البحث

عبارات مقترحة:

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

الصفوية والصفويون -2- (اسماعيل الصفوي وتأسيس الدولة الصفوية)

العربية

المؤلف رشيد بن إبراهيم بو عافية
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - الأديان والفرق
عناصر الخطبة
  1. الصفويون ونسبتهم   .
  2. اسماعيل الصفوي وتأسيس الدولة   .
  3. جرائمه وسياسته في التشييع      .
  4. التاريخ يعيد نفسه    .
  5. انهيار الدولة الصفوية .
  6. إعادة التأسيس على يد الثورة الخمينية .

اقتباس

اقرؤوا التاريخ وانظروا الواقع لتعلموا وتتيقّنوا بأنّ ما يمارسه الصفويون اليوم في العراق وسوريا وغيرها من ديار الإسلام إنما هو امتدادٌ لما فعله آباؤُهم من قبل وزيادة عليه, فالمنهج هو المنهج والحقد هو الحقد لم يتغيّر سوى الزمن والأشخاص...

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون, وبعدله ضل الضَّالون, ولحكمه خضع العباد أجمعون, لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون، لا مانعَ لما وَهَب، ولا مُعْطيَ لما سَلَب، طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب، وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب, بقدرته تهبُّ الرياحُ ويسير الْغمام، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالِي والأيَّام.

أحمدُهُ -سبحانه- على جليلِ الصفاتِ وجميل الإِنعام, وأشكرُه شكرَ منْ طلب المزيدَ وَرَام, وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له, لا تحيطُ به العقولُ والأوهام, وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه أفضَلُ الأنام, صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ السابق إلى الإِسلام, وعلى عمَرَ الَّذِي إذا رآه الشيطانُ هَام, وعلى عثمانَ الَّذِي جهَّزَ بمالِه جيشَ العُسْرةِ وأقام, وعلى عليٍّ الْبَحْرِ الخِضَمِّ والأسَدِ الضِّرْغَام، وعلى سائر آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإِحسانٍ على الدوام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: 

معشر المؤمنين: نستمر بتوفيق الله -جل وعلا- في التعريف بالصفوية والصفويين وكيف أنّ تاريخَهم غاشم ومنهجَهم منحرف آثم, ولنا اليوم وقفةٌ مع تعريف الصفوية وتأسيس كيانهم في إيران:

"الصفوية" دولة شيعية قامت في إيران في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) على يد الشاه إسماعيل، الذي يعد أول ملوكها، وقد كان قيامها مقترناً بالقضاء على مذهب أهل السنة, بعد أن كان معظم أهل إيران من أهل السنة. كما تزامن قيام الدولة الصفوية بارتكاب مذابح يندى لها الجبين بحق أهل السنة، وتم فرض المذهب الشيعي على إيران، والمناطق التي سيطر عليها الصفويون بالإكراه، كما أن الصفويين عمدوا إلى التحالف مع الدول الأوروبية ضد الدولة العثمانية السنية؛ أملاً في إضعافها وإعاقة الفتوحات الإسلامية لأوروبا. 

والصفويون هم آل صفويان: سلالة من الشاهات حكمت في بلاد فارس ( إيران ) من سنة 1501م إلى سنة 1785م. ويُنسب الصفويون -كما تؤكِّد المصادر التاريخية- إلى  "إسحاق صفي الدين بن جبرائيل الأردبيلي (650- 735هـ)، وهو الجد الأعلى لإسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية، وهو تركماني الأصل من مدينة أردبيل في أذربيجان, التي تبعد 35 ميلاً عن الساحل الجنوبي الغربي لبحر قزوين، ويزعم مؤرخو الدولة الصفوية أن صفي الدين هذا من أحفاد الإمام موسى الكاظم -رضي الله عنه- شأنهم في ذلك شأن كل المبتدعة, الذين يستغلُّون هذه الصلة؛ لتسهيل نشر أفكارهم ومعتقداتهم، مستغلين بذلك تعاطُفَ الناس وانجذابهم لكل ما يمت للنبي -صلى الله عليه وسلم- بصلة.

