الوهاب
كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...
العربية
المؤلف | عبدالرحمن بن علي العمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
عباد الله: طالما يتهددنا أعداء الإسلام بأسلحتهم الفتاكة، وأسلحتهم المدمرة، التي يصنعونها وينتجونها، يتهددون بها الإنسان، ويقتلون بها الإنسان، ويدمرون بها الإنسان، وأعظم ما يوجهون من ذلك الدمار إلى المسلمين الذي يعبدون الله -جل وعلا- على بصيرة، ويدعون إلى الله -تبارك وتعالى- من منطلق هذا الدين القوم. ألا وإن لدينا سلاحاً فتاك، مهما فعلنا ذلك السلاح، فإنه يبطل مفعول سلاحهم، ويدمر سلاحهم، وهو أقوى من سلاحهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الإمام المصطفى، والقدوة المجتبى، خير من دعا إلى الله وأمر ونهى، فصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون، وما وحده الموحدون.
أما بعد:
عباد الله: طالما يتهددنا أعداء الإسلام بأسلحتهم الفتاكة، وأسلحتهم المدمرة، التي يصنعونها وينتجونها، يتهددون بها الإنسان، ويقتلون بها الإنسان، ويدمرون بها الإنسان، وأعظم ما يوجهون من ذلك الدمار إلى المسلمين الذي يعبدون الله -جل وعلا- على بصيرة، ويدعون إلى الله -تبارك وتعالى- من منطلق هذا الدين القوم.
ألا وإن لدينا سلاحاً فتاك، مهما فعلنا ذلك السلاح، فإنه يبطل مفعول سلاحهم، ويدمر سلاحهم، وهو أقوى من سلاحهم، لا يكلفنا ماديات، ولا نخسر عليه شيء من الماديات، لكنه سلاح معنوي، متى ما تسلحنا به انتصرنا على كل عدو، وسحقنا به كل عدو، ألا وإن أعظم سلاحنا الفتاك، هو: "لا إله إلا الله".
هذه الكلمة العظيمة التي بها قامت الأرض والسماوات، ولو كانت الأرض والسماوات حلقة مبهمة لقصمتهن "لا إله إلا الله".
و"لا إله إلا الله" هذا السلاح الفتاك هو شعار الموحدين، والذي أتى به سيد المرسلين، وقال صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته، وهو يدعو الناس إلى الله -جل وعلا- والعرب خاصة، قولوا: "لا إله إلا الله" كلمة تملكون بها رقاب العجم، وتدين لكم بها العرب.
إنها السلاح الأعظم، إنها السلاح الماضي، إنها السلاح الفتاك، إنها السلاح الذي به ينصر المؤمنون في كل زمان وفي كل مكان، حينما يصدقون في الالتزام بها، والعمل بمقتضاها، والتمسك بها.
إن سلاحنا الفتاك، هو: "الله أكبر" هذه الكلمة العظيمة التي ترجف لها قلوب الأعداء، وتهتز لها الأرض والسماء.
دخل صلى الله عليه وسلم إلى مكة يوم الفتح في عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، فلما أشرف على البيت الحرام، قال: "الله أكبر" فقال الفاتحون معه: "الله أكبر" وما زالوا يكبرون حتى ارتجت جبال مكة بالتكبير، ورددت معهم الجبال التكبير، وكان الفتح المبين، وكان الفتح الأعظم: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)[الفتح: 1].
قالوا: "الله أكبر" فتهاوت الأصنام، وتلاشى الشرك، وصعد بلال على الكعبة، وهو يؤذن: "الله أكبر، "الله أكبر" فرددت معه الدنيا هذا التكبير، ورددت معه هذا النداء.
"الله أكبر" سلاحنا الفتاك؛ دخل سعد -رضي الله عنه- ومن معه من أعضاء وهيئة جيشه الموحد إلى كسرى، فقال سعد: "الله أكبر" فكبر معه قادة الفتح، وارتج المكان بالتكبير، وتصدعت جنباته على إثر تكبير الموحدين، وكان الفتح الذي وعد به الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
"الله أكبر" سلاحنا الماضي، سلاحنا الفتاك، ننتصر به أفرادا، وننتصر به جماعات؛ لقى علي بن أبي طالب، وهو شاب في ريعان الشباب، فارس العرب وقطبه التي كانت تهابه، وتخاف منه جميعا، عمرو بن عبد ود العامري، فبارزه علي، وما زال يبارزه، ويأخذه يمنة ويسرة، حتى ضرب ساقيه بالسيف، فبرك، ثم دفف عليه، وثار الغبار، فقال صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر" فكبر المسلمون، وانجلى الغبار، وإذا بعلي -رضي الله عنه وأرضاه- قد قتل فارس العرب وشديدها.
إنه سلاحنا الماضي الذي كبر به المسلمون يوم أن حاصروا قيسارية في شدة من البرد، وأمور هائلة وشداد لا يعلمها إلا الله -عز وجل-؛ من تحصن الأعداء، وطول الحصار، فلما طال الحصار، استخدموا هذا السلاح الفتاك، فكبروا جميعا، وقالوا: "الله أكبر" فارتجت قيسارية، وتصعدت أسوارها، وقذف الله الرعب في قلوب الرومان، ففتحها المسلمون، ودخلوها وهم يكبرون.
سلاحنا الفتاك: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].
سلاحنا الفتاك: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحـج: 40].
(وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ) [الأنفال: 10].
سلاحنا الفتاك يزكي روح الإيمان، وجلوته في قلوب المؤمنين، وفي قلوب المجاهدين والموحدين، يقف صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في يوم بدر، والتقى بالمشركين، ولا مقارنة في عدد ولا عُدد، فيقول صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض" فيقوم إليه عمير بن الحمام -رضي الله عنه وأرضاه-، ويقول: "يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟" قال: "إي والذي نفسي بيده، إنها لجنة عرضها السماوات والأرض".
فرمى عمير بتمرات كانت معه، وقال: "بخ بخ، إنها لحياة طويلة إن بقيت حتى أكل هذه التمرات!".
فقال صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على هذا يا عمير؟!".
قال: "يا رسول الله ما هو إلا رجاء أن أكون من أهلها".
فقال صلى الله عليه وسلم: "فإنك من أهلها".
فأخذ سيفه وقاتل، حتى استشهد في سبيل الله - رضي الله عنه وأرضاه-.
"لا إله إلا الله" و"الله أكبر" والدعوة إلى الجنة، هي وقود الجهاد، وقوة الإيمان، وتحريك القلوب إلى الله -تبارك وتعالى-.
في ذلك اليوم العظيم، وفي ذلك المشهد: أخذ الصحابة يتنافسون ويتسابقون إلى جنة عرضها السماوات والأرض؛ فيأتي أحدهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما يضحك الرب من عبده؟" قال: غمسه يده في العدو حاسرا، قال: "فألقى درعا كانت عليه فقاتل حتى قتل" -رضي الله عنه وأرضاه-.
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الأحزاب: 23].
سلام فتاك الذي يحرك القلوب، يقول عنه أنس بن النضر -رضي الله عنه وأرضاه-، وهو يصوره يوم أحد، حينما لقيه سعد، وأراد أن يصده، وهو مقبل على الأعداء، بلا تلكأ ولا تردد: إلى أين يا أنس؟
فيقول أنس -رضي الله عنه-: "إليك عني يا سعد، فو الذي نفسي بيديه إني لأجد ريح الجنة من دون أحد".
فقاتل حتى استشهد، وما عرفته إلا أخته ببنانه.
إن جذوة الإيمان بالسلاح الفتاك الذي يحمله المؤمنون، يصنع العجيب، ويفعل بالأعداء الأفاعيل؛ جعل عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر -رضي الله عنه وأرضاه- يقف يوم أحد بين الصفوف، ثم يقول: "اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى".
وأخذ سيفه، وقاتل حتى كان أول شهيد في سبيل الله في ذلك اليوم: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النساء: 69].
واستحق وساما: أن الله -جل وعلا- كلمه كفاحا بلا ترجمان، وقال له: " يا عبدي ، تمن علي أعطك".
يا لها من نفوس مؤمنة! ويا له من سلاح فتاك ماضي انتصر به الأولون! ولن ينتصر الآخرون إلا بذاك السلاح الذي كان يحمله أولئك الرجال، وفعلوا به الأفاعيل في صفوف الأعداء، ونصروا دين الله -عز وجل- أعظم النصر، وأيدهم به أعظم التأييد.
