البحث

عبارات مقترحة:

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

جريمة تكفير المسلمين بغير حق

العربية

المؤلف صالح بن محمد آل طالب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. عدم مجاملة أحد إزاء شريعة الله .
  2. نماذج من العتب على الأنبياء والصالحين .
  3. تكفير المسلمين من أخطر المنكرات .
  4. تكرير بعض الشباب المتحمس لأخطاء سابقيه .
  5. الوضع في بلاد الشام .
  6. المجاهدون بشر يخطئون ويصيبون .
  7. من أسباب النصر تنقية الصفوف .
  8. العالم الإسلامي يُضرب بقوة .
  9. ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون .
  10. التحذير من الشائعات المغرضة .
  11. ضرورة بمساعدة بأهلنا في الشام على البرد .

اقتباس

ونرَى اليومَ هذا ماثِلاً في ديارِ الشَّام، لما بغَى عليهم عدُوُّهم، وتمالأَ معهُ رِفاقُ العِداءِ للعربِ والمُسلمين؛ عجَزَت أو قصَّرَت غالِبُ الحُكومات العربية والمُسلِمة في إنهاءِ هذه المأساة، وتعدَّدت المُنظَّمات والأحزاب المُقتحِمةُ لهذه الحرب، وانخرَطَ فيها كثيرُون من حسَنِي النوايا، ولعِبَت المُخابَرَاتُ والشياطينُ لُعبتَها، وتبيَّن بعد ذلك أن جُزءًا من الصِّراع إنما هو بين بعضِ هذه الجماعات، وأصبحَ بعضُها بيئةً خِصبةً

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله الذي شرعَ لنا دينَه وأوضحَ لنا المحجَّة، وجعل الوحيَ على مراضِيه دليلاً وحُجَّة، وصيَّر دينَنا وسطًا فلم يُشادَّه أحدٌ إلا غلبَه وحجَّه، أحمدُ ربي تعالى وأشكرُه، وأستهدِيه وأستغفِرُه، فهو أهلُ الحمد والثَّناءِ والمجدِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه أمرَنا أن نتبَع سبيلَه ونهجَه، وأن نفدِيَه ونفدِيَ دينَه بكل مالٍ وولدٍ ومُهجَة، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه؛ فقد أنارَ الله لنا به الدُّلجَة فاستبانَت المحجَّةُ واستقامَت الحُجَّة، وصلَّى على آله وصحابتِه، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

في ذلك اليوم لا ينجُو إلا صاحبُ التقوى، (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) [ق: 31- 34].

عباد الله: لقد جاء نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- بشريعةٍ غرَّاء كاملة من لدُن ربِّه -عزّ وجل-، هي وسطٌ بين الإفراط والتفريط، لا غلُوَّ فيها ولا جفاء، مضَت بأمر الله وتمَّت على مُقتضَى حكمتِه، وقد اقتَضَى كمالُ ولاء نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- لهذه الشريعة، وتجرُّدُه لنُصرتها، القيامَ بحراسة تعاليمها وحفظِ حُدودها من أعدائِها ومُحبِّيها، ومن الغالِين فيها والجافِين عنها.

ذلك أن الانحرافَ الذي يلحقُ بها هو نقصٌ فيها وعليها من أي جهةٍ كانت، سواءٌ في ذلك مُحبُّوها وشانِئُوها، وسواءٌ ناصِرُوها أو الخاذِلُون لها والمُخذِّلون عنها.

ويقتضَي الذبُّ عن شريعة الله: ألا يُجامَلَ فيه أحدٌ كائنًا من كان، لا قريبٌ في نسَب، ولا مُساكِنٌ في وطن، ولا حتى إنسانٌ صالِحٌ في أكثر أحوالِه؛ لأن الدينَ أغلى من أولئك، والسُّنَّةَ أعزُّ من كل عزيزٍ.

وهذا منهجٌ إلهيٌّ وسيرةٌ نبويٌّة؛ فقد عتَبَ الله على يُونُس لما خرجَ من قريتِه دُون إذنٍ، فألقاهُ في اليَمِّ، ثم في بطنِ الحُوت.

كما عتَبَ على نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- لما عبَسَ وتولَّى، أن جاءَه الأعمَى.

ولما أراد أن يستغفِرَ لمُشركٍ، قال الله له: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) [التوبة: 113]، وفي عتَبٍ آخر: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) [التوبة: 43].

