البحث

عبارات مقترحة:

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

أمتنا والعلم (2)

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. مشاهد رائعة من حضارة المسلمين في الأندلس .
  2. تجاهل المؤرخين الغربيين لإنجازات المسلمين وحضارتهم .
  3. صور من حضارة المسلمين الراقية في قرطبة .
  4. اكتشافات واختراعات المسلمين في المجالات العلمية والطبية .
  5. عوامل وسبل نهضة المسلمين .

اقتباس

سأقوم برحلة إلى أسبانيا وصقلية وفرنسا؛ لأكتشف الأثر الذي خلفه الإسلام على العلم والفن والفلسفة في أوروبا، إنني أبحث عن الأماكن والشخصيات التي تجاهلتها كتب التاريخ لدينا في أوروبا والباحثون الذين سأقابلهم ستحدون كثيرا من الفرضيات التي تبنينها عن تاريخنا الماضي في أروبا، ثم قال: إن أكثر الأوروبيين يعتقدون أن حضارتهم المعاصرة يمكن تتبع أصولها إلى الحضارتين اليونانية والرومانية، وأن هذه الحقبة التاريخية قطعت بما يسمى مرحلة عصور الظلام، مرحلة يعتقد أنها لم...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اطلعت على فيلم وثائقي بريطاني اسمه: "تاريخ الإسلام في أوروبا" قام بإعداد الفيلم صحفي بريطاني ذي أصول مسلمة اسمه: "راجح عمر".

بدأ الفيلم بسير ذلك الصحفي على هضبة من الرمال في أسبانيا، وهو يقول: "إنني في بداية رحلة، إنني أبحث عن أدلة لحضارة مغيبة ضائعة حضارة، حضارة كانت تسبق زمانها بقرون عديدة، هذه هي قصة الإسلام في أوروبا".

وقال: "سأقوم برحلة إلى أسبانيا وصقلية وفرنسا؛ لأكتشف الأثر الذي خلفه الإسلام على العلم والفن والفلسفة في أوروبا، إنني أبحث عن الأماكن والشخصيات التي تجاهلتها كتب التاريخ لدينا في أوروبا والباحثون الذين سأقابلهم ستحدون كثيرا من الفرضيات التي تبنينها عن تاريخنا الماضي في أروبا، ثم قال: إن أكثر الأوروبيين يعتقدون أن حضارتهم المعاصرة يمكن تتبع أصولها إلى الحضارتين اليونانية والرومانية، وأن هذه الحقبة التاريخية قطعت بما يسمى مرحلة عصور الظلام، مرحلة يعتقد أنها لم تقدم شيئا يستحق ذكره بل لم تقدم شيئا مطلقا للحضارة الأوروبية، ولكن هناك فصل من فصول الماضي الأوروبي يحكي لنا قصة مختلفة تماما الاختلاف هناك فصل تم تجاهله ونسيانه منذ ألف وأربعمائة سنة عندما جاء المسلون إلى جهة الغرب من الجزيرة العربية، وما جاورها وعلى مدى ثمانمائة عام وضعوا جذورهم هنا في أسبانيا.

وإن ما حدث خلال تلك الحقبة أحدث تأثيرا تاريخيا عميقا على مسار الحضارة الأوروبية، ثم قال: هناك شيء فريد في الإسلام في تلك الفترة، شيء لم يمكن المسلمين من احتلال مساحات واسعة من الأرض فقط، لا، بل مكنهم من التأقلم مع الحضارات التي واجهوها وتطويرها وإنعاشها، وتقليد في بعض الجوانب دون أن يفقدوا شخصيتهم الفريدة، لقد أنعشوا الحضارة في كثير من المدن مثل دمشق، وأنشئوا مدنا أخرى؛ كبغداد، وبهذه الحيوية نشروا دينا عالميا، وصنعوا حضارة سيكون لها وقعها في القريب على الأراضي الغربية التي نسميها اليوم: أوروبا.

أيها الإخوة: إن كلام هذا الإعلامي البريطاني يدل في مطلعه على أمر رئيس، وهو مقدار الظلم والإجحاف والعصبية المقيتة التي يتصف العالم الغربي تجاه الإسلام.

والكلام هنا عن أهل السنة والجماعة، وإلا فالأقلية الباطنية لم تساهم، ولم تشارك بأدنى شيء في الفتح الإسلامي، حتى في سنوات سيطرتهم على العديد من الإمارات الإسلامية، بل على العكس ما نال المسلمين منهم سوى التربص والتعاون مع أعدائهم طوال العصور، وحتى هذه الساعة.

