الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | عبد الحميد بن جعفر داغستاني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
كم من رجل -يا عباد الله- يعول أولاد زنا أخيه أو قريبه بزوجته وهو يحسب أنهم أولاده! يرثونه وهم أولاد زنا، ويدخلون على محارمه وهم أولاد زنا! وكم من رجل طلبت زوجته الطلاق منه لتتزوج بأخيه أو قريبه الذي كان يخلو بها ويدخل عليها! بل وكم من مطلق زوجته ليتزوج بأختها وقريبتها الذي مكَّن من الخلوة بها والنظر إليها! لقد رد النبي –صلى الله عليه وسلم- رجلاً عن الجهاد حتى لا تخلو امرأته بأجنبي أو تسافر مع غير ذي محرم...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
يا عباد الله: هل يرضى عاقل بإدخال الموت على زوجه وذوي قرابته؟ أو هل يقدم متزن على إدخال السم الزعاف على عرضه وشرفه؟ هل يقبل غيور على أهله تبادل البسمات وتراشق النظرات مع أجنبي غير ذي محرم؟! وهل تطمئن نفس مؤمن إلى أن يترك ابنته أو أخته أو زوجته في خلوة مع غير ذي محرم؟
يا عباد الله: الخلوة بالأجنبية السوس الذي ينخر جسم العرض والشرف والفضيلة، تماماً كالسوس الذي ينخر الخشب من داخله، تحسبه خشباً قوياً صلباً ثم لا تلبث وأن تفاجأ بتحطمه وتكسره وبالبلاء العظيم الذي أتى على أصله.
عباد الله: الخلوة بالأجنبية السرطان الذي يتفشـى بالجسـم، ثـم لا يلبث حتـى يحطّم جسم صاحبه، عباد الله الخلـوة بالأجنبية مفتاح الإثم وباب الفجور ومدخل الزنا وطريق اختـلاط الأنسـاب وتداخـل الأعراض، لقد نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- المرأة أن تصـف المرأة لزوجـها كأنه ينظـر إليها، فما بالكـم بالله عليكم فيمن يتطـوع ويتـبرع راضيـاً مختـاراً بإدخال الأجنبي على أهله، ويعتبر ذلك من الثقـة وحسـن الظن.
روى البخاري -رحمه الله تعالى- عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسـول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا تباشـر المـرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها"(صحيح البخاري).
إن دعوى الثقة وحسن الظن ساقطة لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال فيما يرويه الشيخان: "إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت" (صحيح مسلم: 1259)، والحمو قريب الزوج كأخيه وابن أخيه وعمه وابن عمه وخاله وابن خاله، والحمو كذلك قريب الزوجة كابن عمها وابن خالها.
والمعنى أن خلوة الحمو أشد خطراً من خلوة الغريب وفي كل خطر؛ وذلك لأن دخول القريب لا يثير ريبة ولا يلفت الأنظار، فكان صدور الخطر منه أسهل فهذا وإراقة الدماء سواء، وهو أقدر على فعل الحرام لتيسير المكان ووجود الإمكان.
هذا الحديث يشهد بسقوط دعـوى الثقة، وهذا صحابي جليل يقول: "لو أمنتني على خزائن الأرض لأديتها إليك كاملة، ولو أمنتني على جارية سوداء لخشيت أن لا أؤدي"، أو كما قال -رضي الله عنه-.
كم من رجل -يا عباد الله- يعول أولاد زنا أخيه أو قريبه بزوجته وهو يحسب أنهم أولاده! يرثونه وهم أولاد زنا، ويدخلون على محارمه وهم أولاد زنا! وكم من رجل طلبت زوجته الطلاق منه لتتزوج بأخيه أو قريبه الذي كان يخلو بها ويدخل عليها! بل وكم من مطلق زوجته ليتزوج بأختها وقريبتها الذي مكَّن من الخلوة بها والنظر إليها!
لقد رد النبي –صلى الله عليه وسلم- رجلاً عن الجهاد حتى لا تخلو امرأته بأجنبي أو تسافر مع غير ذي محرم. روى الشيخان عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا معها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجَّة وإني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا فقال: "انطلق فحُجَّ مع امرأتك" (صحيح البخاري 4/ 18).
كيف يأمن -بالله عليكم- رجل غيور وشهم كريم أن يخلو الأجنبي بعرضه؟ كيف يطيب له أن يذهب إلى عمله ويترك الحمو الذي هو الموت في خلوة مع زوجته أو ذوات قرابته؟! فرُبَّ نظرة أوقعت في القلب من إبليس سهاماً ورب خطرة أولعت في قلب الأجنبي حرقة وهياماً؟! أما علم أنه ما خلا بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما، وما ظنكم عباد الله باثنين الشيطان ثالثهما.
العصمة -يا عباد الله- لا تكون إلا للملائكة الكرام أو للأنبياء والمرسلين. ومن أصر فوق ما بيَّنا، ومن استمر بعدما شرحنا على الدخول على الأجنبيات أو على إدخال الأجنبي على قريباته فقد عصى الله عامداً متعمداً، ومن استمر على ذلك بعدما أسلفنا خشية حزن الحمو أو غضبه فقد قدم طاعة ورضا المخلوق على طاعة ورضا الخالق، ومن استمر بعد ذلك لعدم قناعته بحكم الله فإنه في دائرة الكفر قد دار، ومن استمر فوق ما ذكرنا من النصوص الصحيحة على هذه المعصية بحجة الثقة أيضًا فإن صنيعه ذلك يعني أن ثقته بالحمو أعظم وأكبر من ثقته بالله وبشرع الله وبحكم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.