الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | تركي بن علي الميمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
عباد الله: إن الناظر في أحوال المسلمين في هذه الأزمان، ليجد حرباً شعواء موجهة ضد العقيدة الإسلامية؛ لأنهم يقولون: "لا إله إلا الله" (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)[البروج: 8]. وهذه الحرب منطلقة من مشارق الأرض ومغاربها، من اليهود والنصارى، والرافضة والخوارج والعلمانيين وغيرهم. الذين استخدموا كل وسيلة تمكنوا منها لبث سمومهم بأساليب متنوعة، لإثارة الشبهات، وتشكيك المسلمين في دينهم. ومن أجل صدِّ هذه السموم والشبهات، وتبيينها للمسلمين؛ فلا بد من تعلم العقيدة وتعليمها؛ لأن...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: إن الناظر في أحوال المسلمين في هذه الأزمان، ليجد حرباً شعواء موجهة ضد العقيدة الإسلامية؛ لأنهم يقولون: "لا إله إلا الله" (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)[البروج: 8].
وهذه الحرب منطلقة من مشارق الأرض ومغاربها، من اليهود والنصارى، والرافضة والخوارج والعلمانيين وغيرهم. الذين استخدموا كل وسيلة تمكنوا منها لبث سمومهم بأساليب متنوعة، لإثارة الشبهات، وتشكيك المسلمين في دينهم.
ومن أجل صدِّ هذه السموم والشبهات، وتبيينها للمسلمين؛ فلا بد من تعلم العقيدة وتعليمها؛ لأن العقيدة تتقى بها الشبهات؛ ولأن الأخطاء في العقيدة تنشأ وتنتشر، فإذا لم يتدارك الأمر ببيان حكمها، والتحذير منها، فربما تأصلت عند بعض الناس، أو في المجتمعات.
فمن هذا المنطلق جاءت هذه الخطبة بذكر بعض الأخطاء الشائعة في العقيدة من أجل أن يجتنبها المسلم ويحذرها؛ فمنها:
خطأ في مفهوم مدلول "لا إله إلا الله" فإن كثيراً من الناس يفهمُ من "لا إله إلا الله" أنَّها كلمة يقولها بلسانه، وينسى أن هذه الكلمة تقتضي منه أموراً غير النطق بها؛ ومدلول هذا إخلاص الدين لله، والكفر بالطاغوت، ولذا يقول الله -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36].
والخطأ الشائع عند بعض الناس اليوم، هو ظنهم أن"لا إله إلا الله" مقتضاها عبادة الله فقط، نقول: نعم، هذا هو مقتضاها وركنها الأول، ولكن لها مقتضى آخر وركناً لا بد منه، ألا وهو الكفر بالطاغوت، فلا بد من البراءة من الشرك والكفر بالطواغيت جميعاً، وهذه هي ملة إبراهيم الخليل -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: 4].
ومن الخطأ الشائع في مفهوم "لا إله إلا الله": ظن بعضهم أن معناها: لا خالق إلا الله، ويفسرون ذلك بتوحيد الربوبية.
فتوحيد الربوبية، مهم لكن المخالف فيه قليل، أما توحيد الأُلوهية: فهو الذي دلت عليه كلمة التوحيد، والمخالف فيه كثير والله المستعان.
ومن الأخطاء الشائعة في العقيدة: خلط في مفهوم الولاء والبراء، فإن الناس إذا فتشت في أحوالهم وجدتهم خلطوا في هذا الأصل قولاً وفعلاً من عدة وجوه: إما بموالاة الكفار، وهذه الصفة مناقضة لمفهوم الولاء والبراء في الإسلام؛ لأن هؤلاء الكفار مهما تعددت ديانتهم فهم أعداءٌ لنا، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120].
وهناك صور شائعة لأنواع من موالاة الكفار؛ منها:
التعلق بهم ومحبتهم، خاصة مع كثرة الاختلاط بهم؛ والسفر إلى بلاد الكفار لغير حاجة أو ضرورة؛ والتعلق ببعض الكفار لغرضٍ معين كلاعب كرة أو ممثل ونحوه؛ والثناء على الكفار وتلميع نظمهم وقوانينهم بما يؤدي إلى احتقار المسلمين وشريعتهم.
ومن الخلط في الولاء والبراء: استبدال الولاء للقبيلة أو للبلد؛ فالرجل التقي هو أخي في الله وأحبه في الله، ولو كان أبعد بعيد، والكافر أو الفاسق أبغضه بغضاً تاماً إن كان كافراً، وأبغضه على قدر معصيته إن كان فاسقاً، ولون كان أقرب الناس إلىّ، هذا هو ميزان التوحيد.
ومن الخلط في الولاء والبراء: استقدام الكفار إلى جزيرة العرب لغير ضرورة، بل إن بعض الناس من أصحاب الشركات وغيرهم قد يفضل الكفار على المسلمين، وربما وصف الكفار بالأمانة وأثنى عليهم، وسب المسلمين وتنقصهم، وهذا خطأ جسيم؛ فليتق الله وليتب من ذنبه، فلا يستقدم إلا عمالة مسلمة أمينة، والله المستعان.
ومن الأخطاء العامة في العقيدة: خطأ في مفهوم العبادة؛ فظن بعض الناس أن مفهوم العبادة قاصرٌ على أصول العبادة المعروفة من الصلاة والصيام والزكاة والحج، ونسي أن العبادة تشمل كل شُعَب الإيمان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول: "لا إله إلا الله"، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"[رواه البخاري(9)ومسلم(35)].
فالعبادة تشمل أمور الحياة كلها من أولها إلى آخرها.
إننا نشاهد بعض الناس يقول: شأنك والمسجد، أي: الزم الصلاة في المسجد ودع عنك الناس؛ فليس هذا هو الإسلام، وليس هذا هو مفهوم العبادة الحقة؛ بل هذا نوعٌ جديد من العلمنة في مفهوم العبادة، يريدُ أن يحصر العبادة في أنواعٍ خاصة منها، وهذا خطأ يجبُ الانتباه له.
وبعضهم جعل العبادة في القلب فقط، وأنها علاقةٌ بين العبد وربه، ولا شأن لها ببقية شؤون الحياة، وهذا منتشر بين العلمانيين الليبراليين والملاحدة القائلين بأن الدين لا شأن له في الحياة.
ومن الأخطاء العامة في العقيدة: مفهوم الوسط في الدين؛ فبعض الناس إذا رأى المتمسك بدينه، المحافظ على السنة قال له: لا تشدد وكن وسطاً، وهذا أيضاً من المفاهيم الخاطئة، فالتمسك بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كاملة هو الحق وهو الوسط؛ لأنه ليس فيها غلو ولا تقصير.
وأما ما يرد عند عامة الناس من قولهم: "كن وسطاً في دينك" فهذا فيه تفصيل: فإن قُصد به ترك السنن وترك التزامها في العبادات والمعاملات واللباس وغيرها، فلا شك أن هذا باطل؛ لأن الحق إنما هو الالتزام بالسنة.
وإن وجّه الكلام إلى من غلا في السنة وجاوز الحد فيها أو قصّر، وقيل له: "كن وسطاً" فهذا صحيح؛ كالذين جاءوا إلى بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال أحدهم: أنا لا أتزوج النساء، وقال الآخر: أنا أقوم الليل كله ولا أنام أبدا، وقال الثالث: أنا أصوم الدهر أبدا.
فنقول له: ":كن وسطاً"؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهؤلاء وأمثالهم: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"[رواه البخاري(5063)ومسلم(1401)].
ويقابل هؤلاء، أولئك الذين يتركون جميع نوافل الصلاة والأذكار وغيرها، ويؤدي ذلك إلى تقصيرهم في الفرائض وغيرها، فهذا مقصّر.
فالأول قد غالى في جانب، والثاني قد فرّط وأهمل وقصّر، والوسط هو الصحيح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر: 7].
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
عباد الله: ومن المفاهيم الخاطئة في العقيدة: الخلط الواقع في فهم مصطلح أهل السنة والجماعة؛ فهو مصطلح شرعي وردت به النصوص؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"[أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد، وصححه الألباني].
ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بالجماعة"[أخرجه أحمد].
وهذان مفهومان ومصطلحان شرعيان، وإنما وقع الخلط في هذا المصطلح في بدايات الافتراق في القرن الرابع، وذلك حينما نُسب إلى أهل السنة والجماعة من ليس منهم، مثل انتساب كثير من طوائف المبتدعة إلى أهل السنة والجماعة انتساباً خاطئاً، فنقول: يجب التزام منهج أهل السنة والجماعة على ما كان عليه سلفنا الصالح -رحمهم الله تعالى-.
ومن الأخطاء العامة التي وقع الخلط فيها: مسألة وجوب طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ووجوب الحكم بما أنزل الله؛ وقد وقع الخطأ في ذلك من خلال أمور:
منها ظنُّ بعض الناس أنها مقتصرة على فئة من الناس وهم الحكام، ولا شك في وجوبها عليهم وجوباً أولياً، ولكن نقول إن الحكم بما أنزل الله واجب على الجميع، واجب على الحكام والمحكومين، ولهذا كان مقتضى توحيد العبادة قائم على كمال الذل لله أولاً، وكمال المحبة لله ثانياً، وكمال الطاعة لله ثالثاً، ولا بد للجميع أن يعلموا أن هذا جزء من العقيدة.
فالفرد المسلم يجب عليه التحاكم إلى الكتاب والسنة في جميع أموره، عباداته ومعاملاته، وأن يتحاكم في كل ذلك إلى ما أنزل الله، لا إلى العادات القبلية ولا إلى القوانين الوضعية ولا إلى غيرها.
والمرأة المسلمة: يجب عليها التحاكم إلى الكتاب والسنة في أمورها كلها: حجابها، لباسها، زينتها، عملها، معاملاتها لزوجها.
وكذلك الشاب المسلم، والتاجر المسلم، والمعلم والحاكم والقاضي.
إنه أمر واجب وليس اختيارياً أن يلزم العبد منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحكام الصلاة وتفاصيلها، وقسمة المواريث، وفي جميع شؤون الحياة، فنعبد ربنا على وفق هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ومن الأخطاء في وجوب الحكم بما أنزل الله: التساهل في التحاكم إلى القوانين الوضعية، والقول بأن ذلك ليس بكفر حتى يستحلها.
ومن الأخطاء في وجوب طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-: ظن البعض أنه عند اختلاف العلماء فللإنسان أن يأخذ بأي قول من الأقوال الواردة، دون اعتبار للدليل، وهذا من أخطر المزالق، فلو تتبع الناس أقوال العلماء واختلافاتهم، ورخصهم لضاع الدين.
والواجب عند التنازع والاختلاف، الرد إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)[النساء: 59].
فالواجب اتباع ما ترجح دليله، والحذر كل الحذر مما يزينه بعض العلمانيين وأذنابهم من تتبع رخص العلماء والأخذ بها ولو خالفت الدليل.
ومن الأخطاء العامة التي عظم خطرها وطار شرها: التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم، وشمل هذا البلاء الرجال والنساء والفتيان والفتيات، والأطفال، كما أنه تعدى إلى أمور كثيرة من حياة الناس في ألبستهم وأزيائهم ومساكنهم وكلامهم وسلامهم، وأعيادهم وحفلاتهم، فإلى الله المشتكى من هذه الحالة التي بلغت بالمسلمين.
فلنتق الله -عباد الله-: ولنبتعد عن التشبه بالكفار التشبه المحرم، ولنحقق الولاء والبراء، ولنعتز بديننا وعقيدتنا الصحيحة، ولنتناصح فيما بيننا.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين...
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم إنا نسألك الإيمان الصحيح والعقيدة الصحيحة...
اللهم إنا نسألك الثبات على ذلك إلى أن نلقاك.
ثم صلوا وسلموا على نبيكم...
[تمت الاستفادة من كتاب للشيخ: "عبد الرحمن بن صالح المحمود" بعنوان: "أخطاء عقدية"].