أقول بالرغم من انتفاع الغرب من المسلمين، واقتباسهم من علمهم، ورقيهم وحضارتهم، إلا أن هناك إلغاء تاما لتلك المرحلة، وجحودا غريبا لكل ما قدمه المسلمون لهم، ونفعهم به لما انتشلتهم علوم المسلمين من مستنقع الجهل والظلام الذي عاشوه في القرون الوسطى، حتى إنهم تجاهلوا تلك المرحلة في الغالبية العظمى من كتب التاريخ لديهم، لاسيما الكتب المنهجية التي تتربى عليها أجيالهم.

لقد ذكروا الحضارة الرومانية، وأثرها على حضارتهم، الحضارة الرومانية المعروفة بأسلوبها الإباحي العنصري، وتوسعوا في شرحها، وقبل ذلك الحضارة اليونانية الوثنية توسعوا في ذكر رموزها وآثارها، ولكن عندما الدور على الحضارة الإسلامية في أوروبا تنكروا لها وتجاهلوها، وكأنها لم تكن.

ونشأت أجيالهم في جهل مطبق بالإسلام ومناقبه، وحضارته الراقية العظيمة، وتاريخه العريق.

في هذا الفيلم عندما وصل ذلك الصحفي إلى قرطبة عاصمة الأمويين في الأندلس، في زمان مضى، تكلم عن القائد الأموي المسلم عبد الرحمن الداخل، صقر قريش، وأثره على ارتقاء قرطبة، وازدهار العلم فيها، والتقى هناك -أي في قرطبة- بكاتب بريطاني متخصص في تاريخ الأندلس، ومن شدة ولع ذلك الكاتب بتخصصه انتقل للعيش في قرطبة.

فلما أخذ الاثنان في التجول في شوارع قرطبة، تعجب صديقه الصحفي من كثرة المباني ذات الطابع العربي في المدينة؛ فقال له الكاتب: "بالطبع المدينة مليئة المباني العربية، إننا نتجول في عاصمة أسبانيا في عصرها الذهبي".

يقصد عندما الإسلام يحكمها، وتابع قائلا له: "فقط تأمل في عظمة بناء المساجد" معظم المساجد تحولت إلى كنائس دون أن يجري على بنائها تغيير جذري.

ثم أخذ يتكلم عن مدى إعجاب الأسبان بحضارة المسلمين هناك، ودخول الأعداد الكثيرة منهم طوعا في الإسلام عبر سنين حكم المسلمين.

وقال واصفا حال قرطبة: "نحن نتكلم عن زمان بينما كانت فيه قرطبة تعيش حضارة وتقدما لا ينافس، حيث الإضاءة في الطرقات، والماء الجاري، والصرف الصحي، وغيرها من معالم الحضارة كانت فيه لندن عبارة عن بيوت من الطين والأكواخ المتناثرة".

وأردف قائلا: "المشكلة أننا تعلمنا أن ننظر إلى الحضارة الأوروبية على أنها مزيج من الحضارة الكلاسيكية -يقصد اليونانية والرومانية- مع المسيحية فقط، والحقيقة أن هناك عنصرا كبيرا وهائلا، ولكنه مفقود في الثقافة التاريخية الأوروبية، وهو العنصر الإسلامي الذي جاء في شكله الأكبر عبر أسبانيا وصقلية".

وعلق الصحفي قائلا: "لقد جاء المسلمون إلى قرطبة، وارتقوا بها مدنيا وحضاريا، وطوروها، وثقفوا أهلها".

ثم قال وهو يستحم في إحدى برك السباحة التي أنشأها الأمويون عندما جاء المسلمون إلى الأندلس، وأسسوا عاصمتهم في قرطبة: "لم يقتصروا على بناء المساجد، وإنما بنوا مباني جميلة أخرى؛ كهذا الحمام الذي أسبح فيه الآن، ويوجد مثله ألف في مدينة كان يقطنها ربع مليون من البشر، ولم يقف المسلمون عند هذا الحد، بل بنوا عشرات المكتبات العلمية، وأسسوا المدارس المجانية، والبيوت التي يجري فيها الماء، وأكثر من ذلك الشوارع كانت مرصوفة بالحجارة، ومضاءة بالليل، وأمثالها من الرفاهية الراقية التي لم تتوفر في باريس، ولا لندن، إلا بعد سبعمائة من إنشائها في قرطبة، بواسطة المسلمين".

أيها الإخوة: إنه الكبر والظلم واللؤم الذي يجعل الإنسان يجحد المعروف، وإلا لما كان لمنصف أن يغفل هذا الفضل الذي قدمه المسلمون لأوروبا.