وتؤكِّد المصادر أيضًا أنه هو وابنه صدر الدين كانا من أهل السنة شافعية المذهب, وكان صفي الدين من المتصوفة, وله تنسب الطريقةُ الصفوية في أردبيل مسقط رأسه, وكان له عدد كبير من الأتباع والمريدين والمتصوفة والدراويش, الذين نشروا دعوتهم في كل الأرضي الإيرانية, وفي العراق, وبلاد الشام, ومدن أخرى, وكانت طريقتهم الباطنية غايةً في الغلو, على غرار الطرق الموجودة حينها في بلاد الأناضول, ومن هذه الطرق المشهورة الآخية والبكتاشية، ومن هنا كانت بداية الانحراف.

هذا وقد تحول حفيد صفي الدين المسمّى بــ "الخوجة علي سياهبوش" الذي تولى رئاسة الطريقة سنة (801 هـ/ 1339م ) تحوَّل إلى التشيع, وكان معتدلاً غير متعصب لمذهبه الجديد, غير أن ابنه إبراهيم أصبح متعصبًا ومتحمسًا للاثني عشرية, فقاد أتباعَه للصراع مع أهل السنة في داغستان، وخلف في نفس الطريقة ابنُهُ الشيخ حيدر والد إسماعيل الصفوي, والذي تولى رئاسة جماعته سنة (859هـ/ 1455م ). 

وكان الشيخ حيدر متعصبًا لمذهبه، مقاتلاً في سبيله، وكان من أعماله أنه نسب إليه تشكيل القوات العسكرية الصفوية، وابتكار رداء للرأس سمي تاج حيدري، وهو عبارة عن عمامة قرمزية بها اثنتا عشرة قنزعة, نسبة إلى عدد الأئمة الاثني عشر عند الشيعة، وخلفه ثلاثة أولاد, أصغرهم كان إسماعيل الذي نحن بصدد الحديث عنه.

معشر المؤمنين: اسماعيل الصفوي ورثَ التعصّب عن آبائه, وتولَّى الزعامة وعمره لم يتجاوز الثلاثَ عشرة سنة, وخاض عدةَ معاركَ طاحنةٍ مع ملك شيروان؛ ثأرًا لجده وأبيه اللّذَين قُتلا هناك, وألحق الهزيمة بملكها "فرخ يسار"، وذلك سنة 1500م، وتذكر المصادر التاريخية - ومنها "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" أن الشاه إسماعيل -إمعانًا في قسوته وحقده ووحشيته - وضع  "فرخ يسار ملك شيروان" الذي وقع أسيرًا, وضعه في قِدْرٍ كبير، وأمر أتباعه بأكله!. 

و قد تمكَّن بعدها من الاستيلاء على تبريز, بعد معارك مع الوند ميرزا حاكم الآق قوينلو في أذربيجان، وانتصر عليهم, وهناك أعلن قيام الدولة الصفوية عام (907 هـ/ 1501م)، ووضع تاج أبيه الديباجي على رأسه، واستطاع خلال سنوات من توسيع حدود دولته, وأصبحتْ عاصمتها أصفهان، حيث ضم إليها ما وراء النهر وقفقاسيا والعراق.

أيها الإخوةُ في الله: بعد أن أعلن قيام دولته قامَ هذا السفاح بفرض المذهب الشيعيّ على أتباعه وجنوده أولاً؛ بغية التمايز المذهبي, ثم عمد إلى نشره بين الإيرانيين بالقوة, واستخدم لذلك كلَّ الوسائل المتاحة, وقد أشرنا إلى بعضها في الجزء الأول من السلسلة, سواء ما كان يعتمد منها على القوة والسلاح والقهر، أو تلك التي تعتمد على الإيحاء والمكر, وكانت جلُّ دعوته ترتكز على إظهار السبِّ واللعن للخلفاء الراشدين الثلاثة، وقد قام بامتحان الإيرانيين بذلك، وأمر بأن يعلن السبّ في الشوارع، وعلى المنابر، وفي الأسواق!.

وجاء في كتاب "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" أن هذا السفّاحَ المجرم قتل زيادة على ألف ألف نفس, بحيث لا يعهد في الجاهلية، ولا في الإسلام، ولا في الأمم السابقة من قبل في قتل النفوس ما قتل إسماعيلُ الصفوي، وقتل عدة من أعظم العلماء، بحيث لم يبقَ من أهل العلم أحدٌ من بلاد العجم، وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم، وكان شديد الرفض، بخلاف آبائه!. و لما دخل بغداد سنة 1508م، أعلن سبَّ الخلفاء، وقَتَلَ الكثير من أهل السنة، ونبش قبر الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-!. 