والعِتابُ في أُسارَى بدرٍ معروفٌ ومُشتهِرٌ.

وقد عتَبَ نبيٌّ على نبيٍّ؛ فعتَبَ مُوسَى على هارُون غيرةً لرسالةِ ربِّه، حتى أخذَ بلحيتِه ورأسِه.

كما عتَبَ نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- على خِيرَةِ أصحابِه؛ فعتَبَ على أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، وقال: "لعلَّك أغضبتَهم"، يعني: سلمانَ وصُهيبًا وبلال.

وعتَبَ على أبي ذرٍّ -رضي الله عنه-، فقال: "أعيَّرتَه بأمِّه؟!".

وعتَبَ على أُسامةَ بن زيدٍ لما قتَلَ من نطَقَ بالشهادة، حين رأى بارِقَة السَّيف، فقال: "أقتَلَه بعد أن قال: لا إله إلا الله؟! وكيف تصنعُ بـ"لا إله إلا الله" يوم القيامة؟!". قال: يا رسول الله: إنَّما قالَها تعوُّذًا. قال: "هلاَّ شققتَ عن قلبِهِ؟"، وجعل يقولُ ويُكرِّرُ عليه: "فكيف تصنعُ بـ"لا إله إلا الله" إذا جاءَت يوم القيامة؟!"، حتى تمنَّى أُسامةُ أنه لم يُسلِم إلا يومئذٍ.

وتبرَّأَ -صلى الله عليه وسلم- مما صنعَ خالدٌ -رضي الله عنه-، لما قتَلَ في بني جُذَيمَة، وكانُوا لم يُحسِنُوا أن يقولوا: أسلَمنا، فقالوا: صبَأنا. في أمثلةٍ يطولُ سردُها.

أيها المسلمون: يُقال ما سبقَ، ونحن نرَى بعضًا ممن يُحسَبُون من الصالِحين، ويظنُّون أنهم باذِلُون لمُهَجهم في سبيلِ الله، وقد وقعَ من بعضِهم ما وقعَ مما هو أخطرُ على الدِّين من فعلِ بعضِ الفُسَّاق، وأضرُّ على الإسلام من معاصِي كثيرٍ من العُصاة، وقد قلَّ النُّصحُ لأولئك وخفَت النَّكيرُ عليهم.

ومن الصالِحين من تأوَّلَ في صمتِه، لئلا يشمتَ عدُوٌّ أو يُسرَّ فاسِقٌ، أو رأى أن مصلَحَةَ السُّكوت أعظم. وقد فاتَهم أن الأنبياءَ عُوتِبُوا، وخِيارُ الصحابةِ كذلك.

عباد الله: ومن أخطر المُنكرات التي تقعُ من بعضِ الناس: جريمةُ تكفيرِ المُسلِمِ بغير حقٍّ، وجريمةُ سفكِ دمِه، والثانيةُ وليدةٌ للأُولَى في الغالِب.

وهما جُرمانِ عند الله عظيمان، فيهما ضررٌ على الدِّين وأهلِه، وإساءةٌ مانِعةٌ لانتِشارِ رسالةِ الإسلام وشُيُوع دعوتِه، وفسادٌ للمُجتمع المُسلِم.

وقد يتوقَّى بعضُ الناسِ الخمرَ والزِّنَا والرِّبَا والكبائِرَ، ثم يمكُرُ به الشيطانُ فيُوقِعُه فيما هو أكبرُ منهنَّ، فيُكفِّرُ مُسلِمًا بغير حقٍّ، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المُتَّفق عليه: "من قال لأخِيهِ: يا كافر؛ فقد باءَ بها أحدُهما".

أو يقعُ في دمٍ حرامٍ، وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لن يزالَ المُؤمنُ في فُسحةٍ من دينِه ما لم يُصِب دمًا حرامًا"؛ رواه البخاري.

وقال -فيما رواه النسائيُّ وابنُ ماجه-: "لزَوالُ الدنيا أهونُ عند الله من قتلِ رجُلٍ مُسلمٍ".

والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

وقد يئِسَت الشياطينُ من بعضِ من تمسَّكَ بكثيرٍ من أحكام الدين، وتوقَّى كبائِرَ الذُّنوبِ، ولو أرادَه الشيطانُ على درهمِ حرامٍ لأبَى، فاستزَلَّهم فإذا هم يُسرِعون بتكفيرِ مُسلمٍ وسَفكِ دمِه، وإذا الدِّينُ مُصابٌ بهم، والأمةُ مكلومةٌ بصَنيعِهم، وإذا صحائِفُ سيِّئاتِهم قد فاقَت صحائِفَ من قضَى حياتَه فاسِقًا، وكانوا كمن قتَلَ الحُسينَ -رضي الله عنه- ثم سألَ عن دمِ البَعوضَة، أو من يقتُلُون أهلَ الإسلام ويدَعُونَ أهلَ الأوثان.

أيها المسلمون: حين يُغتالُ قدرُ العُلماءِ في نفُوسِ الشَّبَابِ، وتُنتَقَصُ قيمتُهم من صُحُفٍ وكُتَّاب، أو من غُلاةٍ ومُتنطِّعين؛ فإن الشابَّ ينشَأُ على فوضَى مرجِعيَّة، ويتبرَّعُ حُدثَاءُ الأسنان وسُفهَاءُ الأحلام لتنصِيبِ أنفُسهم مراجِعَ في الدِّين، فيَضِلُّون ويُضِلُّون.

وإنك لن ترَى -في الغالبِ- تساهُلاً في التكفير إلا ويسبِقُه انتِقاصُ العُلماء، وتسلُّط السُّفهاء عليهم، سواءٌ كانوا غُلاةً أو جُفاةً، وهمُ في الإثم والأثَر سواء.

إننا نرَى بعضَ الشبابِ المُسلمِ المُحبِّ لدينِه، والغَيُورِ على أمَّتِه في العُقُود الأربعة الأخيرة، يُكرِّرُ أخطاءَه ويُعيدُ إخفاقاتِه؛ فما أن تتقدَّمُ الأمةُ خطوةً إلا وترجِعُ خطوات، ولا تُحرِزُ مكسبًا إلا وتُحرِزُ مُكتسَبَات.

وهذا يقعُ -في الغالبِ- حينما تنزِلُ نازِلةٌ بالأمة، ويعيشُ تفاصِيلَها شبابٌ أخيارٌ، فتغلِبُهم العاطِفةُ، ويأخُذُهم الحماسُ إلى اتِّهام العُلماء بالتقصيرِ في بيانِ الحقِّ، والتفريطِ في القيامِ بالواجِبِ، ويرَونَ تداعِيَ الأعداء على الأمة، وتقصيرَ كثيرٍ من حُكومات العرب والمُسلِمين.

فتنهَضُ منهم طائفةٌ وتنفِرُ أخرى، ويطرَحُ بعضُهم الثِّقَةَ في عُلمائِهم، فتختلِفُ اجتِهاداتُهم، وتتضارَبُ توجُّهاتُهم، وينتُجُ عن ذلك خلَلٌ في المَسِير، وسُوءُ عاقِبَةٍ في المَصِير.

ويسكُتُ عن ذلك الخَلَل مُتعاطِفُون من أهل العلمِ، بحُجَّة قيامِ أولئك بواجِبٍ كِفائيٍّ قصَّر فيه من هم أَولَى الناس بالتصدِّي له، إلا أن الخطرَ بينهم ومنهم يكبُر، والخيرَ يضمحِلُّ ويقصُر. وفي النهايةِ لا أرضًا قطَعوا، ولا ظهرًا أبقَوا.

وربما عادُوا وبالاً على أهلِيهم، وقد عزَّ عدُوُّهم، وقطَفَ الثَّمرةَ غيرُهم، في نتيجةٍ يتحمَّلُها الجميع.

ونرَى اليومَ هذا ماثِلاً في ديارِ الشَّام، لما بغَى عليهم عدُوُّهم، وتمالأَ معهُ رِفاقُ العِداءِ للعربِ والمُسلمين؛ عجَزَت أو قصَّرَت غالِبُ الحُكومات العربية والمُسلِمة في إنهاءِ هذه المأساة، وتعدَّدت المُنظَّمات والأحزاب المُقتحِمةُ لهذه الحرب، وانخرَطَ فيها كثيرُون من حسَنِي النوايا، ولعِبَت المُخابَرَاتُ والشياطينُ لُعبتَها، وتبيَّن بعد ذلك أن جُزءًا من الصِّراع إنما هو بين بعضِ هذه الجماعات، وأصبحَ بعضُها بيئةً خِصبةً للتكفيرِ والتَّصفِيَات؛ بل إن بعضَها جماعاتٌ صائِدةٌ للشَّبابِ الغَيُور؛ لتُجنِّدَه عدُوًّا لبلادِه القادِم منها، وحربًا على أهلِه الحانِّين عليه.

