الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن صالح العجلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
في هذه الأيامِ نعيشُ حالةَ اهتمامٍ واسْتِنْفارٍ، تَضافرتْ فيها الجهود, واسْتُفْرِغَتْ الطَّاقات، صُدِّرتْ التعليمات, وكَثُرتْ التَّوجِيهات, وتـعدَّدَت الإرشادات. قُدِّمت للمُجِدِّين الحوافزُ والتَّشْجعيات، ولوِّحت للمتهاونينَ الملامةُ والتوبيخات. إنها أيامُ الامتحانات، نعيشُها بما فيها من حلوٍ ومُرٍ، وفَرحةٍ وحُزْنٍ، مَشاعرُ مُختلفةٌ, ومواقفُ متباينةٌ, وكلُّ يَجني ما زَرَع, ويَحصدُ ما بَذَر ..
معاشر المسلمين: في هذه الأيامِ نعيشُ حالةَ اهتمامٍ واسْتِنْفارٍ، تَضافرتْ فيها الجهود, واسْتُفْرِغَتْ الطَّاقات، صُدِّرتْ التعليمات, وكَثُرتْ التَّوجِيهات, وتـعدَّدَت الإرشادات. قُدِّمت للمُجِدِّين الحوافزُ والتَّشْجعيات، ولوِّحت للمتهاونينَ الملامةُ والتوبيخات. إنها أيامُ الامتحانات، نعيشُها بما فيها من حلوٍ ومُرٍ، وفَرحةٍ وحُزْنٍ، مَشاعرُ مُختلفةٌ, ومواقفُ متباينةٌ, وكلُّ يَجني ما زَرَع, ويَحصدُ ما بَذَر.
بَقْدرِ الكَدِّ تُعْطَى ما تَرُوم | ومَنْ طَلَبَ العُلا ليلاً يقوم |
نعم أيامُ الامتحاناتِ أيامٌ قلائِل، لكنَّها مع قلَّتها معبَّأةٌّ بكثيرٍ من التَّغيُّرات، مِنَ المُمكنِ أنْ نستثمرَها تربويَّا في توجيه أبنائِنا وشبابِنا،وتصحيحِ مسارِهم، وتقويمِ رؤيتِهم، فمِنْ أهمِ وأنفعِ التَّربيةِ: التَّربيةُ بالحَدَثِ.
فيا كلَّ والدٍ وأبٍ، يا كلَّ مُرْشِدٍ ومُرَبٍ، أَرْعِ لنا السَّمْعَ، واستجْمِع معنا القلبَ إلى حديث الأخْطاء - وكلّنا ذلك الخطَّاء - إلى "لاءات" سبع، نتعرَّفُها ونتَّقِيها، فمعرفةُ الخطأِ سبيلٌ للوصولِ إلى الصواب.
اللاءُ الأُولى: لا للكَسَلِ: نَرى في أيامِ الامتحاناتِ اشْتَعالَ العَزَائِمِ, وتَوَقُّدَ الهِّمَمَ, يَطيرُ النَّومُ عنِ الأَجْفَانِ، ويَحُلُّ التَّحفزُّ والاهتِمامُ، نفوسٌ كبيرةٌ، وهِمَمٌ عَالية, تَنْشُدُ الذُّرى المَجيدة، والمعاليَ الرَّفيعة.
في مثلِ هذه الأيامِ يُقْتلُ التَّسويفُ بسكينِ الجِّد, تُبْعدُ المُلْهِيات, وتُهْجَرُ الصَّوارفُ والمُشْغِلات، حتى لا تكادُ تَرى لها ذِكْرًا في قاموسِ الطُّلاب والطالبات.
الامتحاناتُ نَقْلةٌ نَوعيةٌ في حياةِ النَّاس، وبرنامَجِهم اليومي، ترى تنظيمَ الوقتِ واستغلالَه واقعًا ملموسًا لدى كثيرٍ من الشباب.
فحريٌّ بنا أنْ نربيَ ونتربى على هذه الجِّدية, وتلك المثابرةِ, وأنْ نَجْعلَها جزءًا من شخصيتِنا في هذه الحياة، إذ أنَّ عالمَ اليومِ, لا مكانَ فيه للكُسالى, وإنَّما هو لأولئِك الرِّجال, الذين يَسْري الجِّدُّ في أعماقِهم وأرواحِهم, من أجلِ تحقيقِ أهدافِهم.
وإذا كان الجدُّ عُنْوانَ شَخصيةِ المرءِ, ارتقى صاحبُه في سُلَّمِ الرِّيادة, وتبوّأَ موقِعَه في المجتمعِ، وسَطـَّر اسمَه في سجلِ أبناءِ المستقبل.
وكتابُ ربـِّنا يُوضِّح لنا الأخذَ بمبدأِ الجدِّ والمثابرةِ أتمَّ الإيضاحٍ، قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم: 12].