فانظروا -معشر المؤمنين- في هذا الماضي الأليم كيف يتكرّر اليوم وبصورة أبشع!, اقرؤوا التاريخ وانظروا الواقع لتعلموا وتتيقّنوا بأنّ ما يمارسه الصفويون اليوم في العراق وسوريا وغيرها من ديار الإسلام إنما هو امتدادٌ لما فعله آباؤُهم من قبل وزيادة عليه, فالمنهج هو المنهج والحقد هو الحقد لم يتغيّر سوى الزمن والأشخاص!. 

نسأل الله السلامة والعافية , ونسأله التوفيق إلى ما يحب ويرضَى, أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم.

                                            

الخطبة الثانية:

معشر المؤمنين: في عام 1524م هلك الشاه إسماعيل الصفوي, إذ لم يبارك الله في عمره، فمات ولما يتجاوز السابعة والثلاثين من العمر، وورث الحكم ابنه طهماسب، ثم ابنه الشاه عباس.

ووفق سنّة الله تعالى في التدافع, و بعد أكثر من قرنين؛ انهارت الدولة الصفوية وانمحت عن الوجود على يد إحدى القبائل الأفغانية عام 1722م, ومن الجدير بالذكر أن الصفويين قد احتلوا أجزاء واسعةً من بلاد الأفغان، واضطهدت الأفغانَ فيها كعادتها مع المخالفين, بسبب فشلها في تحويلهم إلى التشيع كما نجحت في إيران ومناطق أخرى, وقد كان الأفغان يتحينون الفرصة للقضاء على الصفويين, وابتدأت الشرارة الأولى على يد " أمير ويس"؛ لكنه توفي عام 1715م وخلفه ابنه "أمير محمود"، والذي نجح في دكِّ معاقلهم، وفتح عاصمتهم، وإعلان انتهاء دولتهم, وذلك عام 1722م, كان آخر ملوكهم يدعى الشاه حسين.

معشر المؤمنين: وبعد فترة زمنية تولى مقاليدَ الحكم فيها نادر شاه، وذاك سنة 1736م، وهو صاحب فكرة المذهب الخامس، وقد كاتَبَ الدولةَ العثمانية بذلك، وقد بدا من سياسته في أواخر عهده نَفَسٌ تصالحي باتجاه العالم الإسلامي، وهو الذي حصل في عهده المؤتمرُ التقريبي الأول برعاية عثمانية، وذاك في عام 1743م، والذي انتهى بمقررات خفَّفت من حدة التوتر الطائفي بين الشيعة والسنة.  

وقد قُتل نادر شاه على يد أتباعه الغلاة من الذين لم يعجبهم صنيعُه, وذلك بعد ثلاثة أشهر فقط من عقد المؤتمر, وعمَّت إيران فوضى عارمةٌ استمرتْ عقودًا من الزمن, حتى ظهور الدولة القاجارية عام 1796م، لتعود بإيران إلى نفس السياسة الصفوية الطائفية الباطنية الخبيثة, وبنسق أكثر تطرفًا وعنادًا, وليعود الصراع مرة أخرى بينهم وبين العثمانيين, ولتعطي تأكيدًا على المدى الذي تغلغل فيه الفكرُ الصفوي, وغدا ظاهرةً مترسخة في العقول والضمائر وأدبيات الحياة الاجتماعية والثقافية!.

وقد حكمتْ هذه الدولةُ إيران حتى العقد الثاني من القرن العشرين, لتخلفها الأسرةُ البهلوية, والتي أطاحتْ بها حكومةُ الثورة في إيران عام 1979م بقيادة الهالك الخميني.

هذه نبذةٌ مختصرةٌ من تاريخ الصفويين وتأسيس دولتهم وأعمالهم إلى نهايتهم ثم عودة تأسيس دولتهم على نفس المبادئ والأصول بل أشد!, نذكّر بها ليتمكن المسلمُ من حسن ربط الحاضر بالماضي, وفهم السنن واكتشاف الأسباب والتراكمات التي أدّت إلى ما يراه من نتائج, فإن ما يمارسه الصفويون اليوم في العراق وسوريا وغيرها من ديار الإسلام إنما هو امتدادٌ لما فعله آباؤُهم من قبل وزيادة عليه, فالمنهج هو المنهج والحقد هو الحقد لم يتغيّر سوى الزمن والأشخاص !. نسأل الله السلامة والعافية .

اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا, وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

وصل اللهم وبارك على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان وسلّم.