وغفلَ بعضُ أهل العلم عن بيانِ حقيقةِ من يسلُكُ منهم مسلكَ التكفير واستِحلال الدماء، في تكرارٍ لمآسِيَ سابِقَة لم يجِفَّ الدمُ من آثارِها، ولا الدمعُ من نتائِجِها.

هذا مع يقينِنا بأنَّ بعضَهم كان على خيرٍ، وهذا يُؤكِّدُ ويُحقِّقُ ما حذَّرَت منه هذه البلادُ وكِبارُ علمائِها من الذَّهابِ بجهلٍ إلى المواقِع المجهولَةِ أكثرُ راياتِها، والخافِيَة مناهِجُ المُنضَوِين تحت ألوِيَتها.

يا أهل العلم: إنَّ الجهادَ ذروةُ سَنام الإسلام، ولكنَّ المُجاهِدين بشرٌ كغيرِهم، يُصيبُون ويُخطِئون، وانتِقادُ الخطأ في الجهاد ليس انتِقادًا للجهاد، ولا تخذيلاً عنه، ولا إنكارًا لأثره العظيم في حياة الأمة وعِزَّة الدِّين.

يجبُ البيانُ بوُضوحٍ، وعدمُ التحرُّج من ذِكرِ واقعٍ خطيرٍ يُشوِّهُ وجهَ الجهاد الشريف، ويُضِرُّ بالمُجاهِدين الصادِقين الذين يُدافِعون عن أمَّتهم وبلادِهم.

وإننا كما نُنكِرُ انحرافات الفُسَّاق، وتطاوُل الشانِئِين للإسلام وأهلِه، فلنُنكِر الانحرافَ الآخر المُضادَّ؛ لأنه الأنكَى والأكثرُ وقعًا على الأمة، وحتى تبقَى المحجَّةُ بيضاء، وليكُن ذلك برِفقٍ وشفَقَة بلا تصنيفٍ ولا استِعداءٍ، واحرِصُوا على كسبِهم؛ فإنهم للخيرِ أقربُ.

وفي قصَّة ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- أنه لما ناظرَ الخوارِجَ، رجعَ منهم أربعةُ آلاف. وهذا لا يحدُثُ عادةً مع الفُسَّاق.

وقد قبِلَ الخليفةُ -رضي الله عنه- رجُوعَهم، ولم يُعاقِبهم رغم اصطِفافهم لقِتالِه، وهذا منهجٌ للتعامُل مع أهل الشُّبَه ممن لم تتلوَّث يدُه بدمٍ حرامٍ، خاصََّةً وأن دافِعَ أكثرِهم هو الرَّغبةُ في الخيرِ.

إنَّ من أهمِّ أسبابِ النَّصرِ: تنقِيَةَ الصُّفُوفِ، وقد قال الله في قومٍ: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة: 47].

يجبُ تمييزُ الحقِّ من الباطِلِ، والمُجاهِدِ من المُخرِبِ، والمُصلِحِ من المُفسِد، مع يقينِنا أنَّ من يدفعُ صائِلَةَ العدُوِّ عن أرضِه هناك على خيرٍ وفي جهادٍ، وأنَّ اللَّومَ والإنكارَ على جماعةٍ تورَّطُوا بهذا المسلَك، وليس على الجميع.

يا شبابَ الإسلام: إن حُسنَ النَّوايا وحدَه لا يكفِي في تحقيق حُسن العاقِبَة للإسلام والمُسلمين، نعم؛ قد يُعذَرُ المُسلِمُ ويُؤجَرُ في أحوال، ويُبلِغُ الله العبدَ ما أرادَه في نيَّتِه من نَيلِ شرف الجهاد أو الفوز بالشهادة، ولكن لا يعنِي هذا أن من بلغَ ذلك قد نصرَ الإسلام، أو قدَّم شيئًا للمُسلمين؛ بل إنَّ بعضَهم قد يقتحِمُ المعارِكَ ليُقتَلَ فحسبُ، جاهِلاً أن العيشَ والحياةَ في سبيل الله أنفعُ للأمَّةِ في أحيانٍ كثيرةٍ من العجَلَة للموتِ في سبيل الله.

