التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | خالد الشهري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
سبع عشرة آية في كتاب الله تذكرك باسم الحميد، يأتيك اسم الحميد في القرآن ينشر الأمل، ويعيد الابتسامة بعد الشدة، الكون كله يشهد له بالحمد، فكل شيء في الكون من العرش إلى الفرش، من السماء إلى الأرض، يشهد لله بالحمد، يحمده في الرخاء والشدة، يذكره كيف تخاف ومعك الولي الحميد؟! كيف تجزع ومعك الولي الحميد؟! كيف تهتم ومعك الولي الحميد؟! كيف تدمع عيناك هما وألما ومعك الولي الحميد؟! كيف تشكي للناس همك ومعك الولي الحميد؟! الولي الحميد يتولى...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي: (يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الشورى:28-24].
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: (عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان: 34].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين: فاتقوا الله، فإن تقواه ميثاق أمان، وطاعته بطاقة حفظ وائتمان، وتهيؤا للرحيل قبل لقياه، واعلموا أن كل إنسان بعمله لا بماله سيلقاه: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى) [النجم: 39-41].
أيها الأحبة الكرام: قال الله -جل في علاه-: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 27-28].
إنها اللمسة الربانية الحانية، إنها رحمة الخبير البصير الذي يعلم مقاليد الأمور، وتصريف مجريات الحياة، يقف العقل البشري اليوم حائرا أن يستوعب لطف الخبير البصير!.
إن البشر لا يطيقون في الأرض إذا نزل عليهم فيض الله ورزقه الغير محدود!.
إن البشر مهما بلغوا في علمهم وخبرتهم، فإن علمهم قاصر، ولا يملكون التوازن في الحياة! ضعاف مهما علت قدراتهم أن يدركوا موازين هذه الدنيا! فجعل الله لهم الرزق بقدر محدود، بقدر ما يطيقون، واستبقى فيض رزقه وعطائه المبسوط اللا محدود في دار آخرته، يوم يلقونه!.
ليس -والله- ذلك بخل من الله، إنما علم بهذا الإنسان لو فتحت عليه أرزاق السماء كلها لبغى في الأرض، لكنه ينزل الرحمة والعافية وسعة الرزق ما يعلمه الله أنه يصلح حال الناس في هذه الدنيا؛ روى الإمام أحمد في المسند عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله ليحمى عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه".
معاشر الأحبة: هذه لمسة أخرى من لطائف الولي الحميد، وهو: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 28].
إن كل قطرة هطلت في الأيام الماضية، وتهطل في ساعتنا الآن؛ لتذكر الخلق بمن؟
بالولي الحميد، إنه فضل الولي الحميد، حينما غاب الغيث، وانقطع المطر، وقف الناس عاجزين عن سبب الحياة الأول: "الماء" أدركهم اليأس والقنوط، غلت أسعارهم، هلكت مواشيهم، أجدبت وأمسكت أرضهم خيرها.
فإذا بالإسعاف الرباني العاجل ينشر رحمته، وهو الولي الحميد، فتحيا الأرض بعد موتها، ويخضر اليابس، ويلطف الجو، وتنطلق الحياة، وينبض الأمل، وما بين ذلك وبين القنوط والرحمة إلا لحظات تنفتح أبواب الرحمة، تهطل في ظلال آيات الله، والنجدة والغوث على أرض قد أجدبت، وأبار قد غارت مياهها، ودواب قد رفعت إلى الله يديها تستغيث؛ إنها رحمة الولي الحميد، المحمود لذاته!.
سبع عشرة آية في كتاب الله تذكرك باسم الحميد، يأتيك اسم الحميد في القرآن ينشر الأمل، ويعيد الابتسامة بعد الشدة، الكون كله يشهد له بالحمد، فكل شيء في الكون من العرش إلى الفرش، من السماء إلى الأرض، يشهد لله بالحمد، يحمده في الرخاء والشدة، يذكره كيف تخاف ومعك الولي الحميد؟! كيف تجزع ومعك الولي الحميد؟! كيف تهتم ومعك الولي الحميد؟! كيف تدمع عيناك هما وألما ومعك الولي الحميد؟! كيف تشكي للناس همك ومعك الولي الحميد؟!
الولي الحميد يتولى أمرك، يفرج كربك، يزيل معاناتك.
إن الولي الحميد محاميك في الدنيا، نعم هو محاميك في الدنيا إذا عاداك الناس، ومنجيك إذا خاصمك الناس، فكيف تخاف؟ كيف تخاف ومعك الولي الحميد؟!.
لا تخف أبدا، فمعك الولي الحميد يحفظك، يتولاك، يرعاك، يكفكف دمعك، ينسيك ألمك، لا تنسى الولي الحميد، فهو معك في أي مكان كنت.
