيح مسلم، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: "مَا تَذْكُرُونَ؟" قُلْنَا: السَّاعَةَ، قَالَ: "إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ- فذكر منها-: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ"، والخسف هو انشقاق الأرض وغورها, وبلْع من على ظهرها وتغييبهم في داخلها.
وقال ابن حجر: "قَدْ وُجِدَ الْخَسْفُ فِي مَوَاضِعَ وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخُسُوفِ الثَّلَاثَةِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا وُجِدَ كَأَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مِنْهُ مَكَانا أَو قوَدرا".
والمراد أن وقوع الخسف هو أمر متنوع الزمان والمكان ومتكرر الحدوث وله أسبابه المختلفة التي يقدرها الله تعالى ويجريها وفق سننه.
وفي سنن ابن ماجه وصححه الألباني، عن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بين يدي الساعة مسخ وخسف وقذف"، قال العلماء: المسخ: هو تحويل صورة إلى صورة أقبح منها؛ قال ابن حجر: يحتمل المسخ على الحقيقة كما وقع للأمم السالفة، ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم، والأول أليق بالسياق" وأما القذف فهو الرمي بالسهم والحصى والكلام وكل شيء.
ومن صور الخسف التي عاقب الله بها أولئك المجرمون المتكبرون المفسدون في الأرض ما حدث مع قارون؛ وقد سجل لنا القرآن ذلك المشهد المريع حينما خرج على قومه في زينته متفاخرا ناسيا حق الخالق عليه، في قوله تعالى: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ)[القصص:79-81].
قال ابن عاشور: "وَالْخَسْفُ: انْقِلَابُ بَعْضِ ظَاهِرِ الْأَرْضِ إِلَى بَاطِنِهَا، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ فَخَسَفْنا بِهِ بَاءُ الْمُصَاحِبَةِ، أَيْ خَسَفْنَا الْأَرْضَ مُصَاحِبَةً لَهُ وَلِدَارِهِ، فَهُوَ وَدَارُهُ مَخْسُوفَانِ مَعَ الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَهَذَا الْخَسْفُ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ قَارُونَ وَمَنْ ظَاهَرَهُ".
وقانا الله وإياكم من فاجعة الزلازل ورعب الخسف ومن غضب الله.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة واجعلها لوجهك خالصة.
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).