وإن كانت الشهادةُ في سبيلِ الله من أعظمِ مقاصِد المُجاهِد، إلا أنَّ المقصدَ الأعظمَ للجهاد هو إعلاءُ كلمةِ الله، حتى لا تكون فتنةٌ على المُسلمين في دينِهم وأموالِهم وأعراضِهم، ويكون الدِّينُ لله.

ويُؤكِّدُ هذا المعنى: ما رواه الإمام أحمدُ في مسنده أنَّ أبا أُمامةَ -رضي الله عنه- سألَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثَ مرَّاتٍ في مواقِفَ مُتفرِّقة أن يدعُوَ له بالشهادة، فكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لا يزيدُ على أن يقول: "اللهم سلِّمهم وغنِّمهم".

ذلك أن الشهادةَ مكسَبٌ ذاتيٌّ، وبذلُ الحياة والمالِ في سبيل الله نفعٌ مُتعدٍّ، ومن سألَ اللهَ الشهادةَ بصدقٍ بلَّغهُ الله إيَّاها ولو ماتَ على فِراشِه.

ونُؤكِّدُ هذا ونُقرِّرُه في الوقتِ الذي نرَى فيه أسارِيرَ الغربِ والشَّرقِ قد تهلَّلَت وهي ترَى أمدَ هذه الحرب يطُول، وقد التهمَت -وما زالَت تلتهِمُ- نفوسًا زكيَّة، وأجسادًا غضَّة. نرَى شماتةَ العدُوِّ حين يرَى خِيرةَ شباب الإسلام قد تقاطَرُوا لتُسلَبَ أرواحُهم فحسب، دافِعين بخيلِهم ورجِلِهم بألا تميلَ كِفَّةُ أحدٍ على أحدٍ، لتستمِرَّ عجلةُ الموتِ بالدَّوَران، وقصفِ الأعمار.

وهذا يُحتِّمُ على الدُّول المُسلِمة الدَّفعَ ما استطاعَت لحَسمِ هذه المعركة، خصوصًا وأن الطرفَ المُتسلِّط الذي بيدِه إنهاءُ هذه المأساة لا تَعنِيه دماءُ شعبِه، ولا أرواحُ بنِي وطَنِه؛ لأنه ليس منهم في حقيقة الحال، لا دينُه دينُهم، ولا الهمُّ همُّهم. وقد سلَّط على أهلِه العجَمَ والأباعِدَ.

ويا شبابَ الإسلام الغيورَ على مُستقبل أمَّته: إنه حين يُشكِّك أحدٌ في عُلماء أمَّتك، وأُمراء بلدِك، ويستثيرُ حفيظتَك عليهم وعلى وطنِك وقومِك، فاعلَم أنه قد نقلَ المعركةَ إلى بلدِك، وأن وقودَها هم أهلُك، والخاسِرُ فيها وطنُك، وأن الإسلامَ العظيمَ لن يجنِيَ من ذلك خيرًا.

إياك واليأسَ من أهلِك وذوِيك؛ فإنهم إما أن يكون لهم عُذرٌ لم يبلُغه فهمُك، أو هم في تقصيرٍ له علاجٌ سِوى الوَقيعة والبَغضاء، ولتتَّعِظ بمن تورَّط بمثلِ هذه المسالِك، ثم ندِمَ حين لم ينفَعه النَّدَم.

عباد الله: يُقال: كل ما سبقَ لعلاجِ جراحٍ في الجسَد السليم، ولإزالةِ بعضِ قَذًى في الثوبِ النَّاصِع، وإلا فإنَّ الخيرَ كثيرٌ، والأصلُ في شبابِنا السلامةُ والاستِقامة، وأكثرُهم على هُدًى وخيرٍ تُسرُّ به نفوسُ المُؤمنين، وتغتالُ له قلوبُ المُنافِقين، الذين ما فتِئُوا يخلِطُون الحقَّ بالباطِل، ويُعمِّمُون القليلَ على الكثيرِ.