اللاءُ الثانية: لا للتفريطِ في جنب الله: في مثلِ هذه الأيامِ نَرى الإقبالَ على الخيرِ، تُعْمَرُ المساجدُ بالمصلين, وتَكْثُرَ الدعواتُ والابتهالاتُ, مع الإقلاعِ عن المعاصي, وتركِ المنكرات، وهذه أمورٌ تُثْلِجُ الصدور, وتدلُّ على أنَّ في النُّفوسِ الغافلةِ بقايا من الخيرية.
فما أجملَ أنْ نجعلَ أيَّام الامتحاناتِ موسمًا للطاعة, والمصافاةِ مع الله عز وجل.
لنُذَكِّرَ أولئك العائدينَ والمتغيِّرين, بأنَّهم قد أصابوا الطريق، وساروا في المسارِ الصحيح، ليسمعوا منا عباراتِ الثناء, وكلماتِ التشجيع.
لنُذَكِّرَهم بِسَعَةِ رحمة الله, وتوفيقِه لمن طلبَه ورجاه, وأنَّ الطاعة سهلةٌ ميسورة، وأنَّ كلَّ خيرٍ وصلاحٍ وتوفيقٍ في هذه الدنيا، مُرْتَهنٌ بطاعةِ الله, وأنَّ طاعةَ الله تعالى فوزٌ للعبدِ في دنياه قبل أُخراه (وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 71].
اللاء الثالثة: لا تَكُنِ الدنيا هي الغايةُ والمَقْصِد. يا أيها الأبُ الرحيمُ الحنون, الذي أَجْهَدَ نفسَه، وأَذْهبَ راحتَه من أجل نجاح ابنه.
أيها الأب المبارك: حَسَنٌ منك اهتمامُك بابنِك, وبَصيرتُك بمستقبلِه، إذ أنِّ الامتحاناتِ فيها ثمرةُ العلمِ، ويقظةُ الوعيِّ, وخُلاصةُ التجربةِ.... ولكنْ هل سألتَ نفسَك أيها الأبُ المباركُ، هل عَمَلتَ مع ولدِك لامتحانِ الآخرةِ ما تَعملُه الآنَ معه في امتحانِ الدنيا؟
هل بَذلتَ الجُهْدَ المتواصلَ في تعليمِه وإفهامِه ما يُعينُه على اجتيازِ امتحانِ الآخرة؟
قِفْ مع نفسِك بصراحةٍ وصدقٍ, وكلُّ إنسانٍ خصيمُ نفسِه:
هل أيقظتَ ابنَك لصلاةِ الفجر، بنفسِ الحِرصِ الذي تُوقظُه لإدراكِ الامتحان؟
هل تعتني بتوجيهِه وإرشادِه إذا أخطأَ في أمرٍ شرعي, كما تعتني بتصحيحِ أخطائِه في مذاكرتِه؟
تذكر -يا رعاك الله- أنَّ أعظمَ مسئوليةٍ تَحَمَّلْتَها, وسَتَبْقى تَبِعاتُها لك، أو عليك: هي ذريتُك وفلذاتُ كبدِك، ماذا قدَّمت لهم من النُّصحِ والتَّوجيه, والتربيةِ والتأديب ما يقوِّمُ أخلاقَهم, ويُهذِّبُ سلوكَهم, ويَغْرسُ في قلوبِهم شجرةَ الإيمان, ومحبةَ اللهِ ورسوله.
وينشأُ ناشئُ الفِتيانِ منَّا | على ما كان عوَّدَه أَبُوهُ |
وما دَانَ الفَتَى بِحِجىً ولكنْ | يُعـوِّدُهُ التـَّديُّنَ أقربوهُ |
اللاء الرابعة: لا تَنسَ امتحانَ الآخرة: كم نحنُ بحاجةٍ ونحنُ نرى رهبةَ الامتحاناتِ في نفوسِ الأبناءِ والشباب، أنْ نربُطَهم بامتحانٍ عصيبٍ في يومٍ عظيم، سل نفسَك كم من المواعظ سمعها منك ابنك عن امتحان الآخرة، ذلك الامتحان.... الذي تجثو من هولِه الركبُ, وتشيبُ له مفارقُ الصبيان، امتحانٌ فَصْل, وما هو بالهزل, لا يستوي فيه من آمن وعملَ صالحًا، ثم اهتدى، ممن أغفل قلبَه عن ذكرِ ربه واتَّبع هواه وكان أمره فرطًا.
امتحانٌ سيقف فيه جميعُ المخلوقين, صالحُهم وطالحُهم, إنسُهم وجنُّهم، بل وحتى صفوتَهم من الأنبياء والمرسلين (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف: 6]، امتحان.. ليس في فصلٍ دراسيٍّ أو منهجٍ محدد، بل لجميعِ سنواتِ العمر, وأيامِ الحياة (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ) [الحجر: 92].
سؤالٌ عن كلِّ كبيرٍ وصغير, وعظيمٍ وحقير, (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر: 53].
امتحانٌ للجوارحِ والضمائر (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ) [الطارق: 9- 10].
اختبارٌ يمتحن فيه الصادقون (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ) [الأحزاب: 8].
