البحث

عبارات مقترحة:

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

آداب الطريق

العربية

المؤلف سليمان بن حمد العودة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. شمولية الدين الإسلامي .
  2. من سمات عباد الرحمن .
  3. آداب الطريق من الحقوق العامة .
  4. المجالس المحرمة .
  5. مفاسد وآثار الجلوس على الطرقات .

اقتباس

فعباد الرحمن من سماتهم أنهم يمشون في الطريق هوناً، لا تصنع ولا تكلف، ولا تكبر ولا خيلاء، وإنما وقار وسكينة، من غير مذلة وجد وقوة، من غير تكبر ولا خيلاء وبطر، تأسياً بالقدوة العظمى محمد صلى الله عليه وسلم، وتلك هي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة، يمضي إلى قصده هينا مستقيما لا يصعر خده استكباراً، ولا يمشي في الأرض مرحاً ..

إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

اعلموا أن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أما بعد: اعلموا -وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه- أن ديننا الإسلامي الحنيف دين شامل لكل مناحي الحياة، فهو دين المبادئ والقيم، ودين الأخلاق والمعاملة، فلم يدع مجالاً من مجالات الحياة إلا بين فيها الحسن ليمتثل، والقبيح ليجتنب.

ومما يدل على شمولية الدين لكل مناحي الحياة، ما أوضحه الكتاب والسنة وآثار الأئمة من آداب الطريق، وحقوق المارة، ومجالس الناس العامة والخاصة، يقول الله -تعالى- في الكتاب العزيز: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا * وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا).

إن مصادر الشريعة الموثوقة مليئة بأمثال هذه النصوص المؤكدة لهذه الحقوق، والمرشدة إلى هذه الآداب.

فعباد الرحمن من سماتهم أنهم يمشون في الطريق هوناً، لا تصنع ولا تكلف، ولا تكبر ولا خيلاء، وإنما وقار وسكينة، من غير مذلة وجد وقوة، من غير تكبر ولا خيلاء وبطر، تأسياً بالقدوة العظمى محمد صلى الله عليه وسلم، وتلك هي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة، يمضي إلى قصده هينا مستقيما لا يصعر خده استكباراً، ولا يمشي في الأرض مرحاً، قال تعالى: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً). وقال تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).

ومن سماتهم إنهم إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، فهم أصحاب الأخلاق العالية، والآداب الرفيعة، في مشيهم وهديهم ودلهم، وفي حديثهم أولى وأحرى، مع صدقهم، وقوة حجهم وحلمهم وصفحهم، وإعراضهم عن البذيء من القول، والفحش من الحديث، وتجنباً لحماقة الحمقى، وسفاهة السفهاء.

لا يرفعون أصوتهم من غير حاجة، فـ(إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:19]، و لأن رفع الصوت خلق سيء وأدب سمج، يسلكه ضعيف الحجة، واهي البرهان يريد إخفاء رعونته وجهله برفعة صوته، وإغلاظه في كلامه مع الآخرين.

ولا يتكلمون فيما لا يعود عليهم بفائدة؛ وإنما (إِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ).

أيها الناس: جاء في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس في الطرقات " قالوا: يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، قال رسول الله: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حقه؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".

وعد النبي صلى الله عليه وسلم من أبواب الخير: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك الرجل الردئ البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة".

ودعا الإسلام إلى حفظ الحقوق العامة والخاصة، ومن الحقوق والآداب العامة حقوق وآداب الطريق، والتي ذكرنا بعضها في حديث أبي سعيد الخدري السابق، وقد جمع محدث زمانه، وحافظ عصره، الإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، بعض هذه الحقوق والآداب بقوله:

جمعت آداب من رام الجلوس على

الطر يق من قول خير الخلق إنساناً
أفش السلام وأحسن في الكلام وشمت عاطساً وسلاماً رد إحساناً
في الحمل عاون ومظلوماً أعن وأغث لهفان أهد سبيلاً وأهد حيراناً
بالعرف مر وأنه عن نكر وكف أذى وغض طرفاً وأكثر ذكر مولانا

أمة الإسلام: لقد حذرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الجلوس على الطرقات، وذلك لأن في الجلوس على الطرقات تعرض للفتن من النظر إلى النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات الأتي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.

وهو كذلك تحذير للنساء من كثرة الخروج إلى الأسواق والأماكن العامة لغير حاجة؛ لما فيه من مفسدة تعرضهن للأذية من أعين الذئاب البشرية، ومزاحمتهن للرجال على الطرقات، وخاصة في أيامنا هذه التي كثر فيها خروج النساء إلى الأسواق، وإلى الوظيفة والعمل، أضف إلى ذلك قلة الحياء عند بعضهن فضلاً عن قلة الدين.