لقد كان آخر مكان زاره ذلك الصحفي في قرطبة مستشفى، وقال وهو يمشي في ذلك المستشفي، قال كبير الجراحين في هذا المستشفى هو جراح أسباني اسمه -كارلس بيرا- قد أجرى دراسة تفصيلية عن عدد من علماء الطب المسلمين الذي كانوا هنا في قرطبة، والذي قدموا من خلال أعمالهم ما له أكبر الأثر على تاريخ الطب كله عبر العصور، هذا الجراح الأسباني يحس بأنه مدين لعلماء الطب المسلمين الأوائل، لدرجة أنه جعل تاريخ أعمالهم ضمن مقرره المنهجي الذي لا بد أن يقرأه طلاب الطب الذي يشرف عليهم، وفي غرفة الجراحة.

قال ذلك الجراح للصحفي البريطاني: "أنا جراح ولا بد أن أعلم أن أحدا من أكبر الشخصيات التاريخية في علم الجراحة، والذي ظهر في القرن العاشر وسماه "بوكاسس" يقصد الطبيب المسلم أبا القاسم الزهراوي الذي جعل الجراحة علما قائما على التشريح".

وقال ذلك الطبيب: "لقد أصر على أن يكون التشريح هو أساس علم الجراحة، والأكثر من ذلك أهمية هو ابتكاره العديد من أدوات التشريح والجراحة التي هي أساس تطور أدوات الجراحة حتى يومنا هذا".

ثم أخذ يعرض عليه بعضا من تلك الأدوات الأثرية التي ذكرها ذلك الطبيب المسلم، والتي تعتبر صرخة مدوية في عالم الطب في تلك العصور، بل إنه قال: إن بعض تلك الأدوات ظلت تستخدم حتى القرن الثامن عشر، بل إن بعضها ما زال يصنع ويستخدم حتى هذه الساعة.

ثم سأله الصحفي وهو يعرض عليه إحدى تلك الأدوات، وكانت أداة لإخراج الجنين من رحم الأم في حال وفاة الجنين، فسأله قائلا: قبل أبو القاسم الزهراوي هل كان هنالك وجود لهذه الأداة أو أمثالها؟ فقال الجراح: كلا.

ثم سأله الصحفي: لو أردت أن تذكر أهم ثلاثة إنجازات كانت هي الجسر إلى الطب الحديث فماذا تقول؟ فسمى له ثلاثة علماء مسلمين، كل واحد منهم برع في ابتكار مجال من مجالات الطب، ثم قال: هؤلاء الثلاثة كانوا أكثر من رائعين.

ثم أخذ الصحفي يعدد بقية علماء الطب المسلمين في قرطبة وغيرها من مدن الأندلس؛ كأبي مروان بن زهر، والبطروحي، وابن البيطار، وغيرهم.

واستمر ازدهار الأندلس وعطاء المسلمين فيها، حتى أثناء مرحلة التفرق والضعف في بدايات القرن الخامس الهجري لما سقطت الدولة الأموية في الأندلس، واستقلت كل إمارة بذاتها في عصر ملوك الطوائف، وأصبح كل أمير منهم يستقطب أحسن العلماء، ويغريهم للحضور، كي تزدهر إمارته، وانتقل صاحبنا الصحفي إلى مدينة "توليدو" ليلتقي هناك بالدكتور "هوليود شانشز" وهو متخصص في علوم الأندلس، وبالذات تاريخ علم الفلك، واجتمع الاثنان في قلعة أثرية للمأمون أمير توليدو المسلم في عهد ازدهار تلك المدينة.

وهناك كان الدكتور الأسباني قد أحضر معه أداة لرصد حركة الكواكب، وأداة لتحديد خطوط الطول والعرض على الكرة الأرضية، ابتكرها العلماء المسلمون، ثم قال: "إن البحوث والابتكارات التي جرت في "توليدو" في تلك الفترة القصيرة كان لها أكبر الأثر بشقها الإسلامي وغير الإسلامي، ولو لم تكن هناك حركة علمية في "توليدو" في القرن الحادي عشر الميلادي -أي القرن الخامس الهجري- لما حدث تطور في ترجمة هذا العلم من اللغة العربية إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر والثالث عشر، ولما وصل هذا العلم إلى أوروبا كلها.

ثم قال الصحفي معقبا: "وهذا ينافي ما اشتهر حول المسلمين بأنهم كانوا ناقلين للعمل، وليسوا مبتكرين". فقال الدكتور: "هذا شيء معروف، ويأتي دوركم أنتم أيها الإعلاميون لبيان الحقائق".

وفي لقاء مع أحد المختصين الأسبان في الوثائق والنصوص العلمية، قال ذلك المسئول: "بينما كانت أوروبا ترزح في قرون الظلام القرون الوسطى كانت الأندلس تشع بالعلوم المبهرة، وكان علماء البلاد الأوروبية في الشمال يحرصون على المجيء إلى الأندلس، "مايل سكود الاسكتلندي" وصل إلى "تتوليدو" وغيرها من مدن الأندلس لتعلم العربية، واقتباس العلوم والمعارف، وترجمتها والعودة للتبشير بها في بقية البلاد الأوروبية.

