البحث

عبارات مقترحة:

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

في فضل عمارة المساجد

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. منزلة بيوت الله .
  2. فضل عمارة المساجد .
  3. فضل السعي إلى المساجد .
  4. ثمرات التبكير إلى المسجد .
  5. الحث على التبكير إلى الجمعة . .

اقتباس

فهي بيوت الله ومأوى ملائكته ومهابط رحمته ودور عبادته، وملتقى عباده المؤمنين، لا تبنى لأجل المباهاة والزينة، ولا تتخذ آثاراً ومتاحف، ومظاهر للمفاخرة، وإنما تبنى لإقام الصلاة وذكر الله فيها، ولا تبنى المساجد لتغلق معظم الساعات كأنها مستودعات أموال، وإنما تبنى لترتفع إليها فيها الدعوات والأذكار، ويشع منها نور العبادة، ولتتوافد إليها جموع المسلمين وضيوف الرحمن، في كل وقت وأوان

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، أمر برفع المساجد وذكر اسمه فيها جميع المؤمنين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه.

عباد الله: لقد عظم الله من شأن بيوته وأضافها إليه إضافةَ تشريف وتكريم، وأثنى على الذين يسبحون له فيها بالغدو والآصال، ووعدهم بجزيل الثواب يوم الحساب، قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور 36: 38]

وشهد بالإيمان لمن عمرها بإقام الصلاة فيها وأكثر من اعتيادها قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة:18]

وتوعد -سبحانه- من عطل المساجد من ذكره، ومنع الناس من دخولها لعبادته فيها وحاول هدمها وتخريبها قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114]

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على بناء المساجد فقال: "مَنْ بَنى مسجداً يبتغي به وجَه الله، بني الله له بيتاً في الجنة" رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وقال صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجداً يُذكرُ فيه بنى الله له بيتاً في الجنة" رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه.

ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً كان أول عمل قام به بناء المسجد؛ مما يدل على أهمية المساجد ومكانتها في الإسلام، فهي بيوت الله ومأوى ملائكته ومهابط رحمته ودور عبادته، وملتقى عباده المؤمنين، لا تبنى لأجل المباهاة والزينة، ولا تتخذ آثاراً ومتاحف، ومظاهر للمفاخرة، وإنما تبنى لإقام الصلاة وذكر الله فيها، ولا تبنى المساجد لتغلق معظم الساعات كأنها مستودعات أموال. وإنما تبنى لترتفع إليها فيها الدعوات والأذكار، ويشع منها نور العبادة، ولتتوافد إليها جموع المسلمين وضيوف الرحمن، في كل وقت وأوان.

والمشي إليها تكتب به الحسنات وتمحى به السيئات؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ راح إلى مسجدِ الجماعة فخُطْوَةٌ تمحو سيئة وخطوة تكتب له حسنة، ذاهباً وراجعاً" رواه أحمد بإسناد حسن والطبراني وابن حبان في صحيحه.

الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة رباط في سبيل الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط". رواه مسلم وغيره.

المشي إلى المسجد في ظلمة الليل يكون نوراً لصاحبه يوم القيامة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" رواه أبو داود والترمذي.

اعتياد المشي إلى المساجد علامة على الإيمان بالله واليوم الآخر، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان". قال الله عز وجل: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.

الذي يجلس في المسجد ينتظر الصلاة يكتب له في انتظاره أجر المصلي وتستغفر له الملائكة مدة انتظاره -قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة" رواه البخاري ومسلم. وروى البخاري: "إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ما لم يقم من مصلاه أو يحدث".

أيها المسلمون: ومع هذه الفضائل العظيمة التي يحصل عليها المبكر في الذهاب إلى المساجد والذي يجلس فيه ينتظر إقامة الصلاة مع هذا فإن كثيراً من المصلين اليوم يتأخرون عن الحضور للصلاة، فلا يأتون إلا إذا أقيمت الصلاة وربما يفوتهم أول الصلاة أو معظمها، ويبخلون بأوقاتهم أن يصرفوا شيئاً منها في المساجد وهذا حرمان عظيم وتعرض للوعيد الشديد؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم -لما رأى قوماً يتأخرون عن الحضور إلى المساجد-: "لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله" رواه مسلم وأصحاب السنن إلا الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار" رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان.

إن هذا العمل يدل على التكاسل عن القيام للصلاة وهو من صفات المنافقين، قال الله تعالى في وصفهم: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى) قال ابن كثير رحمه الله: "هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها وهي الصلاة إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها لأنهم لا نيَّة لهم فيها ولا إيمان لهم بها ولا خشية ولا يعقلون معناها"، ثم ساق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق والوجه عظيم الرغبة شديد الفرح؛ فإنه يناجي الله، وأن الله تجاهه يغفر له ويجيبه إذا دعاه ثم يتلو هذه الآية: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى) [النساء:142] ".

عباد الله: إن الله سبحانه أمر بالتوجه إلى الصلاة والذهاب إلى المسجد حينما ينادى لها وأمر بترك البيع والاتجار، لأجل ذلك قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9] وقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*  رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) [النور 36: 37] قال ابن كثير رحمه الله: "يقول الله تعالى: لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم، ويعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم لأن ما عندهم ينفذ وما عند الله باق، وعن ابن مسعود أنه رأى قوماً من أهل السوق حيث نودي للصلاة المكتوبة تركوا بياعتهم ونهضوا إلى الصلاة فقال عبد الله بن مسعود: هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال ابن عمر: فيهم نزلت: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) وقال مطر الوراق: كانوا يبيعون ويشترون ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة".

أيها المسلمون: وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التبكير بالحضور لصلاة الجمعة واستماع الخطبة؛ فقد روى الإمام أحمد بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها" قال ابن كثير رحمه الله: وهذا الحديث له طرق وألفاظ، وقد أخرجه أهل السنن الأربعة وحسنه الترمذي.

وكثير من الناس يفرطون في هذا الأجر العظيم ويضيعونه ولا يحضرون لصلاة الجمعة إلا عند الإقامة، أو فوات بعض الصلاة، ويتركون استماع الخطبة التي فيها توجيههم وإرشادهم وموعظتهم وتنبيههم- قال ابن القيم رحمه الله: "الثانية والعشرون، من خصائص يوم الجمعة: أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وتذكير العباد بأيامه، وتحذيرهم من بأسه ونقمته، ووصيتهم بما يقربهم إلى جنته ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها؛ فالاستماع للخطبة أمر مقصود، وترك استماعها مخالفة للسنة وتضييع لفائدتها، وذلك مما يورث قسوة القلوب والإعراض عن ذكر الله، وفشو الجهل والغفلة، نسأل الله العافية".

فاتقوا الله -عباد الله-، وانتبهوا لأنفسكم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون 9: 11] إلى آخر السورة.