وقد وجَدوا في شُذُوذات أفرادٍ من المُتديِّنين فُرصةً لنفثِ سُمومهم على الدِّين نفسِه، وتسويقًا لانحِرافاتهم على أنها هي الوسطيَّة، وما حدثَ ويحدُثُ هو أقدارٌ من الله، وتمحيصٌ وابتِلاءٌ؛ ليستَبِينَ المُؤمنُ من المُنافِق، والصالِحُ من الفاسِق، ولتُخرِج القلوبُ مكنونَها؛ ليهلِكَ من هلكَ عن بيِّنة، ويحيَى من حيَّ عن بيِّنة.

ودينُ الله منصور، ليس به إلينا حاجةٌ لننصُرَه، ولكنَّنا نحن الذين بحاجةٍ إليه لنُعلِيَه ونُظهِرَه.

اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطلَ باطلاً وارزُقنا اجتِنابَه، اللهم اهدِنا لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنِك، إنك تهدِي من تشاءُ إلى صراطٍ مُستقيم.

بارَك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية:

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ: 1، 2]، أحمدُ ربي تعالَى وأشكرُه، وأُثنِي عليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أيها المسلمون: تطلُّبُ الحقِّ والعدلِ فطرةٌ في الإنسان، وفي الجاهليَّة والإسلام يتسارَعُ الناسُ إلى المواثِيقِ والنُّظُم التي تحفَظُ الحقوقَ وتُقيمُ العدلَ؛ بَيْدَ أن من الناسِ من يلبِسُ الحقَّ بالباطل حتى يصِلَ إلى أغراضِه ولو خالَفَت العدلَ.

ويلفِتُ النظرَ في هذا الزمن: تسارُعُ الأحداث واضطرابُها، وسُرعةُ التحوُّلات واختِلافُها، تحوُّلاتٌ في الفِكرِ والمبادِئ والسِّياساتِ، وتنصُّلٌ من المواثِيقِ والقِيَم والمُعاهَدات. ترَى مواقِفَ كثيرٍ من الدُّول والأفراد كموجِ البحر المُتلاطِم حين يَهيج، وترَى الشُّعوبَ والمبادِئَ بينها كعُشِّ طائرٍ تتلاعَبُ به تلك المواقِفُ وتُمزِّقُه، ولا يسألُ عنه أحد.

فما كان شيطانًا بالأمسِ باسمِ الدِّين، أصبحَ اليوم صديقًا حميمًا ولا عزاءَ للدِّين! فليس إلا وسيلةً لتحقيق المآرِب، ولا عزاءَ أيضًا للشعوب المُمزَّقة، ولا للدماء المُهدَرة، ولا للقِيَم والمواثِيق. فليست هي مدارَ المواقِف، إنما هي وسائلُ تُستخدَمُ لتحقيقِ المآرِب والأطماع. هذا هو واقعُ الإنسانِ حين يبتعِدُ عن الله.

وجزَى الله الحادِثاتِ كلَّ خيرٍ، فقد كشَفَت الوجهَ القبيحَ لحضارة المادَّة، كما كشَفَت حقيقةَ كثيرٍ من المُنظَّمات والأحزاب والسياسات، وأثبَتَت أن تغنِّيها بحقوق الإنسان والدِّفاع عن الحقِّ ونصر قضايا المظلُومِين ليست إلا شِعاراتٍ زائِفَة. كما أثبَتَت الأحداثُ أصحابَ القِيَم والمبادِئ الذين يقِفُون مع الحقِّ والعدلِ وإن كانُوا وحدَهم.

لقد انتَظَم المُسلِمون في الهيئات العالميَّة، والمُنظَّمات الدوليَّة. فماذا جنَوا؟! هل صِينَت دماؤُهم، وحُفِظَت حقوقُهم؟! أم داسَها الأقوِيَاءُ بلا حياءٍ ولا حرَج؟!

إن العالَمَ الإسلاميَّ اليوم يُضرَبُ ببأسٍ، والجلاَّدُون طامِعون في إخماد أنفاسِه، وتحقيقِ مطامِعهم بلا رحمةٍ. فهذه فلسطينُ وأقصانا السَّليبُ تُباعُ وتُشترَى، وتُجرَفُ أراضِيها، ويُهجَّرُ أهلُها، وما من قرارٍ نصِيفٍ!!

وهذه سُوريا، شاهِدةٌ بملايين المُشرَّدين، ومئات الآلافِ من القَتْلَى والمُصابِين!!

ويتمالأُ العالَمُ على مطامِعِه الأنانيَّة، ويعمَى عن الظُّلم المُبين، ولا يفِي بعهُودِه ومواثِيقِه.

