البحث

عبارات مقترحة:

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

الأعمال التي يحبها الله

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. إثبات صفة المحبة لله -عز وجل- .
  2. محبة الله تعالى لأعمال معينة وجزاؤه عليها .
  3. الأعمال التي يحبها الله -سبحانه وتعالى- .

اقتباس

إن من عقيدة أهل السنة والجماعة، إثباتَ صفة المحبة لله، فالله -جل جلاله- يُحِب ويُحَب، فمحبته سبحانه كما يليق بجلاله، يوصف بمحبة لا تشبه محبة المخلوقين، بل هي محبة تليق بالله كإله -جل في علاه-، والله سبحانه لا يشبّه بخلقه؛ لأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وإن الله سبحان يحب أعمالاً ويجزي عليها الأجر العظيم، فعلى المسلم أن يتتبع تلك الأعمال ويحافظ على أدائها، لينال الأجر الكبير في العمل اليسير.

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فيا يأيها الناس: اتقوا الله وانظروا محابه من الأعمال فاحرصوا عليها، ومباغضه منها فاجتنبوها، فإن ذلك من علامات الفلاح.

عباد الله: إن من عقيدة أهل السنة والجماعة، إثباتَ صفة المحبة لله، فالله -جل جلاله- يُحِب ويُحَب، فمحبته سبحانه كما يليق بجلاله، يوصف بمحبة لا تشبه محبة المخلوقين، بل هي محبة تليق بالله كإله -جل في علاه-، والله سبحانه لا يشبّه بخلقه؛ لأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

أيها المؤمنون: إن الله سبحان يحب أعمالاً ويجزي عليها الأجر العظيم، فعلى المسلم أن يتتبع تلك الأعمال ويحافظ على أدائها، لينال الأجر الكبير في العمل اليسير.

وإن من أهم الأعمال التي يحبها الله هي الأعمال التي أوجبها على خلقه، كما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله تعالى: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه". وفي رواية خارج الصحيح: "ولهذا افترضته عليه".

فانظر -يا رعاك الله- إلى تلك الواجبات من الأعمال فحافظ عليها لتنال الأجر العميم من الله سبحانه.

أيها المسلمون: لقد نوّع الله سبحانه الأعمال التي يحبها؛ ولهذا سنعرض لبعض منها لينتبه لها المسلم، فيحرص على المحافظة عليها لينال بركة أجرها، فمن تلك الأعمال:

أن الله سبحانه يحب المحسنين كما قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

والإحسان باب عظيم لا يفي المقام لعرضه، فما استطعت إليه سبيلاً من الإحسان فأحسن، بدءًا بمعاملتك مع ربك، وانتهاءً بمعاملة البهائم، فالإحسان من علامات أهل الإيمان، بل من علامات أهل الإحسان، والإحسان أعلى مراتب الدين.

ومن الأعمال التي يحبها الله سبحانه: القسط، كما قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، والقسط هو العدل، والعدل باب واسع، وهو يشمل جميع التصرفات، والمعاملات، مع النفس والآخرين، فإن أردت أن يحبك الله ويأجرك الأجر العظيم، فكن عادلاً في نفسك وأهلك والآخرين، ومن عدل في ذلك فإن العدل حليفه، وييسر الله له من يعدل معه، ويبعد عنه ظلم الآخرين، فضلاً عن الأجر العظيم جزاء عدله مع نفسه والآخرين، فالمقسطون على منابر من نور يوم القيامة.

ومن الأعمال التي يحبها الله سبحانه: التقوى، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، والتقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، بفعل الطاعة واجتناب المعصية، فالمتقي لا يذنب لأنه يتقي الذنوب، ولكنه إن غفل فأذنب سارع بالتوبة.

ومن الأعمال التي يحبها الله سبحانه: فعل الرخص  التي رخص الله لعباده، وذلك أن بعض الناس يظن أن مخالفة الرخص أفضل من الترخص، كمن يُتِمُّ إذا سافر ويترك الفطر مع الحاجة إليه، ويشق على نفسه بترك رخص كثيرة ظانًا أنه أعظم لأجره، وما علم المسكين أن قد شق على نفسه وفوت عليها أجرًا عظيمًا لعدم اتباعه الرخصة، كما أخرج الطبراني وغيره من حديث ابن مسعود قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب أن تقبل رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه". وإسناده رجاله ثقات، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه ابن أبي شَيْبَة وغيره.

ومن الأعمال التي يحبها الله أن يرى أثر النعمة التي أنعم الله بها عليك، كما أخرج البيهقي في الشعب من حديث زهير بن أبي علقمة رأى النبي -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- رجلاً سيئ الهيئة فقال: "ألك مال؟!"، قال: نعم من أنواع المال. قال: "فليُرَ أثره عليك، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده، ويكره البؤس والتباؤس".