ذكر الشيخ محمد حسان يقول: "كنت في الحرم، وإذا برجل يمني كبير السن، رافع يديه إلى أعلى، يقوم ويجلس، ودموعه تنهال على لحيته البيضاء، يبكي وينادي الولي الحميد، أكثر من نصف ساعة لا يفتر أبدا عن الدعاء، قال: ما هي إلا لحظات وإذا برجل يأتي من بعيد يشق الزحام، يتقدم ويتأخر، حتى نظر في وجه هذا الرجل، وهو يدعو، قال: ثم وضع يده في جيبه، وأخرج مبلغا من المال، ثم وضعه في حجره وانصرف.
قال: نظرت للرجل، وكأنه لم يرَ المال، قال: فواصل في دعائه، فلما انتهى من الدعاء نظر فوجد المال في حجره، فزاد بكاءه، ورفع يديه إلى الله، وهو يشكر للولي الحميد، يقول: ينظر للمال مرة وينظر للسماء مرة، وترتفع يديه، ثم يبكي، وزاد بكاؤه!.
ثم توقف الرجل، ثم عد المال، وبكى، وبعدما انتهى، قلت له: أسألك بالله ما الذي حصل؟ قال: يا بني –والله- لقد دخلت الحرم، وما أملك هللة واحدة، والله يا بني ما مددت يدي لأحد أطلبه، إنما اختبأت في هذا المكان، ورفعت يدي للولي الحميد، والله يا ولدي لقد أعطاني الله ما طلبته مرتين.
قال: ثم بكى، وقال: يا بني إنك مع أكرم ملك، مع ملك السماوات والأرض إن صدقته صدقك، وإن اتجهت إليه بقلب صادق نجاك، يا ولدي اجعل حاجاتك كلها إليه، والله ما يخذلك الولي الحميد.
نعم إنه الولي الحميد، اجمع حاجاتك كلها، وادفن همك في قلبك، وإذا خلا الليل، فاشكُ إليه ألمك!، وأودع الولي الحميد في ظلمة الليل سرك، وبث إليه مناجاتك، واعلمه بآلامك، فهو الولي الحميد: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر: 15].
اللهم يا حي يا قيوم اجعلنا ممن تعلق بك في أمورنا كلها، اللهم اجعلنا ممن تعلق بك في أمورنا كلها، اللهم أنت ولينا من كل ولي، وأنت إلاهنا من دون كل إله.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الولي الحميد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على عظيم امتنانه، نشهد أن لا إله إلا هو وحده تعظيما لشانه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.
أما بعد:
أحبتي: إن المطر نعمة من الله، خير جود وعطاء، ولكننا اليوم في عصر ما يسمى بالتواصل الاجتماعي المقيت، الذي دمر أكثر مما يصلح، الذي فرق الأسر، وفرقها إلى مجموعات، من أجل لحظة يتصور فيها، وتعلن في مواقع التواصل الاجتماعي أهلك الإنسان نفسه، فيرمي بنفسه في مجاري الأودية والسيول، لتعرض صورته في مواقع التواصل الاجتماعي.
نحن الذين قلبنا النعمة بأيدينا إلى نقمة يوم غيرنا هذه النعمة، وأهلكنا أنفسنا وأهلينا، يجري الواحد منا بأهله، ويرى السيل أمامه، فيهلك نفسه، ويهلك عياله.
لما كثر الفساد حتى وصل إلى مجاري السيول، وغابت الأمانة، وضيق على الأمطار، حتى في أوديتها، وبنى الناس مخططات بدون رقيب، أو حسيب على مجاري السيول، قلب الإنسان النعمة إلى نقمة، والفضل إلى هلاك، ولم يعد يبالي الواحد اليوم إذا اقتطع عشرة أمتار على مجرى وادي أو سيل، وهو لا يعلم أنه قد حجز الماء، ليهلك البشر من خلفه.
لو يعلم –والله- المسئول الذي سمح لذلك المخطط أن يبنى، ولتلك البنية التحتية أن تهدر، أنه سيهدر في طريقها، آلاف الأنفس، ويزهق حياة الكثير.
إن الجاني ليس واحدا، إن الجاني ربما تكون أمانة ضيعت في أمانة يوم أن غابت الأمانة من قلوب الناس، أما يتقي كل مسئول، أما يتقي كل صاحب مخطط على رقاب الناس يخطط لإهلاك حياتهم، وملأ جيبه بالدراهم والريالات.
أيها الأحبة: إننا في مجتمع واحد، وفي سفينة واحدة، وفي مكان واحد، إذا عم الهلاك، عم الكل، وإذا عمت النعمة فهي نعمة.
فالله الله أن لا نقلبها بأيدينا إلى نقمة: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر: 15].
اللهم لك الحمد أولا وآخرا، لك الحمد ظاهرا وباطنا، لك الحمد ما خطت الأقلام، لك الحمد ما هطل الغمام، لك الحمد ما محت شمس سواد الظلام، لك الحمد أنت الولي الحميد، لك الحمد أنت القاهر، لك الحمد فلا إله إلا أنت، كل شيء هالك إلا وجهك العظيم.