البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

أعمال القلوب (1) منزلة القلب وأهميته

العربية

المؤلف تركي بن علي الميمان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. أهمية القلب .
  2. بعض أعمال القلوب .
  3. وسائل صلاح القلوب .
  4. مفسدات القلوب .
  5. الأمور الدالة على أهمية الأعمال القلبية .

اقتباس

عباد الله: إن الأعمال القلبية لها منزلة وقدر، وجلالة ومكانة عظيمة في الدين، فهي في الجملة أعظم من أعمال الجوارح؛ فقلوبنا إذا صلحت، صلحت أعمالنا، وصلحت أحوالنا، وارتفعت كثير من مشكلاتنا، وإذا فسدت هذه القلوب فسدت أعمالنا، واضطربت أحوالنا. فالقلب هو العضو المسئول عن التأثر والاستجابة الشعورية في جسم الإنسان؛ وربما قيل له قلب لكثرة تقلبه، فهو...

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].

عباد الله: إن الأعمال القلبية لها منزلة وقدر، وجلالة ومكانة عظيمة في الدين، فهي في الجملة أعظم من أعمال الجوارح؛ فقلوبنا إذا صلحت، صلحت أعمالنا، وصلحت أحوالنا، وارتفعت كثير من مشكلاتنا، وإذا فسدت هذه القلوب فسدت أعمالنا، واضطربت أحوالنا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" [رواه البخاري(52) ومسلم(1599)].

فالقلب هو العضو المسئول عن التأثر والاستجابة الشعورية في جسم الإنسان؛ وربما قيل له قلب لكثرة تقلبه، فهو كثير التقلب بالخواطر والواردات والأفكار والعقائد، يتقلب من هدى إلى ضلالة، ومن إيمان إلى كفر أو نفاق؛ ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" [رواه الترمذي وصححه الألباني].

والأعمال القلبية، هي التي يكون محلها القلب وتكون مرتبطة به، وأعظمها الإيمان بالله –عز وجل-؛ ومنها المحبة، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل واليقين، والإخبات والإشفاق والخشوع، وما إلى ذلك.

أيها الحبيب: داو قلبك، فإن حاجة الله إلى عباده صلاح قلوبهم، ومحل نظر الله -عز وجل- هو هذا القلب، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ، وَأَعْمَالِكُمْ"[رواه مسلم(2564)].

فينبغي للإنسان أن لا يغفل، وأن لا يكون شارداً في زحمة الأعمال -حتى الأعمال الدعوية- ينبغي أن يكون له مجالس ترقق قلبه.

أيها المسلمون: ومن الأمور التي يتم بها صلاح القلب: المجاهدة؛ فيحتاج الإنسان إلى مجاهدة دائمة ومستمرة وإلى مكابدة، يقول ابن المنكدر -رحمه الله- وهو من علماء التابعين: "كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت لي".

فصار في حال من العبودية عجيب، كان يقول: "إني لأدخل في الليل فيهولني فينقضي وما قضيت منه أربي".

كيف نصل إلى هذه المرحلة، ونحن إذا جلس الإمام يصلي وزاد دقيقتين ربما بدأنا نتململ وبعضنا يتنحنح، وبعضنا يحرك أصابعه ويفرقعها، وربما عاتبنا الإمام بعد ذلك.

ولو كانت قلوبنا عامرة بمحبة الله، والإقبال عليه، لم نشبع من صلاتنا وعبادتنا؛ فأي مقام أعظم من مقام العبد بين يدي ربه وخالقه يناجيه وينطرح بين يديه في أذلِّ الصور التي يعبِّد بها العبد نفسه، ويذلل جبهته في السجود والركوع؛ وهل هناك تذلل أكثر من مناجاة الله -عز وجل- والخضوع بين يديه والجبهة على الأرض؛ فنحن نحتاج إلى كثير من المجاهدة لإصلاح هذه القلوب.

ومما يصلح القلب: كثرة ذكر الموت، وزيارة القبور، ورؤية المحتضرين؛ فإنها اللحظات التي يخرج الإنسان فيها من الدنيا ويفارق الشهوات واللذات، ويفارق الأهل والمال الذي أتعب نفسه في جمعه، في لحظة ينكسر فيها الجبارون، ويخضع فيها الكبراء، ولا يحصل فيها تعلق بالدنيا؛ فذكر الموت مما يحيي القلب؛ يقول سعيد بن جبير -رحمه الله-: "لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي".

ومما يحيي القلب: مجالسة الصالحين الذين يذكرون الله -عز وجل-، ويذكِّرون بالله بالنظر إلى وجوههم؛ فمن الناس من إذا نظرت إلى وجهه، انشرح صدرك.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "كان إذا حدق بنا الخصوم، وأرجفوا بنا، وألّبوا علينا، واعترتنا المخاوف من كل جانب؛ أتينا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، يقول: فو الله ما إن نرى وجهه حتى يذهب عنا ذلك جميعاً؛ لما يرون في وجهه من الإنارة، وما يرون فيه من المعاني الدالة على انشراح الصدر، وثبات القلب والتقى والرجاء والخوف من الله، فإن الوجه مرآة القلب، ولهذا قيل: "ما أسرّ أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحة وجهه وفلتات لسانه".

ومما يحيي القلب: أن يكون تعلقه بربه ومعبوده وخالقه جل جلاله؛ فإذا تعلق القلب بالمخلوق، عذب بهذا المخلوق أياً كان، رجلاً أو امرأة، أو سيارة، أو عقارات، أو مالاً، أو غيرها.

