البحث

عبارات مقترحة:

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

تفاوت آثار الأعمال بتفاوت الأحوال

العربية

المؤلف عبدالله بن حسن القعود
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. تفاضل الأعمال الصالحة .
  2. الترغيب في الصالحات عند الأزمات .
  3. تضاعف الأجر حال الفتن .
  4. وصايا بالثبات عند الفتن   .
  5. عظم وزر الأعمال السيئة بتفاوت أحوالها .
اهداف الخطبة
  1. بيان تفاوت أجر الأعمال الصالحة بحسب الأحوال
  2. بيان تضاعف وزر الأعمال الصالحة بحسب الأحوال
  3. الترغيب في العمل الصالح زمن الفتن

اقتباس

إن الشريعة الغراء كما جاءت متضمنة بيان مضاعفة أجور الأعمال الصالحة باعتبار أزمانها أو أمكنتها أو أحوالها أو أحوال من تصدر منهم؛ فقد تضمنت أن الأعمال السيئة يعظم إثمها ويشتد خطرها وأثرها باعتبار أزمنتها أو أمكنتها أو أحوالها أو أحوال من تصدّر منهم...

 الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. إله الأولين والآخرين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين -صلى الله وسلم وبارك عليه- وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

 أيها الأخوة المؤمنون: إن الله –سبحانه وتعالى- خلقنا لعبادته ووعدنا على تحقيقها عزَّ الدنيا ونعيم الآخرة. وعدنا وأخبرنا -نحن المؤمنين- أن قيامنا وتؤهلنا للإمامة في الدنيا وللمنازل العالية في الآخرة يتفاوت بتفاوت مقاصدنا وأحوالنا، وأحوال وأحجام الأعمال التي تصدر منا. وأنه كلما كان العمل ذا نفع متعد وشمول واستمرار كان جزاؤه أكبر وأكثر وأعظم من أي جزاء عمل آخر أقل منه كلفة ومشقة، وذلك مقتضى الحكمة والعدل الرباني.

فليس من ينفق في المساغب إذا بخل الناس، ويصوم الهواجر إذا أفطر الناس، ويغض النواظر إذا أطلقها الناس، ويقول كلمة الحق إذا سكت عنها الناس؛ ليس من يعمل ذلك مع وجود البديل من المال أو الظهير والنصير من القوم، كمن يعمله حين فقد البديل وقلة النصير، وإن كان في كل خير لا لا، يقول -سبحانه وتعالى-: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) [الحديد:10].

وإن المتتابع لنصوص الشريعة الغراء قرآناً وسنة يجد أنها رغّبت أهلها في الأعمال الصالحة، ودعتهم إليها بوجه عام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77] وبوجه خاص عند الأزمات والشدائد، شدائد زمان بحره وقره، أو مكان يضيق صدور أهله، أو مال على حين حبه، أو سلطان على حين تسلط منه لا حول ولا قوة إلا بالله مبينة بأن الأعمال الصالحة كما تفضل باعتبار الزمان أو المكان أو حال من تصدر منه فإنه يعظم أجرها ويتضاعف ثوابها، ويبقى ذكرها ونفعها إذا عملت في شدائد بأساء أو ضراء.

ومعلوم أنه كلما عظم الثمن عظم المثمن، فالشهيد مثلاً قدم حياته الدنيوية فعوض بحياة أخروية أفضل وأكرم وأنعم وأدوم بقوله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران:169] ويقول: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر:9] ويقول: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد:11-16].

ويقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت الناس بالشهوات" متفق عليه. ويقول -عليه الصلاة والسلام- لما سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: "كلمة حق عند سلطان جائر" رواه أحمد. ويقول-عليه الصلاة والسلام-: "ثلاثة يحبهم الله" ذكر اثنين منهم. ثم قال: "والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا، ثم هجعوا فقام من السحر من ضراء وسراء" قال المنذري: رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.

وقال-عليه الصلاة والسلام-: "إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيها كالقبض على الجمر للعامل فيها مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله". قالوا: يا رسول الله منا أو منهم؟ قال: "بل منكم" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس". وقال-عليه الصلاة والسلام-: "سبق درهم مائة ألف درهم"  قال رجل: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "رجل له مال كثير أخذ منه عرضه مائة ألف درهم تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به" رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له.

أيها الأخوة المؤمنون -الذين حبب الله إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان- اتقوا الله أولاً: بالثبات على ما أكرمكم به مهما كانت الأحوال أو قست الظروف، فكلما اشتد الأمر عظم الأجر.

واتقوا الله ثانياً: بمواصلة العمل الصالح ومضاعفة الجهد، ولا سيما عندما تشتد الأمور أيّ أمور، وتضيق المسالك أيّ مسالك، وينتفش باطل ما أيّ باطل؛ تضاعف عند الله أجوركم وتعلوا قيمكم ومنازلكم، ونعم المضاعف -سبحانه- ونعم المقيم ونعم المنزل. (رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) [الكهف: 10]، (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) [التحريم: 11]، (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) [المؤمنون: 29]. وسبحانك وبحمدك ونستغفرك ونتوب إليك.

أيها الأخوة المؤمنون: إن الشريعة الغراء كما جاءت متضمنة بيان مضاعفة أجور الأعمال الصالحة باعتبار أزمانها أو أمكنتها أو أحوالها أو أحوال من تصدر منهم؛ فقد تضمنت أن الأعمال السيئة يعظم إثمها ويشتد خطرها وأثرها باعتبار أزمنتها أو أمكنتها أو أحوالها أو أحوال من تصدّر منهم.

يقول -سبحانه وتعالى-: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [البقرة:217] الآية. ويقول: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [الأحزاب: 30].

ويقول رسوله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل, ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك, ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها وفي وإن لم يعطه لم يف" متفق عليه.

ويقول-صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان, وملك كذاب, وعائل مستكبر" رواه مسلم. يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" قلت: إن ذلك لعظيم. ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزني بحليلة جارك" متفق عليه.

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم, ما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله, فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من حسناته ما يشاء حتى يرضى" ثم التفت إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "فما ظنكم" رواه مسلم.

فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا الآثام ما كبر منها وما صغر وما بطن وما ظهر. ليتق الله الآباء والعلماء والقادة والوجهاء، ليتقوا الله، فإن سوء أحدهم أشد وأنكى وأضر على الناس من أي سوء آخر يصدر ممن دونهم.

هدانا الله وإياهم صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم.