البحث

عبارات مقترحة:

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

خطبة عيد الفطر 1435هـ

العربية

المؤلف رشيد بن إبراهيم بو عافية
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. أساس هذا الدين العظيم كلمة .
  2. حكم من صرف شيئًا من العبادات لغير الله .
  3. سبب عداء الكفر وأهله للمؤمنين .
  4. علام تقوم نهضتنا اليوم؟! .
  5. مأساة تتكرر فصولها .
  6. كيفية نتصدى لفكر الخوارج .
  7. تذكر مآسي الأمة في كل مكان .
  8. الثبات على الطاعة بعد رمضان .

اقتباس

لن تقومَ نهضتُنا اليومَ على سوادِ الأرقام، ولا على ضخامة الأجسام، فهذه غثائية جرَّبتها الأمة في مواطن عديدةٍ فلم تجنِ منها إلا الخيبة والتراجع والخذلان. إنّما تقومُ نهضتُنا المنشودَةُ على الصبر واليقين، والاعتصامِ الحقّ بالعقيدة والدّين، على صفة النّوعِيّة والصبغَة الربّانيّة ومطابقة الظاهر للباطن، على اتّخاذِ الإسلامِ الصحيحِ شعارًا في هذه الحياة، لا يقبلُ التنازُلَ والتضييع، ولا المساومة والتمييع !، حينها وحينها فقط؛ ستعودُ إلينا أنفسُنا، وترجعُ إلينا قُدسُنا، ونأكُلُ بإذنِ اللهِ من فوقنا ومن تحت أرجُلنا أكل عِزٍّ واقتدار، لا أكلَ ذُلٍّ وصغَار..

الخطبة الأولى:

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

 الحمد لله ربّ العالمين حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحب ربّنا ويرضَى.

الحمد لله الذي سَهَّلَ لعبادِهِ طُرُقَ العبادةِ ويسَّر، وتابَعَ لهم مواسِمَ الخيْرَاتِ لِتَزْدَانَ أوقاتُهُم بالطاعاتِ وتُعْمَر، فما انقَضَى شَهْرُ الصّيامِ حتى حلَّت شُهُورُ حجِّ بيتِ الله المطهّر..

نحمده سبحانَهُ على أسمائه الحُسْنَى، وصفَاتِهِ العُلْيَا، ونِعَمِهِ التي لا تَنْحَصِر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الأحَدُ الصّمَدُ، المتفرّدُ بالخَلْقِ والمُلكِ والتدبير، وكل شيء عنده بأجل مُقَدَّر، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله، أنصَحُ من دَعَا إلى الله، وبشَّرَ وأنْذَر، وأفضل من صلَّى وزكَّى وصَامَ وحَجَّ واعْتَمَرْ، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما بَدَا الصّبَاحُ وأَنْوَرْ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

معشر المؤمنين: اعلموا - يا رعاكُمُ الله - أنَّ أساس هذا الدين العظيم كلمة.. وأيُّ كلمة ؟!؛ لا يقبلُ الله عملاً من الأعمال ما لم يكن العبدُ ناطقًا بها بلسانه، مؤمنًا بها بجنانه، منقادًا لها بجوارحه وأركانه، على حقيقتها يوزَنُ الإنسُ والجنُّ والأفرادُ والجماعات والأمم، فمن وَفَّى بحقيقة ما تدل عليه؛ كان من الناجين الصادقين، ومُكِّنَ لهُ في الأرض ولو بعد حين، ومن تركَها وما دلّت عليه كان من الخاسرين المُبعَدين! إنّها: كلمةُ التوحيد: لا إله إلا الله.

ومعناها: لا معبودَ بحق إلا الله جلَّ وعلاَ، فهو سبحانَهُ وحده المستحق للعبادة والقصد والتوجُّه، لا ربَّ سواهُ ولا إله غيرُه، فمن صرفَ شيئًا من العبادات بجميع أنواعها لغير الله فقد أشرَكَ ولم يُوَحّد، وهو في الآخرة من الخاسرين، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِين * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِين) [الزمر:64- 65]، وقال سبحانه: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110].

 إِيْ والله؛ كلمةٌ واحدةٌ تُغيّرُ منهجَ حياةِ قائلِها من الألف إلى الياء، عليها مدارُ النجاةِ والفلاحِ والسعادَة: "لا إله إلا الله": قضيَّةٌ مِحورِيَّةٌ اشتركَت فيها كلُّ دعواتِ الرّسل عليهم السلام، نابَذُوا بها المشركينَ الذينَ زعمُوا أنَّ مع اللهِ آلِهَةً أخرى، من صُخُورٍ وأحجار، وقُبُورٍ وأشجار، وكواكِبَ وأقمار، ومُلُوكٍ ورُهبان، وصُلبانٍ ونِيران، وأبطلَ اللهُ بهم كُلَّ تلكَ الأوهامِ بنورِ التوحِيدِ السَّاطِع، فاللهُ وحده المستحِقُّ للعبادةِ والخضوع، لا ربَّ سواهُ ولا إله غيرُه.

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

 معشر المؤمنين: ثمَّ إنَّ الكفر والإيمان خطّانِ متوازيان في الحياة، تصوُّرٌ وعقيدَةٌ لا يعيشان في جوفٍ واحدٍ أبدا إلا حياةَ نِفاق!، ولا يعيشان إلا حياة تدافُعٍ وصراع؛ حتى يُمَكِّن اللهُ تعالى للحق، ويلفَظَ الباطلُ أنفاسَهُ الأخيرة.. !

وتيقنُوا -يا رعاكُمُ الله- أنَّ العَدَاءَ والغَيْظَ الذي يحمله الكفرُ للإيمان في كل زمان ومكان ليس سببُهُ الدرهمَ والدينار، ولا الغَلَّة والثّمَار، ليسَ الذهبَ والياقوتَ والفِضّة، فهذه أمورٌ مُنْفَضَّة..!، ليست هي سرّ العداء والغيظ. إن الكفر حين يعادي الإيمان وينثر لأهله الأشواك في الطريق، حين يفعل ذلك؛ يعلم أنه ما دام هذا الإيمان وهذه العقيدة حيّةً في القلوب والنفوس والأصقاعِ والأوضاع؛ ستمنع عبادة غير الله –تعالى-، كائنًا ما كان، وكائنًا من كان في الحياة!

سترفض هذه العقيدة الحيَّة الأبيّةُ أن يتخذ البشرُ بعضَهم بعضًا آلهةً وأربابًا من دون الله !، ستتصادم حتماً مع الأهواء والشهوات والمطامع بجميع صورها وألوانها.. ! وهذا ما لا يطيقُهُ الباطلُ ولا يريدُهُ أبدًا، وهو سِرُّ العداءِ والغيظ إلى الأبد !، كما قال ربنا سبحانه: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير) [البقرة: 120]، وقال الله تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونْ) [البقرة:217]، وقال عزّ من قائل: (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً) [سورة النساء: من الآية 101]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ) (الممتحنة: من الآية 1).

 إذا علمنا هذا - معشر المؤمنين - وتيقّنّاه؛ أبصرنا بإذن الله طريقَ الخلاصِ والنهضَةِ المنشود، فلن تقومَ نهضتُنا اليومَ على حماسيّات فيّاضةٍ شكليّة، ولا على شعاراتٍ قوميّةٍ جاهليّة، ولا على تولّي أعداءِ الله من الكافرين والضّالّين، ولا على التمييعِ والتضييع والتنازُل !

لن تقومَ نهضتُنا اليومَ على سوادِ الأرقام، ولا على ضخامة الأجسام، فهذه غثائية جرَّبتها الأمة في مواطن عديدةٍ فلم تجنِ منها إلا الخيبة والتراجع والخذلان. إنّما تقومُ نهضتُنا المنشودَةُ على الصبر واليقين، والاعتصامِ الحقّ بالعقيدة والدّين، على صفة النّوعِيّة والصبغَة الربّانيّة ومطابقة الظاهر للباطن، على اتّخاذِ الإسلامِ الصحيحِ شعارًا في هذه الحياة، لا يقبلُ التنازُلَ والتضييع، ولا المساومة والتمييع !، حينها وحينها فقط؛ ستعودُ إلينا أنفسُنا، وترجعُ إلينا قُدسُنا، ونأكُلُ بإذنِ اللهِ من فوقنا ومن تحت أرجُلنا أكل عِزٍّ واقتدار، لا أكلَ ذُلٍّ وصغَار !، قال ربنا سبحانه: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُور) [الحج: 40-41].

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

 معشر المؤمنين: إنّ من المآسي التي لا تزالُ تتكرّرُ فصولُها في هذه الأمّةِ مأساةُ الخوارج المارقين: أصحابُ فكر ضالٍّ همجيٍّ أعمى، لا يسمعُ إلاَّ لِهَوَاه، ولا يبصرُ إلاَّ ضحاياه، ولا يعقل إلا لغةَ التفجير والتهجير والتكفير.. ! تركيبةٌ منهجيّةٌ فكريّةٌ نفسيَّةٌ واحدة، حتّى يُبعثَ الدّجّالُ في آخِرِها !!

 جموعٌ تمرُقُ من الدّين كما يمرُقُ السّهمُ من الرّمِيّة !. نعم؛ قد يكونُ فيهم شدّةُ اعتناءٍ بالسّمت، وكثرَةُ اجتهادٍ في العبادة والزّهادة، وبُكاءٌ من قراءة القرآن الكريم، ولكنَّهم فارقوا القرآن والسنَّة والجماعة والمنهاج عن جَهل بالدِّين وغلوٍّ فيه، فاحذروهم واحذروا فكرَهم الضّال المُضِل!:

  قال ابن عباس- رضي الله عنهما - في وصفهم: " دخلت على قوم لم أرَ قط أشدَّ منهم اجتهادًا، جباههم قرحةٌ من السجود، وأياديهم كأنها ثفن الإبل، وعليهم قمُصٌ مشمّرين، مسهمةٌ وجوههم من السهر".

 وعن جندب الأزدي قال: لما عدلنا إلى الخوارج ونحن مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فانتهينا إلى معسكرهم، فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن.

 وعن عقبة بن وساج قال: حَجَجْتُ فلقيت عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما - فقلت له: أنت من بقية أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد جعل الله عندك علماً، وأناس بهذا العراق يطعنون على أمرائهم ويشهدون عليهم بالضلالة فقال لي: "أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". نسأل الله السلامةَ والعافية !.

 فيا معشر المؤمنين: إنَّ مكافحة هذا السَّرطان الخبيث يحتاجُ أَوَّلَ ما يحتاجُ إلى نشر الوعي الشرعيِّ الصحيحِ في الأُمَّة، فإنَّهُ يعملُ باسم الإسلام والشرع، والإسلامُ والشرعُ منه بريئان..!، يحتاجُ إلى ربط الأمَّة بعلمائها الرَّبَّانيِّين الموثوق في دينهم وعلمهم وتقواهم، يحتاجُ إلى الحذر من المخطَّطات الأجنبية التي تبغي إشاعةَ الفوضى في الأوساط، وفكَّ ارتباطِ الرَّعيَّةِ بقادَتِهَا ومؤسَّساتها حتَّى تضيعَ بالفتنة والفوضى كلُّ المصالح العُليا وعلى رأسها الدِّين!

 يحتاجُ إلى امتلاك الحِسِّ الأمني عند الجميع، وتضافرِ الجهودِ وتعاوُنِهَا في تحقيق الاستقرار والنِّظام العام الذي يحفظُ الدِّين والأرواحَ والأوطان والأموال، يحتاجُ إلى الصبر والثبات والاحتساب في المواجهة، فإنَّها فتنةٌ تتحرَّكُ بعقيدةٍ عمياء سوداء، فلا بدَّ من مواجهتها بقلوبٍ مؤمنةٍ محتسِبَة، وعقيدةٍ بيضاء ناصعة لا يزيغُ عنها إلاَّ هالك: في صحيح سنن أبي داود عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سيكون في أمتي اختلافٌ وفُرْقَة، قومٌ يحسنون القيلَ ويسيئون الفِعْل يقرءون القرآنَ لا يجاوزُ تراقيَهم.. طوبى لمن قتلهم وقتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم".

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

 الخطبة الثانية:

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.

 معشر المؤمنين: ها هو ذا شهرُ رمضان مرَّ بنا كطيفِ خَيالْ، كنَّا بالأمس نتحدّث عن استقبال هذا الشهر العظيم، والموسم الجليل الكريم، وأنذرنا أنفسنا قُرب انصرافه ورحيله، وها نحن اليوم نشهدُ الرحيل والوداع، والعمرُ كذلك، وقصَّةُ الحياة كذلك، وما يتذكَّر إلا أولو الألباب، قال الله جلّ جلالُه: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَا كَانُوا يُوعَدُون * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَا كَانُوا يُمَتَّعُون) [الشعراء: 205-207].

 تالله أشهَد: رمضان كنتَ موسِمًا للرحمة والمغفرة والعتق من النار؛ ليلكَ معمور، ونهارك مبرور، كم من جُهودٌ بُذِلت، وأجسادٍ تعِبت، وقُلوبٍ وجِلت، وأَكُفٍّ رُفِعت، ودُموعٍ ذُرِفَت، وعبرَاتٍ سُكِبت..، يا الله.. !؛ ما أجملها من ذكريات، وما أرَقّها من صفحات، لو كانت في جميعِ الأحوال والأوقات!، نسأل الله الثبات على الحق حتى الممات!

 فيا معشر المؤمنين:

 ليس من أعطى واتقى كمن بَخِلَ واستغنى، وليس من صدَّقَ وآمن كمن كذَّبَ وتولى، حاشَا وكلاَّ !. إِيْ واللهْ؛ لقد تعبتم في مرضاة ربكم، فهنيئاً لكم أياماً صُمْتُمُوهَا، ولَيَالِي قُمْتُمُوهَا، وآيات تلوتُمُوهَا، وأموالاً أنفقتُمُوها، وأذكارًا ردّدْتُمُوها، وطاعَاتٍ بذلتُمُوهَا !

 لن تضيع -ورب السماء والأرض- سُدَى، ما كان الله ليضيع إيمانكم، فإن ربكم مجازيكم عليها تكفيراً لسيئاتكم ورفعة لدرجاتكم وزيادة في أجوركم، قال الله -جلّ جلالُه-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [التوبة: 120].

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.

 لا تنسَوا - معشر المؤمنين - وأنتم تعيشُون العيدَ أن تعيشُوهُ بروحِ الجسدِ الواحد:

 إنّها قضيّة إخواننا في العراق وسوريا وفلسطين، وفي كل مكان يُضطهدُ فيه المؤمنون ويُستضعَفُون، أحداثٌ جِسَام، ومراراتٌ في القلوب، ولوعاتٌ في الضمير لا نملك معها إلا الحوقلةَ، واستقطارَ الدموع، والاستعاذةَ بالله تعالى ممّن لا يرقب في المؤمنين إلاًّ ولا ذمة !.

