البحث

عبارات مقترحة:

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

إلى الله الملتجأ

العربية

المؤلف إبراهيم بن صالح الدحيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. من أذكار النوم .
  2. أهمية اللجوء إلى الله وفضله .
  3. بعض صور اللجوء إلى الله عند الشدائد .
  4. قصص رائعة في اللجوء إلى الله عند تكالب الأعداء .

اقتباس

إذا حل الهم، وخيم الغم، واشتدّ الكرب، وعظم الخطب، وضاقت السبل، وبارت الحيل، فنادِ الربَّ بدعاء الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم". عندها يفرج الهم، وينفس الكرب، ويذلل الصّعب. إذا أجدبت الأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، وذبلت الأزهار، وذوت الأشجار، وغار الماء، وقلّ الغذاء، فمن المغيث إلا الله؟! لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه. إذا...

الخطبة الأولى:

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله...

روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازبٍ -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتيت مضجَعَك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجعْ على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مُت مُت على الفطرة، واجعلْهن آخرَ ما تقول".

تأمل -يا رعاك الله-: ببصرك النافذ لترى كيف توجَّه القلوب إلى بارئها، وكيف تربَط الأفئدة بمولاها، فحين يأوي المسلم إلى فراشه ويغمض عينيه وقد ودّع يومه واستقبل نومه، وإذ به يجدّد العهد مع الله، ويختم مسيرة يومه بالتسليم لمولاه وتفويض الأمر إليه والاعتصام به سبحانه: "اللهم أسلمت نفسي إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك".

إنه التسليم لله وحده، واللجوءُ إليه، اللجوء لمن بيده النفع والضر، والنصر والذل: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[آل عمران: 101].

(وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)[الحج: 78].

إن التسليم لله والتفويض إليه قبل وبعد فعل الأسباب المقدور عليها من شأنه أن يريح النفس من عناء لا طائل منه، ويربط على القلوب، فتجدها أثبت ما تكون في أوقات الأزمات والشدائد، وكيف لا يكون ذلك وهو يأوي إلى ركن شديد ورب مجيد؟!

كم نحن بحاجة إلى اللجوء إلى الله في كل ما يعرض علينا من ظلم وعدوان، أو فقر وحرمان، أو مرض في الأبدان، أو غير ذلك مما لا يملك كشفه وإزالته إلا الله وحده: (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ)[الأنعام: 14].

وأسلمتُ وجهي لمن أسلمت

له الأرض تحمل صخراً ثقالا

وأسلمتُ وجهي لمن أسلمت  

له المزن تحمل عذباً زلالا

وأسلمتُ وجهي لمن أسلمت

له الريح تصرف حالاً فحالا

إذا حل الهم، وخيم الغم، واشتدّ الكرب، وعظم الخطب، وضاقت السبل، وبارت الحيل، فنادِ الربَّ بدعاء الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم".

عندها يفرج الهم، وينفس الكرب، ويذلل الصّعب.

إذا أجدبت الأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، وذبلت الأزهار، وذوت الأشجار، وغار الماء، وقلّ الغذاء، فمن المغيث إلا الله؟!

لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه.

إذا اشتدّ المرض بالمريض، وضعف جسمه، وشحب لونه، وقلت حيلته، وضعفت وسيلته، وعز الطبيب، وحار المداوي، ووجف القلب، وانطرح المريض، ينتظر المقدور؛ فمن المؤمل غير الله؟!

"اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك".

دب الألم في أيوب -عليه السلام-، وزاد البلاء عليه في ماله وولده وجسده، حتى لم يبقَ في جسده مَغْرِز إبرة إلا وفيه من الضر ما فيه، واستمرّ به البلاء سنين، فلجأ إلى الله، واتجه إلى مولاه: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 83].

فجاء جبريل برسالة: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ)[ص: 42].

وليس العجب لو ركض جبريل إنما العجب أن يركض العليل، فزال الوباء وانكشف البلاء: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)[الأنبياء: 84].

إذا انطلقت السفينة بعيدًا بعيدًا في البحر اللُّجي، وهبت الزوابع، وتسابقت الرياح، وتلبد الفضاء بالسحب، واكفهر وجه السماء، وأبرق البرق، وأرعد الرعد، وكانت ظلمات بعضها فوق بعض، وهبت الأمواج بالسفينة، وذهبت عن القلوب السكينة، وأشرفت على الغرق، وتربص الموت بالركاب، فمن المؤمَّل؟! ومن الملجأ والملاذ؟!

إنه الله لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه: (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ)[الأنعام: 63- 64].

ركب يونس البحر، فساهم فكان من المدحضين، فألقي في لجج البحار، وانقطع عنه النهار، والتقمه الحوت، فصار في ظلمات بعضها فوق بعض، فأين التجأ؟! وبمن اعتصم؟!

لقد نادى في الظلمات: (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الأنبياء: 87].

فسمع الله نداءه، وأجاب دعاءَه، فنجَّاه من الغم، وكذلك ينجِّي المؤمنين.

إلهي وجاهي إليك اتجاهي

وطيدًا مديدًا لترضى فأرضى

فأنت قوامي وأنت انسجامي

مع الكون والأمر لولاك فوضى

إذا حلقت الطائرة في الأفق بعيدًا، وكانت معلقة بين السماء والأرض، فأشَّر مؤشِّر الخلل، وظهرت دلائل العطل، فذعر القائد، وارتبك الركاب، وضجت الأصوات، فبكى الرجال، وصاح النساء، وفجع الأطفال، وعم الرعب وخيّم الهلع، وعظم الفزع، فإلى من الملتجأ؟!

إنه الله الذي يمسكها كما أمسك الطير: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ)[الملك: 19].

إذا اعترض الجنين في بطن أمه، وعسرت ولادته، وصعبت وِفادته، وأوشكت على الهلاك، وأيقنت بالممات، فعندها لا يكون الملجأ إلا إلى الله: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ) [النمل: 62].

إذا خط الشيب في العارضين، وكبر السن، ورق العظم، ولا عقب ولا ذرية، فالمتَّجَه الله، والمؤمَّل الله: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء: 89- 90].

فالله -تعالى- هو الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة.

إليه وإلاّ لا تشدّ الركائب

ومنه وإلاّ فالمؤمَّل خائب

وفيـه وإلاّ فالغرام مُضيَّع

وعنه وإلا فالمحدِّث كاذب

(وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ)[الأنعام: 17].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الولي الحميد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد وهو الحميد المجيد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله حق التقوى.

أيها المسلمون: حين يتكالب الأعداء علينا، وتقوى شوكتهم، ويشتد أمرهم، وحين توجه الضربات تلو الضربات للإسلام وأهله، والمسلمون في حالة من الخذلان والضعف، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فهو يجير ولا يجار عليه.

خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يريد لقاء قريش في بدر، وقد أقبلت قريش بخيلائها وفخرها تحادّ الله، وتكذِّب رسوله، وكان عدد المشركين أضعاف عدد المسلمين، فلما اصطفّ الفريقان، وتقابل الجيشان، قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبتهل إلى الله، ويلجأ إليه، ويدعوه، وهو يقول: "اللهم إنك إن تهلك هذه العصابةُ لا تعبد في الأرض".

وجعل يهتف بربه -عز وجل- ويقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني".

ويرفع يديه إلى السماء حتى سقط الرداء عن منكبيه، وأبو بكر -رضي الله عنه- يلتزمه من ورائه، ويسوي عليه رداءه، ويقول: "يا رسول الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه منجز لك ما وعدك"[رواه مسلم].

وضج الصحابة بصنوف الدعاء، فأنزل الله نصره وجنودًا لم يروها: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الروم: 47].

بك أستجير فمن يجير سواك

فأجِر ضعيفًا يحتمي بحماك

ولما كان يوم الأحزاب، واشتد الأمر، وذَهلت الألباب، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدًا، وجاءت قريش ومعها الأحزاب، واجتمعت الجيوش المشتركة، وأحاطت بالمدينة إحاطة السور بالمعصم، وحوصر المسلمون قريبًا من عشرين ليلة، لم يكن للرسول   وأصحابه إلا الالتجاء إلى الله، والاعتصام به.

روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر؟!" قال: "نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا"[حسنه الألباني].

وثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: "دعا رسول الله على الأحزاب، فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم".

فأجاب الله عبده، ونصر جنده، وهزم الأحزاب وحده.

أرسل الله على الأحزاب ريحًا كفأت قدورهم، واقتلعت خيامهم، وفرقت جموعهم: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غافر: 51].

إن مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل

فلن يخيـب لنا في ربنـا أمـل

الله في كل خطب حسبنا وكفـى

إليـه نرفع شكوانـا ونبتهـل

من ذا نلوذ به في كشف كربتنـا 

ومن عليه سوى الرحمن نتكـل

فافزع إلى الله واقرع باب رحمتـه 

فهو الرجاء لمن أعيت به السبل

اللهم آمن روعاتنا، واستر عوراتنا...