وأمام هذه الأحداث والتحوُّلات لا بُدَّ للمُسلم من معالِمَ يتبيَّنُها، وحقائِقَ يتشبَّثُ بها، وشاطِئٍ يرفَأُ فيه مركبُه حتى لا تُغرِقَه العواصِفُ الهائِجَة، وليس رُكنٌ أشدَّ من الرُّكونِ إلى الله تعالى، والالتِجاءِ إليه والإنابَةِ إليه، ودُعائِه والتوكُّلِ عليه. فنِعمَ المولَى ونِعمَ النَّصِير، ففِرُّوا إلى الله.

إن الإسلامَ عقيدةٌ وشريعةٌ، ومبادِئُ راسِخة، يعيشُ المُسلِمُ بها ويَحيَا لها، ويُنافِحُ لأجلِها، وإن مُستقبَلَنا رهنٌ بوفائِنا لدينِنا، وإن للتمسُّك بالحقِّ أعباءُ مُرهِقَة يثبُتُ لها المُؤمنُون، ويصبِرون على تثبِيطِ الخاذِلين، وكيدِ المُعوِّقين والمُخالِفين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة: 105].

أيها المسلمون: والمُؤمنُ الصادقُ لا يهِنُ ولا يتحيَّر، ولا يضعُفُ ولا يتردَّد؛ لأنه يثِقُ بالله تعالى ويُحسِنُ الظنَّ به، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء: 105].

ولقد بقِيَ الناسُ زمانًا يلتبِسُ عليهم الحقُّ بالباطِل، وتستَهويهِم الشِّعارات، ولكنَّ سُنَّة الله وحِكمتَه ماضِيَة، (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) [آل عمران: 179].

ولعل في الشَّدائِد تربية على القُوَّة والجلَد، وصَقْل معادِن الناسِ التي رانَ عليها أثرُ التَّرَفِ والشَّهَوات: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة: 216].

والذي نُؤمنُ به مُستيقَنين: أن الله يُريدُ بهذه الأمة خيرًا، وأن عاقِبَتها إلى خيرٍ وإن مسَّها الضُّرُّ، أو كثُرَت بها الجِراحات. فما أحوجَنا إلى الثِّقَة بالله والاعتِماد عليه وحُسن الظنِّ به، مع السَّعيِ في الأخذِ بأسبابِ النَّصر.

أيها المُسلِمون: ومن المعالِم الكُبرى: الاجتِماعُ والائتِلاف، والبُعد عن التفرُّق والاختِلاف، إنَّ وحدة الصفِّ مطلَب إسلاميٌّ عظيمٌ مُلِحٌّ، وأسوأُ أنواع التفرُّق هو التفرُّقُ في الدِّين.

ثم الحَذَرُ من الشَّائِعاتِ المُغرِضَة، والأخبار المُرجِفَة؛ فهي مِعوَلُ هدمٍ للجماعة وتفريقٌ للكلمة. وكم من كلمةٍ أو تصرُّفٍ أنانيٍّ قصَرَ بصاحِبِهِ النَّظَر، لا يدرِي أنه وَقودٌ يُحرِقُ بيتَه، ويُؤدِّي إلى الفوضَى والفساد، وانفِراط الأمن واختِلال النِّظام، والاعتِداءِ على الأرواحِ والمُمتلَكَات، في حالٍ من الانفِلاتِ والعَمايَة.

أيها المسلمون: بلادُ الإسلام مُستهدَفة، والفضاءُ مليءٌ بوسائل الهدمِ والتفريقِ، وعلى المُسلمِ أن يتجنَّبَ ما يُوغِرُ الصُّدور، ويُنمِّي العداوات. فليحذَر من وسائل الإعلام المُغرِضة، وليتجنَّب ما يملأُ قلبَه غيظًا على أهلِه ووطنِه. وقد نهَى الله تعالى عن مُجالَسَة أهل الأهواء والشُّبُهات والفساد.

عباد الله: وفي لفتَةٍ أخيرةٍ عن الشَّام رواها ابنُ رجب -رحمه الله-، قال: "كان عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا حضرَ الشِّتاءُ تعاهَدَهم وكتبَ لهم بالوصيَّة: إنَّ الشتاءَ قد حضرَ وهو عدُوٌّ، فتأهَّبُوا له أُهبَتَه من الصُّوفِ والخِفافِ والجوارِبِ، واتَّخِذُوا الصُّوفَ شِعارًا ودِثارًا؛ فإنَّ البردَ عدُوٌّ سريعٌ دُخولُه بعيدٌ خُروجُه.