فتجد الطرقات والأرصفة مليئة بالشباب التائه الضائع يتصيدون النساء، وحتى طالبات المدارس بعد خروجهن من المدرسة، فتجد الأرصفة ملأ بهؤلاء الشباب الذين لم يعطوا أي حق للطريق، ولم يراعوا حرمة أعراض المسلمين، فأطلقوا العنان للبصر بدلا عن أن يغضوه، وبذلوا الأذى بدلاً من أن يكفوه، وأمروا بالمنكر وكان المفترض أن يأمروا ينهوه، فهؤلاء يحرم عليهم الجلوس على الطرقات، ويأثموا ببقائهم فيها؛ لأنهم لم يعطوا الطريق حقه، وبعض هؤلاء يجلسون عند أبواب المحلات في الأسواق يتصيدون الداخل الخارج، ويشوشون على أصحاب المحلات رزقهم مصدر عيشهم.

فهؤلاء الذين يتخوضون في أعراض المسلمين، وهؤلاء الذين ينتهكون حرمات المؤمنين، أما يتقون الله، أما يخافون عقابه، هل يرضون أن يفعل ذلك أحد مع أخواتهم أو زوجاتهم أو إحدى قريباتهم؟ أو لا يعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ولا يظلم ربك أحداً؟؛ وعن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلى اله عليه وسلم على المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لاتؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله".

يروى أن شاباً أراد السفر لغرض التجارة، فأوصاه أبوه بالمحافظة على تقوى الله في السر والعلن، وحذره من اقتراف المعاصي والآثام؛ فسار هذا الشاب في سفره، وفي يوم من الأيام والشاب مسافر، كان عند الأب شاب سقاً يجيء إليه بالماء، وكانت عادته أن يطرق الباب، فتفتح له بنت ذلك الرجل.

وفي يوم من الأيام فوجئ الرجل بذلك السقا يقبّل ابنته ويهرب، فما كان منه إلا أن تحين رجوع ابنه من سفره ليسأله عن سفره وعن أخباره وماذا فعل في غيابه، فأجابه الابن بكل شيء، من أمور التجارة الربح وتحقق له منه، إلا أن الأب سأله مرة أخرى عن ماذا فعل في سفره من المعاصي؟ فأنكر الابن، ولكن بعد إلحاح الأب عليه جعل يعترف، وكان مما اعترف به أنه رأى امرأة شابة فظفر منها بقبلة، فقال له أبوه: "دقة بدقة، ولو زدت لزاد السقا"، قال الشاعر:

يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً

طرق الفساد فأنت غير مكرم
من يزن في قوم بألفي درهم في أهل يزني بربع الدرهم
إن الزنا دين إذا استقرضته كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم

فكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحداً، قال الله تعالى: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

أقول ماسمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.

أيها المسلمون: إن هذه المجالس التي يجتمع فيها الناس ويتحدث فيها بعضهم إلى بعض في غالبها لا يذكرون الله -تعالى-، بل يغلب فيها الكذب والغيبة والنميمة، وقول الزور والفحش، والسباب واللعان، وغيرها من المنكرات، وما اجتمع قوم في مكان لا يذكرون الله فيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة.

والبعض يجلسون للعب بالبلوت، والشطرنج، والنرد، والكيرم، وغير ذلك من الألعاب التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ).

أيها الأخوة: إن في الجلوس على الطرقات أذية للمارة، وتضييق للطريق على المسافرين، وفي منعه صلى الله عليه وسلم للجلوس على الطرقات منعاً لكثير من المفاسد؛ كالعادات القبيحة التي يتعلمها الجالسون على الطرقات؛ ومنها التدخين، ومضغ القات، والمظاهر الشاذة في اللباس أو الشعر، وغيرها من الأخلاق السيئة، وإلف المعصية؛ وذلك لكثرة ما يرى من المعاصي والمنكرات فيصبح لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً، أو يزيد البلاء بلاء فيسمي المعروف منكراً والمنكر معروفا! أو يرتقي به الحال فيصير يفتخر بالمعصية ويتباهى بها، ويحدث بها من لم يعلم الناس أنه عملها!

ومن المفاسد تعود البطالة وقتل العمر، والاستهانة بالوقت؛ فأرخص شيء عند هؤلاء هو الوقت، فساعات تهدر، وأيام تضيع، وأعمار تذبح على مذبح اللهو واللعب.

وما أكثر ما نسمع على لسان هؤلاء عبارات: نريد أن نقتل الوقت، نحن فارغون ماذا نفعل؟ نحن في إجازة! ونسوا أو تناسوا أن الله أمر الفارغ من العبادة بخلاف ذلك، فقال تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) فكيف بمن هو في لهو دائم؟ والله المستعان.

ومن المفاسد أيضاً: التهيؤ للجريمة وأسبابها وممارستها والاحتيال على الناس، مما يتعلمه الكثيرون من مثل هذه المجالس، فيبدأ الأمر باحتيال على صاحب البقالة أو صاحب سيارة الأجرة، وينتهي إلى السرقة المنظمة! أويبدأ الأمر بسماع الأغاني الخليعة الفاجرة الماجنة، ثم مشاهدة الأفلام العارية، وينتهي إلى فعل الفاحشة- والعياذ بالله-.

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يجمع لنا خير الآخرة والأولى، وأن يتوفانا وهو راض عنا، وأن لا يسلط علينا من لا يخافه فينا ولا يرحمنا، وأن يجعل الجنة هي دارنا، وأن لا يجعل إلى النار مصيرنا.

(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة وقنا عذاب النار). (سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين).