الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
هذا الشعور بالنقص يدفعه إلى تعويض النقص، فتراه يتخذ لنفسه أسلوب حياة يؤدي إلى تحقيق ذاته، هذا التعويض يتخذ أشكالاً عجيبة غريبة، فبعضهم بسبب شعوره بنقص الشخصية -وهذا يكثر عند صغار السن من الشباب- تراه يكمل النقص بالسيجارة، قد يخرج يده بل ربما رجله من نافذة السيارة وهي تسير، وآخرون يكملون النقص بالتفحيط، وبعضهم يكمل ما يشعر به من نقص بالمباهاة بسيارة فارهة أمام الناس، سواءً كانت سيارته فعلاً أم استأجرها فقط ليحقق ما يُشبِع رغبته، وهي حالة من الخداع وإظهار وهو خلاف الحقيقة والواقع استكمالاً لما يشعر به من النقص..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
في صحيح مسلم من حديث أسماء جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقالت: "إن لي ضَرَّة فهل عليَّ جناح أن أتشبع من مال زوجي بما لم يعطني" أي: أخبرها بأن زوجي أعطاني شيئًا هو لم يعطيني إياه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور" كذب.
ما الذي يحمل الإنسان إلى انتحال ما ليس فيه ابتغاء الفخر أو الشهرة، أو إظهار ما يخصه من أشياء للناس لمجرد الخيلاء؟ ما الذي يدعوه إلى ذلك؟ ما الذي يدعوه إلى إظهار هذه الأشياء الكبيرة عنده التي يظن أن بها سيحظى بشيء عند الناس؟
هل هو عقدة النقص؟
أيها الإخوة: النفسانيون يعرِّفون عقدة النقص بأنه الشعور الذي يجعل صاحبه يحسّ بأنه أقل شأنًا من الآخرين، وسواء كانت حاله كذلك أم كان مجرد وهم في عقله؛ فإن عقدة النقص لا تزال تصحبه وتجعله يستصغر حاله في مقابل حال الناس، وتُشْعِره تلك العقدة بالنقص والدونية وعدم الأمن وعدم الكفاية.
هذا الشعور بالنقص يدفعه إلى تعويض النقص، فتراه يتخذ لنفسه أسلوب حياة يؤدي إلى تحقيق ذاته، هذا التعويض يتخذ أشكالاً عجيبة غريبة، فبعضهم بسبب شعوره بنقص الشخصية -وهذا يكثر عند صغار السن من الشباب- تراه يكمل النقص بالسيجارة، قد يخرج يده بل ربما رجله من نافذة السيارة وهي تسير، يعني انظروا أنا أصبحت رجلاً مدخن لا يمنعني شيء هذا لكمال النقص عنده، وآخرون يكملون النقص بالتفحيط، أنا أستطيع أن أفعل هذا.
وبعضهم يكمل ما يشعر به من نقص بالمباهاة بسيارة فارهة أمام الناس، سواءً كانت سيارته فعلاً أم استأجرها فقط ليحقق ما يُشبِع رغبته، وهي حالة من الخداع وإظهار وهو خلاف الحقيقة والواقع استكمالاً لما يشعر به من النقص؛ كثوب شهرة من باب "خالِفْ تُعْرَف".
جاء في صحيح الترغيب من حديث ابن عمر قال -صلى الله عليه وسلم-: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة".
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- على جلالة قدره أحسن الخلق -صلى الله عليه وسلم- يأتيه القادم إلى المدينة وهو جالس بين أصحابه فلا يَعرف أيُّهم هو لا يميزه شيء عنهم أبداً، حتى يسأل: من منكم محمد؟ لا يعرفونه -صلى الله عليه وسلم- لا شهرة ولا إبداء شيء.
وكان يقول -عليه الصلاة والسلام- كما في مجمع الزوائد من حديث عائشة -رضي الله عنها-: "آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد".
بعضهم يكمل شعوره بالنقص بقصَّات شعر عجيبة غريبة، كل ذلك بسبب عدم الرضا عن شكله الطبيعي، وأخرى كما ذُكِرَ لي تصور يدها لتعرض بعض الزينة فيها من خواتم أو أساور، وتتعمد أن تظهر في خلفية التصوير شنطة يدها الغالية الثمن حتى يراها من يشاهد المقطع.
وبعضهن يكملن ما يشعرن به من نقص بالسفور في مجتمع محافظ، أو ربما يُسْفِرن إذا سافرن بالخارج بمجرد شعورهن بالنقص؛ أقول بعضهن هكذا.
هذه العقدة الكامنة في النفس علم بها صاحبها أو لم يعلم بها إذا استفحلت فإنك ترى هذه الأشكال المنوعة من التصرفات المضحكة المبكية.
وقديمًا حاول قوم موسى تعويض النقص الذي شعروا به من خلال عبادة الأصنام، نبيهم يأتي إليهم بالتوحيد، فيرون أنهم أقل قدرًا من غيرهم يقول سبحانه: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف:138].
شعروا بأنهم أحسن منهم هؤلاء: (قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 138- 140].
وإذا وسَّعنا دائرة النقص وأشكالها؛ فقد تظهر لدى البعض حين المقارنة بالغرب فيجلد كل شيء حوله جَلْد الحاقد المبغض، ثم يمجِّد ويعظِّم كل ما هو غربي.