وتُسأل الأممُ ماذا أجبتم المرسلين (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 68].
امتحانٌ لا ظلمَ فيه ولا تَظلُّمَ, ولا اعتراض (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].
امتحانٌ لا إعادةَ فيه ولا إكمال، ونتيجتُه لا تستدركُ ولا رجوعَ فيها ( وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) [الرعد: 41].
هذا الامتحان، ليس في مكانٍ وفير, ومقاعدَ مريحة، بل هو وقوف بين يدي ملك الملوك, وعلامِ الغيوب (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) [الصافات: 24] (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) [مريم: 93- 95].
يقول النبيٌّ صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة».
هذا الامتحان أسئلتُه مكشوفة معلومة، قد بينها لنا النبي صلى الله عليه وسلم:
ستسأل يا عبد الله... عن عُمُرِك ماذا أفنيته فيه؟ وعن شبابِك فيما أبليته؟
وعن مالِك كيف كسبته؟ ثم في أي شيء أنفقته؟
وستسأل عن تعلمك وعلمك ماذا عملت به؟
وستسأل يا عبد الله أولَّ ما تسأل... عن صلاتك؟ مدى حفاظك عليها وإقامتك لها، فان صلحت صلاتك، فقد أفلحت ونجحت، وان فسدت خسرت وخبت.
وستسأل أيضًا... عن أقرب الناس لك من زوجة وأولاد «ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».
وستسأل أيضًا... عن كل نعمة أسديت لك, أفي الحلال استعملتها, أم في الحرام سخرتها (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر: 8].
إنها والله أسئلة عظيمة, ومواقف منتظرة مهولة, بكت من أجلها دموع الخاشعين وفرقت لهولها قلوب الصالحين.
ولو أنا إذا مُتْنا تُرِكْنا | لكان الموتُ راحةَ كلِّ حيٍّ |
ولكنَّا إذا مُتْنا بُعِثْنا | ونُسألُ بعدها عن كلِّ شيءٍ |
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر: 15].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين, أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه, انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى, والصلاة والسلام على عبده المصطفى, وعلى آله وصحبه ومن اجتبى.
أما بعد فيا عباد الله: واللاء الخامسة تقول: لا للنظرةِ المُفْرِطة في الامتحانات:
فبعض الآباء لا يسأل عن دراسة ابنه وتحصيله إلا إذا أظلت الامتحانات، وبعض المعلمين, دائما ما يلوِّح لتلاميذه شبحَ الامتحانات, بين تارة وأخرى، ومناسبة وغير مناسبة، حتى أضحى مقياس العلم والتعليم لدى كثير من الناس مختَصرًا في ذلك الاختبار، ونُسيت الغايات النبيلة, التي قامت عليها الرسالة التعليمية, من إصلاحِ الجيل, وتربيةِ النشء, وبناءِ العقول, وتوثيقِ عرى الدين, ومكارمِ الأخلاق.
فالواجبُ التوسطُ والاعتدالُ في نظرتِنا للامتحانات, نعم نوصي الأبناءَ والتلاميذَ بالجدِّ والاجتهادِ فيها, ولكن لا تطغى قضية الامتحانات على جوانب الإصلاح والتربية.
اللاء السادسة: لا تكن الامتحانات هي المقياس: بعض الآباء, يجعل نجاح الولد أو إخفاقه في الامتحان, علامة على نجاح الولد في حياته, أو فشله. فإذا نجح الولد كالَ له أبوه ألوانَ الثناء وأنواع المديح, التي ربما لا يجد الابن شطرها عندما يقوم بأداء واجبات دينية, وحقوق شرعية، وعلى النقيض من ذلك, لو أخفق الولد في امتحاناته, عاتبه والده وأنَّبه, ووبَّخه وبكَّته، لا يجد الولد معشار ذلك التأنيب, حينما يقصر في أداء واجبات شرعية, أو يرتكب بعض المحرمات. ولا شك أن هذا خلل في التربية, وتقصير في ترتيب الأولويات, وإعطاء كلِّ ذي حق حقه.
اللاء السابعة: لا تغفل عن المتابعة أيام الاختبارات. وبالأخص في ساعات الصباح بعد الخروج من قاعات الامتحانات, فتتلقاهم أيادي الخبث, وقرناء السوء إلى مهاوي الردى.
وقلِّبْ نَظَرَكَ في المقاهي, أو محلات الإنترنت, أو في المتَسكِّعين في الشوارع لترى حجم أولئك الشباب, الذي ما عَرفَ بعضُهم هذه الأماكن, إلا في أيام الامتحانات, فكانت تلك الأيام شرارةَ الانحراف في حياة بعض الشباب, وتغيُّرِ كثيرٍ من أخلاقياتهم، والسبب: غفلة الآباء عن أبنائهم.
فاتقوا الله -أيها المسلمون- في أمانة الأبناء, واحرصوا على متابعتهم وتربيتهم وحفظهم, وصلاحهم وإصلاحهم, فهم قرة عين لكم في الحياة, وذخر لكم بعد الوفاة.... هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية.