المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان |
لقد أثبتت الأحداث المتتالية على المسلمين في كل مكان أن هذه المنظمات الحقوقية والهيئات الغربية ما هي إلا معاول هدم ضد الإنسان المسلم، وهي التي تسعى في قتله وخنقه وتركه يواجه الموت لوحده، وهذه غزة تشهد، وسوريا تشهد، واليوم دماج على ذلك تشهد، ونحن كلنا على ذلك من الشاهدين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ناصر المستضعفين، وولي المسلمين، وجابر المنكسرين، وناصر عباده الموحدين، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وخير خلق الله أجمعين، الذي بعثه ربه بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله: إن ما يجري في دماج هذه الأيام أمر يحزن القلب، ويُدمع العين، ويعتصر الفؤاد أسى وألماً وحزناً مما هو واقع هناك من الإجرام، والتقتيل، والتنكيل بأهل السنة وحصارهم، وفرض الخناق عليهم من كل النواحي والاتجاهات، وعلى مختلف الأشكال والأصعدة. مما يجعل العاقل يتساءل أين نحن نعيش؟ وأين المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية المزعومة من هذا الحصار الظالم الغاشم على تلك القرية الوادعة؟، دماج العلم والسنة، ومعقل الحديث والأثر؟!.
أين ذهب ضمير هذه المنظمات التي تتباكى على حقوق الإنسان، وتهتز عروش أصحابها وتنتفخ كروشهم عندما يسمعون أن فتاة تزوجت زواجاً مبكراً، أو طفلة قام أهلها بختانها؟! فأين هم من هذا القتل المباشر، والاستهداف العلني، وإطلاق الرصاص الحي، والضرب بكل أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة؟.
أين منظمات حقوق الإنسان؟ فإن الإنسان في دماج يقتل، ويؤسر، ويضرب، ويهان، وتنتقص كرامته، وتهدر حقوقه، وتؤخذ ممتلكاته، ويزج به في داخل السجون والمعتقلات بلا تهمة ولا سبب.
أم أن الإنسان الذي يرعون حقوقه ويهتمون به إنما هو الإنسان الأجنبي الكافر الذي لا يؤمن بالله العظيم، ولا يدين بالدين الحق الصحيح -دين الإسلام- أما المسلم فإنه في نظرهم ليس بإنسان أصلاً حتى يهتمون به، أو يرعون حقوقه ويعالجون شئونه. وصدق الله -تبارك وتعالى- إذ يقول: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران : 120].
فإذا كان هؤلاء الفجار الكفار يفرحون بما يصيبنا من الذل والهوان والنوازل، ويحزنون حينما يحالفنا النصر أو نفوز بالظفر أو تدور لصالحنا الدوائر، فكيف سيقفون معنا؟ وهل ننتظر منهم مساعدة لنا أو قيام بإصلاح شئوننا؟.
وإذا كانوا من شدة غيظهم علينا وقوة حقدهم وحسدهم على المسلمين لا يودون أبداً أن ينزل علينا أي خير من ربنا، فكيف سيجلبون لنا الخير، أو يقومون بمساعدتنا وإصلاح أوضاعنا؟، (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : 109].
إنهم سيتعاملون معنا بعكس ذلك تماماً، سيجلبون لنا الشر، ويجاهروننا بالعداوة والمكر، ويشعلون ضدنا الفتن والحروب، وإذا صرنا في حالة ضعف واستضعاف وهم في حالة قوة وغلبة -كما هو الحال اليوم- فإنهم لن يراعوا فينا حرمة، ولن يعرفوا لنا وزناً، ولن يقدروا لنا قدراً، يقول الله -تبارك وتعالى-: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة : 8]، وقال: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة : 2].
أين الناعقون على رعاية الأطفال والمهتمون بحقوق الطفل؟، أما يرون الأطفال في دماج يموتون جوعاً ويتضوغون من البكاء والنحيب بسبب الحصار الجائر المفروض عليهم، والذي فاقم من معاناتهم، وساهم في انتشار الأوبئة والأمراض بينهم، وأهلك بسوء التغذية أجسادهم؟.
أين منظمات الخواء والصياح في الهواء التي تدعي أنها تقوم على حراسة حقوق النساء، وتهتم من أجل جلب لهن السعادة والهناء؟ أين هم من الوقوف مع المرأة المسكينة المستضعفة في دماج التي يموت أطفالها وهي تنظر إليهم ولا تستطيع أن تفعل لهم شيئاً، ويقتل زوجها أمام عينها، أو يؤسر عنوة ويُخرج من البيت بالقوة وهي ترى هذا المشهد وتنظر إليه؟، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
إذا تجاوزنا هذه المنظمات الإنسانية، سواء كانت تسمي نفسها منظمات حقوق الإنسان، أو رعاية الأطفال، أو الاهتمام بشئون المرأة، لو تجاوزنا هذه المنظمات كلها التي تهتم بالإنسان إلى المنظمات المهتمة بحقوق الحيوان، لوجدنا أنه حتى الحيوان في دماج لا حق له، ولا اهتمام به، ولا رعاية لشئونه، فإذا كانوا يرون أن البشر في دماج لا حقوق لهم، ولا يستحقون الرعاية، فليأتوا -على الأقل- ليرعوا حقوق الحيوانات والحشرات والنباتات والجمادات، فإن إجرام الروافض وفجورهم لم يسلم منه حتى الحيوانات والنباتات والجمادات.