ومعنى الحديث: أن يحسن الإنسان هيئته ولبسه من غير سرف ولا مخيلة.

ومن الأعمال التي يحبها الله: التوبة من الذنوب، فالله يحب من العبد أن يتوب من ذنوبه ويبادر بها، ولو كثرت ذنوبه ولو رجع إليها بعد توبته.

كما روى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي زَوَائِدِهِ عَلَى الْمُسْنَدِ من حديث مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ".

فالمحبة هنا واقعة على التوبة لا على الفتنة، فالمؤمن الذي يفتن فيقع في الذنوب، ثم يراجع ربه ويتوب، كلما أذنب رجع لربه وتاب، فهذا من أحباب الله؛ لأنه علم أن له ربًا يغفر الذنب ويعاقب عليه، فعمل بمقتضى ذلك.

ومن الأعمال التي يحبها الله: إخفاء العمل الصالح، وذلك أن العمل الصالح كلما أخفاه العبد عظم أجره وكان أدعى للقبول كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث سعد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ اَلْعَبْدَ اَلتَّقِيَّ, اَلْغَنِيَّ, اَلْخَفِيَّ".

اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا رب العالمين...

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فيا أيها الناس: إن الحياة الحقيقية هي التي يكون المرء فيها على الدرب الذي يحبه الله، فكل ما في الوجود ينقلب له محبًا بحب الله له، كما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض".

وإن من أهم الأمور الجالبة لمحبة الله، أن نتلمس الأعمال التي يحبها الله فنعمل بها ونحافظ عليها، ومن تلك الأعمال: الرفق في جميع الأمور، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله".

وأخرجه ابن حبان وغيره بلفظ: "إن الله يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه".

ومن الأعمال التي يحبها الله سبحانه: إتقان العمل سواء مع الله أم مع الخلق، وأن يراقب العبد ربه في عمله، فتدعوه تلك المراقبة إلى الإخلاص وإخراجِ العمل في أحسن صورة.

كما أخرج البيهقي من حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.

ومن الأعمال التي يحبها الله: السهولة في المعاملة، وطلاقة الوجه، وعدم التشدد، كما أخرج الحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء".

وأخرجه البخاري من حديث جابر قال -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى".

ومن الأعمال التي يحبها الله: الحلف به عند الحاجة والوفاء بذلك، كما أخرج أبو نعيم في الحلية من حديث عمر قال -صلى الله عليه وسلم-: "احْلِفُوا باللهِ وبَرُّوا واصْدُقُوا، فإن اللَّهَ يحبُّ أن يُحْلَفَ به".

فالحلف بالله عبادة لا تجوز إلا بالله، فمن صرف تلك العبادة لغير الله فحلف بغير الله فقد أشرك مع الله، ومن حلف بالله، فقد أدى عبادة على وجهها فهو مأجور، ولكن ينهى عن كثرة الحلف، وذلك عند البيع وبدون حاجة.

ومن الأعمال التي يحبها الله: الإلحاح في الدعاء، وذلك بكثرة الطلب وتكراره كل حين، كما أخرج البيهقي من حديث عائشة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب المُلحِّين في الدعاء".

قال الشاعر:

والله يغضب إن تركت سؤاله

وبني آدم حين يسأل يغضب

فالله -سبحانه وتعالى- كلما سألته كنت أقرب إليه، وأحب إليه، وكلما ألححت عليه في الدعاء أحبك، ومن لم يسأله يغضب عليه. وهذا هو غاية الكرم والجود.

ومن الأعمال التي يحبها الله: العدل بين الأولاد، وذلك في المعاملة والعطاء، كما أخرج الطبراني من حديث النعمان بن بشير قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب أن تعدلوا بين أولادكم".

بل العدل بين الأولاد واجب حتى في الشيء اليسير الذي ربما لا تلقي له بالاً من التقبيل؛ فقد أخرج ابن النجار عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبَلِ".

ومن الأعمال التي يحبها الله: أن يحرص المسلم على معالي الأمور، وأن يبتعد عن سفسافها، كما أخرج الحاكم من حديث سهل بن سعد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها".

ومن الأعمال التي يحبها الله: الجود والكرم؛ فقد أخرج البيهقي من حديث طلحة بن عبيد الله قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى جواد يحب الجود"، وفي رواية: "كريم يحب الكرم".

ومن الأعمال: إغاثة اللهفان، والتواضع... وغيرها كثير من الأعمال التي ورد في صحيح السنة أن الله يحبها ويحب من عمل بها، فما على العبد إلا أن يستحضر النية، وأن يجد ويجتهد في تتبع الأعمال التي يحبها الله، فيقدمها على غيرها، ويحرص على الالتزام بها.

اللهم وفقنا لهداك...