وقد يظهر هذا في كتابات بعض الأدباء المنهزمين، ومقالات بعض المفكرين الليبراليين، فيضعون الإسلام في قفص الاتهام، وأنه يجب لا التمسك بالدين وقيمه الأصيلة لا، بل يجب إعادة صياغة الدين ومفاهيمه ليتفق مع المسار الأدبي والثقافي الغربي الذي فتنهم.
وبالتالي تنطمس مفاهيم الدين وقيم الإسلام شيئًا فشيئًا من المجتمع المسلم، ولا شك أن الأيام دُوَل، وأن الحضارات تسود حِقَبًا ثم تبيد، لكن يبقى الأمر بيد الله –تعالى-، ثم بيد الإنسان في صناعة المجد، وإلا فإن المؤمن يدرك عظمة دينه، وأن الإسلام ليس عبادات وشعائر فحسب، بل إنه يشرع –أي: الإسلام- ويسوس ويحكم بأحسن دستور، وهو القرآن.
الإسلام دين ودنيا، وحضارة الإسلام هي خير الحضارات على مدى الخليقة كلها، وما زالت الحضارة المعاصرة التي نحن فيها تنعم بشيء من الحضارة الإسلامية.
ولكن المسلمين إذا تخلوا عن مبادئ وقيم دينهم تراجعوا للوراء، هذه هي سنة الله وكما قال الفاروق عمر -رضي الله عنه- في صحيح الترغيب من حديث طارق بن شهاب: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أزلنا الله"؛ هذا هو فقه الصحابي الجليل عمر بن الخطاب.
معاشر الإخوة: لا نريد أن نتوسع في الموضوع أكثر من الحاجة، ولا أن نتفرع فنبتعد عن الأصل، وإنما نقول: إن عقدة النقص تزيد عن البعض، وتقل عند الآخرين وتنتفي عند آخرين.
مرجع ذلك في الغالب إلى شيئين؛ فقدان الثقة، والثاني عدم الرضا، فالذي يفقد الثقة بنفسه أو بدينه أو يرتاب في منهجه الذي ينتمي إليه؛ فإنه يستصغر نفسه وينهزم نفسيًّا، ويشعر بالنقص ويبحث عن المكملات تملأ ذلك النقص.
ولذلك جاء الشرط في القرآن في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات: 15]؛ لم يرتابوا أي: أنهم أمنوا ثم لم يقع في نفوسهم شكٌّ فيما آمنوا به ولا اتهام لمن صدقوه واعترفوا بأن الحق منه.
وفي آية أخرى يقول سبحانه: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة:45]، التردد دليل الشك والشك يعني فقدان الثقة وبفقدانها يشعر المرتاب بالنقص.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما بعد: والشيء الثاني الذي يسبب الشعور بالنقص هو عدم الرضا، وقد أثنى الله -عز وجل- على المؤمنين فقال: (رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) عدم الرضا بالشكل، عدم الرضا بالوضع المالي أو الوضع الاجتماعي.
عدم الرضا شعور مطلوب لما فيه خير ويقدر الإنسان أن يستزيد منه، لا بأس بذلك كعدم الرضا عن مستوى الإيمان فيزيد قربًا من الله أو العبادة، فيزيد في الطاعة لا يرضى عن عبادة بمستوى عبادته، فيزيد بطاعة الله أو العلم بشكل عام، فيطلب أنواع العلوم لا يرضى عن نفسه أن يكون جاهلاً، أو القوة البدنية فيتمرن حتى يكون صحيح الجسد، لا بأس في عظم الرضا بهذه الأمور.
أو حتى المستوى المالي فيسعى في مناكب الأرض يطلب الرزق الحلال، لا بأس، أو ما شابه ذلك مما هو مقدور العبد أن يزيد منه وكان فيه خير ظاهر.
المشكلة ليست في مجرد عدم الرضا، المشكلة فيما يترتب على عدم الرضا من شعور في النقص والتسخط والانهزام؛ فالله تعالى الذي يقول: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة:10].
هو -سبحانه وتعالى- الذي يقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ) [التوبة:59].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يقول: "من أصبح منكم آمنًا في سربه معافًى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حِيزَت له الدنيا"، هو نفسه الذي يقول: "المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان".
أثناء سعيك في الأرض وطلبك للخير يكون جسدك وعقلك مشغولين في السعي، ويكون قلبك أثناء ذلك مشغولاً بالرضا والتوكل لا بالدونية والشعور بالنقص، هذا هو الفرق.
وقد كان الجاهلي عنترة العبسي إذا عُيِّر يقول راضيًا:
لئن أكُ أسود فالمسكُ لوني | ومَا لِسوادِ جِلدي منْ دواء |
وَلَكِنْ تَبْعُدُ الفَحْشاءُ عَني | كَبُعْدِ الأَرْضِ عَنْ جوِّ السَّماء |
هكذا يقول الجاهلي؛ فكيف بالشخصية المسلمة الراضية بقضاء الله؟!
إن من رضي بقضاء الله –تعالى- وقسمته لا يمكن أن يشعر بالنقص.
والله المستعان وعليه التكلان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..