لقد أثبتت الأحداث المتتالية على المسلمين في كل مكان أن هذه المنظمات الحقوقية والهيئات الغربية ما هي إلا معاول هدم ضد الإنسان المسلم، وهي التي تسعى في قتله وخنقه وتركه يواجه الموت لوحده، وهذه غزة تشهد، وسوريا تشهد، واليوم دماج على ذلك تشهد، ونحن كلنا على ذلك من الشاهدين.
لقد وجدت هذه المنظمات وأنشئت من أجل رعاية حقوق البشر الغير مسلمين القاطنين في بلاد الكفر، أما المسلمون فإنها لا تلتفت إليهم، وإن التفتت إليهم فإنما هو في رعاية الفساد والإجرام، ومحاربة الفضيلة ونشر الرذيلة، والقضاء على قيم الإسلام وأصوله الثابتة، وأخلاقه النبيلة.
وإذا سول الشيطان لهم وأرغمهم على إظهار نفاقهم والتظاهر بتوزيع المساعدات قاموا بتوزيع مساعدات منتهية الصلاحية، أو أدوية فاسدة، أو أطعمة مضرة، وهذا دليل على شدة حقدهم وكفرهم وإجرامهم، فهل يعتبر أولو النهى والأبصار أنهم أعداء حقيقيون لنا، وعداوتهم لنا عداوة متأصلة في نفوسهم، متجذرة في قلوبهم، تغلي في صدورهم كالنار، (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة : 105].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتّقين بفضله, والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه -صلى الله عليه وسلم-.
أما بعد:
عباد الله: إن هذه المنظمات الجائرة الكافرة لا يستجديها إلا من كان في قلبه مرض، ولا يطلب عونها ومساعدتها إلا من إيمانه ضعف، ولم يعرف أن الله -جل جلاله- هو الرزاق ذو القوة المتين.
كيف يطلب المسلم العون والنصرة والمساعدة من كفار فجرة يرون أنه ألد أعدائهم وأشد خصومهم؟ فهل يعقل أن ينصرك عدوك، أو يعتني بك خصمك اللدود لك، الذي يعاديك عن دين وعقيدة.
ألا تكفينا هذه الشواهد التي نراها في كل بلاد المسلمين وتعطينا برهاناً ودليلاً أن هؤلاء القوم ومنظماتهم ما هي إلا أساطير خيالية، وحبر على ورق، وسراب لا حقيقة له عندما يتعلق الأمر بالمسلمين.
لو كان فيهم إنسانية حقاً، ولو كان عندهم مثقال ذرة من نخوة وشهامة لما تركوا الشعب السوري شعب بأكمله يهجر ويسام سوء العذاب، ويذبح من الوريد إلى الوريد وهم يشاهدون ويتفرجون.
ولما تركوا غزة محاصرة لسنوات طويلة، يسجن أهلها في هذا السجن الكبير، ويحرمون من دخول كل شيء إليهم، ويفرض الحصار الغاشم الظالم عليهم بلا تهمة ولا سبب، وهذه المنظمات لم تحرك ساكناً.
ولو فيهم مثقال ذرة من شعور بالإنسانية لما تركوا دماج هذه البلدة الوادعة المسالمة تحاصر من قبل ميليشيات طائفية تتصرف وكأنها دولة داخل الدولة، تقتل، وتهجر، وتفرض حصاراً، وتمتلك ترسانة ثقيلة وأسلحة متطورة.
إن المسلم المؤمن بالله حقاً يجب عليه أن يفقد الأمل في هذه المنظمات الكفرية التي تتغنى بحقوق الإنسان ومساعدة البشر، وهي في الحقيقة إما منظمات صليبية تنصيرية، وإما منظمات أسست لخدمة الإنسان الكافر لا المسلم، وإنما تتسمى باسم كل إنسان لتذر الرماد على العيون فقط.
المستجير بعمرو عند كربته | كالمستجير من الرمضاء بالنار |
علينا أن نضع أملنا في الله، ونثق في كرمه وعطاياه، ونلتجئ إليه وحده دون سواه، فهو المعين وهو الناصر، وهو على كل شيء قدير، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل : 62].
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا سَأَلْتَ فاَسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" [الترمذي (2516)].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56]، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".
اللهم رحماك بإخواننا المستضعفين في دماج, اللهم انصرهم واجمع على الحق كلمتهم, وأيدهم بجنود السموات والأرض.
اللهم أفرغ عليهم صبرًا وثبِّت أقدامهم وانصرهم على عدوهم.
اللهم ارحم شهداءهم، وعافي جرحاهم، واشفي مرضاهم، وفك قيد أسراهم، يا أرحم الراحمين.