الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | أحمد حسين الفقيهي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
لقد أدرك السلف الصالح والتابعون لهم بإحسان سر عظمة القرآن فطاروا بعجائبه، وعاشوا مواعظه وحلاوته، وفي المواسم الفاضلة يزداد التعلق، ويشتد التسابق، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس يختالون
عباد الله: لقد وفقكم الله تعالى لبلوغ شهر رمضان، وإدراك خيراته، والتماس أنواره وبركاته، وإنها لفرحة عظيمة تغشى عباد الله المؤمنين، فتضيء لها محياهم، وتشرق حياتهم، وتستنير قلوبهم.
أيها المسلمون: لقد أنزل الله تعالى كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وكان ذلك في ليلة القدر (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:1]، ويقول سبحانه : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) [الدخان: من الآية3].
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: " أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة .. " رواه النسائي والحاكم.
ويقول ابن جرير الطبري رحمه الله: " نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنزاله إليه " ا.هـ.
أيها المسلمون: شهر رمضان هو شهر القرآن، ذلكم الكتاب الذي لا تكل الألسنة من تلاوته، ولا تمل الأسماع من حلاوته ولذته، ولا يشبع العلماء من تدبره، ولا يستطيع أي مخلوق أن يأتي بمثله، (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [صّ:29].
أيها الصائمون: لقد كان صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم مزداناً بقراءة القرآن، ذكراً وتلاوةً وتدبراً، فالقرآن سميره وأنيسه، يذاكره جبريل عليه السلام القرآن كل سنة، فيقف عند مواعظه ويتأمل أسراره وحكمه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة؛ أخرجه الشيخان.
قال ابن رجب رحمه الله: " دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان .. " وأضاف رحمه الله: " وفي حديث ابن عباس دليل على أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً مما يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً؛ فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال سبحانه: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ...) [المزمل:6].
نعم السمير كتاب الله إن له
عباد الله: لقد أدرك السلف الصالح والتابعون لهم بإحسان سر عظمة القرآن فطاروا بعجائبه، وعاشوا مواعظه وحلاوته، وفي المواسم الفاضلة يزداد التعلق، ويشتد التسابق، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس يختالون ".
كان الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان يقول: " إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام ".
وقال ابن الحكيم : كان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ".
وقال عبد الرازق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن ".
وقال النووي رحمه الله: " وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم؛ فمن المتقدمين: عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير رضي الله عنه ختمه في ركعة في الكعبة ".
قال الذهبي: " قد روي من وجوه متعددة أن أبا بكر بن عياش مكث نحواً من أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة، فإن قيل أيهما أفضل: أن يكثر الإنسان التلاوة أم يقللها مع التدبر والتفكر؟ فيجيب عن ذلك النووي رحمه الله بقوله: " والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص؛ فمن كان من أهل الهم وتدقيق الفكر، استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني، وكذا من كان له شغل بالعلم وغيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل، ولا يقرؤه هذرمة " ا.هـ.
وأما حديث ".. ما فقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث " فقد أجيب عنه بما يلي: يقول ابن رجب رحمه الله: " إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان، خصوصاً في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو الأماكن الفاضلة كمكّة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم ... " ا.هـ رحمهم الله.
إلهنا تقبل منا صيامنا وقيامنا ودعائنا وسائر أعمالنا يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
عباد الله: في رمضان يجتمع الصوم والقرآن، فيدرك المؤمن الصادق شفاعتان: يشفع له القرآن لقيامه، ويشفع له الصوم لقيامه، يقول صلى الله عليه وسلم: " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان " رواه أحمد.
وعند ابن ماجه عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول: أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك ".
قال ابن رجب رحمه الله: " واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه؛ جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين ووفى بحقوقهما، وصبر عليهما، وفي أجره بغير حساب ".
عباد الله: في الوقت الذي يجب أن تغتنم أجزاءه بالطاعة وقراءة القرآن، تطالعنا الشاشات يومياً وخلال هذه الليالي الكريمة بما يصرف الناس عن قراءة القرآن وطاعة الرحمن، ولو كان الصارف مباحاً لعوتب المتشاغل لتركه اغتنام هذه اللحظات العظيمة التي ربما لا تعود؛ فكيف إذا الصارف محرماً أو قريباً من الكفر والنفاق؛ لسخريته بالدين وشعائر عباد الله المسلمين.
ألا فاتقوا الله أيها المسلمون وطهروا أزمانكم وأعمالكم من كل ما يشين ولا يزين، وليحذر أولئك الساخرون والمستهزئون من عقوبة الله تعالى سواء عجلت لهم في الدنيا، أو أخرت لهم لينالوا العذاب يوم القيامة.. (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إبراهيم:42].
ألا فصلوا وسلموا على الرحمة المهداة...