البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

سدوا حاجاتهم ويسروا معاملاتهم

العربية

المؤلف مراد كرامة سعيد باخريصة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. خطر الإخلال بالمسؤولية .
  2. مظاهر الإخلال بالمسؤولية .
  3. تلاعب المسؤولين بالمال العام .
  4. خطر مداهنة الموظفين للمدراء .
  5. بعض ما يجب على المسؤولين تجاه وظائفهم .

اقتباس

تتسع دائرة الفساد، ويتكاثر الظلم، وتنتشر الرشوة والمحسوبية، وتضيع حقوق الناس، ويقتنعوا بأن أمورهم وحوائجهم لن تقضى إلا بدفع هذه الرشاوى، والبحث عن الواسطات، والتنقيب عن معارف فلان، وأصدقائه، ومن يعرفون شفراته، وبأيديهم مفاتيحه، حتى يكلموه، ويتوسطوا إليه. إنها -والله- مأساة عظيمة، وصعوبات بالغة، وفساد مستشري، وظلم منتشر، والمصيبة أن...

الخطبة الأولى:

إن من المظاهر المؤلمة، والتصرفات السيئة التي نعايشها في مجتمعنا، وتنتشر في واقعنا: أن يتسلط بعض من ولاه الله -سبحانه وتعالى- مسئولية علينا، أو جعله مديراً على إدارة من إداراتنا، أو مرفقاً من مرافقنا، أو مكنه من أي نوع من أنواع التمكين في الأرض؛ فتجده يتسلط على إخوانه، ويتقصد أذيتهم، ويتعمد في تعقيد أمورهم، وعرقلة حاجاتهم، ويعاند في تلبية طلباتهم، ويماطل في تنفيذ مهماتهم، ويحاول أن يعرقل أمورهم، ويطول قضاياهم، ويسعى في الإيقاع بهم، وإضرارهم وأذيتهم.

إن مثل هذا الصنف من الناس ما هو إلا جبار في الأرض، وخليفة فاسد فيها، وشخص متسلط على رقاب أهلها؛ لأنه نسي قول الله -سبحانه وتعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)[الأحزاب: 58].

ونسي قول الله -سبحانه وتعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) [التوبة: 71].

ونسي قول الحق -جل وعلا-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10].

لقد نسي هذه الآيات كلها، ولو عقل معناها، وفهم مرادها لما آذى إخوانه المسلمين، وتجبر عليهم، وتسلط على المستضعفين منهم، وعاند المساكين، وتكبر عليهم، وقلد نفسه حاكماً فيهم، وآمراً وناهياً عليهم.

يأتي الرجل المسكين لديه قضية، أو موضوعا معينا، أو حاجة خاصة، أو طلباً من الطلبات، أو غيرها من الأمور التي يريد أن يضعها على المسئول الفلاني، أو المدير الفلاني، فيجده غير موجود.

يأتيه في اليوم الثاني، فيجده قد خرج من مكتبه، أو إدارته!.

يأتيه في المرة التي بعدها، فيقولون له: أن عنده اجتماعاً خاصاً!.

يأتيه في اليوم الرابع؛ فيعتذر عن مقابلة أي أحد!.

ومرة لا يأتي إلا في اللحظات الأخيرة من الدوام.

ومرة يسافر دون أن يكون هناك بديلاً له، أو شخصاً يحل مكانه، ولو في التوقيع، وتخليص أمور الناس، وتسيير حاجاتهم!.

فأين الرحمة والأخوة والشفقة؟ وأين هم من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ -عز وجل- شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ، وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ، وَفَقْرِهِ".

وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ".

ليس الأمر مقتصراً على المسئولين والكبراء، وأهل الشأن والنفوذ والمدراء، وإنما حتى على مستوى بعض الإداريين العاديين والمسئولين البسطاء؛ تجده على هذه الشاكلة، ويتصرف مع الناس بهذه السالفة، فمرة يكون غير موجود، ومرة يكون مشغولاً بأمور أخرى، قد تكون خارجة عن مهام عمله ومسئوليته، ومرة يتعذر للناس بأعذار واهية، ويحاول أن يقنعهم بأن الأمر ليس عنده، وأنه ليس بيده شيء، ولا يستطيع أن يفعل لهم شيء، مع أنه في الحقيقة خلاف ذلك.

وإنما يريد من وراء هذه الأعذار أن يتودد الناس له، ويترجونه، ويكبّرون رأسه، أو يريد منهم رشاوى يقدمونها قرابين له، حتى ينجز مهماتهم، ويعجل في تخليص حاجاتهم، وقضاء حوائجهم.

وبهذا تتسع دائرة الفساد، ويتكاثر الظلم، وتنتشر الرشوة والمحسوبية، وتضيع حقوق الناس، ويقتنعوا بأن أمورهم وحوائجهم لن تقضى إلا بدفع هذه الرشاوى، والبحث عن الواسطات، والتنقيب عن معارف فلان، وأصدقائه، ومن يعرفون شفراته، وبأيديهم مفاتيحه، حتى يكلموه، ويتوسطوا إليه.

إنها -والله- مأساة عظيمة، وصعوبات بالغة، وفساد مستشري، وظلم منتشر، والمصيبة أن أكثر ضحاياها هم من المساكين والمحتاجين، والناس المعوزين الذين لا يعرفون أحداً يخلصهم، ولا واسطات عندهم تنفعهم، ولا يملكون شيئاً يقدمونه قرابين لهم، ولهذا فهم المتضرر الأكبر من هذا الواقع المؤلم، والخاسر الأكثر في أنفسهم وحاجاتهم وقضاياهم، حيث لا معين يعينهم، ولا ناصر لهم ينصرهم ويساندهم، غير الله -سبحانه وتعالى-: (وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا) [النساء: 45].