وإنما كان عُمرُ يكتُبُ إلى أهلِ الشَّام لما فُتِحَت في زمنِه، وكان يخشَى على من بها -من الصحابةِ وغيرهم ممن لم يكُن له عهدٌ بالبَرد- أن يتأذَّى ببَردِ الشَّام". اهـ.

لقد استشعَرَ عُمرُ الفاروقُ عداوةَ البَرد لمن هم في الشَّام في ذلك الحِين، مع أمنِهم ورَغَد عيشِهم. واليوم وقد رحَلَ الأمنُ عن تلك الديار، وخرِبَت البُيُوت، واستُبدِلَت الدُّورُ بالخِرَق والخِيام التي لا تقِي زمهَريرًا، ولا تُظِلُّ من مطرٍ.

وتكالَبَت على أهل الشَّام حروبٌ وتشريدٌ وبردٌ وجُوعٌ وحِصارٌ، وخذَلَهم الكثير؛ فلم يسعَوا لحفظِ دمائِهم وكفكَفَة دموعِهم، ولم يُحسِنُوا دفعَ عدُوِّهم الذي بغَى عليهم.

فلا أقلَّ من بَذلِ الواجِبِ على القادِرِ من المُسلِمين لأهلِ الشَّام من اللاجِئِين والمُستوطِنين، خُصوصًا وقد اشتدَّ كلَبُ البَرد، وتتابَعَ المطر، وغطَّاهم الثَّلْجُ بردائِه القاتِل. فلا أقلَّ على المُسلمين من تكفِير خُذلانِهم لإخوانِهم ببَذلِ كساءٍ وغذاءٍ، يدفعُ عنهم غائِلَة الجُوع والبَرد.

يجبُ على عُموم المُسلمين بَذلُ ما في وُسعِهم، حتى يكتَفُوا ويستغْنُوا، خُصوصًا وقد جالَ الموتُ بين المُخيَّمات بمِنجَل الشِّتاءِ، فتساقَطَ الضَّحايا من الأطفالِ والشُّيُوخِ والنساءِ.

ليس من المُروءَةِ والدِّين: أن يتفقَّدَ أحدُنا أطفالَه قبل نومِهم، وقد وفَّر لهم المدافِئَ والأغطِيَة، وباتُوا في دُورِهم آمنِين، وله سَعَةٌ من مالٍ، وإخوةٌ له هُناك تتقعقعُ أرواحُ أطفالِهم بين أيديهم، وتزهَقُ نفوسُهم، ولا يملِكُون إلا ذرِفَ الدَّمع، وحشرَجَة العَبَرَات، يُشيِّعُون بها هذه المأساة، ويختِمُون بها الفصلَ الحزينَ من حياة الطفلِ القَصِيرَة.

كُونُوا مع إخوانِكم، كان الله لكم ولهم، وابذُلُوا ما تدفَعُون به عنكم وعنهم البلاء.

اللهم الطُف بإخواننا فإنك أعلمُ بحالِهم وأرأَف، اللهم الطُف بإخواننا فإنك أعلمُ بحالِهم وأرأَف.

عباد الله: صلُّوا وسلِّموا على خير البريَّة، وأزكى البشريَّة: محمد بن عبد الله الهاشميِّ القُرشيِّ.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدة والمُفسدين.

اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا رب العالمين.

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نَحره، واجعَل دائِرَة السَّوء عليه يا رب العالمين.

اللهم انصُر المُجاهدين في سبيلِك في فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم. اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.

اللهم الطُف بإخواننا في سوريا، اللهم ارفع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفَرَج، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم، وتولَّ أمرَهم.

يا راحِم المُستضعفين، ويا ناصِرَ المظلومين: اللهم احقِن دماءَهم، وآمِن روعَاتهم، واحفَظ أعراضَهم، وسُدَّ خلَّتَهم، وأطعِم جائِعَهم، واربِط على قلوبِهم، وثبِّت أقدامَهم، اللهم انصُرهم على من بغَى عليهم.

اللهم أصلِح أحوالَهم، واجمعهم على الهُدى، واكفِهم شِرَارهم.

اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم، اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المُؤمنين.