البحث

عبارات مقترحة:

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

علو الهمة

العربية

المؤلف فهد بن حسن الغراب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. علو الهمة مجمع الفضائل .
  2. ثناء الله -عز وجل- على عالي الهمة .
  3. علو همته -عليه السلام- وكذا أصحابه والسلف من بعدهم .
  4. دنو الهمة خلق المنافق وضعيف الإيمان .
  5. أسباب علو الهمة .

اقتباس

إن كبير الهمة لا يزال يحلّق في سماء المعالي، ولا ينتهي تحليقة دون عليين، فهي غايته العظمى وهمه الأسمى، حيث لا نقص ولا كدر، ولا تعب ولا نصب، ولا هم ولا غم ولا حزن، وإنما هي نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، في مقام أبدي: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً)..

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فإن من محاسن الأخلاق وطيب السجايا علو الهمة، فكبير الهمة من يتحرى الفضائل، لا للذةٍ ولا لثروة ولا استعلاءً على البرية، بل يتحرى مصالح العباد، شاكرًا بذلك نعمة الله، وطالبًا به مرضاته، غير مكترث بقلة مصاحبيه، فإنه إذا عظم المطلوب قلّ المساعد، وطرق العلياء قليلة الإيناس.

قال سفيان بن عيينة: "اسلكوا سبلَ الحق، ولا تستوحشوا من قلة أهلها".

إن كبير الهمة لا يزال يحلّق في سماء المعالي، ولا ينتهي تحليقة دون عليين، فهي غايته العظمى وهمه الأسمى، حيث لا نقص ولا كدر، ولا تعب ولا نصب، ولا هم ولا غم ولا حزن، وإنما هي نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، في مقام أبدي: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً) [الكهف:107، 108].

وعالي الهمة يعرف قدر نفسه في غير كبر ولا غرور، قد صانها عن الرذائل، وحفظها من أن تهان، ونزهها عن دنايا الأمور، وجنبها مواطن الذل، بأن يحملها ما لا تطيق أو يضعها فيما لا يليق بقدرها، فتبقى نفسه في حصن حصين وعز منيع، لا تعطي الدنية ولا ترضى بالنقص ولا تقنع بالدون.

وقد أثنى الله على أصحاب الهمم العالية، وفي طليعتهم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم-: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ) [الأحقاف:30]، وقد تجلت همتهم العالية في مثابرتهم وجهادهم ودعوتهم إلى الله -عز وجل-.

وقد أمر الله بالتنافس في الخيرات فقال -عز وجل-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) [الحديد:21]، وقال: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ) [الصافات:61]، وقال: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26].

وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله من العجز والكسل، وعلمنا -صلى الله عليه وسلم- علو الهمة كما عند البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة"، وكما عند مسلم من حديث ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: "سلني"، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أوَغير ذلك؟!"، قلت: هو ذاك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود".

وقد فقه سلفنا الصالح عن الله أمره، وتدبروا في حقيقة الدنيا ومصيرها، فاستوحشوا من فتنتها، وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وتناءت قلوبهم من مطامعها، فلا تراهم إلا صوامين قوامين، باكين والِهِين، ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة تشهد بعلو همتهم، فعن وكيع قال: كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه أكثر من ستين سنة، فما رأيته يقضي ركعة. قال البخاري -رحمه الله-: "ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد". وروي عن الرازي أنه قال: "أول ما رحلت أقمت سبع سنين، ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ ثم تركت العدد، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيًا، ثم إلى الرملة، ثم إلى طرسوس، ولي عشرون سنة". وقال أبو زرعة: "كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث"، وقال: "حفظت مائتي ألف حديث، كما يحفظ الإنسان: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص:1]". وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى-: "إن لي نفسًا تواقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة".

وخامل الهمة كلما أراد أن يسمو إلى المعالي ختم الشيطان على قلبه: عليك ليل طويل فارقد، وكلما سعى في إقالة عثرته والارتقاء بهمته عالجته جيوش التسويف والبطالة، وإن نازعته نفسه إلى طلب المعالي والارتقاء بهمته، واقتحام الأهوال والتخلي عن البطالة والعجز والكسل، زجرها ونهاها.

وقد قصّ الله علينا من قول موسى -عليه السلام- لقومه: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة:61]، وقال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف:175، 176]، وقال في ذم المنافقين: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ) [التوبة:87]، وشنّع -عزّ وجل- على الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، ويجعلونها أكبر همهم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) [التوبة:38].

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فإن من أسباب علو الهمة العلم والبصيرة، فالعلم يرفع صاحبه عن الدنايا، ويلزمه معالي الأمور، ويتقي فضول المباحات.

ومنها: إرادة الآخرة: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) [الإسراء:19]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت همه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة".

ومنها كثرة ذكر الموت؛ لأنه يدفع إلى العمل للآخرة، والتجافي عن دار الغرور، ومحاسبة النفس، وتجديد التوبة.

ومنها: صحبة أولي الهمم العالية، ومطالعة أخبارهم.

ومنها: الاهتمام والعناية بتربية الابن على معالي الأمور ومحاسن الأخلاق منذ نعومة أظفاره، وعدم تجاهله واحتقاره، فهذا أسامة بن زيد يقود جيش المسلمين في حروب الردة وفيهم أبو بكر وعمر وعمره ثماني عشرة سنة، ويقول الشافعي -رحمه الله-: "كنت يتيمًا في حجر أمي فدفعتني إلى الكتاب"، وهذا سفيان الثوري تقول له أمه: "يا بني: اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي"، والأوزاعي نشأ يتيمًا في حجر أمه، وتنقلت به من بلد إلى بلد، حتى استفتي وله ثلاث عشرة سنة.

فما بال بعض شبابنا اليوم، قد صُرفوا عن المعالي، وغُيِّبوا عن الفضائل، وأُبعدوا عن كريم الشمائل، ورضوا بسبل الرذائل، إذا سألت أحدهم عن مناه، تمنى أن يكون مفحطًا موهوبًا أو راقصًا معروفًا أو سائحًا في ديار الكفر مفتونًا أو متسكعًا في الأسواق معاكسًا أو مغنيًا يطرب الجماهير أو لاعبًا يهز المدرجات، وإذا ارتفعت همته فإلى جمع الطوابع أو ألعاب الحاسب الآلي.

أين هم من قول سعد بن معاذ -رضي الله عنه وأرضاه- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فامض لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدًا، إنا لصُبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك ما تقر به عينك، فسر على بركة الله".

هكذا -يا شباب الإسلام- فليتربَّ أبناء الأمة، فلسنا اليوم في وقت اللعب، ولسنا في وقت اللهو والطرب، فالأمة تتلقى الطعنات تلو الفاجعات، الأعداء يتربصون بها، والمنافقون يكيدون بها، أما ترون غدرهم في فلسطين؟! أما تشاهدون مكرهم في الشيشان؟! أما تسمعون جرائمهم في كشمير؟!

فالعودة العودة -يا مسلمون- إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، تسعدوا بذلك وتسودوا.