إنه ظلم فادح، وضرر بالغ، حينما يخلص المسكين من إنجاز معاملته، أو مهمته، أو حاجته، في شهر أو أكثر، بينما يأتي شخص آخر ينجز نفس المهمة في يوم، أو أقل، ويخلصونه في ساعات بسيطة دون عناء، أو تعب، أو إرهاق.

ظلم فادح، حينما يموت المريض من مرضه، أو يبقى فترات طويلة يئن من وجعه، ويشتكي من حاله إلى أن يتم إنجاز تقريره، والانتهاء من إجراءات الحصول عليه، لكي يسافر للعلاج.

بينما أناس آخرون يسافرون للتمشية والمسخرة واللعب على حساب المساكين والمرضى؛ بتقارير مزيفة، أو لإجراء فحوصات وهمية، ليس لها حاجة.

ظلم فادح؛ حينما يرى الطالب النابغ والتلميذ الذكي أناساً يحصلون على المنح الدراسية والامتيازات الكبيرة، وهم أقل منه بكثير في مستوى الذكاء والإنجاز، وربما يكونون من البلداء والبلهاء، ومع ذلك يحصلون على هذه الامتيازات؛ لأن لهم وسطات، أو لأنهم من أبناء المرموقين والمسئولين.

ويبقى هذا الذكي المسكين محروماً من كل هذا؛ لأنه لا ناصت له، ولا سامع لصوته، ولا مجيب لشكواه، ولا معترفاً بجهوده وذكائه ومستواه، وليس له أحداً بعد الله -سبحانه وتعالى- ينفعه ويرفعه بعد أن يئس من المحاولات، وملّ من المتابعات، وضاق من التذلل وتقديم الطلبات.

ظلم فادح؛ أن يتخرج الشخص من الجامعات، ويتقدم للوظيفة، ويبقى السنوات الطوال محروماً منها، وبعضهم قدّم فيها منذ خمسة عشر عاماً، أو أكثر، أو أقل، ولم يأبه به أحد، ولم يحصل على خانته ووظيفته، بينما يأتي شخص آخر فيحصل على الوظيفة، وهو لا يزال طالباً يدرس، أو تحجز خانته الوظيفية قبل استكمال تعليمه، وربما يكون طالباً وموظفاً مفرغاً في نفس الوقت، وهذا هو الإجرام والفساد والظلم.

ربما يقول البعض: وما علاقتنا نحن بهذا الكلام؟ وما دخلنا فيه؟

والجواب: نقول: أن هذا الفساد والظلم لا يكون المسئول وحده، هو من يباشره، وإنما هو فقط يأمر ويوجه، والذي يقوم بتنفيذ وتطبيق هذه الإجراءات الظالمة، هم العمال والموظفون، مع علمهم بفساده، وجزمهم بمخالفاته، ومع ذلك يسكتون ويجاملون، ولا يتجرأ أحد منهم أن ينكر عليه، ولو بلسانه، أو يتوقف عن مساندته على ظلمه، وإعانته عليه.

والله -سبحانه وتعالى- يقول -ناهياً عن إعانة الظلمة والمفسدين-: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)[هود: 113].

ويقول: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 25].

الخطبة الثانية:

إن على كل مسئول أو موظف أو مدير -بغض النظر عن مهمته ووظيفته- أن يتق الله في نفسه، وأن يتقن عمله، وأن يعامل الناس معاملة واحدة، لا فرق فيها بين أحد، ولا امتيازات لأحد على أحد، أو نظاماً يمشي على أناس دون أناس، فإن الناس جميعاً سواسية كأسنان المشط، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ من قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ".

لا يجوز لأحد بأي حال من الأحوال: أن يتسبب في تعقيد قضايا الناس، وتطويل حاجاتهم، وعرقلتهم في تلبية طلباتهم، دون سبب، وإنما لقصد الأذية، أو الحسد، أو تطويل الإجراءات؛ لغرض الحصول على مكسب معين، أو رشوة خاصة، أو سمعة معينة.

كم من الناس من يأتي يشتكي من تعنت بعض الموظفين والإداريين والمسئولين في بعض الإدارات الحكومية، أو الجمعيات الخاصة، أو المؤسسات العامة، ويذكر من ظلمهم وتجاهلهم له؛ ما يدمي الفؤاد، ويحزن القلب.

فلا يعطى البطاقة الشخصية إلا بشق الأنفس، ولا يصرف له الجواز إلا بعد المعاناة والمرارة، ولا يعطى التقرير إلا بعد أن يهلك مريضه، أو يكاد.

ولا يستطيع إدخال الماء أو الكهرباء إلى بيته إلا بعد أن يذوق الويلات والمتاعب، من جراء الطلوع والنزول، والذهاب والإياب، وكثرة التردد على هذه الإدارات والمقرات.

ولا تعطى له حاجته إلا بعد أن يخسر فيها الخسائر الكبيرة، والمتاعب الثقيلة، خاصة إذا كان يأتي من مناطق ومديريات بعيدة!.

فليتق الله كل واحد منا في عمله ومسئوليته ومهمته، وليستشعروا همّ هؤلاء المساكين والمستضعفين، ولييسروا للناس السبل، ويسهلوا لهم الأمور، فإن من سهل على عباد الله، ويسر عليهم؛ سهل الله عليه، ويسر له؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة(2].

والنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سئل: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -عز وجل-؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ -عز وجل- قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ -عز وجل- قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ"[المعجم الأوسط (6026)].