الحليم
كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...
العربية
المؤلف | عبدالله بن صالح القصير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
فألف به سبحانه بين قلوبنا بعد فرقة، وجمعنا به بعد شتات، وكثرنا به بعد قلة، وأغنانا به بعد عيلة، ونصرنا به بعد ذلة، وقوّانا به بعد ضعف، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وهدانا إلى الحق المبين الذي ليس به التباس؛ فكم من نعمة خصنا بها في هذه البلاد دون كثير من الناس، وكم له تعالى من منحة فضلنا بها على سائر الناس
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي أخبر أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وأنه سبحانه يرفعها فوق السحاب، ويقول:"وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"، وأن الله تعالى ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ قوله تعالى في كتابه المجيد: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102].
صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أولي الأبصار والاعتبار، وأئمة الأخيار من أهل القرى والأمصار.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا ربكم واشكروه على عظيم عطائه، واذكروا نعمة الله عليكم وما خصكم به من أنواع إحسانه وآلائه؛ فكم ساق إليكم من أنواع المسرات، وكم صرف عنكم من البليات، وكم ذكركم بذلك في محكم الآيات، كما في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:102-103].
وقوله: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال:26].
وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المائدة:11].
وقوله: (فَاذْكُرُوا آَلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [الأعراف:74].
أيها المسلمون: حقًّا لقد منَّ الله علينا؛ إذ هدانا لهذا الدِّين الحق (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف:43].
فألف به سبحانه بين قلوبنا بعد فرقة، وجمعنا به بعد شتات، وكثرنا به بعد قلة، وأغنانا به بعد عيلة، ونصرنا به بعد ذلة، وقوّانا به بعد ضعف، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وهدانا إلى الحق المبين الذي ليس به التباس؛ فكم من نعمة خصنا بها في هذه البلاد دون كثير من الناس، وكم له تعالى من منحة فضلنا بها على سائر الناس.
أيها المسلمون: حقًّا إن واجب الشكر عليكم أعظم منه على غيركم؛ لقد كادت النعم أن تفر من بينكم فحفظها وقيدها، وهمت بكم الأعادي من جميع النواحي فصدها، وها أنتم ترفلون في أثواب العافية الواسعة، وتتوالى عليكم من الله في كل آن المنح المتوافرة، والمنن المتكاثرة: صحة في الأبدان، وأمن في الأوطان، ووفرة في الأرزاق، ومواسم خير ومناسبات بر، تحتاج منكم إلى استباق؛ فاشكروا نعم الله السابغة، واستبقوا الخيرات، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون: اذكروا نعمة الله عليكم؛ إذ كشف لكم غائلة من يظهر لكم الصداقة، وجلى لكم حماقات أولي الحماقة، وصرف عنكم جموع الظالمين، وصد عنكم كيد المفسدين، فلقد والله كنتم تتوقعون عظيم البلاء وشديد البأساء والضراء، فكم ساءت من كثيرين منكم الظنون، فلطف بكم سبحانه فأمنكم مما تخافون، وصرف عنكم من كنتم تخشون، وحفظ عليكم من نعمه ما تحبون (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان:20].
(وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) [إبراهيم:34]. (فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الحجرات:8].
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34].
فاذكروا نعمة الله عليكم واشكروها ولا تكفروها، فتكونوا ممن (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) [النحل:83].
أيها المؤمنون: اتقوا الله لعلكم تفلحون، واشكروا نعمة الله عليكم إن كنتم إياه تعبدون، فإن الله تعالى قد وعد الشاكرين بالمزيد، وتهدد الكافرين بالعذاب الشديد (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
(وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [البقرة:211].
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53].
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) [إبراهيم:28-29].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.