لقد انبهر أولئك القوم بالحضارة التي أحضرها المسلمون معهم إلى بلادهم، حتى إن جورج رئيس وزراء ملك النورمانديين "روجر الثاني" في القرن الثاني عشر الميلادي لما احتل النورمنديون صقلية أمر أن تكون العبارات المنقوشة على واحدة من أشهر الكنائس هناك باللغة العربية؛ لأنه كان يعشقها لكونها لغة العلم لغة العلم والثقافية، بل كان الناس في صقلية يستخدمون بعض العبارات العربية في ثنايا كلامهم تباهيا باطلاعهم على العلم تماما كما يفعل بإدخالهم عبارات من اللغة الإنجليزية أثناء كلامهم؛ كعلامة من علامات الثقافة.

أيها الإخوة: السؤال قائما: ما هو الحل للنهوض من جديد.

أسأل الله أن يهدينا للحق، وأن يوفقنا للثبات عليه، واستغفروه؛ إنه هو البر الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.

أما بعد:

فقد كان السبب الرئيس في اندثار ذلك العهد الإسلامي العالمي هو حب الدنيا.

إن حب الدنيا فطرة بشرية، ولكنها إذا زادت عن حدها بحيث تصبح الدنيا وشهواتها هي الغاية العظمى لدى الإنسان، فينسى دينه وقيمه من أجلها هنا تحل الكارثة، وقد شخص النبي -صلى الله عليه وسلم- حال الأمة وقت سقوطها، وقبل قيامها من جديد بقوله: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يا رسول وما الوهن؟ فقال: "حب الدنيا، وكراهية الموت" [أخرجه أبو داود وهو حديث صحيح].

حب الدنيا إذا جاوز الحد يحمل على تغليب المصالح الشخصية على مصالح المسلمين.

حب الدنيا يؤدي إلى النفاق والكذب والخيانة.

حب الدنيا يحمل على الترف والجبن وترك الإعداد للجهاد.

حب الدنيا يقعد بالإنسان عن النشاط النافع والحركة العلمية البناءة.

وقد عرفنا: أن الصليبيين إنما تمكنوا من هزيمة المسلمين وطردهم من الأندلس بسبب حب الدنيا الذي أدى إلى تفرق المسلمين، وإيثارهم الراحة.

وقال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" [أخرجه أبو داود].

والحل يطول ذكر عوامله وتفاصيلها، ولكنه في نهاية المطاف يرجع إلى نفس الإنسان.

إذا راجع الإنسان نفسه وأحس أنه هو في ذاته دون أن يلقي باللائمة على فلان أو فلان، أو تلك الجهة أو تلك.

إذا أحس أنه هو في ذاته مسئول عما هو عليه حال الأمة اليوم، بضعف إيمانه، بإهماله، بكسله، بتقليده لأخطاء الناس إذا أخطئوا، بنفسيته السلبية إذا دعي للخير، بنفسه المتشائمة، بقلة صبره واستبطائه للتغير أو للنصر، بتركه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بانشغاله بسفاسف الأمور، بإهماله تربية أولاده على العطاء والبذل والنشاط والحيوية في كل خير، باستخفافه بآداب النبوة، بإهماله للعبادة، وقلة دعائه، وما شابهها من المراجعات، فإنها تؤدي بإذن الله إلى التفكير في التغيير إلى الأحسن، إذا صلح الإنسان في دينه وصلح قلبه وصلح عمه وصلح منهجه، فسوف يتغير ما حوله تدريجيا، هذا وعد الله -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

وبالنظر إلى كتاب الشيخ: أبي الحسن الندوي الذي هو بعنوان: "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟" يحق لنا -أيها المسلمون- ونحن نرى غير الإسلام هو الذي يقود العالم اليوم، وكيف أدى ذلك إلى ما نراه من جاهلية مادية دهماء، وظلم شديد، يكاد يكتسح الكرة الأرضية كلها، وأنواع من الأمراض والأوبئة الأخلاقية والجسدية، يحق لنا أن نأسى على حال العالم اليوم، ونقول: لقد هيأ أهل الإسلام أهل السنة والجماعة للقيام بدورهم من إنقاذ العالم من محنته، ونشر العدل والسماحة والطهارة بكل معانيها: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

اللهم أعل راية الإسلام، اللهم أعز المسلمين، اللهم هيأ للأمة من أمرها رشدا، اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق.

اللهم من أرادنا أو أراد المسلمين بسوء، فاجعل كيده في نحره، واجعل دائرة السوء على من ظلمنا.

اللهم انصر أهل السنة والجماعة في كل مكان.

اللهم أيدهم بنصرك المبين.

اللهم اشدد من أزرهم، وشد على قلوبهم.