عباد الله -أيها المؤمنون-: هذه نماذج، وهذه سير، وهذه صفحات مشرقة؛ ممكن كانوا يستخدمون ذاك السلاح الإيماني بصدق، فنصرهم الله -جل وعلا- على أعدائهم، وسطروا أروع وأعظم البطولات، يتحدث عنها الدهر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحـج: 40].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
ثم أما بعد:
عباد الله: إن هذا السلاح الفتاك، وهذا السلاح الماضي؛ سلاح المؤمنين، حينما يتسلحون به بصدق يصنع الله لهم المعجزات، ويفعلون به المستحيل، ويكون لهم من النصر والتمكين ما لم يخطر على بال.
فهذا عكاشة بن محصن -رضي الله عنه وأرضاه- يقاتل بسيفه، حتى يندك ويتكسر في رقاب المشركين، ثم يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب منه سيفا آخر يقاتل به الأعداء، فيسلمه خشبة، فيهزها في يده، فتستحيل الخشبة إلى سيف ماضي -بإذن الله عز وجل-.
فكانت معجزة من معجزات الدهر، أجراها الله -عز وجل- على يدي رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأكرم بها عكاشة بن محصن، الذي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك أنه من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة يوم القيامة بلا حساب ولا عذاب.
سلاحنا الفتاك، سلاحنا الماضي -معشر المؤمنين-: الالتجاء إلى رب الأرض والسماوات، والصدق في الالتجاء إلى الله، فهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- قدوتنا وإمامنا: في ليلة بدر لا ينام أبداً، يتضرع، ويدعو الله -جل وعلا-، وصل ليله بنهاره، يدعو ويلتجئ ويتضرع، ويقول: "اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد إن شئت في الأرض أبدا".
فنزل النصر والمدد بالملائكة، وكان الفتح -بإذن الله عز وجل-.
سلاحنا الفتاك وسلاحنا الماضي: أن نتبرأ دائما من حولنا وقوتنا، والالتجاء إلى أحد من البشر كائنا من كان، ولنلتجئ إلى الله -جل وعلا- في كل شؤوننا وأحوالنا وأمورنا.
اللهم إنا نبرأ إليك من حولنا وقوتنا إلى حولك وقوتك.
أنا الذي عاهدني خليلي | ونحن بالسفح لدى النخيل |
أن لا أقوم الدهر في الكيول | اضرب بسيف الله والرسول |
ارتجز بها أبو دجانة -رضي الله عنه-، فضرب بالسيف ذاك اليوم حتى انحنى، وهو الوحيد الذي أخذه بحقه، فنال هذا الشرف العظيم.
وهذا جعفر الطيار -رضي الله عنه وأرضاه-، يقول:
يا حبـذا الجنـة واقترابـها | طيبـة وبـارد شرابهـا |
والروم روم قد دنا عذابـها | كافـرة بعيدة أنسابـها |
عليّ إذا لاقيتها ضرابـها
فضرب بسيفه، وحمل اللواء بصدق، حتى نال شرف الشهادة، وأبدله الله -جل وعلا- بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء.
ألا وإن إخواننا اليوم في بلاد الشام، الجنود الأحرار والبواسل الذين يحاربون النصيرية والباطنية والرافضة، بدعم من روسيا الملحدة، ومن الصين الكافرة، ومن قوى الأرض المجرمة الآثمة، وممن يتواطأ معهم عليهم، إلا أنهم يواجهون هؤلاء الأعداء جميعا بهذا السلاح الماضي، وبهذا السلاح الفتاك، يواجهون الأعداء بالتكبير والتهليل: "الله أكبر، الله أكبر".
فبماذا ندعو لإخواننا هناك؟
يا صاحب المال بادر بدعمهم بما تستطيع من مالك، قبل فوات الآوان، وقبل أن تندم ولات ساعة مندم، وقبل أن يأخذ المال بعدك ربما من لا يحمدك، ولا يدعو لك، ولا يثني عليك بخير، فبادر بمد يد العون لإخوانك هناك.
وبادروا -أيها الأحباب الكرام-: بالالتجاء إلى الله بهذا السلاح الفتاك، بالدعاء الصادق المخلص لإخواننا هناك بالنصر والتمكين، فإن الله على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
ألا فصلوا وسلموا -عباد الله- على رسول الله؛ كما أمركم الله حيث قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].