إخواننا في العراق وسوريا وفلسطين وفي كل مكان في العالم: إننا اليومَ في يومِ عيدٍ تتقاضانا العادةُ أن نفرح ونبتهج ونتبادل التهاني، وأن نطَّرحَ الهمومَ والأحزان، وتتقاضانا حقوقُكم أن نحزن لمِحْنَتِكُم ونغْتَم، ونُعْنَى بقضِيَّتِكُم ونَهْتَم، فواللهِ إنَّ لكم بين الجنبين ألمٌ يتنزَّى، وفي الجوانح عليكم نارٌ تلظَّى، في القلب عليكم توجُّعٌ وتفجُّع، في الفؤاد آهاتٌ وزفرات، لكم في كل جزءٍ منَّا جراحاتٌ بالدَّم تثْعَب، ولكن ماذا عسانا نفعل؟!  لكمُ اللهُ تعالى العزيز الذي لا يُرَام، والجبَّارُ الذي لا يُضَام، والقيُّومُ الذي لا يَنَام!!

 والله أيها الأحباب: إن مع العُسرِ يُسرًا، إنَّ مع العُسر يُسرًا، وإنَّ مع اليُسر نصرًا، طُوبَى لكم ثم طُوبَى لكم، ستبرُقُ بين بيارِقِكم بوعدِ الله بوارِقُ الفجر، وتباشيرُ النصر، وسَيُسَطِّرُ التأريخُ بمِداد البُطُولةِ ملحَمَة العِزَّة والفخر؛ فالبغيُ مهما زمجَرَ فإلى تتبيرٍ وزَوالٍ، كيف لا وربنا سبحانه يقول: (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم 47]، ويقول سبحانه: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين) [يوسف 110].

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

معشر المؤمنين: اجعلوا عيدكم هذا وقفةً لمحاسبة ومراجعة الذَّاتِ والعلاقات، فأيُّ عيدٍ لمن عقَّ أمَّهُ وأباه، وأيُّ عيدٍ لمن عادَى أُختَهُ وأخاه، وأيُّ عيدٍ لمن يقضي اليومَ كاملاً بين جُدرانِ قلبِهِ الحقُودِ الذي يرفضُ الصَّفحَ والعَود، فقد ثبتَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه أنه قال: "لا يدخل الجنة قاطع رحم".

اجعل-أخي المسلم- عيدَكَ هذا منعطَفًا في حياتكَ الاجتماعية، بإصلاحِ ما فسد، ولو بالدَّوسِ على النَّفس، فإنَّ الفُرصةَ مناسبةٌ مواتية.. وإنَّ الواصل الحقيقي هو الذي لا يقابل الإساءة والقطع بمثله؛ وإنما يتفضل على الناس بالإحسان، وإن هم أساءوا إليه بكل أنواع الإساءة..

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

 أيها الأخ المسلم: يا من نزلت ضيفًا على بيتِ الله تعالى في شهر رمضان، يا من عوَّدت جوارحك الطاعة والاستقامة في رمضان، يا من عوَّدت اللسان ذكر الرحمن، يا من عوَّدت البصر النَّظر في القرآن، يا من عوَّدت سمعكَ طيبَ الكلام، يا من عوَّدت رجلكَ الانتقال إلى بيتِ الرحمن.. اتَّقِ اللهَ تعالى الذي أكرمكَ في جملةِ من أكرم في هذا الشهر العظيم، إيَّاكَ أن تنتكسَ بعد رمضان، وإياك أن تتركَ الصلاة بعد خروج رمضان.. فإنَّهُ الإفلاسُ بعد الغنى، والخرابُ بعد البنَاء، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله". وقال –صلى الله عليه وسلم-:"إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"رواه مسلم.

فإيَّاكَ أن تنتكسَ بعد رمضان، وإياك أن تتركَ الصلاة بعد خروج رمضان..!

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

 أعاد الله علينا من بركة هذا العيد وأحواله، وأعاذنا من سطوة يوم الوعيد وأهواله. إنه نعم المولى ونعم المجيب. اللهم تقبل صلاتنا وصيامنا وقيامنا، اللهم اغفر لنا وارحمنا، اللهم انصرنا بفضلك ومنك يا أرحم الراحمين. اللهم أعد علينا رمضان بالبر والإيمان، ووفقنا لمتابعة الإحسان، ويسر لنا طريق الهداية والإيمان.

 معشر المؤمنين: تقبل الله مني ومنكم، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.