المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | فهد بن سعد أبا حسين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة - السيرة النبوية |
من علامات نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: إخباره بشيء من المغيبات، فلقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن أمور بأنها ستقع، فوقعت كما أخبر. لقد كانت مكة والمدينة وما حولها قبائل متفرقة لا يؤبه لها، وكانت الدول العظمى آن ذاك بلاد كسرى في العراق، وبلاد هرقل في الشام. ولم يكن الإنسان في ذلك الوقت يخطر في قلبه أن هذه القبائل المتفرقة ستملك إيوان كسرى، وبلاد الشام واليمن. ومع ذلك كله يبشر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفتح بلاد...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
من علامات نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: إخباره بشيء من المغيبات، فلقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن أمور بأنها ستقع، فوقعت كما أخبر.
لقد كانت مكة والمدينة وما حولها قبائل متفرقة لا يؤبه لها، وكانت الدول العظمى آن ذاك بلاد كسرى في العراق، وبلاد هرقل في الشام.
ولم يكن الإنسان في ذلك الوقت يخطر في قلبه أن هذه القبائل المتفرقة ستملك إيوان كسرى، وبلاد الشام واليمن.
ومع ذلك كله يبشر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفتح بلاد كسرى والشام، قال صلى الله عليه وسلم: "تفتح اليمن فيأتي قوم يُبِسُّون -يعني يزينون إليهم السكنى في تلك البلاد ويدعونهم ليرحلوا إليها- فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يُبِسُّون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون"[رواه مسلم].
قال النووي -رحمه الله-: "قال العلماء: في هذا الحديث معجزات لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة" [انظر: الحديث وكلام النووي عليه في شرح النووي على مسلم 9/159].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "لتفتَحنّ عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض" [رواه مسلم (2919) من حديث جابر بن سمرة].
وانطلقت العصابة المؤمنة في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
انطلقت إلى بلاد فارس تحمل راية: "لا إله إلا الله"، واهتز عرش كسرى، وتزلزل كسرى ومن معه، فلو رأيت الصحابة وهم يدخلون القصر الأبيض قصر كسرى، دخلوه وهم يكبرون، ويقولون: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ) [الأحزاب: 22] وكانت معركة القادسية في السنة الرابعة عشر من الهجرة.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قد مات كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" [رواه البخاري برقم (3027) ومسلم برقم (2918)].
والعجب أن ترى بشائر النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته في وقت ضيق المسلمين؛ خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه وهم يعذبون وفيهم خباب بن الأرت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والله ليَتمّنّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" [رواه البخاري (3612)].
وفي حديث آخر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعدي بن حاتم: هل رأيت الحيرة؟ فأجاب عدي: لم أرها، وقد أنبئت عنها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "فإن طالت بك حياة لترين الظعينة -أي المرأة- ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله".
يقول عدي: قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دُعّار –لصوص- طيء الذين سعروا البلاد؟ ثم قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى" فقال عدي: "كسرى بن هرمز، فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبل منه فلا يجد أحدا يقبله".
"الله أكبر" ثلاث آيات عظيمات يخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع أن الواقع الذي كانوا يعيشونه ليس مهيئا أبدا لهذه الأمور الثلاثة.
فمن كان يصدق أن قبائل العرب هذه يخرج فيها الرجل ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله؟!.
ومن كان يصدق أن الجزيرة كلها ستكون آمنة حتى تسير الظعينة من الحيرة إلى الكعبة وهي آمنة لا تخاف أحدا إلا الله؟!.
ومن كان يصدق أن قبائل العرب المتفرقة ستملك إيوان كسرى؟!.
يقول عدي: "فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يخرج ملء كفه" [رواه البخاري برقم 3595].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وهذا الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم من خروج الرجل بملء كفه من ذهب أو فضة، فلا يجد من يقبله ظهر كما أخبر في زمن عمر بن عبد العزيز" أ. هـ [الجواب الصحيح 6/83].
ومن العجائب التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-: الفتن التي وقعت بين أصحابه -رضي الله عنهم- بعد وفاته.
فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل ترون ما أرى، إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر؟"[رواه البخاري برقم 7060 ومسلم برقم 2885].
قال النووي -رحمه الله-: "والتشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم -أي أنها كثيرة وتعم الناس- لا تختص بها طائفة، وهذا إشارة إلى الحروب الجارية بينهم كوقعة الجمل وصفين والحرة، ومقتل عثمان، ومقتل الحسين -رضي الله عنهم أجمعين- وغير ذلك. وفيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم" أ. هـ [شرح النووي لمسلم 18/8].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة"[رواه البخاري برقم 3608] دعواهما واحدة يعني دينهما واحد كما ذكر ابن حجر [الفتح 6/713].
وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن خروج الخوارج، وحدد صفاتهم: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم" إلى أن قال: "آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس".
قال أبو سعيد الخدري: "أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس، فأتي به حين نظرت إليه على نعت النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي نعته" [رواه البخاري برقم 3610ومسلم برقم 1064].
قال النووي: "وفي هذا الحديث معجزات ظاهرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه أخبر بهذا وجرى كله كفلق الصبح، ويتضمن بقاء الأمة بعده صلى الله عليه وسلم" أ. هـ [شرح مسلم 7/166-167].
ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- عمار بن ياسر، وهو يحفر الخندق، قال: "تقتل عمار الفئة الباغية"[رواه مسلم برقم 2915].
وفي هذا الحديث من الآيات: أن عمار يموت قتيلا، وأنه يقتله مسلمون لكنهم بغاة؛ كما ذكر النووي -رحمه الله- [انظر: شرح النووي على مسلم (18/40)].
وقد قتل عمار في جيش علي -رضي الله عنه- سنة سبع وثلاثين للهجرة.
ثم مع وجود هذه الفتن العجيبة والغريبة يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الأمة ستجتمع على ابنه الحسن بن علي -رضي الله عنهم-، فيقول: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين" [رواه البخاري برقم 7109].
ومع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من وقوع الفتن بين أصحابه -رضي الله عنهم-.
إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن أمته سيكون لها قوة ومتانة، وأن أمرها سيظهر.
فمن الغيوب العظيمة التي بينها نبينا -صلى الله عليه وسلم-: خبر أم حرام بنت ملحان، فقد سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا" قالت أم حرام: قلت يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: "أنت فيهم" ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا "[رواه البخاري برقم 2924].
قال ابن حجر: "وفيه ضروب من إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بما سيقع، فوقع كما قال، وذلك معدود من علامات نبوته: منها إعلامه ببقاء أمته بعده، وأن فيهم أصحاب قوة وشوكة ونكاية في العدو، وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزوا البحر وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون مع من يغزو البحر وأنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية" أ. هـ [فتح الباري 11/80].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة: 2].
الخطبة الثانية:
الحمد لله....
أما بعد:
ومما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من المغيبات؛ ما جاء في صحيح الإمام مسلم عن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له: "أويس" لا يَدَع باليمن غير أم له، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فليستغفر لكم" [رواه مسلم برقم (2542)].
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل، فاستغفر لي فاستغفر له"[رواه مسلم برقم 2542].
ومما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيقع فوقع؛ كما أخبر ما جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه" [رواه البخاري برقم (2942) ومسلم برقم (2406)].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، فخرج إلى المصلى، وكبر أربع تكبيرات"[رواه البخاري برقم (3880) ومسلم برقم (951). ] فكان كما قال صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ستهب عليكم الليلة ريح شديدة. فلا يقم فيها أحد فمن كان له بعير فليشد عقاله، فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء"[رواه البخاري برقم (1481)].
وفي صحيح الإمام البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "نعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيدا وجعفر وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر الراية فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان من الدموع، حتى أخذها سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم"[رواه البخاري برقم (3757)].
وكل ما ذكرناه -يا إخوة الإيمان- من علامات النبوة، إنما هي في جانب إخباره صلى الله عليه وسلم عن بعض المغيبات، وقد تركنا جوانب أخرى كثيرة للاختصار، بل حتى هذا الجانب وهو إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات لم نذكر كل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وإنما أردنا الإشارة.