فالله -عز وجل- خلق هذا القلب وركبه تركيباً خاصاً لا يصلح بحال من الأحوال إلا إذا علق بربه ومليكه؛ فتعليق القلب بالله -عز وجل- هو الذي يصلح هذا القلب، ولهذا كان ابن القيم -رحمه الله- يقول: "إن في القلب وحشة لا يذهبها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وفيه فاقة لا يذهبه إلا صدق اللجأ إليه، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تذهب تلك الفاقة أبداً".

ومما يصلح القلب: الأعمال الصالحة؛ كما قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق".

ومما يصلح القلب: ذكر الله -عز وجل- وقراءة القرآن؛ قال سليمان الخواص -رحمه الله-: "الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد، فكما لا يجد الجسد لذة الطعام مع السقم، فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذكر مع حب الدنيا"

وقد أحسن من قال:

دواءُ قَلبِكَ خمسٌ عنـدَ قسوتـهِ

فاذهبْ عليها تَفُزْ بالخيرِ والظَّفَرِ

خـلاءُ بطـنٍ وقـرآنٌ تَدَبـَّرَهُ

 كذا تضـرعِ باكٍ ساعةَ السَّحـَرِ

ثـم التهجدُ جُنـحَ الليلِ أوسَطِهِ

وأن تُجالِسَ أهلَ الخيرِ والخُبَـرِ

أما مفسدات القلوب؛ فهي كثيرة، ولو أنك عكست الأشياء السابقة، لظهر لك من هذا المعنى شيء كثير، ولكن من أعظم ما يفسد القلب: أن يعلق القلب بغير الله –تعالى-؛ لأن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن.

ومما يفسد القلب: الفضول من كل شيء؛ الفضول من الأكل والشرب، والفضول من النوم، والفضول من الكلام، والفضول من المخالطة والمجالسة، والفضول من الضحك؛ كل شيء زاد من هذه الأشياء، فإنه يؤثر على قلب صاحبه، فيفسد قلبه؛ يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "خصلتان تقسيان القلب: كثرة الكلام وكثرة الأكل".

ويقول أبو سليمان الداراني: "لكل شيء صدأ وصدأ القلب الشبع".

والبخاري -رحمه الله- حينما كان في مرضه الذي مات فيه جيء له بالطبيب، فنظر في بوله-يعني حلله- فقال: "هذا لم يأكل إلا خبز الشعير منذ عشرين سنة".

الله أكبر؛ فما يورث هذا الأكل الكثير إلا بلادة وتخمة وكسلاً عن عبادة الله -عز وجل-، وقسوة في القلوب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[الحج: 46].

(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].

بارك الله لي ولكم في القرآن...

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].

أيها المسلمون: إن مما يدل على أهمية الأعمال القلبية، وأنها تفضل على أعمال الجوارح: أن اختلال العبادات القلبية ربما يهدم العبادات التي تتعلق بالجوارح؛ فالإخلاص عمل قلبي، فإذا زال الإخلاص من قلب العبد، فوقع في الشرك أو النفاق أو الرياء، فإن عمله باطل؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.

ومما يدل على أهميتها: أن الأعمال القلبية أساس النجاة من النار والفوز بالجنة؛ كالتوحيد فهو عبادة قلبية محضة؛ وسلامة الصدر للمسلمين عبادة قلبية محضة؛ ولا يخفى عليكم خبر الصحابي الذي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ثلاث مرات؛ وكان ذلك بسبب أنه لا يحمل في قلبه لأحد من المسلمين غشاً ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه[رواه أحمد].

فالعبادات القلبية أشق من عبادات الجوارح.

ومنها: أن العبادات القلبية أجمل أثراً من عبادات الجوارح؛ كان بعض السلف يقول: "مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والإقبال عليه والإعراض عما سواه".

ومنها: أن العبادات القلبية أعظم من عبادات الجوارح أجراً ومثوبة عند الله؛ وقد كان كثير من السلف يفضلون عبادات القلب على الإكثار من عبادة الجوارح، مع عدم إهمالهم لعبادات الجوارح، كان أبو الدرداء -رضي الله تعالى عنه- يقول: "تفكر ساعة خير من قيام ليلة".

ومما يدل على أهميتها: أن العبادات القلبية قد تكون في بعض الأحيان معوضة للعبد عن عبادات الجوارح؛ كالجهاد في سبيل الله؛ يأتي رجال للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليحملهم فيقول: (لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ) [التوبة: 92] فهؤلاء كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلَّا شَرِكُوكُمْ فِي الْأَجْرِ"[رواه مسلم(1911)].

لماذا؟ لأن العذر قد حبسهم، فالإنسان قد لا يستطيع أن يعمل بعض الأعمال، ولكنه يبلغ مبلغ العاملين لها بنيته، ولهذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ" [رواه مسلم(1910)].

فدل على أن الإنسان إن لم يقم بالغزو ببدنه وجوارحه؛ فعليه أن يستحضر النية، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ" [رواه مسلم(1909)].

وأخيراً: فبيان أهمية أعمال القلوب، وأنها أشرف من أعمال الجوارح، لا يعني أن نهمل أعمال الجوارح. فالتربية الصحيحة هي التي تعنى بقلب الإنسان كما تعنى بجوارحه.

فاتقوا الله -عباد الله-: وأصلحوا قلوبكم يصلح لكم أعمالكم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الأنفال: 2].

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.

ثم صلوا وسلموا على الهادي البشير...